نعيش هذه الأيام حالة مركبة من التناقضات يصعب على العقل تخيلها.. لكنهم قديمًا قالوا إن مصر أم العجائب…
فالحزب القوي الذي يقال إنه يحكم مصر, تتعرض مقراته للحرق والحصار والتهديد في مشهد يومي متكرر, ويسقط من بين أعضائه ثمانية شهداء في يوم واحد ونحو 1500 مصاب, بينهم أكثر من مائتي مصاب بطلقات نارية.
والجماعة التي يقال إنها تكوش على كل شيئ في البلاد تتعرض مقراتها كل يوم للحرق والنهب, بما في ذلك مقرها الرئيس.
من يتعرض للقتل يقال عنه إنه قاتل! ومن يقع ضحية العدوان يقال إنه هو المعتدي! والمعتدون الذين يجري تسليمهم للسلطات يتم إطلاق سراحهم!
ووزارة الداخلية التي يقال إن الإخوان سيطروا عليها وجعلوها أداة لهم في مواجهة المعارضة تكتفي بالفرجة, ومصمصة الشفاه, أو في أحسن الأحوال التواجد “لمراقبة الموقف عن كثب”، بل علمت من بعض من كانوا عند المركز العام للإخوان الذي جرى اقتحامه وتخريبه مساء الخميس الماضي أن الشرطة التي تسلمت المكان لتأمينه هي التي فتحت الباب الخلفي للمقتحمين, شرط أن ينهوا مهمتهم خلال عشر دقائق.
والرئيس الذي يقال إن ديكتاتور مستبد يتعرض للهجوم اللفظي ليل نهار, والهجوم المادي أحيانا, فيحاصر مقر الرئاسة وتجري محاولات لاقتحامه, وكلما مد يده لمعارضيه أشاحوا وجوههم في استعلاء وكرروا شروطهم, وانتظروا أن يأتيهم مذعنًا!!.
والذين يشتكون من تقييد حرية التعبير يمارسون حرية تعبير منفلتة من أي ضابط قانوني أو مهني أو أخلاقي.
ومن تفرض عليهم طبيعة عملهم الابتعاد عن السياسة, دخلوا في إضراب مفتوح وتفرغوا للسياسة بالكلية, وتقمص بعضهم دور الزعيم والثورجي والحنجوري.
والذين يُفترض فيه التعقل والرزانة والصدق لا نرى منهم سوى التهور والغوغائية والكذب وقول الزور. وجبناء الأمس أصبحوا فرسان اليوم, وخونة الأمس باتوا أكثر الناس وطنية، والبلطجية أضحوا ثورجية, وقاتل أخي بالأمس أصبح اليوم شريكي ورفيق دربي, أرشده بنفسي ليقتل أخي الذي كان معي بالأمس في خندق واحد.
ما الذي قلب الأوضاع, وبدل المواقف وأشاع كل هذه الفوضى؟ بالطبع ليس هو الإعلان الدستوري, فمخاطره محدودة تكاد تنتهي, ولا الدستور, فالملاحظات عليه أقل من أن تقودنا إلى هذه الحالة, ولكن عدم الرغبة في استقرار الأوضاع بعد أن شارفت المرحلة الانتقالية على الانتهاء.
ولماذا الخوف من الاستقرار؟ لأن الاستقرار يتبعه الإنجاز, الذي يؤدي بالتبعية إلى رضا الناس وزيادة شعبية من قام بالإنجاز, وبالتالي زيادة فرصته في البقاء في الحكم. الاستقرار يعني أيضًا بدء الحساب وفتح الملفات. الرافضون للاستقرار, والخائفون منه يريدون انتهاز الفرصة السانحة قبل أن تضيع, واستغلال حالة السيولة قبل أن تتحول إلى حالة صلبة, واستغلال الفوضى قبل أن تصبح نظامًا, وكسب مزيد من الوقت لطمس أدلة الإدانة.
وأرجوك لا تذكرهم بضرورة التسليم بنتائج الانتخابات, والصراع السلمي على السلطة, وآليات الانتقال السلمي للسلطة, فهذا آخر ما يرغبون في تذكره الآن.
__________________
أ/ كامـــــــــــــــــــــل علــــــــــــــــــى
مدرس اول (التاريخ والجغرافيا والاقتصاد)
قرية الشوامى -مركز بلقاس دقهلية
سلسلة وادى فاطمة فى الدراسات
(خبرة فى كادر المعلم وتنسيق الجامعات)
|