
10-10-2013, 11:10 PM
|
 |
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
|
|
ذكر أخلاق أهل القرآن
قال محمد بن حسين(1): (يَنْبَغِي لِمَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، وَفَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمُوا كِتَابَهُ، وَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَأَهْلِ اللهِ وَخَاصَّتِهِ، وَمِمَّنْ وَعَدَهُ اللهُ مِنَ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ، وَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾(2). قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ، وَمِمَّا قَالَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ الْكِرَامِ السَّفَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ»(3).وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ(4): سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ يُونُسَ(5) يَقُولُ: إِذَا خَتَمَ الْعَبْدُ الْقُرْآنَ قَبَّلَ الْمَلَكُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ(6). فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعًا لِقَلْبِهِ، يُعَمِّرُ بِهِ مَا خَرَبَ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِ الْقُرْآنِ، وَيَتَخَلَّقُ بِأَخْلاَقِهِ الشَّرِيفَةِ، يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مِمَّنْ لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ).
يذكر المؤلف أخلاق أهل القرآن، وأن الله -جل وعلا- قد فضلهم على غيرهم من سائر الناس، حيث مَنَّ الله عليهم بتلاوة القرآن، وحفظه ومدارسته، فإذا كانوا كذلك، فإنه ينبغي عليهم أن يتخلقوا بما في هذا القرآن من الأخلاق، والقرآن هو منهج الأخلاق الفاضلة، ومنهج الأخلاق الكاملة، فما من خلق حسن إلا دَلَّ عليه، وما من خلق سيئ إلا حذر منه، وكل هذا جاء في القرآن الكريم.
وتكفي هذه الآية التي جاء الفضل فيها، في سورة البقرة: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾(7). والتفسير هذا يروى عن مجاهد(8)، قال: يعملون به حق عمله، كما تقدم، ثم استشهد المؤلف بالحديث المخرج في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ الْكِرَامِ السَّفَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ». وفي رواية: « وَهُوَ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ»(9). أَيْ: يشق عليه تلاوته، فقوله: « وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ». الماهر هو القارئ الحاذق الحافظ، المتقن، الضابط لتلاوة آيات القرآن الكريم، ولا تشق عليه القراءة في أية سورة، أو في أية آية.فيعرف الأحكام المتعلقة بألفاظ الكلمات من الحسن والجودة والضبط والإتقان؛ ولهذا يقولون -إذا كان القارئ جيدًا: القارئ متقن، أو محرر. كما ذكرابن الجزري(10) في كتابه: (غاية النهاية)، حيث ترجم فيه لنحو من خمسة آلاف عَلَم من أعلام القرآن، على مر العصور إلى عهده، وقد تُوفِّي سنة اثنين وثلاثين وثمانمئة من الهجرة.
وكذلك الذهبي(11) أيضًا أَلَّف في طبقات القراء، وذكر فيها جملة وعددًا كبيرًا من القراء، يصفون القارئ الحاذق، هو الضابط المتقن المحرر، والذي يقيم الحروف إقامة عربية صحيحة، ويخرج كل حرف من مخرجه، فهذا هو معنى الماهر، سواء أكان ذلك في الوقف أم الابتداء، أو ما يتعلق بأنواع القراءة من الأحكام التجويدية.
فالماهر بالتلاوة المتقن الحافظ الضابط لها، جاء في الحديث الثوابُ الذي يناله، والمنزلة التي يختص بها، والرفعة التي ينالها، وهي أنه يكون مع الكرام السفرة، في رواية: « الْبَرَرَةِ».
والكرام السفرة هم الملائكة، والسفرة: هم الرسل الذين يأتون من عند الله -تعالى- إلى الأنبياء بالرسالات، فالملائكة -عليهم السلام- هم رسل الله إلى أنبيائه؛ ولأنهم يسافرون بين الله وبين الأنبياء، ويحملهم الله -تعالى- الأمانة، ويوحي بها إلى النبي.
وقيل: إنهم سموا: سفرة؛ لأنهم يسافرون إلى الناس برسالات الله، ولأنهم يتنزلون بالوحي من عند الله، فهم سفراء الله إلى الأنبياء؛ ليبلغوا عن الله رسالاته.
والمعية التي في هذا الحديث: « مَعَ الْكِرَامِ السَّفَرَةِ». يقول أهل العلم: إنها تحتمل أن يكون لقارئ القرآن منازل يكون فيها رفيقًا مع الملائكة، الذين هم السفرة، لاتصافه بصفاتهم؛ لأنهم هم الذين حملوا كتاب الله، وحملوا هذا القرآن وبلغوه، فحمله جبريل، وبلغه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام، فقارئ القرآن يحمل هذا القرآن في جوفه، ويحفظه، ففيه شبه بهؤلاء السفرة وهم الملائكة، فهو يعمل بعملهم، ويسلك مسلكهم، ويتصف بصفاتهم، ومَن اتصف بصفات قوم فهو معهم.
|