عرض مشاركة واحدة
  #295  
قديم 07-11-2013, 01:39 PM
Mr. Ali 1
ضيف
 
المشاركات: n/a
افتراضي

المسجد الأعظم بشفشاون - المغرب









كان القرن التاسع الهجري ـ الخامس عشر الميلادي ـ بالنسبة للمغرب، عصر الأحداث والآلام، وعهد التدهور والانحطاط، ففيه سقطت دولة الأندلس (الفردوس المفقود) وفيه تكالب العدو على شواطئ المغرب، واحتل أهم ثغوره كسبتة وطنجة وما أليهما، ولم يكن هناك حاكم حازم، ولا ملك رشيد، بل كانت الفوضى تضرب أطنابها في طول البلاد وعرضها، وساد الجهل وانتشر الفساد، وضعفت الهمم، واستسلم الناس للخرافات والأوهام.


في هذا الجو المضطرب، وفي هذا الظرف الحالك، قام جماعة الأشراف العلميين، بشمال المغرب، يذبون عن حوزة البلاد، ويطاردون العدو في الجبال والأوهاد، وأسسوا جبهة قوية، يحسب لها حسابها، وظلوا رافعين راية الكفاح نحو قرن كامل، وفي حدود سنة 876 هـ نزلوا بسفح جبل أشاون ـ والشاون في لغة مازيغ : قرون الجبال، واختطوا مدينة شفشاون على بعد مسيرة يوم من جبل العلم (مسقط رأسهم) بقصد تحصين المسلمين، ورد عاديات العدو، وكان من أشهرهم ذكرا، وأبعدهم صيتا الأمير أبو الحسن علي بن راشد المتوفى سنة 917 هـ الذي بنى مدينة شفشاون الحالية، وشيد قصبتها، وأوطنها بأهله وعشيرته، ونزل بها الناس فبنوا، وصارت في عداد المدن المغربية . ومن هذا الحصن المنيع كان بنو راشد يوجهون إلى العدو ضرباتهم القوية، وهجوماتهم المتوالية، وكانت لهم جولات موفقة في ميدان البطولة خلدت اسمهم إلى الأبد، قال في المرآة ص 86/187 : (ولم يزل أولاده بها بين سلم وحرب، إلى أن حاصرهم الوزير ابن القادر بن محمد الشيخ بجيوش عمه الخليفة محمد الغالب بالله وصاحب شفشاون يومئذ الأمير أبو عبد الله محمد بن راشد، فلما اشتد عليه الحصار، خرج فيمن إليه من أهله وولده وقرابته، وساروا إلى أن وصلوا ترغة (من غمارة) ومنها ركبوا البحر يوم تاسع صفر 969 هـ واستقر الأمير بالمدينة المشرفة إلى أن مات بها) وفي أيام الأمير أبي عبد الله ابن رشد هذا وحوالي منصف القرن العاشر الهجري بنى الجامع الأعظم بشفشاون، بناه الأمير في جملة ما بنى إلى جانب قصبة والده المولى علي بن راشد، وقد كثر الواردون على شفشاون،وهاجر إليها جماعات من الأندلسيين، وقد أمرهم الأمير محمد بن راشد أن ينزلوا فوق ساقية العنصر، حتى لا يضايقوا السكان الأصليين في السقي، وأسسوا حومة خاصة بهم تعرف ـ إلى اليوم ـ بريف الأندلس، وكان بالقصبة مسجد صغير، لم يعد يفي بحاجة المصلين، فأصبح الناس في حاجة إلى جامع كبير، ويقع الجامع الأعظم بجنب برج القصبة يفصل بينهما الطريق المار على ربوة عالية تتربع على وطأة الحمام (السويقة) الحومة الأولى للبلد، وتطل على المدينة من سائر جهاتها، وكانت في الأصل موضع (أندر) لرجل من بني جبارة يدعى اللحيح، والجامع يتألف من قسمين: بيت الصلاة، والصحن ويشتمل بيت الصلاة على أربع بلاطات عرضية من الجنوب إلى الشمال، يفصل فيما بينهما عقود من نصف دائرة، متجاوزة بعض الشيء (أقواس بيضية تقوم على أعمدة، وهذه البلاطات تختلف عن بعضها البعض في الطول والعرض هكذا : (1) 30 و 15 على 40 و 2 م ـ (2) 30 ، 17 على 40، 2م ـ (3) و 75 16 على 75، 2م ـ (4) 50، 15 على 50، 2م) وللجامع أربعة أبواب :

1) الباب الرئيسي : وهو إلى جهة الغرب، ويسمى باب الحمراء.

2) باب الجنائز : وهو إلى جهة الشرق، وكانت تخرج منه الجنائز بعد الصلاة عليها داخل المسجد.

3) باب الوضوء : وهو إلى جهة الشمال، ويخرج منه إلى مكان الوضوء، ويقابله من الخارج باب القصبة.

4) باب المدرسة : وهو إلى جهة الجنوب، وينفتح إلى صحن المدرسة المجاورة للجامع، وعلى يسار الباب الرئيسي للمسجد مكان الصومعة، وكانت في أول أمرها مئذنة صغيرة غير مرتفعة، وأسس الأمير أبو عبد الله ابن راشد ـ إلى جانب الجامع ـ مدرسة صغيرة تتصل مباشرة بالجدار الجنوبي منه، وتعرف عند العامة بالمدبرسة، وتذكرها بعض الوثائق الوقفية بمدرسة شفشاون، والمدرسة على شكل مربع تحيط به بيوت لسكنى الطلبة وتتألف من طابقين أعلى وأسفل، بتوسطها صحن كبير في نحو 16 على 17م.


وفي وسطه فوارة (خصة) وتتخلله بعض الأشجار ولم يبق منها الآن سوى أشجار اللرنج، وينفتح في الجدار الجنوبي للجامع ـ كما أسلفنا ـ باب إلى المدرسة، وكان هناك ممر من المقصورة إلى المدرسة، وكان بالصحن إلى جهة القبلة رواق ومحراب صيفي (العنزة) وفي الإصلاحات الأخيرة للمدرسة أزيل كل ذلك، وسد الباب الذي كان يؤدي إلى المقصورة، ودفن بصحن المدرسة إلى جهة الشمال أبو عبد الله محمد الغالي بن الشاهد العلمي، وكان من المدرسين البارزين، تولى قضاء شفشاون أيام ابن عبد الكريم الخطابي، وكتب على رخامة فوق قبره أنه توفي ليلة الأربعاء 18 صفر عام 1348 هـ وبالقرب منه ابن عمه محمد العربي العلمي.


والباب الرئيسي للمدرسة في الجدار الغربي ـ إلى جهة الجنوب، ويقابله من الخارج دار القاضي (أبو الحسن الشريف العلمي النوازلي).


ومدخل المدرسة على هيئة مرفق منحن في تخطيطه، شأنه في ذلك شأن مدخل الدور المغربية، وبجانبي المدخل محكمة القاضي، وبيت العدول، ويؤدي المدخل من الجنوب إلى الميضاة، ومراحض الطلبة.


أما الجامع فظل على صورته الأولى إلى أن ولي قضاء شفشاون أبو العباس أحمد بن الشريف العلمي سنة 1012 هـ، وقد اتسعت دائرة المدينة، وتعددت حومات البلد، فكانت هناك ـ زيادة على حومة السويقة الحومة الأولى كما سبق ـ حومة ريف الأندلس، وريف الصائبين، وحومة العنصر، وحومة السوق، والخرازين وما إليها.


وربما كان لكل حومة مسجده الخاص، ولكن الجمعة للعتيق، وقد أضحى المسجد العتيق لا يتسع للمصلين، فاستأذن القاضي أبو العباس ـ وكان إماما وخطيبا ومدرسا بالجامع ـ سلطان العصر في توسعته، ولعله زيدان بن المنصور السعدي، وكان زيدان ـ وهو العالم الأديب ـ في حاجة إلى الدعاية وإلى من يلتف حوله من العلم والفضل، وقد انتثر عقد الدولة السعدية، وتنازع الملك جماعة من أبناء المنصور وإخوته . فأذن له زيدان في ذلك، وساعده بقدر كبير من مال الخراج واغتنمها فرصة لاستلال الضغائن ومحو الحزازات التي تركتها أعمال عمه الغالب بصفة خاصة فزاد القاضي في الجامع زيادة مهمة، وكان مما زاده في طول الجامع إلى جهة الشرق ـ أربعة بلاطات عريضة موازية لجدار القبلة.


وهي أطول من البلاطات الأولى، وعقودها أكثر ارتفاعا، وأوسع عرضا، وهذه البلاطات تختلف أيضا عن بعضها البعض في الطول والعرض هكذا : 5) 18م على 40، 2 ـ 6) 35، 19م على 40، 2 ـ 7) 20م على 45، 2 ـ 8 ) 65، 20م على 20، 3.


وتتقاطع البلاط الأخير المحاذي لجدار القبلة من المحراب إلى الجنوب عقود تتجلى فيها روعة الفن المغربي، وبطبيعة الحال فإن البلاطات الأربعة التي زيدت في الجامع، قد شغلت الصحن القديم، فكان من الضروري أن يقام للجامع صحن جديد، ويمتد الصحن على الجدار الشرقي في نحو 18م على 12م ومن أعلام شفشاون الذين دفنوا بهذا الصحن القاضي أحمد بن الحسين العلمي المتوفى سنة 1315 هـ وبجانبه ولده عبد السلام، وينفتح في الجدار القبلي للجامع بابان أحدهما على يمين المحراب، إلى المقصورة، والآخر على يساره إلى الصحن ويتوسط الجدار الشمالي مصلى النساء، وفي الإصلاح الأخير للجامع سد باب هذا المصلى، وجعل مكانه فوارة (خصة) للوضوء وقطع المصلى من المسجد وصار مع الأسف حانوتا لإسكافي، على أنه حجز النصف الشمالي من البلاط الأول لصلاة النساء بحاجز خشبي مما جعل المسجد يفقد شكله الهندسي، وصورته الفنية، وكم نود أن تكون هذه الإصلاحات التي تقام بالمساجد والزوايا تحت رقابة خاصة لإدارة فنية لها اختصاصها في الآثار القديمة، والفنون الجميلة، وكم يعز علينا أن يضيع الكثير منها بسبب التهاون والإهمال فمنذ سنتين أو ثلاث سقط جانب من صومعة مسجد (إشرافات) على بعد 35 كلم من شفشاون، وربما كان أقدم نسجد بالمغرب، بناه طارق بن زياد أيام ولاية ياصف بن عبد الملك بن أباد بن عثمان على هذه الجهات أواخر القرن الأول الهجري وقد هدمت الصومعة بالمرة، وأعيد بناؤها على شكل جديد، لا يتفق وصورة هذا المسجد التاريخي، وكم له من نظير؟ وجدران الجامع والمدرسة مبنية بالطيبة) وسقفها كباقي دور المدينة بالقرمود الأحمر ومن الداخل بالخشب المنجور المزخرف.

وفي أيام سلطة القائد أحمد الريفي على تطوان وشفشاون وما إليهما أدخلت بعض الإصلاحات على المدرسة، ونذكر بعض المصادر الأجنبية أنه في هذا التاريخ نقل إلى مدرسة شفشاون قدر كبير من الزليج والرخام الأندلسي.

وفي عهد ولاية القائد أبي محمد عبد القادر البردون البوفراحي على شفشاون أواخر القرن الحادي عشر، صنع منبر كبير للجامع، وثريا خشبية على شكل هرمي، علقت أمام المحراب، وقد كتب على لوحة بالدرج الأخير من المنبر : (الحمد لله صنع هذا المنبر السعيد سنة 1098 هـ)، وجدد تنميقه سنة 1351 هـ ) وكان للقائد الريفي عبد القادر البردون اهتمام زائد بالمدرسة وبالطلبة الساكنين بها.


وفي أوائل المائة الثالثة عشرة، اتسع عمران المدينة، وغدا الجامع الأعظم ـ وهو الوحيد ـ لا يكفي بالطبع لمئات المصلين، بل الآلاف، فأحدثت أغطية بجامع الخرازين، ومسجد ريف الأندلس ومما يلاحظ أن شفشاون منذ هذا التاريخ أصبحت تابعة لتطوان سياسيا، ولم تزل كذلك إلى اليوم إلا في فترات من التاريخ. وفي أيام الناضر محمد بن قاسم شهبون بنيت صومعة الجامع الأعظم بشفشاون وباع الناظر من أجل إقامتها بعض حوانيت الحبس بالسويقة، وقد استغرقت مدة البناء نحو سنتين، ويقال أن الذي تولى بناء الأجداد يروون للأحفاد قصته مع ولده الذي أخطأ في شيء من البناء، وقد أشرفت الصومعة على الانتهاء، فلطمه الوالد لطمة ألقت به من أعلى الصومعة فبقي معلقا وقد أقيمت الصومعة بمكان المئذنة الصغيرة على يسار الباب الرئيسي للجامع إلى جهة الجنوب كما سبق، وقاعدة الصومعة مربعة، ولكنها بعد أن استوت مع سقف الجامع في نحو ستة أمتار صارت مثمنة، وبجدرانها من الخارج فتحة ضيقة تشبه منافذ السهام، الغرض منها مد الدرج بالضوء، وينفتح في وسط المئذنة إلى جهة الجنوب ـ باب إلى غرفة المؤقتين، وقد بينت في الطابق الأعلى من المدرسة، وعلقت بها مجانات (ساعات) ويلاحظ أن أقدم هذه الساعات يرجع تاريخه إلى سنة 1256 هـ وفي نهاية المئذنة شرفات ويعلو سطح المئذنة (صار) في نحو خمسة أمتار مثمن كالصومعة وقد صعد معه عمود من حديد تعلق به الرايات التقليدية.


والصومعة آية الفن الأندلسي المغربي، وفي سنة 1255 أدخلت إصلاحات على مراحض المسجد وجر ماؤها في القواديس إلى الخارج. وكانت هناك خزانة تابعة للجامع، حافلة بالكتب العلمية والدينية، الغرض من تحبيسها القراءة والمطالعة والنسخ...

وقد لقيت هذه المؤسسات، سواء منها الدينية والثقافية، عناية فائقة من مختلف الطبقات، فكانت هناك أوقاف الجامع، والمدرسة، والخزانة، وكان للإمام والمؤذن والمدرس والخطيب أوقاف، وللطلبة أوقاف، وللقيم أوقاف وهلم جرا... وقلما تجد عائلة من العائلات أو شخصية من الشخصيات ليس لها وقف على الجامع أو المدرسة أو عليهما معا.
رد مع اقتباس