محمد حليم بركات يكتب : إسجنوا السيسي
في حوار السيسي الأول والأخير على حد علمي جاءت إجابات غير واضحة وبعضها كاشفة عن أسئلة مصيرية توضح شخصيته الغامضة ونواياه في حكم مصر وبعض من آليات التنفيذ خلال فترة حكمه، ووجب علي التعقيب على ما ظهر من سماته الشخصية وبعض الإجابات التي تبين ما هي قناعات الرجل .. وهذا بعد ما ورد في مقالي أمس «إنتبه .. السيسي يكذب» وتعقيبي على بعض النقاط التي تحدث عنها السيسي واضطر فيها أن يكذب معتمداً على نسيان الشعب المصري، وهي أشياء تخص الماضي القريب والذي كنت وغيري شهود على وقائع كثيرة مما حدثت خلال تلك الفترة.
في البداية أريد أن أعلق على توضيح إبراهيم عيسى عن سبب تسجيل اللقاء وعدم إذاعته على الهواء.
يقول عيسى أن سبب تسجيل الحوار الذي أجري في إحدى إستوديوهات القوات المسلحة والذي خرج في ثلاث ساعات ونصف الساعة .. لأنه كان لديه خمسة وثمانون سؤالاً ولا نعلم ما هي المساحة التي سوف تستهلكها الإجابات من الوقت، كما كان يخشى إنقطاع الكهرباء الذي من الممكن أن يحدث في أي وقت.
إبراهيم عيسى يعلم جيداً أن هذا مبرر غير منطقي وغير مقبول على الإطلاق عند من يعملون في المهنة .. خاصة أنه ولميس الحديدي ليسوا هواه في المهنة ولديهم من الخبرات والمهارات ما يمكنهم من إدارة الحوارات بحرفية شديدة .. وإن لم يكن سبب التسجيل هو أن السيسي يخشى من الحوار الأول له يكون على الهواء وليس له خبرة في هذا .. فهو يخشى من تصريحات من الممكن أن يستدرج إليها خلال النقاش.
بعد هروب السيسي من الإجابات عن الأسئلة التي جاءت في لقائه بالإعلاميين قبل أيام .. كان يعلم أنه لن يستطيع أن يفعلها كثيراً في ذلك الحوار الثنائي .. فكان يجب أن يجيب حتى وإن كانت إجابات غير منطقية أو غير حاسمة .. مما أدى إلى سقوطة فريسة سهلة للمتربصين به.
ما لفت إنتباهي بعد أن شاهدت اللقاء لثلاثة مرات متعاقبة .. فضلاً عن أنه بدأ الحديث بإصراره على فرض أبوته على المصريين وتحذيره المستمر بأنه قادم ليربي الشعب من جديد .. لم أستمع لكلمة «ديمقراطية» على الإطلاق طيلة الحوار وهو أمر لم يحدث في أي حوار لمرشح رئاسي في العالم .. وهذا يوضح كيف لا يرى عبد الفتاح السيسي المستقبل الذي نريده.
لماذا أخترت الترشح بالزي العسكري وهل سوف تستعين بالجيش في الحكم .. وهل هذا يعني أن العسكر سيدير الحكم؟
ثلاثة أسئلة متعاقبة وجهت إليه وكان رده .. رشحت نفسي بالزي العسكري كي أشكر الجيش، والجيش لم يكون في الحكم طوال الثلاثون عاماً الماضية .. ولن أسمح لك بأن تقول كلمة عسكر مرة أخرى.
لا أعلم عن ماذا يريد أن يشكر السيسي الجيش، وإذا قرر شكره فما علاقة هذا بارتداء الزي العسكري في هذه اللحظة التي يعلن من خلالها ترشحه لمنصب مدني خاصة وأن معظم التخوفات كانت بسبب أنه قادم من العسكرية مباشرة إلى المدنية دون سابقة عمل في الحياة المدنية .. كما أنه ظل يشكر الجيش طوال الأشهر السابقة للترشح .. هذا التصرف في الحقيقة كان يريد به التأكيد على أنه مرشح الجيش كنوع من التحدي وإعلان فوز الدولة في محركتها مع الثورة .. وبخصوص تهديده للمذيع الأشهر في مصر، فهذه رسالة واضحة بأنه ليس بصدد تقبل أي نوع من المعارضة في فترة حكمه مهما بلغ إسم المعارض وشأنه.
حال فوزي بالمنصب سيعد بمثابة إنهاء لوجود جماعة الإخوان المسلمين في مصر .. هكذا قالها السيسي صريحة.
لا أعلم عن أي نوع من الإنهاء يقصد، هل إنهاء بدني أم إنهاء عقدي أم إنهاء سياسي، فإذا كان يقصد الإنهاء البدني كيف سيحدث هذا هل بإبادة جماعية أم بإستكمال نهج الحبس الجماعي على زمة قضايا وهمية وهو ما يخالف الدستور والقانون وهو سبباً رئيسياً لتدهور الحالة الأمنية في مصر الأن .. وإن كان عقدي فكيف يستطيع محو الفكر من عفول البشر .. وإن كان إنهاء سياسي فهذا قد تم بالفعل خلال العام الماضي خاصة في ظل الرفض الشعبي لهم.
التظاهر هيوقع مصر .. والأمر في مصر لن يستقيم بحالة الفوضى بالشكل اللي كانت موجودة فيه، وقانون التظاهر أحد أدوات ضبطه، وهو آلية قانونية لضبط التظاهر ليست لمنع التظاهر .. وبقول من حقك أن تطلب إنك تتظاهر ويتلبى لك طلبك .. ولم يرفض لأحد طلبه لكن البلد تقع مش هنسمح أبداً .. هكذا أجاب السيسي مفتعلاً الإنفعال عندما سؤل عن قانون التظاهر.
يبدو أن السيسي الذي يغني مثل غيره عن أن التظاهر سوف يسقط بمصر، ينسى أن التظاهر أوقع من حاولوا أن يوقعوا مصر في المهالك ومن ثم كان السبب في أنه يتحدث الأن، وبدا أن إصرار الحكومة قانون التظاهر كان بأمر مباشر من السيسي وبدا أيضاً أن السيسي لا يمكن أن يغير عقيدته العسكرية التي يتعامل بها في كل شيء .. كما أن صوته العالي جعل عيسى ينسى أن هناك أكثر من خمسون تصريحاً للتظاهر أوقفتهم الداخلية وهم الأن أمام قاضي الأمور المستعجلة.
الملك عبد الله كبير العرب .. قالها السيسي وهو يتحدث عمن قدموا الدعم إلى مصر والذي يقدر على حد قوله بأكثر من عشرون مليار دولار ومازال ينتظر منهم أكثر في الفترة المقبلة عندما يصبح رئيساً وهذا هو الإعتماد الأول لبرنامجه الإنتخابي.
من الممكن تقبل فكرة أن الملك عبد الله كبير الحكام العرب وليس العرب وهذا بحكم السن فقط، حيث قد بلغ التسعون عاماً، أما كبير العرب فهو يجب أن يكون حاكم مصر بحكم أن مصر أكبر دولة في الوطن العربي في تعداد العرب وأقدم دولة على مستوى العالم فيجب أن يتعامل العرب مع مصر بهذا الفرض، فضلاً عن أنها هي الحامية الأولى للعرب وهذا ما بات واضحاً في الحروب التي خاضتها من أجلهم .. إلا إذا كان الكبير في هذا الزمن بما يمتلك من أموال فهذا أمر أخر، أما إذا كنت تستعطف الملك عبد الله من أجل الأموال التي تنتظرها منه فهذا يسمى شيء أخر تعلمه جيداً.
القوات المسلحة تقوم بتشغيل مليون عامل من القطاع الخاص .. هكذا يقول السيسي وأنا أعلم هذا جيداً، نعم حيث تقوم القوات المسلحة بالإستيلاء على المشاريع الحكومية الخاصة بالمقاولات والطرق بالأمر المباشر حتى أصبحت تحتكرها تماماً، ثم تبدأ ببيعها للشركات الخاصة وفرق الأسعار يدخل في خزينة الجيش وأخر هذه المشاريع هو طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، وهذا ما يقول عنه السيسي أن القوات المسلحة تساعد القطاع الخاص.
المرحلة القادمة لا تتحمل التجربة، نريد أصحاب الخبرة والكفاءات .. هكذا يتحدث السيسي عمن سيعتمد عليهم في المستقبل القريب، وهذا يعني أنه بالقطع سوف يعتمد على السابقون في كل شيء سواء سابقون في الوزارات أو سابقون في الجيش.
هل ستراقب لجنة الأمن القومي في البرلمان الجيش وميزانيته .. هكذا سأل عيسى فما كان من السيسي سوي الصمت للحظات ثم قال .. الجيش مؤسسة عظيمة لا يمكن أن تتخيلها.
يبدوا أن السيسي هو من لا يتخيل جيداً، فالجيش عبارة عن أشخاص وليسوا ملائكة، كما أن أمواله هي في الأصل أموالنا وبمنطق أن المال المتروك من غير مراقبة يؤدي إلى السرقة، فهذا حقنا، ولماذا لا يريد أن نراقبه كي نتعلم منه ويكون قدوه لباقي مؤسسات الدولة .. ثم بأي وجه حق تدافع عن شيء لا يخصك الأن فهذا أمر يخص الشعب ونوابه.
لن يكون لي حزب سياسي يكفيني الغطاء الشعبي .. هكذا قالها السيسي صريحة، متناسياً أو جاهلاً نظام الحكم الجديد الذي من خلاله سوف يكون البرلمان هو صاحب الكلمة العليا في اختيار الحكومة وأن التعامل مع التشريعات التي سوف يحتاجها رئيس الجمهورية لتنفيذ برنامجه سوف تطرح من كتلة في البرلمان ويصوت عليها من خلال كتلة أكبر من النصف وهذا لن يستوي سوى أن يكون للرئيس كتلة كبيرة لن يجمعها إلى من خلال حزب سياسي.
الدعم يجب أن يتوقف على مراحل .. هكذا يقول السيسي ويبوح عن نواياه في إلغاء الدعم عن الجميع، هل يعلم السيسي أن الفقراء الذين سمعوه في تلك اللحظة إنزعجوا وربما ارتعشوا وهم يُبشرون بمستقبل مظلم يتجهون إليه، وعندما قال من أين أعطيكم هل تريدون أن تأكلوا مصر، وكأنما يتحملون هم فاتورة النهب والجشع والفساد الذي جعل في مصر أغنياء مصنفون عالمياً وبدلاً من أن يأخذ منهم ويعطي الفقراء حقوقهم التي سلبت منهم، وبدلاً من الحديث عن عدم دعم الأغنياء والمستثمرين، طلب من الفقراء أن يوفروا رغيف خبز من كل فرد .. هنا شعر الفقراء بأنه قادم للإنتقام منهم لأنهم ظلوا عبء على الدولة طيلة الأعوام الماضية .. هل هذا ما تعلمته من عبد الناصر التي تُشبه نفسك به .. أم أن هذه هي تربية مبارك الذي ترعرعت في نظامه!
يبدوا أن عبد الفتاح السيسي رجل المخابرات الذي لا يجيد سوى العمل في الخفاء دون أعين الناس ولا يتحسس الكلمات المرجوه منه، قد أعطى فرصة كبيرة لحمدين صباحي منافسه الوحيد والذي يحترف الكلام والخطابات والأحاديث الإعلامية .. بأن يقول له «نشكركم على حسن تعاونكم معنا».. وعلى حملته إذا أرادوا حقاً أن يحافظوا على محبيه ويفوز بفارق كبير في الإنتخابات أن يعزلوا السيسي عن الأحاديث حفاظاً على سمعته المزيفة.
http://yanair.net/archives/49555