المسجد الجامع بتلمسان - الجزائر
يتموقع المسجد الجامع الواقع بعاصمة الزيانيين ولاية تلمسان، كأحد أشهر المساجد وأكبرها في الجزائر، ويتمتع المسجد الجامع بعراقة لافتة في المنطقة التي تحتضن زهاء 60 مسجدا، منذ أن بناه المرابطون قبل 853 سنة خلت، ولا يختلف هذا المسجد في تصميمه وزخرفته عن جامع “قرطبة” الشهير، ومئذنته تشبه إلى حدّ كبير مئذنة جامع قرطبة. وقد شُيّدت على قاعدة مربّعة، وارتفع بنيانها على هذه القاعدة، حيث انتهت في الأعلى بمربّع أصغر من مربّع القاعدة تحيط به شرفة يستطيع المؤذّن أن يُطلّ منها على المدينة بكاملها.
وتذكر مصادر تاريخية، أنّ المسجد الجامع هو أحد مفاخر المرابطين في المغرب الأوسط، ويؤرخ تأسيسه في سنة 530هـ/ 1153 م، حسب الكتابة الموجودة على عنق القبة مع اسم المؤسس الذي طمس إبان العهد الموحدي، واستنادا إلى ما رواه المؤرخون، فمن المحتمل جدا أن يكون المؤسس هو “علي بن يوسف بن تاشفين” (1106ه/1142 م) وإليه يرجع تاريخ تأسيس القبة التي جاءت على منوال القباب الأندلسية المتقاطعة الأضلاع الموجودة بجامع قرطبة، بينما الجدران الخارجية للجامع فهي مطليّة بالجص، ومزيّنة بالفسيفساء، أما داخل المسجد فقد زُينّ بأقواس تنحني بأقواس صغيرة متعاقبة على شكل أوراق الورد.
ويقول ابن مرزوق في المسند، إنّ المسجد الجامع يتمتع بأعلى مئذنة في الجزائر، وتمتاز بأصالة لا نظير لها، بجانب زخرفته المزيّنة بأعمدة مربعة قصيرة تعلوها أقواس على شكل نصف دائرة.
ويرى الباحثان أبو عبيد البكري وجورج مارسيه، أنّ مئذنته تشكّل بجانب مئذنة جامع المنصورة القريب من أرقى ما وصلت إليه المآذن الجزائرية لكونها تتكون من نواة مركزية جوفاء، وهي بهذه الميزة تعتبر الوحيدة في مآذن الجزائر، كما تبدو قبة المسجد الجامع من الخارج على مظهر مغاير تماما لأشكال القباب الأخرى، فهي مغطاة بالقرميد على أوجهها الأربعة، لكن هي في الحقيقة قبة ذات ضلوع من الآجر تحاكي قبة مسجد باب المردوم بالأندلس وجامع قرطبة مثلما سلف الإشارة إليه، وقد فتحت في رقبة القبة شبابيك مخرّمة من الجص لإدخال الضوء والهواء إلى بيت الصلاة، وبهذه الصفة التي ساهم فيها بناؤون استقدموا من قرطبة، تعد بمنظار أهل الاختصاص من أروع القباب المخرمة في العالم الإسلامي حسبما جاء في تاريخ هايدو.
وتقول إفادات إنّ المسجد الجامع لم يكن مكانا مفضّلا للعبادة فحسب، بل كان مسرحا لتدريس عديد العلوم والفنون، ويركّز الباحث الجزائري رشيد بورويبة في مؤلفه (جولة عبر مساجد تلمسان) على أنّ الدروس التي كانت تلقى في رحاب المسجد الجامع، ظلت تضاهي ما كان يلقى في مدارس تلمسان الكبرى، ومن ثم يمكن اعتبار هذا المسجد جامعة على طريقة المتقدمين، حيث كان يحتضن مجالس مختلف العلوم، وكانت تدرس فيه أمهات الكتب والدواوين، بدءا من القرآن والحديث وعلومهما، إلى العقائد وأصول الدين، والفقه وأصوله، واللغة وعلومها، والتصوف، والمنطق، والفلسفة، والطب، والهندسة، والفلك وعلوم الزراعة، وهو بذلك يضاهي جامع القرويين بفاس، وجامع الزيتونة بتونس، وجامع الأزهر بالقاهرة، علما أنّ المسجد الجامع بتلمسان شهد تعاقب عائلات كاملة من العلماء الكبار على الإمامة وإلقاء الدروس على غرار: عائلة المرازقة، وعائلة العقبانيين، وابنا الإمام، وابن زاغو، وابن العباس، والسنوسي، وابن زكري، والمغيلي، والمازوني، والونشريسي، والحوضي، والتنسي وغيرهم.
واستمد سكان المدينة من هذه الخاصية التلقينية والدعوية الاستثنائية التي انفرد بها المسجد الجامع قوة جعلتهم يقفون بضراوة أمام موجة “الفَرْنَسَة” ومَسْح الشخصية المسلمة واللغة العربية أيام الحكم الفرنسي.
الزائر لتلمسان كما المقيم فيها يلفت نظره دونما شك هي صومعته المتشامخة التي تحيط بالمدينة من الغرب، وتطلّ على التلال والبساتين المثمرة الممتدّة خلفه، وهذه ليست كلَّ شيء في معلم لا يزال ينتظر أن يأخذ نصيبه الذي يستحق من البحث والدراسة والاهتمام، طالما أنّ كثيرا من جوانبه تبقى تسيل لعاب المولوعين بتراث المساجد عبر العالم.
وبدأت السلطات حملة قبل فترة لترميم المسجد التاريخي “باشا” بحي “سيدي الهواري” في الباهية وهران، بغية الحفاظ عليها وحمايتها من الاندثار والسرقة وكذا التلف الذي يطال جوانبها.
وستشمل العملية التي ستنطلق الأسبوع القادم، الكتب القديمة والمخطوطات الثمينة والثرايا وغيرها من المحتويات التي يزخر بها هذا الصرح الديني، الذي يعرف أيضا باسم “المسجد الكبير” وذلك في انتظار ترميمه.
كما برمجت الملحقة المذكورة حملة تنظيف واسعة للمسجد، بمشاركة فريق من المختصين في علم الآثار والمهتمين بالتراث المادي لوهران ومديرية الثقافة ومصالح البلدية والجمعيات المهتمة بحماية المعالم الأثرية، على غرار جمعية “الإمام الهواري”.
واستنادا إلى المعطيات التاريخية فإن جامع “الباشا” الذي يتميز بهندسة معمارية رائعة وصنف في 1952، قد شيد سنة 1796 في عهد الباي محمد الكبير وذلك بأمر من حسن باشا باي الجزائر العاصمة، كما يزخر هذا الصرح الديني الذي له شكل مثمن الأضلع والمزين بالحجارة المصقولة بمئذنة تهيمن على جميع مساكن الحي وتعتبر واحدة من أجمل المآذن بالجزائر.
وتزخر مدينة وهران بخمسة مساجد تاريخية وأثرية، وهي “سيدي محمد الكبير” و”الجوهرة” و”الباشا” و”الإمام الهواري” و”عبد الله بن سلام”.