دعوة الإسلام للحوار
لم ينتشر الإسلام ونظامه في المشارق والمغارب إلا بفضل الحوار الهادف الذي يعني قبول التكافؤ بين مختلف الشعوب والأمم .
فبالحوار والإقناع وإعطاء التصور الصحيح للإسلام ، ومحاولة نقاش الآخرين واحترامهم ، تحقق انتصار الإسلام ، وتم قبول دعوته السامية القائمة على البساطة والاعتقاد الصحيح ، والتزام حقوق الإنسان ، ولا سيما العمل بمقتضى العدالة والمساواة والحرية والإخاء الإنساني والمرونة .
ومنهج الإسلام هو اتباع طريقة الحوار التام أو السوي الذي يقصد به الكشف عن الحقيقة المجردة ، وتحقيق المصادقة بين المتحاورين .
ولا فرق بين الحوار المحلي في داخل الدولة مع بعض المتطرفين ، أو الحوار الخارجي أو الدولي بين المسلمين وغيرهم من الشعوب والأمم من أتباع المذاهب والأديان الأخرى ، لتحقيق رسالة الاستخلاف في الأرض ، وتحقيق النجاح في نشر الدعوة الإسلامية ، فالإسلام كله دعوة دائمة للحوار مع أهل الأديان الأخرى ، وهو أيضا دعوة خالصة لحوار الحضارات لبيان زيف الحضارة المادية وانطلاقها من الماديات فقط ، وإثبات صحة منهج الحضارة الإسلامية القائمة على مراعاة الماديات والروحانيات معا .
والحوار أجدى على الإسلام والمسلمين من التقاطع والتدابر والانعزال ، أو العزلة أو الانغلاق والعنصرية فهو يحقق المصلحة الإسلامية ، بنشر الدعوة بطريق هادئ ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية مع المشركين ، ولأن الحوار دليل على الثقة بالنفس والمبدأ ، ولأن الإسلام كما عرفنا دين التسامح والتوازن والاعتدال ، ولا يقر ما يسمى بالإرهاب الفكري والحربي إلا للضرورة لقمع عدوان المعتدين ، واستخلاص الحقوق المغتصبة من الظلمة الغاصبين .
كما أن الإسلام في تكوين عقيدته وغرس الإيمان في النفس الإنسانية يعتمد على العقل والحكمة ، والعلم وموازينه ، وتبادل الآراء المفيدة لإظهار الحقيقة ، وإيثار المصلحة ، وتوفير مناخ السعادة ، والابتعاد عن الهرطقة والسفسطة والجدل العقيم .
ولا يغمط الإسلام ثقافة الآخرين ومعارفهم وتجاربهم ، لكنه يصحح المعوج منها أو الضار ، ويوجه الناس للخير دون إجبار .
ولا ينكر في الإسلام تفاوت المدارك والثقافات والنزعات ، فيكون الإسلام الذي هو رحمة شاملة للعالمين طريق إنقاذ ونجاة ، وإرساء لمعالم الحكمة والاعتدال ، بالحوار المفيد والنقاش الهادئ .
ولدينا دعوتان قرآنيتان للحوار :
الأولى : فيما بين المسلمين أنفسهم وفيما بينهم وبين غيرهم ، في قول الله تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } [ النحل: 125 ] .
الثانية : أسلوب الحوار مع أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) بصفة خاصة:
وذلك في الآية الكريمة: { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } [ العنكبوت: 46 ] .
وعلى العكس من ذلك فإن غير المسلمين هم أعداء الحوار البناء ، كما ورد في آيات قرآنية كثيرة ، منها: { ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق } [ الكهف: 56 ] ومنها: { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } [ الحج: 8 ] .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
(وسطية الإسلام وسماحته – الدكتور وهبة ابن مصطفى الزحيلى)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته