الموضوع: تحليلات سياسية
عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 01-09-2012, 10:16 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي ما هي احتمالات قيام "دويلة علوية" في سوريا؟

معوقات التقسيم
ما هي احتمالات قيام "دويلة علوية" في سوريا؟


علي حسين باكير - باحث في منظمة البحوث الإستراتيجية الدولية - تركيا
مع توالي الضربات التي يتلقّاها نظام الأسد، وجنوحه أكثر فأكثر للاعتماد على القوّة الجوّية في تدمير المدن السورية، في محاولة للحد من تقدّم الجيش السوري الحر ومن سيطرته على الأرض؛ تبرز مؤشرات الهزيمة،

فالنظام كما يؤكد رئيس الوزراء السوري المنشق مفلس ماليًّا، ومنهارٌ اقتصاديًّا ومعنويًّا، ومتفكك عسكريًّا، ولولا الدعم الروسي والإيراني المفتوح الذي لا يزال يتلقاه لما كنّا نتحدّث عنه الآن.

وأمام هذه المعطيات؛ يكثر الحديث والتحليلات والتكهنات عن إمكانية أن يلجأ الأسدُ إلى خيار أخير في ظل هذه الظروف وفي حال خسر العاصمة دمشق يتضمن الانسحاب إلى المناطق العلوية في مواجهة الساحل السوري، ومحاولة تأسيس دويلة علوية هناك، خاصة وأنَّ هناك بعض المؤشرات التي توحي بأنه قد يتّجه فعلا إلى تحقيق ذلك.

أولا: مؤشرات الدويلة العلوية

1- تفجيرُ حربٍ أهلية طائفية: إذ مع شعور نظام الأسد المتنامي بالانهزام تصبح هناك نية أكبر لإشعال حرب طائفية لدى النظام، فمن شأن هكذا حرب أن تفكك المجتمع، وتخدم هدفه بالادعاء بحماية الأقليات، وبالتالي الاستحواذ أيضا على الاهتمام الغربي. ولذلك فهو عمد في الآونة الأخيرة إلى التحريض الطائفي، وإلى افتعال مشاكل طائفية، وإلى التخويف من السنّة تحت شعارات إرهابيين وراديكاليين وعصابات مسلحة، وفي الوقت نفسه عرض نفسه كحامٍ للأقليات والمدافع عنها كالمسيحية والعلوية، وبالتالي تبرير الإجراءات التي يتخذها تحت هذا الإطار.

فتحت وطأةِ الشعور بمثل هذا التطور؛ سيتم دفع الأقليات إلى التقوقع والتمترس في مناطقهم، مما يسهّل الدفع باتجاه إقامة مناطق معزولة عن بعضها بعضا، وتصبح إمكانية إقامة دويلة علوية من الناحية النظرية على الأقل أسهل تحت مبررات الخوف من انتقام الآخر، التضامن الاجتماعي والطائفي، المصالح المشتركة والبيئة الحاضنة.

2- تحديد خط ديمغرافي طائفي بموازاة الساحل السوري: ولأن المناطق التي من المفترض أن يقيم عليها النظام دويلة علوية لا توجد فيها وحدة طائفية علوية بما فيها المناطق التي تعرف بأنها علوية؛ بدأ النظام بمحاولة رسم حدود جغرافية بناءً على معطيات طائفية عبر تصفية القرى السنيّة عبر مجازر مروّعة، كمجزرة الحولة التي ذهب ضحيتها حوالي 110 أشخاص نصفهم من الأطفال غير البالغين والنساء، وقد تم تقطيعهم أو ***هم بالسكاكين والأسلحة الحادة، إضافة إلى الإعدامات رميا بالرصاص بعد تقييدهم بما في ذلك الأطفال. ثم تبعتها مجازر أخرى في الحفة والقبير والتريمسة التي بلغ عدد الضحايا فيها وحدها قرابة 200 شخص، وما تخللها من عمليات يمكن اعتبارها "تطهيرا طائفيا"، عدا دموية حصار حمص وتدمير حلب مع توجهات إلى تطهير ريف حمص واللاذقية من التواجد السني.

3- نقل بعض المعدات والأسلحة: حيث أشارت بعض التقارير الأمنية وأخرى إعلامية إلى أنّ نظام الأسد قام بنقل أسلحة إستراتيجية ومعدات مهمة وذخائر إلى المناطق العلوية التي تشكّل لب المنطقة التي من الممكن أن يتحصّن بها في اللاذقية وطرطوس، كمقدمة لتحصين المنطقة عسكريًّا في وقت لاحق بعد فشل المحاولات الهجومية على المدن الأخرى لدحر الجيش الحر منها. ويعد ذلك مؤشرا على أنّ النظام قد يكون يجهز لمنطقة يتراجع فيها في المربع الأخير من المعركة حتى تشكل ملاذًا آمنًا له، ويفسّر البعض مثل هذه الخطوة -حال التأكد منها- بأنها دليل حقيقي على نيته إنشاء دويلة علوية؛ إذ من دون الأسلحة الإستراتيجية لن تكون أي دويلة علوية قادرة على الدفاع عن نفسها حتى وإن كانت في منطقة جبلية صعبة ووعرة.

4- إنشاء مجمّع يضم قاعدة عسكرية ومطارا في اللاذقية: إذ قامت إيران بالموافقة على صفقة تمت مناقشتها أثناء زيارة مساعد نائب الرئيس السوري للشئون الأمنية محمد نصيف خيربيك لطهران في حزيران من عام 2011. وتتضمن الصفقة مبادرة طهران لبناء مجمع عسكري قرب مطار اللاذقية يكون بمثابة قاعدة عسكرية ضخمة تبلغ تكلفته ملايين الدوارات قام النظام الإيراني بالموافقة على توفير 23 مليون دولار لها، على أن ينتهي العمل بها نهاية عام 2012 وفق الخطة الأساسية آنذاك.

وتهدف القاعدة حال بنائها إلى توفير ممر يسمح لإيران بتزويد سوريا بالأسلحة والمعدات الثقيلة بشكل مباشر عبر البحر دون الاضطرار إلى المرور بطرف ثالث، وهو أمر يخدم أيضًا مشروع دويلة علوية إذا كان هناك شروع للعمل بها؛ إذ ستكون هذه الدويلة في حاجة إلى دعم، وليس هناك أفضل من خط مباشر بين إيران وبينها لتقديم هذا الدعم، وهو ما يقدّمه هذا المجمّع العسكري.

5- التدمير الممنهج للمدن الرئيسية في البلاد: إذ إنّ اتّباع الأسد لسياسة الأرض المحروقة في مهاجمة المدن الرئيسية لا سيما درعا وحمص وحلب ودير الزور إضافة إلى الأرياف وريف دمشق وتدميرها بشكل ممنهج وكلّي عبر استهداف المباني السكنية والمجمعات والأحياء ومناطق تخزين المياه والطعام والمنشآت الحيوية والرئيسية وتخريب المصانع والمتاجر وحرق الحقول والبيادر وأراضي المحاصيل الزراعية، في مقابل تحييد بعض الأماكن عن هذا الدمار الهائل كما في بعض المناطق الكردية والعلوية يعد مؤشرا على إمكانية وجود نية لإقامة هذه الدويلة العلوية على المناطق التي تم تحييدها.

ثانيا: الأطراف المستفيدة من الدويلة العلوية

ويستندُ البعض إلى أنّ هناك مصلحة لدى بعض الدول والأطراف في تشجيع الأسد على الذهاب قدما في هذا الخيار إذا ما فقد دمشق، خاصة وأنّ مصالحها قد تتوافق مع مثل هذا الطرح، ومن هذه الدول:

1- روسيا: على الرغم من أنّي لا أميل إلى التحليل الرائج لدى المتخصصين في السياسة الروسية من أنّ سبب التعنّت في الموقف الروسي إزاء الأزمة السورية ودعمها اللا محدود للنظام السوري إنما يعود في جزء منه إلى الإطلالة التي تمنحها سوريا إياها على البحر المتوسط عبر قاعدة طرطوس البحرية، وإنما يتعلق بالدرجة الأولى بإيران والثانية بصعود الإسلام السياسي السنّي في المنطقة وهو أيضا سبب آخر يعود بدوره إلى السبب الأول.

لكن على فرض أنّ المسألة هي قاعدة طرطوس وأنّ الموضوع يتعلق بالأهمية الجغرافية ومعها بطبيعة الحال الجيو-سياسية والجيو-إستراتيجية للساحل السوري بالنسبة إلى موسكو؛ فإن إنشاء دويلة علوية في هذه الحالة سيكون مصلحة روسية بامتياز. فهذه الدويلة الوليدة ستكون في الأحضان الروسية تماما، وعليه فإن روسيا لن تمتلك موطئ قدم فقط في الشرق الأوسط وفي ساحل المتوسط؛ وإنما ستكون بمثابة قاعدة روسية متقدمة.

2- إيران: وهي بدأت تشعر من خلال دعواتها المتكررة لعقد مؤتمر يضم النظام والمعارضة للتفاهم سياسيا، أنّ النظام السوري في طريقه إلى الانهيار رغم الدعم اللا محدود الذي قدّمته له سياسيا وماليا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا. ولأن إيران أحرقت كل الجسور عبر هذا الدعم المقدم لنظام الأسد مع المعارضة السورية ومع العالم العربي ومع تركيا، ولأنها لن تكون قادرة على تحمل التبعات والخسائر الإقليمية الناجمة عن الزلزال الجيوبوليتيكي الذي سيضرب المنطقة وتاليا مصالحها التي استثمرت فيها أكثر من 30 عاما في العالم العربي؛ فإنه سيكون من مصلحتها البحث عن بدائل لا سيما في حال نشوء نظام سوري جديد غير موالٍ لها.
وفي هذه الحالة؛ فإن من مصلحة إيران الدفع باتجاه إنشاء دويلة علوية إذا كان هناك قرار بذلك لأنها ستخفف من خسائر إيران في المنطقة العربية جيوبوليتيكيا، ناهيك عن أنها ستحافظ على موقع إيران سواء من ناحية كونها إطلالة على المتوسط أو من ناحية كونها امتدادا لنفوذها في لبنان عبر حزب الله وعضدا له وشوكة في خاصرة العرب وتحييدا لأي سوريا قوية.

3- حزب الله: ولا شك أنّه سيحبّذ إنشاء مثل هذه الدويلة لتكون سندا وعضدا له تستبدل النظام السوري في سوريا الأسد بنظام آخر يؤمن له نفس المنافع السابقة؛ إذ من المعلوم أنه إذا انهار نظام الأسد دون إيجاد البديل الذي يكون بمثابة الرئة التي تربط إيران بحزب الله؛ فإن دور الأخير سينتهي بشكله المعهود عاجلا أم آجلا. ولذلك نرى الدفاع المستميت من قبل حسن نصر الله تجاه الأسد ونظامه؛ بل إنّ هناك معلومات تشير إلى أنّ بعض الأوساط في حزب الله لا تتحفظ من الآن على سيناريو إنشاء دويلة علوية في حال فقد الأسد سوريا بأكملها، على الرغم من حديثهم العلني المستمر حول مخاطر التقسيم، وأن الغرب هو من يريد التقسيم، علمًا بأنّهم عمليا -كما الحال في لبنان- يدفعون إلى التقسيم بشكل ممتاز.

ثانيا:معوقات إنشاء دويلة علوية في سوريا

وعلى الرغم مما تم ذكره حتى الآن؛ فإن تقسيم سوريا وتفتيتها وإنشاء دويلة علوية فيها تتبعها دويلة كردية ليس بالأمر البسيط أو السهل أو الممكن التحقيق بهذا القدر من التصوّر، ولعل من أهم الأسباب التي تحول دون تحقيق مثل هذا السيناريو الآن حول إنشاء دويلة علوية:

1- الوضع الديمغرافي: خلافا لما يزال يعتقده كثيرون، فإن الحقيقة القائلة بأنّ المناطق الجبلية المواجهة للساحل السوري لا سيما طرطوس واللاذقية هي مناطق علوية خالصة، فذلك ليس أمرا صحيحا؛ بل إنّ عددا من هذه المدن على هذا الخط ذات أغلبية سنّية الآن كاللاذقية التي تزيد نسبة السنة فيها عن 70%، وحتى مدينة طرطوس تبلغ فيها نسبة السنة وفق بعض التقديرات 45%، أمّا الأرياف فهي مختلطة بالمجمل، وضمن هذا الاختلاط توجد قرى ذات أغلبية سنية وأخرى ذات أغلبية شيعية أو علوية، وبدون التخلص كليا من هذه الفئات السنية سيكون صعبا جدا إن لم يكن في عداد المستحيل إنشاء هذه الدويلة العلوية. فبالرغم من الهجرة السنيّة الواسعة وحجم المذابح التي تحدثنا عنها سابقا والتي تهدف إلى رسم الخط الجغرافي الداخلي لهذه الدولية؛ إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تحقيق هدفها.

2- البنى التحتية: لأن طموح عائلة الأسد كان دوما السيطرة على كامل سوريا وليس على منطقة صغيرة فيها أو بضع قرى وبلدات؛ فإن التركيز على دعم المناطق العلوية وتنميتها دون غيرها كان ليطيح بالطموح الكبير، وبدلا من ذلك، فتح آل الأسد المؤسسات الأمنية والعسكرية لأبناء الطائفة العلوية فانتشروا في كل مفاصل الدولة وأجهزتها ومراكزها الحيوية، وأصبح الانتشار العلوي على مستوى الوطن. ولذلك فإن هذه المدن التي من المفترض أن تقام عليها دويلة علوية وفق التصورات الممكنة لا تتمتع بأي بنى تحتية مميزة على الصعيد الاقتصادي أو الخدمات بما يؤهلها لأن تكون جاهزة لإنشاء دويلة، ناهيك عن ثروات طبيعية أو صناعات تضمن ديمومتها. فباستثناء مرفأ طرطوس والواجهة البحرية، لا يوجد شيء معتبر، وإن كان هذا بدوره لا يعرقل إنشاء دويلة إذا كانت هناك نية حقيقية لإقامتها، ولكنه مؤشر على صعوبة تحقيق ذلك.

3- الوضع الجغرافي: إنشاء دويلة علوية يعني أن باقي سوريا ستكون دويلة مغلقة لا منفذ بحريا لها، ومن الصعب بمكان تخيّل أن باقي السوريين سيقبلون بذلك نظرا لما للمنفذ البحري من أهمية إستراتيجية عادة لأي دويلة بريّة، وعليه فقد يتحوّل ذلك إلى دافع إضافي لباقي السوريين لمنع إقامة مثل هذه الدويلة.

4- الوضع الأمني للمنطقة المفترضة: لا تمتلك هذه المناطق أية قدرات دفاعية معتبرة باستثناء طبيعتها الجبلية، وانسحاب الشبيحة إلى هذه الجبال، وما تبقى من العلويين في الجيش السوري إليها أيضا لا يعني أنها محصّنة، فقد يصمدون هناك لفترة من الزمن، لكن من الصعب تصوّر أنّ الجيش الحر والمقاتلين في باقي سوريا سيتوقفون في حال سقوط دمشق وانسحاب الأسد ومناصريه بعدها إلى الجبال؛ بل إنّ ذلك سيدفعهم إلى الزحف نحو ما تبقى من مناطق، فمن يسيطر على كامل سوريا لن يتوقف عند المدن التي من المفترض أن تقام عليها مثل هذه الدويلة العلوية.

5- الموقف الدولي: من المعلوم أنّ إنشاء دويلة جديدة إنما يتطلب دعم المجتمع الدولي وعدد من الدول الفاعلة إقليميا ودوليا. وعلى الرغم من المخاوف المستمرة لدى الرأي العام العربي من وجود مصلحة إسرائيلية وأخرى غربية لتقسيم الدول العربية على الدوام؛ إلا أنَّه وحتى هذه اللحظة لا يوجد دعم غربي لفكرة إقامة مثل هذه الدويلة، ولذلك سيكون من الصعب بمكان إن لم يتغير هذ الموقف أن يتم إنشاء دويلة بدعم من روسيا وإيران فقط بعيدا عن المجتمع الدولي، ناهيك عن أن إنشاء مثل هذه الدويلة سيؤدي إلى نزاعات أخرى لإقامة دويلة مماثلة سواء للأكراد أو لغيرهم في داخل سوريا وفي محيطها الإقليمي، وهو ما يعني أنّ هذه الفكرة ستحارب بشكل قوي، على الأقل إقليميا.

6- الجيش السوري الحر: أدرك مؤخرا أنّ هناك محاولات من قبل بعض الأقليات لاستغلال الأماكن التي لا يتواجد فيها من أجل القيام بمحاولات إدارة ذاتية للمناطق، ولذلك فالجيش الحر يحرص مؤخرا على تأكيد تواجده على كافة الأراضي السورية، وقد قام بإنشاء مجلسين عسكريين مؤخرا، واحد في منطقة اللاذقية، وآخر في الحسكة، لكي يكون حاضرا هناك، وبالتالي يمنع أي عملية استغلال لتجميع قوات موالية للنظام لاحقًا.
رد مع اقتباس