عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 06-12-2013, 01:36 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

تنبيه:
لا يرد في الذهن أن سلامة الصحابة من الفرقة تعارض بما وقع بين الصحابة يوم الجمل وصفين، بل إن ما وقع يشهد لهم رضي الله عنهم بسلامتهم من الفرقة، وحرصهم رضي الله عنهم على إقامة الحق، واجتهادهم في ذلك.
فأما ما حدث في وقعة الجمل ومسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، والزبير ابن العوام وطلحة إلى البصرة إنما كان غرضهم في ذلك أمرين:
1- الصلح ولم الشمل وجمع كلمة المسلمين.
2- الطلب بدم أمير المؤمنين عثمان بن عفان .
وكان قصد علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصلح أيضا .
ولبيان ذلك نذكر ما دار بين القعقاع بن عمرو رضي الله عنه حينما أرسله علي رضي الله عنه إلى طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهما وهم في البصرة، حيث أرسله علي إليهم يدعوهم إلى الألفة والجماعة، يعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين فقال: "أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس. فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت: إنما جئت للإصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك. قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن. قالا: ***ة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن. فقال: ***تما ***ته من أهل البصرة وأنتما قبل ***هم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، ***تم ستمائة رجل، فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم، وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه – يعني أن الذي تريدونه من *** عثمان مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها – وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد ***ه، فعلي أعذر في تركه الآن *** ***ة عثمان، وإنما أخر *** ***ة عثمان إلى أن يتمكن منهم، فقالت عائشة رضي الله عنها: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وإدراك الثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر كانت علامة شر وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقونا، فكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا ... فقالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء .
والتقت الطائفتان قرب البصرة وهما على ما فارقا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين وباتوا بخير ليلة، وبات ***ة عثمان بشر ليلة، لأنهم علموا أن الفريقين اصطلحوا على دمائهم، وأن في اصطلاح الناس هلاكهم، فباتوا يتشاورون، وأجمعوا على أن نجاتهم في فرقة الطائفتين، فعزموا على أن يثيروا الحرب بين الطائفتين من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل . ليس فيهم صحابي واحد، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فتهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر عليا فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللأمة وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدرا مقدورا وقامت الحرب على ساق وقدم .
يقول ابن حزم رحمه الله: "أما أم المؤمنين والزبير وطلحة رضي الله عنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي، ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من *** أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلما، ولم يكن نهوض علي إلى البصرة لقتالهم لكن موافقا لهم على ذلك ليقوي بهم، وتجتمع الكلمة على ***ة عثمان رضي الله عنه، وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف ***ة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم، فردعوا حتى خالطوا عسكر علي، فدفع أهله عن أنفسهم، وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال، فاختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه، والفسقة ***ة عثمان – لعنهم الله- لا يفترون من شب الحرب، وإضرامها فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها، ومقصدها مدافعة عن نفسها .
فالقتال وقع بقصد أهل الفتنة لا بقصد السابقين الأولين . فرضي الله عنهم وأرضاهم.
أما ما جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم في صفين، فبين ابن حزم رحمه الله هذا الأمر حينما قال: إن ما حدث كان اجتهاد في الرأي من معاوية رضي الله عنه حيث أنه رأى تقديم أخذ القود من ***ة عثمان رضي الله عنه على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان من ولد عثمان، وله في ذلك مستند ، وإنما أخطأ من تقديمه ذلك على البيعة فقط، فله أجر الاجتهاد في ذلك، ولا إثم عليه، فما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين.
وأما علي رضي الله عنه فقاتل معاوية لامتناعه عن إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهو الإمام الواجبة طاعته.
وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه، وقاتل دونه فإنه يجب على الإمام أن يقاتله، وإن كان متأولا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله، ولا بموجب له فسقا بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير، فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة إمامته، وأنه صاحب الحق وأن له أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مأجورون أجرا واحدا.
ولو أن معاوية بايع عليا لقوي به على أخذ الحق من ***ة عثمان، فصح أن الاختلاف هو الذي أضعف يد علي عن إنفاذ الحق عليهم، ولولا ذلك لأنفذ الحق عليهم كما أنفذوه على ***ة عبدالله بن خباب إذ قدر على مطالبة ***ته.
فعلي رضي الله عنه طلب حقه وقاتل عليه، وقد كان له تركه ليجمع كلمة المسلمين، ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء بعده، ومن قاتل عليه ولو أنه فلس فحقه طلب، ولا لوم عليه، بل هو مصيب في ذلك، وبالله التوفيق .
ثم ليعلم أن هذه الفتنة التي وقعت إنما هي بين بعض الصحابة رضي الله عنهم، وهم الذين اجتهدوا ورأوا أن الحق مع إحدى الطائفتين فلحق بها، أما أكثر الصحابة فاعتزلوا الفتنة.
يقول الإمام محمد بن سيرين رحمه الله: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرات الألوف، فلم يحضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين .
ويقول الشعبي رحمه الله: "بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن" .
فكان منهجهم رضي الله عنهم اعتزال الفتنة ولزوم البيت وترك القتال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والذين قعدوا عن القتال جملة أعيان الصحابة كسعد وزيد وابن عمر وأسامة ومحمد بن مسلمة، وأبي بكرة، وهم يروون النصوص من النبي صلى الله عليه وسلم في القعود عن القتال في الفتنة.
وهذا مذهب أهل الحديث وعامة أئمة السنة حتى قال الإمام أحمد: لا يختلف أصحابنا أن قعود علي عن القتال كان أفضل له لو قعد، هذا ظاهر من حاله في تلومه في القتال وتبرمه به، ومراجعة الحسن ابنه له في ذلك، وقوله له: ألم أنهك يا أبت؟ وقوله: لله در مقام قامه سعد بن مالك, وعبدالله بن عمر، إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطأه ليسير" .
وينبه الإمام النووي على أمر مهم فيقول: "قوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار)) ، معنى : تواجها ضرب كل واحد وجه صاحبه أي ذاته وجملته، وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له ويكون قتالها عصبية ونحوها ...
واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ لأنه لاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا أو لم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته منهم" .
ختاما: إن الناظر في حال الصحابة رضي الله عنهم يظهر له ويتبين سلامتهم من الفرقة، فقد كانوا على الجماعة حريصين، ومن الفرقة بعيدين، وفي موقفهم من الفرقة متحدين، لتقديمهم نصوص الوحي، ولاتباعهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسلوكهم السبيل الذي دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108].
فهم رضي الله عنهم سائرون على الصراط المستقيم الذي وصاهم به ربهم تعالى، مجانبون في ذلك سبل الضلالة، قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]
إن وحدة الموقف تنتج من وحدة المنهج، فهل تعي الأمة ذلك وتعود لتوحد مناهجها لتتحد مواقفها، وتعود لقول ربها لتلتئم وحدتها بتوحيدها لله رب العالمين قولا وعملا، وتصديقا وتسليما، ويعود كما كان البنيان المرصوص، والجسد الواحد، أسأل الله ذلك.
__________________
رد مع اقتباس