الصمت في واحة الشعر
قال الشافعي:
قالوا سكتَّ وقد خُوصِمتَ قلتُ لهم ***إنَّ الجواب لِبابِ الشرِّ مفتاحُ
والصَّمت عن جاهل أو أحمقٍ شرف***وفيه أيضًا لِصون العِرض إصلاحُ
أمَا ترَى الأُسود تُخشَى وهي صامتة***والكلب يُخسَى لعمري وهو نبَّاحُ
وقال أيضًا:
وجدتُ سكوتي متجرًا فلزمتُه***إذا لم أجدْ ربحًا فلستُ بخاسرِ
وما الصَّمتُ إلَّا في الرجالِ متاجر***وتاجره يعلو على كلِّ تاجرِ
وقال آخر:
قالوا نراك تطيلُ الصَّمت قلتُ لهم***ما طولُ صمتي مِن عِيٍّ ولا خرسِ
الصمتُ أحمدُ في الحالَين عاقبةً***عندي وأحسنُ بي من منطق شكسِ
قالوا فأنت مصيبٌ لستَ ذا خطأ***فقلتُ هاتوا أروني وجهَ معتبسِ
أأفرشُ البرَّ فيمَن ليس يعرفُه؟***أم أنثرُ الدرَّ بين العُمْي في الغَلَسِ
وقال آخر:
متى تُطبق على شفتيك تَسلمْ***وإن تفتحْهما فقلِ الصَّوابا
فما أحدٌ يُطيل الصَّمت إلَّا***سيأمنُ أن يُذمَّ وأن يُعابا
فقلْ خيرًا أو اسكتْ عن كثيرٍ***مِن القول المحلِّ بك العقابا
وأجاد من قال:
مهلًا سُليمَى أقلِّي اللوم أو فلُمِي***مَن أقعدته صروفُ الدَّهر لم يقمِ
حظِّي يقصر بي عن كلِّ مكرُمةٍ***ولا تقصر بي عن نيلها هممِي
سألزم الصمت ما دام الزمان كذا***وأمنع الدهرَ مِن نطق اللسان فَمِي
إن لامني لائمٌ في الصَّمت قلتُ له***حبسُ الفتى نطقَه حرزٌ من الندمِ
وقال أبو جعفر القرشي:
استرِ العِيَّ ما استطعتَ بصمت***إنَّ في الصَّمت راحة للصَّمُوتِ
واجعلِ الصَّمت إن عَيِيت جوابًا***ربَّ قولٍ جوابُه في السُّكوتِ
وقال آخر:
إن كان يعجبك السُّكوت فإنَّه***قد كان يُعجبُ قبلك الأخيارَ
ولئن ندمتُ على سكوتٍ مرةً***فلقد ندمتُ على الكلام مِرارا
إنَّ السُّكوت سلامةٌ ولربَّما***زرع الكلام عداوة وضرارا
وإذا تقرَّب خاسر مِن خاسر***زادَا بذاك خسارةً وتَبارا
وأنشد الأبرش:
ما ذلَّ ذو صمت وما مِن مُكثرٍ***إلَّا يَزلُّ وما يُعاب صَمُوتُ
إن كان مَنطقُ ناطقٍ مِن فضَّةٍ***فالصَّمت دُرٌّ زانه الياقوتُ
وقال آخر:
وكن رزينًا طويل الصمت ذا فكر***فإن نطقت فلا تكثر من الخطبِ
ولا تجبْ سائلًا من غير تروية***وبالذي عنه لم تُسألْ فلا تُجِبِ
قال أحيحة بن الجلاح:
والصَّمت أجملُ بالفتَى***ما لم يكنْ عِيٌّ يَشينُه
والقولُ ذو خطَلٍ إذا***ما لم يكنْ لبٌّ يعينُه
وقال مخرز بن علقمة:
لقد وارى المقابرُ مِن شريكٍ***كثيرَ تحلُّمٍ وقليلَ عابِ
صموتًا في المجالس غيرَ عِيٍّ***جديرًا حين ينطقُ بالصَّوابِ
وقال مكي بن سوادة:
تسلَّمَ بالسكوتِ مِن العيوبِ***فكان السَّكتُ أجلبَ للعيوبِ
ويرتجلُ الكلامَ وليس فيه***سِوَى الهَذَيانِ مِن حشد الخطيبِ
وقال آخر:
عجبتُ لإدلال العَيِيِّ بنفسه***وصمتِ الذي كان بالقول أعلما
وفي الصَّمتِ سترٌ للعييِّ وإنما***صحيفةُ لبِّ المرءِ أن يتكلَّما
وقال أحد الشعراء:
أرَى الصَّمت أدَنى لبعض الصواب***وبعض التكلُّم أدنى لعِيِّ
وقال أبو العتاهية:
إذا كنت عن أن تحسن الصَّمت عاجزًا***فأنت عن الإبلاغ في القول أعجزُ
يخوض أناس في المقال ليُوجزوا***ولَلصمتُ عن بعض المقالات أوجزُ
وقال آخر:
قد أفلح الصَّامتُ السَّكوت***كلامُ راعي الكلامِ قوتُ
ما كلُّ نطقٍ له جوابُ***جوابُ ما يُكرهُ السُّكوتُ