عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-10-2013, 11:04 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فلا يدعو إلى الله إلا مَن تعلم وعلم وتفقه، فإذا تفقه وتعلم وعلم غيره دخل في هذه الآية، بعكس الكافر الذي هو على كفره ويصد الناس عن دينهم بهذا الكفر، كما قال الله - تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ(21).
وهنا ينشأ سؤال: إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»(22)، فهل يلزم من هذا الحديث أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه المتفقه في الدين الذي يعلم الناس أمور دينهم؟
قال ابن حجر: لا يلزم من ذلك؛ لأن المخاطبين بذلك -يعني بالحديث- كانوا فقهاء، وهم أهل اللسان، فكانوا يعلمون معاني القرآن بالسليقة أكثر من غيرهم بالاكتساب؛ فكان الفقه لهم سجية، ومن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك؛ لأن مَن كان قارئًا أو مقرئًا ومتقنًا وضابطًا لكنه لا يفهم معاني القرآن ولا يفهم أحكامه ولا يفهم الدلائل لا يستطيع أن يستنبط هذا، نقول: إن له ثواب وأجر التلاوة، ويناله من الخير والخيرية والفضل والمنزلة بحسب حفظه وتعلمه للقرآن، فإذا وجد إنسان لا يعرف شيئًا من أمور الدين إلا ما يتعبد الله –تعالى- به، ولكنه متقن للقرآن وحافظ، فهذا على أجر عظيم ويناله من الخيرية بقدر ما عنده من هذا الحفظ، ومَن كان قارئًا ومقرئًا وهو يخالف نصوص القرآن في الفهم فهذا وَبَال عليه، كما كان الخوارج يفعلون ذلك والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد حذر منهم؛ حيث قال: «يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ»(23)، أو قال: « لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهِمْ»(24)، فهم لا يعملون بالقرآن، وإن عملوا به عملوا على خلاف الهدي الصحيح والسنة الصحيحة، كما فعلوا على مدار تاريخ الإسلام منذ أن نبتت نبتتهم وإلى يومنا هذا، فهم يفهمون القرآن فهمًا معكوسًا على غير فهم السلف الصالح لهذا القرآن العظيم، حتى إنهم كما يقول ابن عباس -رضي الله عنه- عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فنزَّلوها على المسلمين، واستباحوا بذلك دمائهم وأعراضهم و***وهم وأثاروا الفتن.
فمثل هؤلاء لا يشملهم هذا الأثر ولا الآثار التي وردت في فضل القرآن، لكن الذي يتعلم القرآن ويعلمه على قدر طاقته واستطاعته فنقول: إنه ينال من الأجر والخيرية والثواب بقدر ما يحصله من علم وعمل، والصحابة -رضوان الله عليهم- هم المخاطبون بهذا الحديث، ولكنه شامل، فهو يشملهم ويشمل مَن بعدهم.
قالابن حجر: ومَن كان في مثل شأنهم شاركهم في هذه الخيرية الموعود بها، وإلا فالأمة بمجموعها موصوفة بالخير؛ كما قال الله -تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(25).
فأهل القرآن العاملون به المتدبرون لآياته وأحكامه العاملون بها هؤلاء هم صفوة الناس، وهم قريبون من الله –تعالى- كما تقدم في الحديث السابق: « إِنَّ للهِ أَهْلِينَ». قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: « أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»(26)، فينبغي أن نفهم هذا المعنى وألا ننزله إلا على مَن يستحقه.
وقد جاء هذا الوصف لمن قرأ القرآن وعلمه؛ لأن القرآن خير الكلام والعلوم؛ فتعلمه وتعليمه خير من تعلم غيره من سائر العلوم؛ لأنه مشتمل على علوم شتى؛ مثل: علوم الاعتقاد والفقه والتفسير والتاريخ... فهو أفضل العلوم بالنسبة إلى غيره من العلوم الأخرى.
والحديث الثامن عشر -حديث عقبة بن عامر- عند مسلم(27) وأحمد(28) وأبي داود(29)، يقول: خرج إلينا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ونحن في الصُّفة -المراد بالصفة هنا الموضع المظلل في مؤخرة المسجد النبوي بالمدينة، يسكنه مَن لم يكن له منزل من الفقراء والمحتاجين ومن قدم إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من ضواحي المدينة ليتعلموا العلم ويقرؤوا القرآن- وقال: « أَيُّكُمْ يَغْدُو»، أي: يذهب في وقت الغدو وهو أول النهار، وبطحاء مكة هو موضع قرب المدينة مكان موضع قرب المدينة « إِلَى بُطْحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ»، والعقيق وادٍ مشهور من أودية المدينة، « فَيَأْتِيَ كُلَّ يَوْمٍ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ»، كوماوين: تثنية كومة أنثى أكوم، والأكوم نوع من أنواع البعير الضخم الجسم والسنام رفيع السنام -يعني أنفسُها وأحسنها- « زَهْرَاوَيْنِ»، تثنية زهراء، والزهر هو الحسن والبهجة، قال: « بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْنِ»، يعني: أنها من أنفس النوق وأجملها وأحسنها وأسمنها، فمن كانت كذلك من النوق فهي ذات قيمة نفيسة عند العرب.
وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يضرب الأمثلة للصحابة بما كانوا يعايشونه ويفتخرون به ويحبونه، وكانت العرب في ذلك الوقت يحبون الإبل ويتنافسون في تربيتها وشرائها، كما قال الله –تعالى- مذكرًا لهم بها: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(30)، مع أنه يوجد شيء أكبر من الإبل في الخلقة، لكنه ذكر الإبل لأنها مشتهرة عندهم ومعروفة، وكما جاء في الحديث الآخر: «خُيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ»(31)، فالتمثيل بالإبل كثير في السنة النبوية؛ لأنها من أنفس الأشياء عندهم من بهيمة الأنعام، فيضرب لهم المثل بهذا الأمر ليتحفزوا لهذا العمل الذي سيقدمون عليه ويفعلونه.
قال: « فَيَأْخُذُهُمَا فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ»(32)، يعني: في غير معصية، قال: قلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك، أي أنهم يحبون أن يأخذوا هذا الشيء وأن يتحصلوا عليه، ثم دلهم على ما يشابه ذلك أو أفضل منه ليشجعهم ويحفزهم عليه فقال: « فَلأَنْ يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاَثٌ خَيْرٌ مِنْ ثَلاَثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبِعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ»، أي: من خمس ومن ست.. إلخ، وهذا من باب المتقدم من باب التمثيل والتقريب للصحابة -رضوان الله عليهم- حتى يقبلوا على هذا الخير، وأن ما سيذهبون إليه في تعلم القرآن الكريم أو جزء منه وهو آيات فقط، وهو خير من هذا الذي أنتم تظنون والذي تحبون؛ لأنهم قالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله.
وقد مثَّل لهم النبي –صلى الله عليه وسلم- بالآية وليس بالسورة ولا بالجزء؛ وذلك ليقربهم من تلاوة القرآن الكريم، وإلا فإن الدنيا كلها حقيرة أمام كتاب الله -جل وعلا- ولا تقابل بشيء من معرفة أمر وارد في كتاب الله، وهذا من باب الحث والترغيب في تلاوة القرآن الكريم، وهذا يدلنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يستخدم الأمثلة لأصحابه، وأنتم تعلمون أن الحديث الوارد عند قوله-تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ(33).
من ذلك أيضًا ما ورد عن عبد الله بن مسعود، إذ قال: خط النبي -صلى الله عليه وسلم- خطًّا وخط عن جانبه خطوطًا وقال: « هَذَا سَبِيلُ اللهِ وَهَذِهِ سُبُلُ الشَّيْطَانِ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطُانٌ، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا»(34)، فكان يمثل -عليه الصلاة والسلام- ويضرب الأمثلة لأصحابه، وأحيانًا كان يمثل لهم بيده وذلك عندما قال: « بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ»(35)، وأشار بالسبابة، وقال: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ»(36)، وقال في عدِّ الشهر: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا»(37)، فكل شيء كان يرغب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يوصله إلى الصحابة فإنه يسعى إلى توصيله، وقد فعل، فما من خير إلا دل عليه ولا شر إلا حذر منه، ففي هذا الحديث وسيلة من وسائل التمثيل التي تدفع الإنسان وتشجعه وتحسه على فعل الخير والإقدام عليه، وأنه سوف ينال أكثر مما ضُرِب له من هذا المثل، فجعل الناقة بمثابة الآية والناقتين بمثابة الآيتين، سواء قصرت أم طالت.
__________________
رد مع اقتباس