- الوصية الثالثة:
"اذكر حسنات الناس وشجعهم على أعمال الخير".
تلك قاعدة أخرى من قواعد الإصلاح، وهي من أنجح الطرق وأنفعها، وأقربها لتحقيقه.
غير أن أغلب الناس يتصرفون خلاف ذلك. فهم عادةً ما يلجأون إلى أسلوب الحديث السلبي،
والتذكير بالأخطاء فقط، ظناً منهم أن هذا التذكير سيساهم في إزالة السلبيات وتصحيح الأخطاء.
ولا شك في أن هذا الأسلوب خاطئ، سواء كان مع الناس أو الأصدقاء. والأسلوب السليم هو
ذكر الحسنات، والتشجيع عليها، وفقاً لمبدأ إزالة السيئات بالحسنات، وطرد الفساد بالإصلاح.
فعندما تريد أن تطرد الظلام لا يكفي أن تلعنه، بل لابدّ أن تشعل بدل ذلك شمعة، وحينئذٍ سيتخذ
الظلام طريق الهروب.
وفي ما يرتبط بالمجتمع، مسؤوليتك أن تشعل في قلوبهم شموع الآمال، بدل أن تلعن ظلمات
الصفات السيئة التي بداخلهم.
يقول الإمام علي: (لكم مسلم على من أثنى عليه مثوبةً من جزاء، وعارفة من عطاء).
والثناء هو ذكر الحسنات، والتشجيع عليها، مما يعود على المثني عليه بالجزاء والعطاء: الجزاء من
عند الله وهو ثابت، والعطاء من عند الناس وهو متغير. فإذا لم يتحقق العطاء الدنيوي فلا شك أن
الجزاء الأخروي من عند الله – تبارك وتعالى – سيتحقق له.
يقول الإمام علي في عهده إلى مالك الأشتر: (ولا يكوننَّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة
سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة في الإساءة،
وألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه".
وعليه فإن الإحسان خصلة تستحق الثناء والتقدير، وواجبنا هو المدح لأقل إجادة النقد لأي خطأ،
الأمر الذي يحث الطرف الآخر على مواصلة الإجادة ومحاولة تكرارها.
ونحن عن طريق الثناء والتشجيع نستطيع أن ندفع حتى الحيوانات إلى أن تفعل ما نريد، فحيوانات
السيرك مثلاً، لم يروّضها مدرّبوها عبر النقد والضرب، وإنما عبر التقدير والتشجيع.
قد تسأل: كيف ذلك؟
يقول أحد المؤلفين: "راقبت مدرب السيرك وهو يجوب الأخطار ويعرض تمثيلياته، ودهشت من
قدرته على السيطرة على الحيوانات المتوحشة كالكلاب والذئاب والأسود والنمور والفيلة، فبدأت
أبحث عن سبب إطاعة هذه الحيوانات له، فلاحظت أن ذلك تأتّى له عبر التشجيع، فمثلاً إذا أبدى
الكلب شيئاً من الإجادة لحركة معينة – ولو يسيراً – أسرع إليه وربّت على ظهره، وألقى إليه
قطعة من اللحم".
فإذا كان التشجيع نافعاً مع الحيوانات المتوحشة، فكيف هو مع البشر؟
يقول مدير أحد السجون عن سجنائه، وهم مجموعة من اللصوص والمجرمين وال***ة: "لقد وجدت
أن تقديري للجهود التي يبذلها نزلاء السجن يأتي بنتائج باهرة، ويستحثهم إلى الصلاح أكثر ما
يفعل النقد والتفتيش عن الأخطاء".
إنّك تستطيع أن تلوم ابنك إذا لم يقرأ خلال شهر إلّا كتاباً واحداً فقط، فتأتي إليه تلقي عليه
محاضرة وتقول له: "أيها الجاهل الأحمق، إن غيرك يطالع في اليوم الواحد أكثر من كتاب، وأنت لم
تطالع إلّا كتاباً واحداً فقط؟".
هذا الأسلوب لن يجدي معه شيئاً، ولكن ربما تدفعه إلى أن يمدَّ يده تحت سيف التقريع إلى كتاب
آخر، ويذهب إلى الشاطئ، ثم يطالع أمواج البحر بدل الكتاب.
ولكنك لو ذكرت حسناته وقلت له: "إن مطالعتك لهذا الكتاب دليل على اهتمامك بالعلم، وإن كل
الذين سبقوك من العلماء والعظماء إنما كانوا يتدرجون في المطالعة، فإذا ما أتموا كتاباً ذهبوا لآخر،
حتى أن بعضهم يقرأ في اليوم الواحد أكثر من كتاب واحد".
هذا الأسلوب الإيجابي غير الجارح، سيدفعه بلا ريب إلى المطالعة المستمرة برحابة صدر، وتقبل
نفسي، واقتناع تام.
إن التشجيع هو الطريقة المثلى في مساعدة الآخرين على اكتشاف مواهبهم، وعلى من يريد
إصلاح الآخرين أن يتعلم كيف يشجعهم على إدراك كفاءاتهم، واكتشاف المخزون الضخم من
الطاقات والقدرات التي أودعها الله تعالى فيهم.
وحتى بالنسبة إلى من خسر في تجارته، فإن التشجيع المعنوي يعوضه عن الخسارة المادية،
ويقوم بحفظ حالة التوازن في نفسه، فلا ينتهي به الأمر إلى أن يصاب بالانهيار تحت وطأة
الخسارة والمصيبة.
والخلاصة: إن توجيه النقد واللوم للمخطئ أسلوب لا يفي بالغرض، لأنه منفر للطرف الآخر، ويجعله
في حالة من عدم التجاوب و"اللامبالاة"، وإن الأسلوب الأمثل هو تشجيعه على الصلاح والاكتفاء
بنقد الخطأ وحده دون المساس بكرامة المخطئ.
إن التشجيع مثل إشعال نور في الظلام، فهو يطرد الظلمة، ويوقد الأمل في المستقبل، بينما
الانتقاد يشبه لعن الظلام، فلو استمر مليون عام فلن يغيّر من الأمر شيئاً.
يتبع
__________________
فكري إبراهيم الكفافي
مدير التعليم الابتدائي
بإدارة الجمالية التعليمية
دقهلية
أمين اللجنة النقابية للمعلمين
|