عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-10-2012, 02:12 AM
الصورة الرمزية مستر محمد سلام
مستر محمد سلام مستر محمد سلام غير متواجد حالياً
مشرف اللغة الانجليزية الاعدادية سابقا
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 7,597
معدل تقييم المستوى: 20
مستر محمد سلام is on a distinguished road
Star شخصيات قرآنية****قراء القران الكريم***شخصيات ذات اصوات ربانية********اسالكم الدعاء***





اعزائي كبار زوار منتدانا العظيم


راودتني فكرة جمع قراء القران الكبار

شخصيات قرآنية


جاء في الحديث المتفق على صحته، قوله صلى الله عليه وسلم: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، فكل إنسان هيأه الله سبحانه لعمل يقوم به في هذه الحياة، والموفق من أدرك ما هيأه الله إليه،..

**********************************************

اولا: الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد


مولده ونشأته

ولد الشيخ عبد الباسط في قرية (المراعزة) التابعة لمدينة (أرمنت) بمحافظة (قنا) بجنوب جمهورية مصر العربية، وصادف مولده السنة الهجرية (1345)، الموافق من السنة الميلادية (1927) .

وكان من فضل الله عليه وعلى الناس أن جاء مولد الشيخ وسط أسرة قرآنية، فكان جده حافظاً لكتاب الله ومجيداً لقراءته وتجويده، وكان أبوه وأخواه كذلك، فكانت هذه الأسرة الصالحة البيئة القرآنية التي نشأ بها قارئنا الشيخ عبد الباسط .

رحلته مع القرآن

عندما شارف الشيخ سن السادسة دفع به والده إلى مركز لتحفيظ القرآن في قريته، وكان يسمى في ذلك العهد (الكُتَّاب)، وفي ذلك المركز انكشفت مواهب الشيخ، وبدأت الأنظار تلتفت إليه، وترنو نحوه .

في ذلك المركز أتم الشيخ حفظ القرآن كاملاً على يد الشيخ ( الأمير )، وكانت طموحاته تتوجه تلقاء جمع قراءات القرآن، فاستشار والده وشيخه في ذلك، فأشارا عليه أن يتوجه إلى الشيخ محمد سليم ، الذي كانت الرحال تُشد إليه، من أجل جمع قراءات القرآن، والأخذ من علومه وفنونه .

وبالفعل، لم يتوان الشيخ عبد الباسط عن العمل بما أشار عليه والده وشيخه ( الأمير )، فقصد الشيخ محمد سليم ، الذي استقر به المقام مدرساً للقراءات بالمعهد الديني بمدينة (أرمنت)، فلازمه إلى أن أتم جمع القراءات القرآنية .

بعد أن اشتد عود الشيخ عبد الباسط ، وانتشر صوته وصيته، مضافاً إلى كل ذلك تزكية شيخه محمد سليم ، بدأت الدعوات المحلية تنهال عليه من العديد من المدن والقرى المصرية، فكان الشيخ لا يألوا جهداً في تلبية تلك الدعوات، حيث كان يقرأ فيها ما تيسر من القرآن بصوت تخشع له القلوب، وتقشعر له الأبدان .

وفي أولى زيارات الشيخ عبد الباسط لمدينة القاهرة في إحدى المناسبات الدينية، اجتمع فيها الشيخ في مسجد السيدة زينب مع مشاهير القراء حينئذ، أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل ، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي ، والشيخ أبي العينين شعيشع ، وغيرهم من القراء المشهود لهم في ذلك الحين، وسنحت الفرصة في تلك المناسبة للشيخ عبد الباسط أن يقرأ بين يدي هؤلاء القراء، وكان من الأمر ما كان، فظُنَّ خيراً ولا تسأل عن الخبر .

كانت هذه المناسبة هي واسطة العقد بين الشيخ عبد الباسط والإذاعة، فقد اختارت الإذاعة المصرية بعد أن وصل إلى سمعها ومسامعها تسجيل الشيخ عبد الباسط ، الذي أداه في ذلك اللقاء، ومن ثم تمَّ اعتماده في الإذاعة جنباً إلى جنب مع القراء الكبار، ومنذ ذلك الحين استقر المقام بالشيخ في مدينة القاهرة، ومن إذاعتها بدأ صوته يسافر خارج مصر، ويجوب أنحاء الدنيا، وأصبح قارئاً على المستوى الإسلامي، بل والعالمي .

رحلاته القرآنية

وإذا كانت قراءة الشيخ في مسجد السيدة زينب هي نقطة الوصل بين الشيخ والإذاعة المصرية، فإن تلك الإذاعة بدورها كانت مركز انطلاق الشيخ عبد الباسط صوب العالم الرحب، فمن خلال تلك الإذاعة عرف الناس في أنحاء العالم الإسلامي الشيخ عبد الباسط ، وارتبطت قلوبهم بصوته النديِّ، وأدائه القويِّ، ومن ثم بدأت الدعوات الخارجية تتدفق عليه من كل حدب وصوب، ولم يكن الشيخ ليخيب تلك الدعوات، بل استجاب لمعظمها، وسافر للعديد من الأقطار الإسلامية حاملاً رسالة القرآن إلى العالمين .

كانت أول زيارة للشيخ عبد الباسط خارج مصر عام (1952)، حيث قصد المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، وكانت تلك الزيارة فرصة للطلب من الشيخ عبد الباسط القيام ببعض التسجيلات القرآنية، ففعل الشيخ ذلك مشكوراً مأجوراً، وسجل بصوته الرخيم عدداً من التلاوات القرآنية، كان أشهرها تلك التي سجلت بالحرمين المكي والمدني، حيث لُقِّب بعدها بـ (صوت مكة) .

وكان من بين الدول التي زارها الشيخ عبد الباسط دولة الباكستان، حيث استقبله رئيسها حينئذ استقبالاً رسمياً، وزار أيضاً دولة أندونسيا وقرأ في مساجدها، التي اكتظ مسلموها لسماع صوته، وزار كذلك دولة الهند، وغيرها من الدول، وذاع صيته شرقاً وغرباً .

هذا، ولم تقتصر زيارات الشيخ لدول العالم العربي والإسلامي فحسب، بل امتدت زياراته لتشمل عدداً من الدول الغربية، فزار كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وغيرها من دول العالم .

ومن أهم المساجد التي قرأ فيها الشيخ عبد الباسط: المسجد المكي، والمسجد المدني، والمسجد الأقصى، والمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بفلسطين، والمسجد الأموي بدمشق، إضافة إلى العديد من مساجد العالم الإسلامي وغيره .

أثره

كان لزيارات الشيخ عبد الباسط إلى العديد من دول العالم أثر كبير على الإسلام والمسلمين، حيث بلَّغ رسالة القرآن خير بلاغ، وتأثر الكثير ممن استمع لصوت الشيخ وهو يقرأ القرآن بصوته النديِّ، وأدائه القوي، فكان سبباً في هداية كثير من القلوب القاسية، واهتدى بتلاوته كثير من الحائرين. وفوق ذلك، كان الشيخ عبد الباسط سبباً في توطيد العلاقات بين كثير من شعوب دول العالم، حيث جمع الله بجهده وصوته شيئاً مما تفرق .

تكريمه

كان للشيخ عبد الباسط مكانة رفيعة عند المسلمين، شعبياً ورسمياً، الأمر الذي حمل عدداً من الدول إلى تكريمه ببعض الأوسمة والشهادات؛ تقديراً لجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين، ومن تلك التكريمات التي قُدمت له: شهادة (التقدير الفخرية) من دولة الباكستان، ومنحته الجامعة الإسلامية في باكستان شهادة (الدكتوراه الفخرية)؛ تقديراً لدوره في خدمة القرآن الكريم، ونال (وسام الاستحقاق) الذي منحته إياه سوريا، و(وسام الأرز) من لبنان، و(الوسام الذهبي) من ماليزيا، إضافة إلى وسام من السنغال، وآخر من المغرب .

خاتمة المطاف

استمرت رحلة الشيخ مع القرآن الكريم ما يقرب من نصف قرن أو يزيد، كانت رحلة عامرة بالخير والعطاء، لكن لا بد لكل شيء من نهاية، فبعد صراع مع المرض أسلمت روح الشيخ إلى بارئها، وفارقت الحياة بعد رحلة من العطاء، لا زالت مستمرة حتى يوم الناس هذا، وإلى أن يشاء الله رب العالمين .

وقد وافق رحيل الشيخ عبد الباسط من التاريخ الهجري: 21/جمادى الأولى/1409، الموافق من السنة الميلادية: 30/12/1988، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً، حيث شُيِّع على المستوى الرسمي والشعبي، فخرج لتشييعه جميع سفراء الدول الإسلامية في القاهرة، إضافة إلى حشود غفيرة من المسلمين، سائلين المولى له حسن الجزاء وخير الثواب .

أخيراً، فقد سئل الشيخ الشعراوي عن رأيه في عدد من قراء القرآن المرموقين، وكان ممن سئل عن إبداء رأيه فيه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ، فكان جوابه: إن أردنا حلاوة الصوت فهو عبد الباسط عبد الصمد .


******************************************

ثانيا:القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل




الشيخ مصطفى إسماعيل من القراء الذين ذاع صيتهم، واشتهر أمرهم، والتف الناس من حولهم، لسماع آيات القرآن الكريم؛ ويُعد رحمه الله نبوءة الشيخ محمد رفعت . فمن هو الشيخ مصطفى إسماعيل ، وماذا عن رحلته مع القرآن الكريم .


البداية كانت من قرية ميت غزال محافظة الغربية من جمهورية مصر العربية، حيث ولد الشيخ فيها سنة 1322هـ- 1905م من أسرة كان لها شأن في تلك القرية. ألحقه والده منذ سن مبكر بالكُتَّاب لحفظ القرآن، وعلى الرغم من تلكئه عن الأمر بداية - على عادة صغار السن في ذلك - بيد أنه أخيرًا أفلح وأنجع، وأتم حفظ القرآن الكريم، وكان له من العمر اثني عشر عامًا .


بعد ذلك، بدأت شهرة الشيخ تشق طريقها من خلال القراءات التي كان يؤديها في المساجد وغيرها، والتي من خلالها تم له الالتقاء بالشيخ محمد رفعت ، الذي استمع إلى قراءته، وأثنى على أدائه ثناءً حسنًا، وشجعه على متابعة القراءة بعد إتقان أحكام التجويد، وفنون التلاوة .


عمل الشيخ مصطفى بتوجيه الشيخ محمد رفعت ونصيحته، فأخذ على نفسه عهدًا بإتقان التجويد عن طريق أهل ذلك العلم، فلزم الشيخ محمود حشيش - وكان من قرَّاء المعهد الأحمدي - الذي تعاهد الشيخ بالمتابعة والتوجيه، إلى أن آتت تلك الجهود أكلها مباركة طيبة.


ومع أن الشيخ مصطفى إسماعيل كان من المعجبين والمتأثرين بصوت الشيخ محمد رفعت ، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي وغيرهما.. غير أنه مع ذلك أخذ يشق لنفسه طريقًا خاصًا ومميزًا، حتى أثمر ذلك مدرسة لها أداؤها الخاص، ومنهجها المميز.


ثم قُدِّر لـ الشيخ مصطفى بعدُ أن يزور القاهرة، ويقرأ في الجامع الأزهر الشريف ما تيسر من القرآن، ومن خلال ذلك عُرف الشيخ وذاع صيته، واعتمد من ثَمَّ في الإذاعة المصرية قارئًا، وكان قبلُ قد عُيِّن رسميًا قارئًا في القصر الملكي .


امتاز الشيخ مصطفى رحمه الله بعذوبة صوته، وقوة أدائه، وعُرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل في القراءة التجويدية، فكان صاحب مدرسة جديدة في أسلوب التلاوة والتجويد .


سجَّل الشيخ مصطفى إسماعيل بصوته القرآن الكريم كاملاً مرتلاً، وترك وراءه العديد من التسجيلات المجوَّدة، التي لا تزال إذاعات القرآن الكريم - جزاها الله خيرًا - تصدح بها صباح مساء .


وقد تلقى الشيخ إسماعيل الدعوات والطلبات من دول عربية وإسلامية للقراءة فيها، فلبى تلك الدعوات، وسافر إلى العديد من تلك الدول، وقرأ فيها ما فتح الله عليه أن يقرأ .


في سنة 1398هـ - 1987م وأثناء سفر الشيخ إلى مدينة الإسكندرية للقراءة في بعض المناسبات، كان الشيخ على موعد آخر في غير هذه الدار، إذ وافته منيته، وغادر الدنيا الفانية إلى الدار الباقية، رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأجزل الله له الثواب والمغفرة على ما قدمه من خير للمسلمين { وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا } (المزمل: 20) .


************************************************** ********
ثالثا:القارئ محمد صديق المنشاوي


الشيخ محمد صديق المنشاوي أحد قرَّاء القرآن الأعلام، الذين وهبوا حياتهم لتلاوة القرآن الكريم حق تلاوته، وتجويده أحسن ما يكون التجويد، فعاش بالقرآن، وعاش مع القرآن، إلى أن سارع إليه الأجل ولَمَّا يبلغ الخمسين من العمر.


ولد الشيخ رحمه الله سنة 1338هـ-1920م بقرية المنشأة التابعة لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، من أسرة قرآنية حملت رسالة القرآن كابرًا عن كابر؛ فأبوه الشيخ صديق المنشاوي ، كان قارئًا مجودًا للقرآن، واشتهر من خلال ذلك، وأيضًا كان عمه الشيخ أحمد السيد من المقرئين المبرزين في هذا المضمار، وقد ورث الشيخ محمد صديق المنشاوي عن هذه السلالة المباركة تجويد القرآن وترتيله.


التحق الشيخ منذ وقت مبكر من عمره بالكُتَّاب، وكان شيخه يشجعه ويتعهده بالعناية والرعاية، لِمَا لمس منه سرعة في الحفظ، وقوة في الحافظة، عِلاوة على حلاوة الصوت؛ ولمَّا بلغ الثامنة من العمر كان قد أتم حفظ القرآن الكريم.


ومع مرور الأيام والأعوام بدأت شهرة الشيخ تمتد وتنتشر، لما عُرِف عنه من حُسْن قراءة، وسلامة أداء، فأصبح حديث الناس في مصر؛ ولَمَّا عُرِض عليه الحضور للإذاعة من أجل اختياره واعتماده قارئًا في الإذاعة، رفض ذلك العرض، فاضطرت الإذاعة بنفسها أن تحضر إليه في إحدى المناسبات التي كان يقرأ فيها، فسجلت له ما تيسر من القرآن الكريم، وتمَّ اعتماده قارئًا في الإذاعة على إثر ذلك بعد طول رفض وممانعة.


بعد ذلك انتقلت شهرة الشيخ المنشاوي خارج مصر، وتلقى العديد من الدعوات والطلبات من الإذاعات والدول للقراءة فيها، فاستجاب لِمَا يسره الله له، فزار إندونيسيا بدعوة من رئيسها، وزار العديد من الدول العربية والإسلامية.


امتاز الشيخ المنشاوي في قراءته القرآنية، بعذوبة الصوت وجماله، وقوة الأداء وجلاله، إضافة إلى إتقانه تعدد مقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية. وللشيخ المنشاوي تسجيل كامل للقرآن الكريم مرتل، وله أيضًا العديد من التسجيلات القرآنية المجودة.


تأثر الشيخ المنشاوي بالشيخ محمد رفعت رحمه الله، وكان محبًا له، ومن المعجبين بصوته وتلاوته، وكان كذلك يحب الاستماع إلى أصوات كبار المقرئين الذين عاصروه، كالشيخ عبد الفتاح الشعشاعي ، و أبي العينين شعيشع ، و البنا ، وغيرهم.


ومن الصفات الشخصية للشيخ المنشاوي رحمه الله أنه كان شديد التواضع، لين الجانب، عطوفًا على الفقراء والمساكين، محباً للخير آتياً له.


من المواقف التي تُذْكَر للشيخ، موقفه من الدعوة التي وُجِّهت إليه في عهد الرئيس عبد الناصر ، إذ وجَّه إليه أحد الوزراء الدعوة قائلاً له: سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفلاً يحضره الرئيس عبد الناصر ، فما كان من الشيخ إلا أن أجابه قائلاً: ولماذا لا يكون الشرف ل عبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي ، ورفض أن يلبي الدعوة.


أمضى الشيخ رحمه الله حياته قارئًا لكتاب الله، إلى أن وافاه الأجل بعد مرض عضال ألـمَّ به، وكان ذلك سنة 1388هـ-1969م، ولَمَّا يتمَّ الشيخ الخمسين من العمر. رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وجزاه الله خيرًا عن المسلمين.


**************************************************
رابعا:القارئ الشيخ محمود خليل الحصري


عدُّ الشيخ محمود خليل الحصري أشهر من رتل القرآن الكريم في القرن الهجري الماضي؛ فهو صاحب مدرسة أحكام التلاوة، لم يرض لنفسه أن يكون قارئًا لكتاب الله فحسب، بل نجح في أن يترك أثراً حسنًا في نفوس سامعيه؛ وهو أول من سجل القرآن بصوته مرتلاً في الإذاعة المصرية في مطلع الستينيات من القرن الميلادي المنصرم (1379هـ) فذاع صيته وصوته بأدائه المتميز في أنحاء العالم كافة .


ولد الشيخ الحصري سنة 1335هـ الموافق 1917م بقرية شبرا النملة، بمحافظة الغربية من جمهورية مصر العربية، وحفظ القرآن الكريم وكان له من العمر ثماني سنوات، وعُين بعدُ في العديد من المساجد لقراءة القرآن وإقرائه .


في سنة 1363هـ - 1944م تقدم لامتحان الإذاعة، فجاء ترتبيه الأول على المتقدمين، ووصل من خلالها صوته شرقًا وغربًا. ثم عُيِّن مفتشًا للمقارئ المصرية، فرئيسًا لمشيخة المقارئ المصرية، وتولى العديد من المهام الشرعية الأخرى .


أدرك الشيخ الحصري منذ وقت مبكر أهمية تجويد القرآن في فهم القرآن وتوصيل رسالته، فالقراءة عنده علم وأصول؛ فهو يرى أن ترتيل القرآن يجسد المفردات القرآنية تجسيدًا حيًا، ومن ثَمَّ يجسد مدلولها التي ترمي إليها تلك المفردات...كما أن ترتيل القرآن يضع القارئ في مواجهة عقلانية مع النص القرآني، تُشعر القارئ له بالمسؤولية الملقاة على عاتقه .


هذا...وقد امتاز الشيخ الحصري بقراءته المتقنة للقرآن الكريم، تجلَّى ذلك في رزانة صوته، وحسن أدائه لمخارج الحروف وصفاتها، ناهيك عن مراعاته التامة لأحكام الغُنَّات، ومراتب التفخيم والترقيق، وغير ذلك من أحكام التجويد التي أتقنها غاية الإتقان .


كان الشيخ الحصري - علاوة على كونه قارئاً متقنًا لكتاب الله - ذا علم واسع بالتفسير والحديث، مجيداً لقراءات القرآن العشر؛ إذ عكف طيلة حياته على علوم القرآن، وشُغف بعلم القراءات حتى أصبح عَلَمًا من أعلامه، فنال فيها شهادة من الأزهر الشريف، وكان يحاضر في موضوعاتها في العديد من الجامعات الإسلامية .


كتب الشيخ الحصري العديد من المؤلفات المهمة في هذا الشأن، والتي أفاد فيها وأجاد، نذكر منها " أحكام قراءة القرآن الكريم " و" القراءات العشر من الشاطبية والدرة " و " معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء " وله غير ذلك من المؤلفات المفيدة .

ومن الآثار النافعة التي تركها الشيخ الحصري لهذه الأمة، نذكر ما يلي:


- تسجيل المصحف المرتل براوية حفص عن عاصم سنة 1380هـ - 1961م .


- تسجيل المصحف المرتل برواية ورش عن نافع سنة 1383هـ - 1964م .


- تسجيل المصحف المرتل برواية قالون ، ورواية الدوري ، ورواية البصري ، سنة 1387هـ - 1968م .


- تسجيل المصحف المعلِّم سنة 1388هـ - 1969م .


- تسجيل المصحف المفسر ( مصحف الوعظ ) سنة 1392هـ - 1973م .


وقد اعتمدت هذه التسجيلات في أنحاء العالم الإسلامي كافة، وأصبحت مرجعًا أساسًا لقارئي القرآن الكريم ومستمعيه، وقد نفع الله بها، ووُضع لها القبول بين العامة والخاصة .


وقد سافر الشيخ الحصري إلى العديد من دول العالم، قارئًا لكتاب ربه، وحاملاً لرسالة القرآن، فتأثر بصوته وأدائه الكثير، ووفق الله البعض لإعلان الإسلام على يديه .


وللشيخ الحصري توجه خاص لخدمة كتاب الله، فقد أوصى بثلث ماله لبناء بعض معاهد القرآن، وأوصى برعاية وتعهد حفظة كتاب الله، بل كان أول من دعا إلى إنشاء نقابة خاصة بقراء القرآن الكريم .


فارق الشيخ الدنيا سنة 1400هـ - 1980م بعد أن امتدت رحلته مع كتاب الله الكريم ما يقرب من خمسة وخمسين عامًا. رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وجزاه الله خيرًا عن الإسلام والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


************************************************** ******
خامسا:القارئ الشيخ محمد رفعت


شهد القرن الهجري المنصرم بزوغ عدد من قراء القرآن الكريم، الذين تجاوزت شهرتهم الآفاق، وقدموا عصارة حياتهم خدمة لكتاب ربهم، ورفعة لأمر دينهم .


ولا نبعد عن الحقيقة إذا قلنا: إن الشيخ محمد رفعت - رحمه الله - كان في مقدمة أولئك الرعيل، الذين أسهموا في إبلاغ رسالة الإسلام، ووهبوا حياتهم لحمل راية القرآن .


ولد الشيخ محمد رفعت في القاهرة سنة 1882م، وعندما بلغ السنتين من العمر فَقَدَ بصره؛ ولمَّا آنس منه والده توجُّهًا لكتاب الله، دفع به إلى أحد الكُتَّاب ليعلمه تجويد القرآن، وفرغه لذلك، فأفلح الطفل، وحفظ كتاب الله ولمَّا يبلغ العاشرة من عمره .


عند تلك المرحلة أدركت والده الوفاة، فوقعت مسؤولية الأسرة على عاتقه؛ ومع ذلك لم ينقطع عما وهب نفسه له، بل استمر فيما بدأ به، حتى عُيِّن في سن الخامسة عشرة قارئًا في أحد مساجد القاهرة، وفتح الله عليه ما فتح، فذاع صيته وانتشر .


ثم إن الشيخ - رحمه الله - لم يكتف بما وهبه الله من صوت شجيٍّ، بل وجَّه اهتمامه لدراسة علم القراءات القرآنية، وقراءة أمهات كتب التفسير، ليكون ذلك عونًا له على قراءة كتاب الله وتجويده .


امتاز الشيخ - علاوة على ما كان عليه من عذوبة صوت - بأنه كان صاحب مبدأ سامٍ وخلق رفيع؛ فكان عفيف النفس، زاهدًا بما في أيدي الناس؛ فكان يأبى أن يأخذ أجرًا على قراءة القرآن، وكان شعاره في ذلك قوله تعالى: { وما أسألكم عليه من أجر إن أجريَ إلا على رب العالمين } (الشعراء:109) ومن أقواله المشهورة: " إن قارئ القرآن لا يمكن أبداً أن يهان أو يدان " وكان هذا القول شعاره في الحياة على مر الأيام؛ لذلك رفض العديد من العروض التي وُجِّهت إليه للقراءة في العديد من الإذاعات، وكان يقول: " إن وقار القرآن لا يتماشى مع الأغاني الخليعة التي تذيعها الإذاعة " .


على أن الشيخ - رحمه الله - لم يقبل أن يقرأ في الإذاعة المصرية إلا بعد أن استفتى لجنة الإفتاء في الأزهر الشريف، فأفتوه بمشروعية ذلك، فقرأ ما يسر الله له أن يقرأ، ومنها ذاعت شهرته في الآفاق، وفتح الله بصوته قلوبًا قد طال عليها الأمد .


أما عن شخصيته، فقد كان الشيخ رفعت - رحمه الله - بكَّاء بطبعه، وعُرِف عنه العطف والرحمة بالآخرين، فكان يجالس الفقراء والمحتاجين، ويرعى الصغير، ويعطف على الكبير، وهناك العديد من القصص التي رويت عنه في هذا المجال، تدلِّل على هذا الجانب في شخصيته الإنسانية .


وقد شاء الله سبحانه أن يصاب الشيخ محمد رفعت ببعض الأمراض التي ألزمته الفراش، وحالت بينه وبين تلاوة القرآن، وبقي ملازمًا لفراشه حتى وافته المنية سنة 1950م، بعد أن أمضى جُلَّ حياته قارئًا لكتاب ربه، وحاملاً لراية قرآنه، متأسيًا بقوله صلى الله عليه وسلم: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) رواه البخاري .


ونختم هذه النبذة التعريفية بالشيخ محمد رفعت ، بما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - عندما سئل يومًا عن رأيه في كل من الشيوخ: محمود خليل الحصري ، و عبد الباسط عبد الصمد ، و مصطفى إسماعيل ، و محمد رفعت ، فأجاب بقوله: إذا أردنا أحكام التلاوة فهو الحصري ، وإن أردنا حلاوة الصوت فهو عبد الباسط عبد الصمد ، وإذا أردنا النَّفَس الطويل مع العذوبة فهو مصطفى إسماعيل ، وإذا أردنا هؤلاء جميعًا فهو الشيخ محمد رفعت ، رحم الله الجميع .


وقد سئل بعض الكُتاب عن سر تفرد الشيخ رفعت بين قرَّاء زمانه، فأجاب: " كان ممتلئًا تصديقاً وإيماناً بما يقرأ " .


هذا...وقد نعتْه معظم الإذاعات يوم وفاته، وجاء في نعي الإذاعة المصرية يوم وفاته: " أيها المسلمون، فقدنا اليوم عَلَمًا من أعلام الإسلام " رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته .


************************************************** *****
سادسا:الشيخ محمد حماد

كثيرة هي تلك الأصوات التي ارتضت لنفسها حياة الظل والبعد عن الأضواء، وآثرت الآخرة على الدنيا، فجعلت الإخلاص شعارها، والعمل بما يرضي الله وجهتها.


والشيخ محمد حماد - رحمه الله - يُعدُّ من الرعيل الأول من قراء القرآن الكريم، الذين التزموا بالقواعد الصحيحة، والأحكام السليمة لأصول التلاوة والتجويد، دون إفراط أو تفريط .


ولد الشيخ في قرية شبرا باص التابعة لمحافظة المنوفية، من القطر المصري، وحفظ القرآن الكريم ولَمَّا يبلغ الثامنة من عمره...وبعد أن التحق بالكُتَّاب وتكشَّفت مواهبه، نذر الشيخ نفسه لخدمة كتابة الله قراءة وإقراء .


برز الشيخ محمد حماد في مطلع شبابه، وسط كبار القراء بصوته العذب الجميل، وقدرته الفائقة على تطويع صوته حسب موضوع الآيات القرآنية التي يتلوها، مع التزامه الشديد بأصول القراءة، وأحكام التلاوة، دون التفات إلى سمعة أو شهرة؛ مؤمناً برسالة القرآن التي نذر نفسه لأجلها...فآثر الانشغال بما هو خير وأبقى، فوُضع له القبول بين الناس، وامتدت شبكة علاقاته إلى كل الناس، وصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ) رواه ابن حبان في "صحيحه" .


ورغم المنزلة التي تبوأها الشيخ في عالم تلاوة القرآن، بَيْدَ أنه لم ينقطع يوماً عن متابعة التحصيل العلمي، فكان - رحمه الله - ذا دأبٍ وصبرٍ وجَلَدٍ على طلب العلم، قلَّ نظيره، وعزَّ وجوده في غيره من القراء. وقد فتح الله عليه بالحصول على العديد من المؤهلات العلمية، الأمر الذي هيأه ودفعه ليقوم بدور الداعية بعد أن تيسرت له أسباب ذلك. فجاب العديد من البلدان العربية والإسلامية، بعد أن تلقى منها العديد من الدعوات، حتى أثمرت جهوده الدعوية بإعلان العشرات من الناس الإسلام على يديه. وقد اعتمد رسمياً سفيراً فوق العادة للقرآن .


وللشيخ حماد - مع ما كان عليه من نشاط دعوي - مواقف اجتماعية وإنسانية مشهودة، تجلت في دعم كثير من المشروعات الخيرية، وبناء المساجد والجمعيات الإسلامية. إضافة إلى ما عُرف عنه من أنه كان مِعوانًا على الخير، ساعيًا في حاجة كلِّ من سعى إليه، فلم يكن يرد بابًا لأحد .


لقد عاش الشيخ حماد - رحمه الله - عفيف النفس، كريما،ً جواداً، إلى أن توفاه الله في إحدى ليالي شهر رمضان، بينما كان في إحدى رحلاته الدعوية في نيجيريا، وكان ذلك سنة 1991م بعد أن أنفق عمره داعياً لربه، وقارئاً لكتابه، نحسبه كذلك، والله حسيبه. رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته. ربِّ { توفني مسلما وألحقني بالصالحين } (يوسف:101) .


************************************************** *****
سابعا: القارئ الشيخ أبو العينين شعيشع


من الأصوات التي حباها الله من فضله بالموهبة، والطلاوة، والقدرة على تلاوة آيات الكتاب الحكيم من أعماق القلوب، لتصل إلى قلوب المسلمين كافة، في مشارق الأرض ومغاربها .


إنه واحد من جيل المقرئين الرواد، الذين نذروا حياتهم لخدمة القرآن الكريم، تلاوة وتجويدًا، قراءة وإقراء، واضعين نصب أعينهم، قوله صلى الله عليه وسلم: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) رواه البخاري .


نشأ قارئنا في ريف من أرياف مصر، وحفظ القرآن في سن مبكرة في حياته، واستمع لأصوات كبار المقرئين في وقته، كالشيخ محمد رفعت ، والشيخ مصطفى إسماعيل ، وغيرهما، وتأثر كثيرًا بالقارئ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي ، الذي كان يرى فيه المثل الأعلى، والقدوة الحسنة في مسيرته القرآنية .


في عام 1939 اختير الشيخ مقرئًا في الإذاعة المصرية، التي من خلالها انتقل صوته إلى أرجاء العالم الإسلامي كافة شرقاً وغرباً .


وكان منهجه في الحياة قائماً على الوسطية والاعتدال في كل شيء، وكان شعاره الذي سار عليه، وعمل لأجله يقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ونبذ ما سوى ذلك .


وكان من دعائه دائماً: "يا رب لا تحرمني من خدمة كتابك حتى ألقاك". وقد استجاب الله دعوته، وجعله سفيراً للقرآن في كل مكان حلَّ به .


سافر الشيخ أبو العينين إلى العديد من أقطار العالم العربي والإسلامي، تالياً لكتاب ربه، وداعياً إلى دينه، بالحكمة والموعظة الحسنة؛ كما لبى الشيخ أبو العينين دعوة من الراحل الشيخ عبد الله الأنصاري لزيارة دولة قطر في الستينات من القرن المنصرم، وقرأ فيها ما تيسر له من القرآن .


ومن مآثر الشيخ أبي العينين رحمه الله دعوته المستمرة للدول الإسلامية إلى تحفيظ القرآن الكريم للشباب منذ مرحلة الطفولة، لما للقرآن الكريم من دور أساس في بناء النفس الإنسانية، وإرساء معالم الشخصية الإسلامية، وهو يرى أن الأمة لو حفظت كتاب ربها فسوف يحفظها الله من كل المؤامرات التي تحيق بها...نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير، ويحفظ عليهم دينهم، آمين .


************************************************** ****
ثامنا: القارئ الشيخ أحمد الرزيقي



القارئ الشيخ أحمد الرزيقي واحد من الذين استطاعوا أن يصلوا بالمعاني القرآنية إلى قلوب المستمعين في الدول الإسلامية كافة، فقد حباه الله بصوت مكَّنه أن يُشعر من يستمع إليه بعظمة جمال القرآن الكريم .

ولد قارئنا الشيخ أحمد الرزيقي عام ( 1938م ) في قرية ( الرزيقات ) بمحافظة قنا، في جمهورية مصر العربية، واتجه لحفظ كتاب الله منذ طفولته، وما إن أتمَّ العاشرة من عمره حتى كان قد حفظ القرآن الكريم كاملاً، بتوفيق الله ورعاية منه .

وكان لتوجه الشيخ الرزيقي لحفظ القرآن وتلاوته قصة طريفة، حاصلها: أنه كان يومًا في طريقه إلى المدرسة، وكان الجو باردًا، فوجد جموعًا من الناس يقفون عند باب منزل أحد الوجهاء في بلدته، فأراد أن يستطلع الخبر، فسأل عن الأمر، فأخبروه أن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد سوف يقرأ القرآن عبر الإذاعة، وما هي إلا لحظات حتى صدع صوت الشيخ عبد الباسط عبر الإذاعة، وملك قلوب الجميع. وبعد أن قضي الأمر، وفُض الجمع، تساءل ( الطفل / الشيخ ) في نفسه قائلاً: لماذا لا أكون مثل الشيخ عبد الباسط ؟ ومن يومها، قرر ( الطفل / الشيخ ) أن يترك المدرسة، ويلتحق بحلقات الكُتَّاب، وعندما علم والده بالقرار الذي اتخذه ولده، أعجب بتصرفه، وأثنى عليه، وأقره على توجهه، ودعى له بالتوفيق والسداد .

وبعد أن تم له حفظ القرآن كاملاً، وهو ابن العاشرة, كافأه والده بأن اشترى له مذياعًا ليستمتع الشيخ أحمد بالاستماع إلى قراءة الرعيل الأول .

وقد أتم الشيخ الرزيقي حفظ القرآن في الكتَّاب على يد الشيخ محمود إبراهيم كريّم ، والذي يقول في حقه: ( ...شيخي علمني الكثير والكثير, وكانت رعايته ترقبني ... علمني أشياء أفادتني في حياتي كلها؛ علمني الكياسة، والفطانة، وكيفية التعامل مع الناس, وكيف أفكر قبل إصدار القرار, حتى في نطق الكلمة, أتذوقها أولاً، فإذا كان طعمها مستساغًا أنطقها, ولكنها إذا كانت مُرة المذاق, فسوف تكون أكثر مرارة إذا خرجت من لساني. وعلمني متى أتحدث, وفي أي وقت أتحدث, وكيف احترام الكبير والصغير, فكان الكُتَّاب جامعة داخل كُتَّاب ) .

بعد تلك المرحلة التأسيسية والرحلة التكوينية انتقل الشيخ إلى معهد تعليم القراءات ببلدة ( أصفون ) القريبة من قريته ( الرزيقات ) وقد كان يتولى أمر هذا المعهد الشيخ محمد سليم المنشاوي أحد علماء القراءات في مصر. حيث تلقى على يديه علم التجويد، والقراءات السبع، وعلوم القرآن .

بعد ذلك اشتهر أمر الشيخ الرزيقي وذاع في كثير من المدن والقرى المصرية، فانهالت عليه الدعوات للقراءة في المناسبات الخاصة والعامة، وكانت تلك الدعوات أكثر ما تكون خلال شهر رمضان المبارك, وأصبح الشيخ ذا مكانة رفيعة بين القراء، ومحل ثقة وتقدير وحب من الجميع. كل هذا مهد الطريق للشيخ للذهاب إلى القاهرة، والتعرف عن قرب إلى أعمدة القراء، وأعلام المقرئين .

وقد سعد الشيخ الرزيقي أثناء إقامته في القاهرة بصحبة عدد من المقرئين الكبار، الذين تتلمذ عليهم، وتلقى عنهم أصول القراءة، وفن التلاوة. وكان في مقدمة هؤلاء، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ، الذي تأثر به الشيخ الرزيقي كثيراً، وكان معجباً بصوته غاية الإعجاب، حتى إنه كان يعتبره مثله الأعلى، ولازمه ملازمة المحب للمحب. وقد ساعد الشيخُ عبد الباسط الشيخَ أحمد الرزيقي وشجعه على القراءة بين الرعيل الأول من القراء، الذين كانوا موضع إعجاب، ومحط أنظار في داخل مصر وخارجها على حد سواء .

وكان الشيخ الرزيقي حريصاً كل الحرص على متابعة مشاهير القراء عن طريق الإذاعة المصرية, وملازمتهم في الأماكن التي يترددون إليها لقراءة القرآن .

كما كان لأصحاب المدارس القرآنية، كالشيخ محمد رفعت ، والشيخ مصطفى إسماعيل ، والشيخ أبي العينين شعيشع وغيرهم من الرواد تأثير واضح على الأداء القرآني للشيخ أحمد الرزيقي ، إذ تأثر بأصواتهم، واقتفى أثرهم في أساليب أداء قراءة القرآن، وطرق تلاوته .

وفي سنة ( 1973 ) التحق الشيخ الرزيقي بالإذاعة المصرية، بعد أن تجاوز الاختبار المطلوب بكفاءة وامتياز. ومن القصص الطريفة التي حصلت للشيخ في هذا الاختبار ما يرويه لنا فيقول: ( ... أثناء اختباري كقارىء بلجنة اختبار القراء بالإذاعة، والتي كان الشيخ الغزالي رحمه الله أحد أعضائها، طلب مني فضيلته أن أقرأ سورة ( التغابن ) تجويداً، فقلت لفضيلته: لم أعود نفسي على تجويدها, ولكنني أجيد أداءها ترتيلاً. فأصر وألح علي لأجودها, ولكنني كنت أكثر إصراراً فقال له زميله باللجنة المرحوم الدكتور عبدالله ماضي : يا شيخ محمد ، الشيخ أحمد الرزيقي صادق، وهذه تحسب له.. فأود أن تجعله يقرأها مرتلاً.. وكان الشيخ محمد الغزالي سمحاً ما دام الأمر لا يؤثر على أحكام الدين والقرآن، فقال لي: رتلها يا شيخ أحمد فرتلت سورة ( التغابن ) وسعد الشيخ الغزالي بالأداء لدرجة أنه شكرني، وأثنى على أدائي المحكم. ودارت الأيام, وجاءتني دعوة لإحياء شهر رمضان بدولة قطر عام ( 1985م ) وشرفت بصحبة الشيخ محمد الغزالي الذي دعي لإلقاء دروس العلم. وفي ليلة من ليالي الشهر الكريم كان مقرراً أن أبدأ الاحتفال بتلاوة القرآن، ويقوم فضيلة الشيخ الغزالي بالتعليق على ما أتلوه. فطلب مني أن أقرأ من سورة ( آل عمران ): { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } (آل عمران:123) فقلت له: إنني سأقرأ ( التغابن ) فابتسم ابتسامة عريضة؛ ولأنه صاحب مكانة جليلة، وأخلاق كريمة، قال: اقرأ آيتين من ( آل عمران ) ثم اقرأ ( التغابن ) حتى نتحدث في المناسبة، ثم أقوم بتفسير ما تقرأه من ( التغابن ). لم أقصد من وراء قولي هذا لفضيلة الشيخ الغزالي إلا لأذكره فقط بما حدث بلجنة الاختبار ) .

وقد انضم الشيخ الرزيقي إلى موكب القراء البارزين، ومن إذاعة مصر، وعبر أثيرها، انطلق صوته العذب، يجوب أرجاء المعمورة، وقد كان لصوته العذب، وأسلوبه في الأداء، أثر محمود في قلوب الناس، وكتب الله له التوفيق فيما فرَّغ نفسه له .

والشيخ الرزيقي يرى في تلاوة القرآن خير معين لتعلم وتعليم اللغة العربية، فهي تعلِّم القارئ كيف ينطق ويعبر عن المعاني المقصودة على الوجه الأوفق. كما أن الشيخ كان كثيرًا ما ينصح الشباب، ويوجههم لحفظ القرآن الكريم، خاصة في هذا الزمان الذي كادت الفصحى أن تضيع فيه. وكثيراً ما كان يؤكد على أن من أراد الفوز في الدنيا، والفلاح والنجاة في الآخرة، فعليه بقراءة القرآن وحفظه، فهو خير معين لذلك. وكان ينصح الشباب المسلم بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في سلوكهم، لما في ذلك من أثر بليغ على نجاحهم في الدنيا، وفوزهم في الآخرة .

وقد حصل الشيخ أحمد الرزيقي على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى؛ تقديراً لدوره في خدمة القرآن الكريم، كما حصل على العديد من الميداليات وشهادات التقدير، ولكن تبقى أغلى شهادة، وأعظم وسام حصل عليه، كما يقول هو: حب الناس له .


*********************************************

تاسعا:محمود علي البنا


ولادتــــه

ولد القارئ الشيخ محمود علي البناء في قرية (شبرا باص) مركز شبين الكوم محافظة المنوفية يوم 17/12/1926م. ونشأ بين أحضان الطبيعة الريفية بما تحمل من مناظر طبيعية، وحياة تقليدية، وفطرة تسيطر على مجريات الأمور كلها، وكان لهذه الطبيعة الريفية الأثر الواضح في تكوين شخصية أفراد المجتمع الزراعي المكافح الحريص على حياة شريفة طاهرة عمادها الجهد والعرق والكفاح..

وكانت سعادة الوالد في رؤية ابن له يساعده في زراعته أو في تجارته ليكون له عوناً وسنداً وسلاماً وبرداً.. ولكن الحاج (علي) كان يفكر بطريقة خاصة تختلف عن حسابات أهل الريف..

فلقد نما إلى علمه الفطري أن أسهل الطرق وأقربها للوصول إلى الجنة تتمثل في طاعة الله والتي منها ولد صالح يدعو له. والصلاح الكامل وقمة القرب من الله ورسوله لا يكون ناجحاً إلا بتحصينه بالحصن المتين والزاد الذي لا ينقطع والنور الساطع، وهو القرآن الكريم.

استشعر الحاج علي النعمة الكاملة من أول لحظة عندما رزق بمولود جميل يشبه أطفال الجنة، لأن العز والوجاهة ظهرت على المولود الصغير الذي اختاراه الله لحفظ كتابه الكريم.

ولأن قدوم الطفل كان محموادً حمداً لله وثناء عليه.. بعد هذا الميلاد الذي أسعد الوالد حلت البركة على البيت وكثر الخير الذي تدفق على الأسرة..

وربما يكون هذا التدفق وهذه البركة كان مصدرها تفاؤل وأمل ودفعة جعلت النشاط والحيوية المحرك الذي أشعل روح الكفاح والجهد الوافر لدى رب الأسرة الحاج علي البنا الذي لم يدخر جهداً ولم يبخل بشيء قد يساعد ابنه على حفظ القرآن الكريم، ليكون في مقدمة صفوف أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته (إذا عملوا بالقرآن).

ولما بلغ الطفل محمود على البنا أشده واستوى ألحقه والده بكتاب (الشيخ موسى) رحمه الله بقرية (شبرا باص) كان الشيخ موسى حريصاً كل الحرص على تلاميذه من حيث الحفظ والتجويد ولكنه كان شديد الحرص على نجم بزغ بين أقرانه وهو الطفل الموهوب محمود علي البنا، الذي ظهرت عليه علامات النبوغ وسمات أهل القرآن وخاصة مخارج الألفاظ والدقة في النطق وهو في السادسة من عمره بالإضافة إلى الذكاء الشديد والالتزام والدقة والرقة في التعامل مع كلمات القرآن مما جعل الشيخ موسى يتوسم النبوغ في تلميذه الموهوب.

يقول الشيخ محمود علي البنا في مذكراته عن مرحلة الطفولة والكتّاب: كنت شديد الحرص على حفظ ما آخذه كل يوم بالكتاب أسهر الليل كله ولا أنام إلا بعد ما أحفظ اللوح الذي سأقوم بتسميعه في اليوم التالي.. وبعد الحفظ أراجع اللوح السابق الذي حفظته قبل ذلك حتى أقوم بتسميع اللوحين معاً ليتواصل القرآن بالقرآن تواصلاً محكماً..

وأذكر أن شيخي ضربني علقه ما زلت أذكرها ولن تغيب عن خيالي ما دمت حياً. وكانت علقة بدون أي تقصير مني في التسميع والحفظ. ولما عدت للبيت بكيت بكاءً شديداً وقلت لوالدتي لقد ضربني معلمي ضرباً شديداً مع أنني سمّعت له اللوح.. فقالت: يا محمود الشيخ ضربك لأنني قلت له إنك ذهبت إلى الغيط لتشاهد جمع القطن وتلعب بجوار العاملين بجني القطن.. وأنا يا بني خفت إنك تتعود على كده وتبعد عن القرآن يقوم القرآن يبعد عنك.. يا بني أنا خايفه عليك وعلى مصلحتك ومستقبلك لأنك شكل أهل القرآن ولن تصلح إلا للقرآن.. القرآن جميل يا محمود وبيرفع صاحبه..

ولكنني لم أستوعب الدرس جيداً وفي اليوم التالي خفت من عقوبة أستاذنا فتغيبت عن الكتّاب ولكنني فوجئت بالعريف وكان طوله يقرب من مترين يجرني بقوة من ذراعي إلى خارج البيت، فقلت له انتظر لما آخذ رغيف وحتة جبنة وألبس جزمتي.. فقال لا مفيش وقت.. فاستغربت لأن أحداً من البيت لم يتحرك لتخليصي من العريف.. فعلمت أن هناك اتفاقاً بين الأسرة وبين استاذنا، والذي على أساسه جاء العريف يجرني إلى الكتّاب...

وأول ما دخلت على أستاذي فوجئت بأنه أمطرني ضرباً في كل مكان من أنحاء جسدي على يدي ورجلي ورأسي وظهري فعرفت أنه متوصى وبعدها صالحني ووجه إلي بعض النصائح ووعدني بعدم الضرب ووعدته بالمواظبة والحفظ وعدم التغيب عنا لكتاب.

يقول الشيخ محمود علي البنا: وذهب والدي إلى مدينة شبين الكوم ليقدم لي طلب التحاق بمعهد شبين الكوم الديني الأزهري ولكن أحد أصدقاء والدي رحمه الله أشار عليه بالذهاب إلى معهد المنشاوي بطنطا الذي يقبل حفظة القرآن مباشرة.. فذهب بي والدي إلى طنطا والتحقت بمعهد المنشاوي، وكنت صغيراً جداً.. ولكن الذي شجعني على البقاء بطنطا.. التفاف الكثير من الناس حولي لسماع صوتي وأنا أقلد الشيخ محمد رفعت رحمه الله..

وكانت توجه إلي الدعوات للقراءة في المناسبات أحياناً بالمسجد الأحمدي.. وعرفت وقتها بالطفل المعجزة لأنني كنت ماهراً في تقليد أصحاب المدارس الراقية في تلاوة القرآن ولما كان يطلب مني تقليد الأساتذة العمالقة أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد سلامة والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ محمد السعودي.. لم أتردد وإنما أكون سعيداً جداً ويشجعني المستمعون بالمئات فيزداد الإبداع وأتمكن من الأداء بقوة وأنا في الثانية عشرة من عمري.

يقول الشيخ البنا: أهم شيء في القارئ أن يكون حافظاً ومجوداً للقرآن الكريم بإتقان وتمكن. وأن يكون صوته جميلاً ولديه ملكة التقليد. لأنه يقلد فلاناً وفلاناً من أصحاب المدارس المشهورة والمؤثرة في قلب المستمع مباشرة. وفي النهاية تكون شخصيته هي الواضحة بصوته وأدائه المتميز عندما تسمعه تقول هذا فلان.

ولابد أن يلتحق بمدرسة قرآنية يعشقها هو. ويميل إليها قلبه فيسمع أستاتذته من المدرسة التي يرغبها ويتمشى معها صوته وأداؤه وإمكاناته. وبعد فترة يستقل بشخصيته التي عندما يسمعها المستمع يقول: هذا فلان. وأنا لا أؤيد التقليد المطلق. ولكن يجب أن تظهر شخصية القارئ في النهاية.

التحاقه بمعهد المنشاوي

بمعهد المنشاوي بطنطا عرف الطالب محمود علي البنا واشتهر بين الطلاب بجمال صوته وحسن مظهره وقوة أدائه. مما جعل كل مشايخ المعهد يحبون الاستماع إليه وكذلك الطلاب.

يقول الشيخ البنا: وكان الشيخ حسين معوض رحمه الله.

ذهبت إلى المعهد الأحمدي بطنطا وتعلمت القراءات على يد المرحوم بإذن الله الشيخ محمد سلاّم الذي كان حريصاً على انتقاء من يلتحق بمعهد القراءات فيعقد له اختباراً في الحفظ وتجويد الحروف وسلامة النطق ومعرفة مخارج الألفاظ والدقة في الأداء القرآني وحسن المظهر فإذا توافرت كل هذه الشروط في المتقدم إلى المعهد الأحمدي قبله الشيخ سلام.. وأما الذي يكون دون ذلك فليس له مكان بالمعهد الأحمدي للقراءات آنذاك..

مكث الشيخ البنا عامين كاملين بالمسجد الأحمدي بطنطا يتلقى علوم القرآن والقراءات العشر تتلمذاًَ على يد المرحوم الشيخ محمد سلام ولما بلغ الشيخ البنا الثامنة عشرة انتقل إلى القاهرة بلد العلم والعلماء حيث الأزهر الشريف قبلة الراغبين في المزيد من العلوم والمعارف.. وذلك بعد أن أصبح مثقلاً بالقرآن وعلومه ومتمكنا من تجويده وتلاوته متمتعاً بما وهبه الله من إمكانات عالية وقبول من كل الناس لطريقة أدائه الساحرة التي أهلته لأن يفكر في غزو القاهرة باحثاً عن مجد عزيز وشهرة واسعة.

شديداً في معاملته مع الطلاب.. فلما تكاسلت يوماً عن القراءة هددني الشيخ حسين بالجريدة التي يمسكها بيده.. فجلست وأمامي جمع غفير من الطلاب ولكنني فوجئت بأنهم ينصرفون مسرعين كل إلى فصله ولم يتبق إلا أنا فقال لي الشيخ حسين : لا تخف استمر في القراءة.. وفي آخر السنة قال لي الشيخ حسين والشيخ محرز رحمهما الله : يا محمود أذهب إلى المعهد الأحمدي (بطنطا) وتعلم القراءات حتى تكون صييتاً لك شهرتك لتدخل الإذاعة لأنك صاحب موهبة فذة قلما تتوفر لأحد غيرك..

من شبرا باص إلى القاهرة

يقول الشيخ البنا: وانتقلت إلى القاهرة عام 1945م حتى أكون قريباً من عمالقة القراء لأستمع إليهم وأسجل بذاكرتي ما يعجبني ويهزني من أداء ونغم وفن رفيع ثم أعود إلى البيت لأسترجع ما سجلته على شريط الذاكرة وأتلو ما سمعته من أحد العمالقة فأنفذه وكأنني هو. وخاصة الشيخ محمد سلامة الذي شدني إلى حسن صوته وأدائه بقوة وإتقان.. فقلت لنفسي أنت كالذي انتقل من الإبتدائي إلى الجامعة بجلوسك أمام هؤلاء كالشيخ محمد سلامة والشيخ محمد رفعت والشيخ الصيفي والشيخ الشعشاعي.

بعد عام 1945م استقر الشيخ البنا بحي شبرا بالقاهرة حيث الأصدقاء والمحبون لفن أدائه وجمال صوته.. وكان ل**** فن الشيخ البنا الدور الأكبر في بقائه بالقاهرة لمواصلة مسيرته نحو الشهرة والعالمية، لأنهم مكنوه من التلاوة بأكبر مساجد شبرا فتعرف عليه مئات المهتمين بالاستماع للموهوبين من قراء كتاب الله عز وجل وخاصة كبار الشخصيات الذين لعبوا دوراً كبيراً في تقديم موهبته إلى الملايين عبر موجات الإذاعة.

يقول الشيخ البنا في مذكراته: بدأت ببعض المساجد بشبرا بالقاهرة عن طريق بعض الأصدقاء المخلصين حتى تعرف عليّ كثير من الناس .


أول تلاوة للشيخ البنا بالإذاعة

وكانت أول تلاوة للشيخ البنا بالإذاعة في آخر ديسمبر عام 1948م وكان سنه 22 سنة. وكانت القراءة على الهواء مباشرة قبل التسجيلات. وكانت التلاوة من سورة (هود) من قوله تعالى: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوإلى ثمود أخاهم صالحاًhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png إلى قوله تعالى: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيبhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png.

يقول الشيخ البنا: بعد اعتمادي بالإذاعة قارئاً للقرآن الكريم جاءني خطاب من الشئون الدينية بالتوجه إلى أستوديو علوي أمام الشريفين (مبنى الإذاعة القديم) لأقرأ قرآن الصباح من السابعة إلى السابعة والنصف صباحاً وتم تحديد أول الربع الذي سأقرئه من سورة هود.. ولأن ميكرفون الإذاعة له احترامه وتقديره وقدسيته ولأنني سأقرأ بالإذاعة بجوار عمالقة القراء الموهوبين كان من الطبيعي أن أعلن على نفسي حالة الطوارئ أولاًَ راجعت الربع المقرر عليّ أكثر من عشر مرات وقرأته مع مراعاة الوقف والابتداء والتنغيم والأحكام المتقنة الملتزمة كما تعلمنا من أساتذتنا...

ثانياً سمعت القارئ الذي قرأ يوم الاثنين قبل قراءتي مباشرة فوجدته بالفعل قرأ ربع http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساهاhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png وعلي أن أبد بعده مباشرة. توجهت إلى الإذاعة قبل الموعد بنصف ساعة لأنني لم أنم تلك الليلة.. جلست طوال الليل أنا والحاجة جالسين وضابطين المنبه وكل ساعة تقول لي الحاجة: نم يا شيخ محمود وأنا أصحيك فقلت لها ما أنا خايف ننام أنا وأنت للساعة (8) الصبح والقراءة الساعة (7)...

وقبل الفجر بساعة توضأت وصليت وشربت الشاي ونزلت إلى الشارع وأخذت تاكسي ووصلت إلى الشريفين، وصعدت السلم وكأن ارتفاعه عشرة أدوار من شدة خوفي ورهبة الموقف.. ودخلت ملحق الأستوديو فسمعت رجلاً يقول ثني ومد وخلف وأمام فعرفت أنه برنامج الرياضة الصباحي، وكان على الهواء كبقية المواد الإذاعية قبل التسجيلات كما ذكرنا..

فجلست في ركن المذيعة (صفية المهندس) ومعها البرنامج مكتوب عليه. (نستمع إلى القارئ الشيخ محمد علي البنا الذي سنسمعه لأول مرة بعد اعتماده قارئاً بالإذاعة) وكلما اقترب موعد التلاوة الصوت يهرب مني وأخاف أكثر....

وقدمتني السيدة المذيعة فقفلت الصوت وقلت لها أنا صوتي بيقطع فقالت صوتك طالع على الهواء جميل جداً.. وأنا ما صدقت أنها تقول لي صوتك جميل على الهواء وطلعت بجواب عالي رد إليّ ثقتي بنفسي وبفضل الله انطلقت بقوة وبتوفيق من الله.. حتى ختمت الربع في السابعة والنصف.

قارئ المساجد الكبرى

بعد التحاقه بالإذاعة واكتساب شهرة عريضة امتدت عبر الزمان والمكان إلى جميع أقطار الدنيا كانت له مكانة مرموقة بين القراء، وفي قلوب الناس جميعاً.. اختير لكفاءته وحسن مظهره الملائكي لأن يكون قارئاً لأكبر وأشهر وأهم المساجد بجمهورية مصر العربية وخاصة المساجد التي يزورها وفود إسلامية من مختلف دول العالم.

قرأ السورة يوم الجمعة لمدة خمس سنوات في الخمسينات بمسجد الملك فاروق بحدائق القبة بالقاهرة.. بعدها انتقل قارئاً للسورة بمسجد الإمام أحمد الرفاعي بحي القلعة بالقاهرة لمدة خمس سنوات.. وخلال هذه الفترة انتقل وراءه مئات من جمهوره المتيم بأدائه وصوته إلى مسجد الإمام الرفاعي.. وبعد ذلك اختير لأن يقرأ السورة بمسجد السيد أحمد البدوي بمدينة طنطا وظل به متمتعاً بتلاوة كتاب الله ما يقرب من ثلاثة وعشرين عاماً متواصلة.


السفر إلى دول العالم

إن رحلة الشيخ مع القرآن كانت رحلة عالمية لا يحدها زمان ولا مكان. ظل متردداً على أماكن المسلمين في شتى بقاع الدنيا على مدى ما يقرب من أربعين عاماً متتالية ولم يترك قارة من قارات الدنيا إلا وذهب إليها على مدار الأعوام وخاصة في شهر رمضان المبارك الذي طالما أسعد الملايين من الجاليات المسلمة بسماع صوته القرآن البريء العذب الفياض، فرقت عشرات القلوب التي كانت كالحجارة أو اشد قسوة.. ودخلت دين الله أفواجاً مسبحين بحمد ربهم مستغفرينه فكان لهم غفوراً تواباً..

اختاره الأزهر الشريف لحضور كثير من المؤتمرات الإسلامية العالمية ممثلاً أهل القرآن وقراءه وأرسلته وزارة الأوقاف إلى كثير من المسابقات العالمية كمحكم وقاض قرآني.. وانهالت عليه الدعوات من الملوك والرؤساء والشيوخ العرب لإحياء المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وليلة الإسراء والمعراج وليلة رأس السنة الهجرية وافتتاح المؤتمرات الإسلامية العالمية المقامة على أرض بلادهم.. إنه حقا كان خير سفير للقرآن الكريم.

الوفـــــاة وفراسة المؤمن :

فراسة المؤمن.. كانت لدى الشيخ البنا منذ طفولته واستمرت حتى وفاته.. حيث تنبأ بوفاة رجل يسمى (الجمل) بقريته (شبرا باص) وهو طفل صغير ظل يردد الجمل وقع الجمل وقع وبعد ساعات مات الرجل بغير مرض.

وطلبه للشيخ الشعراوي ليودعه وهو على فراش المرض وتنبؤه بأن الشيخ الشعراوي عاد من البحر الأحمر ولما اتصل الحاضرون بالإمام وجدوه قد وصل منذ لحظات.

وقبل الوفاة بأيام استدعى ابنه أحمد وطلب منه إحضار ورقة وقلم وقال له: أكتب ما أمليه عليك.. وأملى عليه نعيه كفقيد للإذاعات العربية والإسلامية.. عن عمر يناهز الستين عاماً. فقاطعه نجله أحمد مداعباً.. ولماذا لا نكتبها ثمانين عاماً؟ فقال له الشيخ البنا: لا يبني لقد توقف العمر وقرب الأجل وانتهى. وأضاف وصية بتوزيع ممتلكاته وأمواله على أبنائه حسب شريعة الله وسألهم هل لكم طلبات أخرى فانخرط الجميع في البكاء ولكنه هو الذي طلب منهم أن يضعوا معه شريط قرآن ليصاحبه في جنازته ويؤنس وحدته في قبره فلم يسع أحد أن يرد عليه.

نظره إلى سقف حجرته بالمستشفى وهو يصف جنازته من أول الصلاة عليه بمسجد الإمام الحسين عليه السلام حيث كان يقرأ كل يوم جمعه انتهاء بوصوله إلى مدفنه بالمقبرة التي بناها في حياته بجوار المركز الإسلامي الذي أقامه بقريته شبرا باص.. وكيف تشيع الجنازة وأشار إلى مكان أخيه وهو يبكيه في ناحية والناس يبكون في ناحية وحدث المنظر كاملاً في اليوم التالي كما صوره الشيخ البنا الذي فاضت روحه بعد رحلة عطاء حافلة رحل الشيخ محمود على البنا في 3-من ذي القعدة 1405 هـ، 20 يوليو 1985م .


واختم بهذا المقطع النادر ، لتلاوة رائعة ، ويقول أحد مشايخي :تعلمون لماذا هذه الأصوات عرفنا أنها مميزة وأنها معجزة ؟ لأنها سجلت من غير مؤثرات ولا تصفية للصوت بل خرجت كما هي قوية في مخارجها جميلة في صوتها رائعة في أدائها .





لشيخ محمود علي البنا ـ فيديو نادر من سورة آل عمران


http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=ZG9CXdTqnJE





http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=ZG9CXdTqnJE




اسالكم الدعاء الخالص لوجه الله

متجدد بقدر الامكان


آخر تعديل بواسطة مستر محمد سلام ، 07-10-2012 الساعة 02:28 AM
رد مع اقتباس