
10-10-2013, 11:12 PM
|
 |
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
|
|
والمرء يحشر مع مَن أحب؛ ولهذا وصف الحديثُ القراءَ المهرةَ الحافظون المتقنون، أنهم مع السفرة الكرام البررة، وسموا بررة -كما في بعض الروايات- لأنهم على طاعة؛ لأن البر هو الطاعة لله -تعالى.
وقد بَيَّن الحديث فضلَ الماهر بالتلاوة، وما له من الأجر، وما للقارئ الذي تصعب عليه القراءة ويتعتع فيها، وما له من الأجر أيضًا، فقال: «لَهُ أَجْرَانِ». أما الأول: فلم يذكر شيئًا، إنما قال: «مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ». وليس معنى هذا أن الذي يقرأ القرآن وهو شاق عليه، أكثر أجرًا من الماهر بالتلاوة، فإن الماهر بالتلاوة له أجور متعددة وكثيرة، فبلغت هذه الأجور أنه هو والملائكة في معية واحدة، الذين ذكرهم الله -تعالى- في سورة عبس: ﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ (12). وهم الملائكة؛ لأن الحافظ المتقن الضابط الماهر، لا يمكن أن يكون أقل ثوابًا ممن هو أدنى منه وأقل، ولا يمكن أن يكون مَن هو أدنى منه أكثر منه ثوابًا، بل هو أكثر.
فلا يفهم من هذا أن الذي يقرأ القرآن بإتقان وضبط فله أجر، والمتتعتع له أجران، بل الماهر فاق الأجرين، وزاد على ذلك، فهي أجور كثيرة متعددة، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده.
ثم ساق أثرًا عن عيسى بن يونس، قال: (وقالَ بشرُ بنُ الحارثِ). وبشر بن الحارث ثقة، تُوفَِّي سنة سبع وعشرين ومئتين، وهو عابد زاهد، وعالم جمع بين الإخلاص والورع والتقوى، يقول: (سمعتُ عيسى بنَ يونسَ). وعيسى بن يونس هو ابن أبي إسحاق السبيعي، المتوفى سنة سبع وثمانين ومئة، وهو ثقة حجة حافظ، وهو حفيد الإمام أبو إسحاق السبيعي(13)، المحدث المشهور، الذي اسمه: عمرو بن عبد الله بن أبو إسحاق السبيعي، وقد تُوفِّي سنة تسع وعشرين ومئة، وهذا حفيده، فهم بيت علم وأهل حديث.
وأبو إسحاق السبيعي قيل: إنه اختلط آخر حياته، ولكن الصواب هو ما حققه بعض طلبة أهل العلم، وهو أنه لم يختلط في آخر حياته.
يقول: (إذَا ختمَ العبدُ القرآنَ، قبَّلَ الملكُ بينَ عينيه). وهذا أيضًا من الفضل العظيم الذي يناله قارئ القرآن، وهذا الأثر موقوف على عيسى بن يونس السبيعي، فإذا كانت هذه الكرامة تنال قارئ القرآن، فالذي ينبغي عليه أن يعمر حياته بهذا القرآن، وأن يخلص لله -تعالى- في تلاوته، وأن يتقرب به إلى الله، وأن يكون متميزًا في حياته عن سائر الناس.
فإذا علم أنه سيكون مع الملائكة، ومع السفرة الكرام البررة، وسينال هذا الفضل العظيم، فينبغي أن يكون له تميز في حياته، وخصوصية في حياته، ليس كسائر الناس، كما سيأتي بيانه من أبي بكر محمد بن الحسين، مما ينبغي على قارئ القرآن.
|