عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 25-04-2014, 08:44 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فلقد كان عليه الصلاة والسلام في صباه يشتغل برعاية الغنم كما هو سنة الأنبياء، لأنّه ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط، وهو عليه الصلاة والسلام القائل: "ما بعث الله نبيًا إلا ورعى الغنم"، فقال له أصحابه رضي الله عنهم: وأنت؟ فقال:، "نعم كنت أرعاها على قراريط [61] لأهل مكة" [62]. وهذا الحديث إنّما يدل على أنّه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على نفسه في فترة مبكرة من عمره.
وبجانب رعايته للغنم كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام مع عمّه أبي طالب للتجارة.
أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: (خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلمّا أشرفوا على الراهب هبط فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب...) [63].
هذا ما ورد في فترة صباه، وأمّا بعد بلوغه، فقد ورد أيضًا أنّه كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام للتجارة بأموال خديجة رضي الله عنها قبل اقترانه بها.
يقول ابن إسحاق: (وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء وتجعله لهم وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام[64].
فقام صلى الله عليه وسلم بواجبه في التجارة خير قيام حتى كانت سببًا في زواجه إياها إثر رجوعه من ذلك السفر بعدما عرضت نفسها عليه بناء على ما رأته فيه من صدق وأمانة، وما سمعته من ميسرة في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم من خير طوال مرافقته له في تلك الرحلة الميمونة.
يقول ابن كثير في السيرة: (فلمّا أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون: يا ابن عم إنّي قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت نفسها عليه، فلمّا قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره لأعمامه فخرج معه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها عليه الصلاة والسلام[65]. وبعد اقترانه صلى الله عليه وسلم بخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها استغنى بمالها عن الكسب والضرب في الأرض لأنّه لم يرد في كتب السيرة أنّه زاول نشاطًا اقتصاديًا بعد ذلك بل ورد أنّه كان يذهب إلى غار حراء ليتعبد فيه فترة يرجع بعدها إلى خديجة ليتزود بمثلها حتى جاءه الملك بأول آيات من القرآن وهي صدر العلق من قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] إلى قوله تعالى: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5].
عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: (أول ما بدئ رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك [66] فقال: إقرأ.. إلى قوله: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5].
وهذه هي المراحل التي مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وقد أشار القرآن الكريم إليها في آيات من سورة الضحى وهي قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:68].
قال قتادة في هذه الآيات: (كانت هذه هي منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل)[67].
وقد ذكر أكثر المفسرين هذه المراحل التي مرّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم عند تفسيرهم هذه الآيات من سورة الضحى إلاّ أنهم يذكرون في كل مرحلة عدة أقوال محتملة ومعان متقاربة لا يتسع لذكرها هذا المقام لأن القصد هنا ليس ذكر أقوال المفسرين قاطبة وإنّما ذكر ما يشير إلى هذه المراحل.
وقد لخّص الشهيد سيد قطب معنى هذه الآيات فيقول: (لقد ولدت يتيمًا فآواك إليه وعطف عليك القلوب.. ولقد كنت فقيرًا فأغنى الله نفسك بالقناعة كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك خديجة رضي الله عنها عن أن تحس الفقر أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء. ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد منحرفة السلوك والأوضاع فلم تطمئن روحك إليها ولكنّك لم تكن تجد لك طريقًا واضحًا مطمئنًا لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرّفوا وبدّلوا وانحرفوا وتاهوا ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك وبالمنهج الذي يصلك به)[68].

__________________
رد مع اقتباس