
07-11-2013, 01:22 PM
|
عضو لامع
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,341
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
المسجد الأعظم بطنجة - المغرب
من المعروف تاريخيا أن احتلال طنجة قد أحدث شرخا فظيعا في تاريخها، وذلك لكون المدة الزمنية الطويلة التي ظلت فيها تحت حكم البرتغال أولا، قم في يد الإنجليز بعد ذلك ثانيا، فصلتها عن الحركة العلمية الأدبية التي كانت في الحواضر المغربية الأخرى، وعليه فلا نعجب إن لاحظنا اختفاء طنجة خلال المدة المذكورة من كتب الرجال، وهي مصنفات تبرز أكثر من غيرها النشاط العلمي. وليس من المبالغة في شيء، القول بأن طنجة الحالية التي يبتدئ تاريخها بالعصر الإسماعيلي لا صلة لها من حيث آثارها الإسلامية من مساجد وغيرها بطنجة التي دخلها البرتغال عام 869 هـ، وذلك لكون البرتغاليين قد عمدوا، عند دخولهم إلى المدينة، إلى تخريب مساجدها، وأقاموا كنائسهم مكانها، وانمحت بذلك آثار طنجة الإسلامية، ومن سخريات الزمن أن الانجليز لما تسلموا طنجة من يد البرتغال، في قصة معروفة، عمدوا إلى تخريب الكنائس البرتغالية، ولم يتركوا من سبع عشرة كنيسة كانت للبرتغال إلا واحدة، فكانت حملة التخريب هذه ثاني حملة تشهدها المدينة، وأما الحملة الأخيرة فقد تعرضت لها المدينة لما اشتد حصار المسلمين على الإنجليز بها، وأيقنوا أن لا قبل لهم بمقاومة المسلمين، فلم يخرج الانجليز من طنجة إلا بعد أن خربوا بناياتها ، هكذا يتبين أن كل مساجد طنجة وزواياها وأبنيتها، بشكل عام، لا ترقى إلى ما قبل سنة 1095 هــ وهو تاريخ استرجاع المدينة من يد الانجليز على يد السلطان مولاي إسماعيل رحمه الله.
واستعادة طنجة وما صاحبه من بطولات ملحمة من ملاحم التاريخ المغربي العظمى، التي لا يمكن إلا الإلمام ببعض ملامحها، لما لذلك من صلة حميمة لما نحن بصدده، ويحدثنا التاريخ أن المغاربة لم يتوقفوا عن محاصرة طنجة بغرض طرد العدو منها، وذلك طوال المدة التي كانت المدينة أسيرة فيها، وكانت للمجاهدين وقائع دونها التاريخ، وأثمر ذلك أشعارا وأزجالا عنيت بها كتب الآداب وأضرابها.
كان السلطان المولى إسماعيل جعل على رأس اهتماماته السياسية تحرير الثغور المغربية من يد البرتغال والإسبان والإنجليز، وقد تمكن بالفعل من تحرير العرائش، وأصيلا، والمهدية، وحاصر سبتة، فكان القتال لا ينقطع عنها صباحا ومساء، وطال الأمد، حتى إن السلطان، رحمه الله، اتهم القواد الذين كانوا على حصارها بعدم النصح في افتتاحها، لئلا يبعث بهم بعدها إلى البريجة فيبعدوا عن بلادهم، مع أنهم سئموا كثرة الأسفار ومشتقات الحروب.
أما بخصوص فتح طنجة وإعادة بنائها، وبناء مساجدها وسورها فيقول الناصري :"عقد السلطان المولى إسماعيل، رحمه الله، للقائد أبي الحسن علي بن عبد الله الريفي، على جيش المجاهدين، ووجهه لحصار طنجة، فضيقوا على من بها من النصارى وطاولوهم إلى أن ركبوا سفنهم، وهربوا في البحر، وتركوها خاوية على عروشها" ونقل الناصري عن "البستان" أنه "لما ضاق الأمر عل النصارى الذين بطنجة، وطال عليها الحصار خربوها وهدموا أسوارها وأبراجها، وشرع قائد المجاهدين علي بن عبد الله الريفي في بناء ما تهدم من أسوارها ومساجدها".
هذا وينص عبد الكريم الريفي في كتابه :"زهر الأكم" على أن السلطان المولى إسماعيل أمر أبا الحسن علي الريفي، على ثغر طنجة، وذلك بعد ابن عم له، واسمه عمر بن حدو، وكان هذا قد أخذ بساتين طنجة، وقصبة مرشان، ودار البارود، ثم إن أبا الحسن الريفي سارع إثر تنصيبه أميرا على ثغر طنجة من قبل السلطان المولى إسماعيل إلى فك أسر المدينة من وثاقها "وكان فتحها، كما ذكرنا سنة 1095 هـ ثم بنى بها مسجدا، وبنى المسجد الأعظم بالمدينة. وأقام به الخطبة أيضا، فصارت حاضرة البر والبحر، وأمر السلطان، رحمه الله، بعمارة ثغر طنجة وبتحصينها، وأسكن فيها وجوه القبائل وجمعا عظيما من أهل الريف".
يتحصل من كل هذا أن المسجد الأعظم بمدينة طنجة تم بناؤه على يد أبي الحسن علي الريفي، المقدم من قبل السلطان المولى إسماعيل على المدينة، وبذلك فإنه معلمة من معالم هذا السلطان الجليل.
ولم تتأخر طنجة كثيرا عن الالتحاق مرة أخرى بباقي الحواضر المغربية، فقد تمكنت، في ظرف وجيز، من استرداد مجدها في العلوم والآداب، واستطاع ولاتها الريفيون أن يجلبوا عددا من العلماء والشعراء إليها، فتحلق حولهم الشعراء يمدحونهم ويمدحون معهم ولي نعمتهم : السلطان المولى إسماعيل، كما في الأبيات الآتية / زهي من شعر الشاعر محمد بن الطيب الشلوشي :
وبالحـي حوراء المحاجر لو بدت *** لشمـس الضحى مدت إليها الأنامل
أبيـــت وجفني ساهر (ومكلم) *** وأضحــى وطرفي بالمدامع هامل
إلى الله أشكو طول بيني وغربتي *** لأن الهـــوى شغل لقلبي شاغل
أداري الهوى عنها وأخضع للعدى *** وأخشـــى عليها ما تجر الغوائل
ذهلـت عن الأوقات وجدا وحسرة *** وقد كان قبل الحب ذهني غافل
فقلــت لهــا مهلا علي فإنني *** علــى كل حال عن جنابك راحل
إلى أن يقول :
أمــولاي إسماعيل جيشك غالب *** بنصر من المولى على من يخاذل
تنــادي الذي لباك طوع إجابة *** بعــزم وقوم أعقبتها الصواهل
ســـري كمي، جامع لخصاله *** تقـــي، جلي، كامل، يتطاول
سليل كرام من ذوي السمر والقنا *** لقــد عجزت عنهم نمير ووائل
لقد ضربوا في المكرمات بأسهـم *** وهـم حيث ذكراهم غلينا الأوائل
وتتوالى عناية الملوك العلويين بالمسجد الأعظم بطنجة، فوقفوا عليه الأوقاف وحبسوا الكتب، وذلك ما سنرى بعضه في حينه، ونكتفي، الآن، بالإشارة إلى أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله حبس على المسجد الأعظم بطنجة عددا كبيرا من الكتب، وسنأتي على ذكر بعضها في حينه كذلك.
|