عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-04-2013, 11:58 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

فقه الدنيا وأحكام الآخرة (4)
سعد الدين الهلالي

لا يزال أعداء حرية الإنسان وخصوم كرامته يتتبعونه بكل الحيل للسيطرة عليه. ولكن المثير للعجب والدهشة أن نرى طائفة من هؤلاء الأعداء ينتسبون إلى الإسلام، بل والأكثر عجباً واستغراباً أن يرتدى هؤلاء عباءة الدين وكأنه فوضهم لزعامة الناس، واختصهم بالوكالة عن الله فى الأرض. ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى يأبى الشريك أو الوسيط بينه وبين عبده، فهم يحسبون أنهم يخدمون الدين والحقيقة أنهم يهدمونه؛ لأنه ما نزل إلا لتحرير الإنسان من كل عبودية إلا له سبحانه التى تكون اختياراً من القلب بحسب قناعته لا بقناعة غيره. فالمقلد فى أحكام الدين بدون اختيار فاسق عند أهل السنة، ومخلد فى النار عند المعتزلة. ولذلك اختص الله لنفسه العلم بالحق المطلق، وجعله فى الدنيا غيباً لا يكشف إلا يوم القيامة حتى لا يتعالى إنسان على آخر، ولا يحمل إنسان غيره إلا بقناعته الذاتية. قال تعالى: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه» (الإسراء: 13)، وقال تعالى: «قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون. قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم» (سبأ: 24-26). وأخرج مسلم والطبرانى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال عن الدجال: «فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج فيكم بعدى فكل امرئ حجيج نفسه، والله عز وجل خليفتى على كل مسلم».

هكذا يحسم القرآن الكريم والسنة المطهرة العلاقة بين الناس وبعضهم بأن كل امرئ حجيج نفسه، والله خليفة على كل أحد؛ ليرفع الناس أياديهم عن بعض، ووصايتهم على بعض. ولتكن العلاقة بينهم تناصحاً وتعارفاً مبنياً على القاعدة الفقهية التى اكتشفها الإمام الشافعى من عموم النصوص الشرعية: «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب».

ومع هذا الوضوح فى فقه الدنيا الذى يختلف عن أحكام الآخرة إلا أن المفسدين فى الدين والمعادين لحرية الإنسان يحولون بينه وبين الدين الخالص بزعمهم معرفة الحق المطلق فى المسائل الخلافية، حتى يتبعهم الناس وينساقوا إليهم. وفى سبيل تحقيق أمانيهم هذه فإنهم يصفون قول مخالفيهم بالشذوذ والضعف؛ لعجزهم عن رد الحجة بالحجة، وليس لحقيقة الشذوذ أو الضعف التى لا يعرفها أحد بيقين إلا يوم القيامة. وقد ذكر الفقهاء المخلصون أكثر من دليل لرد كيد هؤلاء المفسدين، ونكتفى بذكر ثلاثة منها:

الدليل الأول: أن الصحابة رضى الله عنهم اختلفوا فى فهم النصوص التى يبدو فى ظاهرها الوضوح، وقد أقرهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) على تلك الفهوم المختلفة ولم يأمرهم بتوحيدها، أو الاحتكام إلى قاعدة معينة لتوحيد الفتوى؛ إعلاءً لحرية الإنسان وتعظيماً لمبدأ استفتاء القلب. ومن ذلك ما يلى:

(1) اختلاف الصحابة بعد غزوة الأحزاب فى صلاة العصر مع قول النبى (صلى الله عليه وسلم) لهم: «لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة». فمع بيان النهى وجلائه إلا أن بعضهم عمد إلى صلاتها فى موعدها قبل بنى قريظة؛ عملاً بما فهم من النهى وهو الإسراع. وخالف فى ذلك بعضهم فعمد إلى تأخير صلاة العصر إلى بنى قريظة، وقد فات وقت الصلاة؛ عملاً بما فهم من ظاهر النهى. وقد أقر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الفهمين ولم ينكر على أحد ولم يعـنف واحداً من الفريقين. كما أخرجه الشيخان عن ابن عمر. وللحديث بقية.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 12-04-2013 الساعة 12:03 AM
رد مع اقتباس