عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 25-04-2014, 08:49 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وعلى هذا فكان اشتراكه صلى الله عليه وسلم في ذلك الحلف أمرًا ذا أهمية كبيرة لأنّ ردّ المظالم إلى أهلها أمر هام وقد جاء به الإسلام فيما بعد ولهذا أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك الحلف بعد البعثة، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدعان حلفًا ما أحب لي به حمر النعم ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت"[76].
ومن الأعمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه قبل البعثة، حرب الفِجار التي وقعت وعمره صلى الله عليه وسلم عشرون سنة كما ذكر ابن إسحاق صاحب السيرة[77].
وسبب ذلك الحرب [78] كما ذكر ابن هشام في سيرته أنّ عروة الرحال بن عتبة من هوازن أجار لطيمة [79] للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس أحد بني ضمرة: أتجيرها في كنانة؟ قال: نعم وعلى الخلق فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض لطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض ف***ه في الشهر الحرام فلذلك سمي حرب الفجار[80].
وكانت دوره صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب أن يرد على أعمامه نبل عدوهم إذا رموهم بها؛ لأنّه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كنت أنبل على أعمامي"[81].
وفي اشتراكه صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب ما يبرره وهو أنّ القتال لم يكن جائزًا في الأشهر الحرم زمن الجاهلية حتى أنّهم إذا أرادوا القتال في الأشهر الحرم أخّروها إلى شهر آخر لكي يستحلوا فيها القتال كما بينها الله سبحانه وتعالى في القرآن معيبًا عليهم: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة:37].
وعلى هذا فما دامت تلك الحرب دفاعًا عن انتهاك حرمة الأشهر الحرم فلا بأس في اشتراكه صلى الله عليه وسلم فيها.
وقد أقر الله ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36].
ومن الأعمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه قبل البعثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة حين بناء قريش لها بعد ما اختلفت بطونها في ذلك حيث كانت كل قبيلة تريد أن تنفرد بمزية وضع الحجر الأسود في مكانه وكادوا أن يقتتلوا لولا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه فيهم حكمًا يرضى كل الأطراف المتنازعة على ذلك.
عن عبد الله بن السائب قال: كنت فيمن بنى البيت وأخذت حجرًا فسويته ووضعته إلى جنب البيت.. وأن قريشًا اختلفوا في الحجر حيث أرادوا أن يضعوه حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف فقال: اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين، فقالوا: يا محمد قد رضينا بك فدعا بثوب فبسطه ووضع الحجر فيه ثم قال لهذا البطن، ولهذا البطن، غير أنّه سمى بطونًا: "ليأخذ كل بطن منكم بناحية من الثوب" ففعلوا ثم رفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه بيده[82].
واشتراكه صلى الله عليه وسلم في هذا العمل يظهر مدى فطانته ورجاحة عقله حيث حل المشكلة بسهولة ويسر بعدما كادت أن تؤدي إلى إسالة الدماء والحرب كما أنّه يدل على مكانته صلى الله عليه وسلم عند قومه بحيث إنّهم رضوا بحكمه دون تردد.
هذه هي أهم الأعمال التي وردت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اشترك فيها قبل البعثة مع قومه، وكلها كما ذكرت سابقًا من أعالي الأمور ومن مكارم الأخلاق التي من شأنها أن ترفع مكانته وشأنه وبخاصة إذا علم أن بيئته قد عم فيها الفساد وانتشرت فيها الرذائل التي عصمه الله سبحانه وتعالى منها وأبعده عنها لينشأ خاليًا من الدنايا والشوائب.

__________________
رد مع اقتباس