
22-02-2014, 04:04 AM
|
 |
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
|
|
ومع شدة الهجمة على الإسلام والمسلمين وتكرارها وتنوعها من قبل أعدائه من يهود ونصارى ومنافقين وعلمانيين ورويبضات الزمان وأنصاف الرجال ووصفهم لهذا الدين بال*** والشدة والإرهاب وإقصاء الآخر ومصادرة الحقوق أصبح كثير من المسلمين بسبب جهلهم بدينهم يتبنون هذه الأطروحات، والبعض الآخر يدافع عن الدين دفاع المتهم الذي يشعر بضعف حجته وأدلته ويحاول التبرير واختلاق الأعذار الواهية، وهناك طرف آخر من المسلمين أخذته العاطفة والحب لهذا الدين مع سوء فهم وتفسير مغلوط لأحكامه وتشريعاته إلى أن يتبنى ال*** والشدة وسفك الدماء وإزهاق الأرواح، ولم يفرق بين مسلم ومعاهد وذمي، ولا بين المصالح والمفاسد، ظناً منهم أن هذه الطريق هي طريق الخلاص وبها ينصر الدين ويعز الإسلام وأهله، فكان من نتائج سوء الفهم سفك الدماء وذهاب الأمن وانتشار الظلم وتشويه الصورة الناصعة لهذا الدين عند الآخرين وتعرض أبناء المسلمين للمطاردة والملاحقة والإيذاء، واسُتغل هذا الوضع للكيد للإسلام والمسلمين ومحاربة قيمه وتشويه تشريعاته وتحذير العالم وتخويف الناس منه.. نعم إن الإسلام يبني في المسلم العزة والقوة والإرادة، ولا يقبل منه الضعف والخور والاستكانة، لأنه يحمل دين الله وهو خليفة الله في أرضه.. ولكن هذه القوة والعزلة ليس فيها ظلم لأحد مهما كان دينه أو عقيدته أو بلاده طالماً أنه لم يعتدي على مسلم أو شارك في قتاله أو كان سبب في ظلمه وانتقاص حقه قال - تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).. وهذه هي سماحة الإسلام مع الآخرين من الأديان والممل والمذاهب الأخرى تظهر في جميع تشريعاته وأحكامه ففي جانب العقيدة ترك الإسلام الحرية للإنسان بأن يختار دينه وأن لا يكره عليه قال - تعالى -: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256) وعاش اليهود والنصارى والمجوس في ظل دولة الإسلام قرون من الزمان ولم يكرهوا على هذا الدين ولم تقام لهم محاكم التفتيش ولا الإبادة الجماعية كما حدث للمسلمين في أسبانيا وألبانيا والبوسنة والهرسك والإتحاد السوفيتي سابقاً و*** المسلم بالهوية ومن خلال اسمه وشعائر دينه، فهل بعد ذلك يكون دين الإسلام دين إرهاب وظلم وإكراه؟
لقد حرم الإسلام وأغلظ في العقوبة على أبنائه وأتباعه إذا بدر منهم ظلم أو تعدى على أي إنسان دخل بلاد المسلمين من غيرهم فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)).. وانظروا إلى هذا السلوك الحي المفسر لأخلاق الإسلام وسماحته.. جاء في صفة الصفوة أن عمير بن سعد والي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على حمص قدم المدينة يريد من أمير المؤمنين أن يقيله من منصبه، فلما سأله عمر عن السبب، قال عمير: إن ذلك شيء لا أعمله لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصراني: أخزاك الله، فهذا ما عرضتني له يا عمر، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك، لقد عظم على عمير قوله لرجل من غير المسلمين: أخزاك الله، وهو دعاء، وما ذكر خطأ اقترفه في ولايته على حمص أعظم من هذا، وفي ذلك دليل على أن هذا الدين ما جاء إلا بالرحمة والهداية وإنقاذ البشر من الضلال إلى الهدى ومن ظلمات الكفر إلى نور الطاعة، ولا عجب فمن مدرسة النبوة تخرج هذا الصحابي وغيره... إنها سماحة الإسلام التي تأمر بالعدل والإحسان حتى مع غير المسلمين من أجناس الأرض، قال - تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].. بل لقد مر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- بباب قوم وعليه سائل يسأل: " شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم" (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.. وعندما أمر عمر بن عبد العزيز - رحمه الله- مناديه ينادى: " ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، قام إليه رجل ذمي من أهل حمص فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله قال: وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس ما تقول؟ قال: نعم أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله - تعالى-، فقال عمر: نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد قم فاردد عليه ضيعته فردها عليه"... وهذا مُجاهدٍ يقول أنَّه *** شاةً لعبدَ اللهِ بنَ عمرو في أهلهِ فلمَّا جاءَ قال أهديتُمْ لجارنَا اليهوديِّ؟ أهديتُمْ لجارنا اليهوديِّ؟ سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ما زالَ جبريلُ يُوصِيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنَّهُ سيورِّثُهُ)) (رواه الترمذي وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ). بل لم ينه الإسلام الذين آثروا الشرائع الأخرى عن الاحتكام إلى ما بأيديهم من الكتب، بل أمرهم بتحكيمها: ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه) (المائدة: 47)، ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) (المائدة 43).. وإذا كانت الدهشة تملك قلوب أهل هذا العصر الحاضر وعقولهم من هذا السخاء في المساواة والعدل والإنصاف الذي أعطاه الإسلام ودولته "للآخر الديني" قبل أربعة عشر قرنا، فإن هذه الدهشة دهشة الذين لا يعرفون حقيقة الإسلام ستزداد وتتعاظم عندما يعلمون وتعلم الدنيا أن الإسلام لم يطلب من هذا "الآخر الديني" مقابل كل هذا السخاء في "الحقوق" سوى "واجب واحد" هو أن يكون هذا "الآخر" لبنة في جدار الأمن الوطني والحضاري للدولة الإسلامية، وأن يكون ولاؤه كاملا للدولة والوطن، وانتماؤه خالصا للأمة، التي هو جزء أصيل فيها، وألا يكون ثغرة اختراق لحساب أي من الأعداء.
|