
06-08-2012, 02:26 AM
|
عضو لامع
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
|
|
رسالة مفتوحة إلى وزير التربية..
منذ أول يناير 2011، حتى الآن، أى مدة عشرين شهرا على وجه التقريب، تكون وزارة التربية قد شهدت أربعة وزراء، أى بمعدل وزير كل خمسة أشهر، وهو الأمر الذى إذا كان مكروها فى أى وزارة مرة، من حيث ضرورة الاستقرار النسبى، فهو مكروه فى التربية مائة مرة، لأننا هنا نبنى بشرا، ونُكَون أجيالا، نصنع عقولا، تحتاج قدرا من التأنى، ووقتا للإتقان، وفرصة للمتابعة والتقويم والمراجعة. ولو كانت هناك سياسة ثابتة، وفلسفة واضحة يلتزم بها الجميع، لما كان لسرعة هذا الإيقاع فى تغيير وزراء التربية أثرا سلبيا، ولكننا نعيش كما يعلم الجميع وفق مبدأ "سياسة وزير"، وليس "سياسة وزارة"، وهو الأمر الذى يعكس واقع الحال، على غير ما زعم وزير أسبق، كانت تصريحاته تعنى غالبا عكس الحقيقة.
من هنا آثرت أن أنتهز هذه الفرصة لأوجه إلى وزيرنا الجديد هذه الرسالة التى أرجو أن يتسع صدره لها..
معالى وزير التربية د.غنيم...
لم أشرف من قبل بمعرفتك معرفة مباشرة، وإن كنت قد سمعت عنك خيرا منذ أن توليت عمادة تربية السويس، التى كانت لها مكانة خاصة فى نفسى، بحكم إشرافى عدة سنوات فى بدايات القرن الحالى، على قسم أصول التربية، ومن ثم فقد أسعدنى للغاية أن يجىء واحد من جيل أبنائنا ليكون على رأس مسئولية الوزارة التى هى ساحتنا الأساسية وملعبنا الرئيسى.
وكان أبرز ما فى الموضوع، هو أن "بضاعتنا رُدت إلينا"، بمعنى أنها المرة الأولى منذ عام 1985، يتولى أستاذ تربية وزارة التربية، عندما كان د.عبد السلام عبد الغفار وزيرا مدة عام.
وكان د.عبد السلام نفسه، قد جاء بعد آخر وزير أستاذ فى التربية، وهو الدكتور عبد العزيز السيد، عام 1967، وهذا أيضا بعد أن توزر للتربية إسماعيل القبانى عام 1953، أيضا مدة عام على وجه التقريب.
وهذا معناه، أنه منذ بداية عمل وزارة التربية فى القرن التاسع عشر، لم يتول أمرها أستاذ تربية إلا هؤلاء الذين ذكرنا أسماءهم، دون أن يعنى هذا أننا نقلل من شأن أصحاب التخصصات الأخرى، حيث لا يستطيع عاقل إلا أن يحنى رأسه بكل التقدير والإعجاب لعمالقة تولوا أمر وزارة التربية، لم يكونوا أساتذة تربية.
وهذا أمر حيرنا فيه أهل السياسة فى مصر حقا، فأحيانا ما يقولون لنا إن عمل الوزير "سياسى" بالدرجة الأولى، وبالتالى ليس من الضرورى أن يكون متخصصا، ويسوقون لنا أمثلة لنساء تولين أمر وزارتى الدفاع والداخلية فى بلدان أوروبية، لكننا إذ نفتش فى معظم الوزارات الأخرى عندنا، نجد أنها دائما تكون من نصيب أحد متخصصيها (الدفاع، الداخلية، المالية، الأوقاف، الصحة... الجميع، ما عدا التربية!!)، مما لابد أن يثير سؤالا مكتوما فى قلوب آلاف التربويين – ومعهم فى ذلك حق-(إشمعنى؟).
من هنا تأتى المسئولية الكبرى التى تقع على عاتقك سيادة الوزير.. أن تثبت للقوم، أن مختلف الوزارات، إذ يتولاها دائما متخصصون، فإن المطلوب، ما دام الحكم قد سرى على التربية، أن يرى الناس نهجا إيجابيا مختلفا، وحركة أسرع، وحكمة أعمق، وقرارات أصوب، ورؤية أوسع.. إلى غير هذا وذاك مما هو مطلوب ضِعفه فى هذه الفترة الحرجة التى ضاع علينا منها الكثير، بينما المطلوب أكثر.
إن الذى يجلس على كرسى سبق أن جلس عليه: على مبارك، وسعد زغلول وأحمد لطفى السيد، والدكتور هيكل، والنقراشى، وعلى ماهر، والدكتور السنهورى، وإسماعيل القبانى، والدكتور محمد حلمى مراد، وطه حسين، وما أدراك ما طه حسين... طابور مذهل من أبرز وأعظم رموز الفكر والثقافة والتربية فى تاريخ العرب الحديث، لابد لأحدث جالس مكان هؤلاء، ألا يعرف النوم طريقا إلى عينيه، من عِظَم المسئولية، وخطر المهمة.
ولأننا لم نعد نعيش فى زمن أصحاب الكاريزما السياسية، والزعامة الفكرية، والنجومية العلمية، يصبح من المهم الاعتماد أكثر على العمل المؤسسى، ورؤى الجَمْع من أصحاب الفكر والعلم والثقافة والاجتماع..
ولقد سبق أن نشرنا على صفحات الأهرام اقتراحا، سمعنا أن لجنة الدستور قد به أخذت به، على الرغم من أنها لم تسع أبدا إلى الاستماع لمثلنا مباشرة، فهذا لا يهم على أية حال، المهم التسليم بضرورة أن يكون هناك مجلس وطنى لسياسات التعليم، يكون مستقلا عن وزارتى التربية والتعليم العالى، حيث يتحولان إلى أداته التنفيذية، ويضع هذا المجلس السياسات العامة لمنظومة التعليم فى مصر. ولما كان إصدار الدستور، ثم الاستفتاء عليه، سوف يستغرق شهورا، بعدها سوف تتشكل وزارة جديدة، فلا بأس معالى الوزير أن تأخذ باقتراح نهج بديل مؤقت، كنا قد اقترحناه على الدكتور أحمد جمال الدين موسى فى وزارته الأولى (2004)، فأخذ به، حيث شكّل لجنة سماها لجنة الحكماء، جمعت مجموعة محدودة من ذوى الاختصاص والعلم والثقافة، تُعِين الوزير على البصر الكلى، والنظر الأعمق، والرؤية الشمولية، وباشرت عملها بالفعل، فى تجربة فريدة حقا فى تاريخ التعليم فى مصر، لكن الرجل لم يستمر مع الأسف أكثر من عام.
كذلك، فإذا كان الجميع قد تبين له بالفعل أن الكثير من الارتباك الذى حدث لمسيرة الثورة فى مصر، وأضاع علينا ما هو أكثر، نتيجة أن لم نبدأ ببناء دستور يرسم لنا معالم الطريق، وخريطة العمل الوطنى، كذلك، فالتعليم بحاجة أيضا إلى "دستور" يحدد الرؤى الكلية للتعليم، مساراته الأساسية، وتوجهاته، ونهجه، مما يمثل إجابات عن تساؤلات مثل:
- ما وضع التعليم فى سلم أولويات الدولة؟ وإلى أى حد ينعكس هذا على أولويات الإنفاق؟
- ما حدود المسئولية بين الدولة والقطاع الخاص عن التعليم فى مراحله المختلفة؟
- هل تتحدد وظيفة التعليم فى"التعليم" و"التثقيف"، أو فى "التأهيل للعمل، والحياة"، أم للأمرين معا؟
- هل تستمر سياسة مجانية التعليم، أم يعاد النظر فيها من حيث حدودها ومداها وشروطها، وهل تشمل كل مراحل التعليم؟
- من المسئول عن تمويل التعليم؟
- ما اللغة التى يجب أن يتم التعليم بها؟ وضرورة أن تكون العربية خاصة فى مرحلة التعليم الأساسى، وأهمية التفرقة بين "لغة التعليم الأجنبية"، و"التعليم بلغة أجنبية"!
- ما حدود النشاط الأجنبى فى مجال التعليم، وفقا لمراحل التعليم المختلفة؟ وحدود رقابة الدولة على ما يتم داخل هذا التعليم؟
- كيف يمكن تحقيق التنسيق والتآزر بين التعليمين الدينى والمدنى، وإمكانية أن تكون بينهما جسور تَنَقل ومشاركة، وإمكان التوحيد فى المرحلة الأولى وتأجيل التفريع إلى ما بعد مرحلة التعليم الأساسى.
- كيف يمكن رفع مكانة التعليم الفنى، وتفعيل دوره فى مسيرة التنمية، وكيفية التغلب على معوقاته؟
... وهكذا.
إن مناقشة مثل هذه القضايا، وهناك غيرها، يمكن أن يتم من خلال مناقشات مستفيضة منظمة يُدعى إليها عدد من الخبراء والعلماء والمفكرين، وأصحاب الاختصاص، وتحديد مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، سعيا نحو تحديد معالم الخريطة التى يجب أن يترسمها العاملون فى التعليم، بغض النظر عمن يتولى أمر الوزارة، حاليا أو لاحقا.
وفقك الله فيما أنت مقبل عليه من جسيم المهام، وعظيم المسئوليات...
د.سعيد إسماعيل على
|