تتنزل آية من أواخر الآيات مؤذنة بنعي النبي صلى الله عليه و سلم و هي "ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِينا"ً .. و يعود النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و يمرض بالحمى .. ثم يشعر صلى الله عليه و سلم بقوة في جسده فيخرج على أصحابه قائلا "إن عبدًا خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده" فيبكي أبو بكر رضي الله عنه .. ثم يقول صلى الله عليه و سلم "إني فرطكم وإني شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها" .. ثم يزور أهل البقيع و شهداء أحد ليلا قائلا: "السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى" .. و تتنزل آخر سورة من سور القرآن الكريم قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بأيام قلائل "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا" و لتصدق كلمات الله تعالى في سفر اشعياء القائل عن نبي كل الأمم "جَمِيعُ قُطْعَانِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ وَكِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدُمُكِ تُقَدِّمُ قَرَابِينَ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي وَأُمَجِّدُ بَيْتِي الْبَهِي" و قيدار و نبايوت هم أبناء اسماعيل عليه السلام .. و يشتد المرض بالنبي صلى الله عليه و سلم فيستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فيأذن له .. و يستخلف النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر الصديق للصلاة بالناس .. و كان آخر ما فعله فجر الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول أن أزاح ستارا كانت على باب حجرته ليرى المسلمين و هم يصطفون في صلاة الفجر خلف أبي بكر الصديق فيبتسم صلى الله عليه و سلم .. ثم يستأذنه جبريل و معه ملك الموت .. ليرفع النبي صلى الله عليه و سلم سبابته إلى السماء قائلا .. "بل الرفيق الأعلى .. بل الرفيق الأعلى .. مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الشهداء و الصالحين" .. و لتصعد روح أحب خلق الله إلى الله و هو يرتدي رداءا و إزارا مرقعين .. نعم مات عليه الصلاة والسلام و قد ملك من أقصى اليمن إلى صحراء عمان إلى أقصى الحجاز .. من البحر إلى البحر .. ثم توفي وعليه دين ودرعه مرهونة في طعام لأهله .. لم يترك دينارا ولا درهما ولا شيد قصرا .. وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض ويجالس المساكين ويمشي في الأسواق ويتوسد يده ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويصلح خصه ويمهن لأهله ولا يأكل متكئا ويقول: أنا عبد آكل كما يأكل العبد .. ويقتص من نفسه ولا يرى ضاحكا ملئ فيه .. لا يأكل وحده ولا يضرب عبده ولا يمنع رفده ولا ضرب قط بيده إلا في سبيل الله وقام لله حتى ورمت قدماه فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا؟ .. وكان يسمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء إذا قام بالليل .. كان من صفاته صلى الله عليه وسلم الأمانه وصدق اللهجة فكان يسمى قبل النبوه بالصادق الأمين .. عندما شفع اسامة بن زيد في اقامة حد السرقة على فاطمة المخزومية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتشفع في حد من حدود الله ياأسامة والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها" .. دخل عليه رجل فأصابته هيبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له "هون عليك يا أخي انما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد" .. كان كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة يعرض عمن تكلم بغير جميل كان ضحكه تبسما وكلامه فصلا اذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير .. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها ماشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى .. وقالت ايضا رضي الله عنها في وصف خلقه: "لم يكن رسول الله فاحشاً ولامتفحشاً ولا يجزي السيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وقالت: ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى" .. و من زهده صلى الله عليه و سلم أن عبد الله بن عمر قال: "اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر الحصير بجلده فجعلت أمسحه وأقول: بأبي أنت وأمي يارسول الله ألا أذنتنا فنبسط لك شيئاً يقيك منه تنام عليه فقال عليه الصلاة والسلام: "مالي وللدنيا وماأنا والدنيا إنما أنا والدنيا ****ب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها" .. ما خير بين أمرين الا اختار أيسرهما مالم يكن اثما وما انتقم لنفسه قط .. كان لايزيده جهل الجاهل الا عفوا وصفحا فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية فجذ به أعرابي بردائه جذبة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عنقه ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم المال مال الله وأنا عبده" .. كان أجود الناس وما سئل عن شيء قط فقال لا ويقول "ما أحب ان لي ذهبا تمضي علي ثلاث أيام وعندي منه دينار الا شىء أرصده لديني" .. كان أشد الناس حياء وكان أشد حياء من العذراء في خدرها من سأله حاجه لم يرده الا بها أو بقول حسن وكان دائم البشر لين الجانب وكان أوسع الناس صدرا وأصدقهم لهجه وأكرمهم عشرة .. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه صلى الله عليه وسلم .. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها في وصفه: "أبيض يستسقي الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة للأرامل" .. صلى الله عليه وسلم وعلى آله و أصحابه وأتباعه صلاة دائمة إلى يوم القيامة .. و إنا لنشهد أنه بلغ الرسالة و أدى الأمانة و نصح فكان خير ناصح .. فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته و رسولا عن قومه .. اللهم اجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. و لا تنسوا أخيكم المسلم بدعوة في ظهر الغيب بأن يتخذني الله تعالى عنده شهيدا