د. مصطفى عثمان إسماعيل في حوار عن العلاقات المصرية السودانية
18 يوليو 2012
العلاقات المصرية السودانية معقدة ومتشابكة ومركبة في ذات الوقت، أخذت هذه العلاقات عقود طويلة من الشد والجذب بين البلدين لارتباطها دائما بالحكومات والسلطات الرسمية، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر كان هناك تفكير مختلف لشكل هذه العلاقة بضرورة تثبيتها بعلاقات شعبية تعمل على تأصيل هذه العلاقات واستمراريتها بعيد عن مهاترات السياسة والسياسين، ولكن هذا التوجه كان يلزمة بعض الوقت للتمهيد والتشاور بين القوى الشعبية في البلدين للإتفاق على شكل جديد للعلاقة، وهذا كان يسير بالتوزاي مع انشغال مصر الرسمية بشئون البلاد الداخلية، وكان متوقعا بعد تولي الرئيس مرسي أن تتخذ خطوات سريعة للقفز بهذه العلاقات إلى درجات أعلى بعد سنوات طويلة من البطء، إلا أن موضوع احتجاز الصحفية المصرية شيماء عادل بالخرطوم خلق تيارا مناهضا داخل مصر للسباحة عكس التيار، ولعب على هذا الأمر مجموعة لا تريد صلاحا لهذه العلاقة، وحتى نقطع الطريق على مثل هؤلاء يجب أن يعمل المخلصين في البلدين على إعادة النظر وبسرعة في السير في طريق شامل لعلاقات تنعكس على شعبي وادي النيل بالخير والنماء. " أفريقيا اليوم" ستفتح وتتبنى ملفا لإستضافة الشخصيات المحورية على المستوى الشعبي والرسمي في البلدين لخلق أرضية صالحة ومناخ جيد لإنطلاقة نوعية للعلاقات المصرية السودانية. أول هذه الشخصيات الحريصة على هذه العلاقات الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل والذي ساهم كثيرا في إعادة العلاقات مع مصر إلى وضعها الطبيعي. التقينا الدكتور مصطفى عثمان بالقاهرة ووقفنا معه على آخر تطورات العلاقات المصرية السودانية وكذلك تطورات الأوضاع في السودان. وفيما يلي نص الحوار.
هناك من استغل موضوع احتجاز الصحفية المصرية شيماء عادل في تعكير صفو العلاقات. ماتعليقك على هذا الموضوع؟
تطورات موضوع الصحفية شيماء أزعجنا فعلا، لأننا نعتقد أن العلاقات مع مصر ذات خصوصية حتى لو أخطأ واحد من البلدين من المفروض أن تنعكس هذه الخصوصية على ذلك، وهذه العلاقات بها عاطفة ومستحيل أن ننزع هذه العاطفة عن العلاقات بين البلدين، أنا ليست لديه معلومة عن الجرم الذي ارتكبته شيماء، ولكني سعيد أنه أطلق سراحها وعادت إلى أهلها وأتمنى من مواطني البلدين أن يحترموا هذه العلاقة باحترام القوانين التي تنظم العمل الصحفي أو غيره من الأعمال الأخرى، وفي نفس الوقت عندما يحدث أي تعدي من أحد مواطني البلدين، نتمنى أن يتسع صدر السلطات في البلدين لكي تضع في الاعتبار هذه العلاقة الخاصة التي تميز الشعبين، سواء كان هذا المواطن سوداني في مصر أو مصري في السودان.
هل هناك خطوات من المفترض أن تتخذ بعد تولي مرسي للسلطة؟ وهل هناك اتفاق على انعقاد اللجنة العليا المشتركة قريبا؟
- أحاول أثناء زيارتي القصيرة إلى مصر أن أتصل بالوزيرة فايزة أبو النجا بإعتبار كانت تتابع هذا الملف، ونحن سعداء بمتابعتها ونشاطها لهذا الملف وهي من أنجح الوزراء الذي تعاقبوا على التعاون الدولي في مصر وكانوا حريصين على هذه العلاقة، سواء استمرت في الحكومة القادمة أم لا نحن في الحقيقة في السودان نقدر لـ فايزة أبوالنجا سعيها لتطوير هذه العلاقة، أما اللجنة الوزارية مرتبط بتشكيل الحكومة الجديدة في مصر، لأن اللجنة يرأسها رئيس وزراء، وبالتالي ننتظر تشكيلة الحكومة الجديدة في مصر، وطبعا الوزراء الجدد سيحتاجون وقتا لدراسة الملفات وبالتالي أن أتوقع أن إنعقاد اللجنة سيأخذ بعض الوقت، ولكن أتمنى ألا يعطل ذلك المشروعات الجاهزة الآن، ولا أرى أن تنتظر إلى اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة.
ماهي هذه المشروعات الجاهزة؟
- طريق شرق النيل هو طريق جاهز الآن، لماذا نعطل مصالح مواطني البلدين لرسميات أو بروتوكولات، المواطن لا مصلحة له فيها، لماذا نربط إفتتاح الطريق بإجتماع اللجنة المشتركة؟، ويأتي النائب الأول لرئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء المصري، لماذا لا نفتتح المشروع ثم بعد ذلك تأتي اللجنة الوزارية وتجد المشروع قد افتتح فتزوره في الموقع لتتأكد من ذلك، ولذلك مثل هذا المشروع الحيوي أتمنى ألا ينتظر اللجنة فهو في غاية الأهمية، وأنا سعيد جدا أنه في مشاريع شرق السودان قبل أسبوع وقعنا الإلتزام الكويتي بـ 200 مليون دولار لتنفيذ طرق في شرق السودان، كلها وقعت لشركات مصرية، وهو ما يقوي هذه الصلات، ومن المعروف أن الشركات المصرية الآن في مجال الطرق معظم الطرق الموجودة في السودان الآن تنفذها شركات مصرية، وزادت أعداد العمالة المصرية في السودان، وزاد الاستثمار المصري أيضا بالسودان في الزراعة، وقبل أسبوع استقبلنا مستثمريين مصريين في مجال المعادن والذهب، ولذلك في تقديري الآن أن العلاقات بين البلدين تتقدم، مؤخرا هناك جالية مصرية بالسودان اقيم لها اتحاد، وأعتقد أن هذا الاتحاد سوف يساعد الحكومة السودانية في حماية مصالح المصريين بالسودان، ويعزز من العلاقات بين البلدين ولذلك عندما ينفتح الطريق علينا ألا ننسى أن الشاحنة ستبدأ من الاسكندرية بدون مايعوقها أي عائق وتفرغ في مدن دنقلة القضارف الخرطوم وكسلا وتعود أيضا نفس الشاحنة مليئة بالبضائع وتوزعها في مدن مصر المختلفة، لذلك أنا متفائل جدا بمستقبل العلاقات بين البلدين، أتمنى من الأجهزة الرسمية أن تعمل على فتح هذه النوافذ وتسهيلها، وننتظر أيضا من حكومة الدكتور محمد مرسي أن تحسم موضوع الحريات الأربع، ليس من المعقول أن يمنح السودان للمصريين الحريات الأربع في الوقت الذي تترد فيه الحكومة المصرية أن تمنح السودان هذا الحق، وكذلك طريق شرق النيل متوقف على موافقة الحكومة المصرية، الحكومة السودانية وافقت عليه، أنا في زيارتي الأخيرة في مصر تحدثت مع الدكتور كمال الجنزوري وفايزة أبو النجا وحضر الاجتماع للوزارة وتقرر أن يوم 24 يونيو سينجز هذا المشروع، ولكن مضى شهر 6 ولم يحدث شئ، لأن الحكومة تحولت إلى حكومة تصريف أعمال، فكثير من القضايا تحتاج إلى حسم حتى نفتح المجال للحركة الشعبية بين البلدين.
ماهي حجم الاستثمارات المصرية في السودان الآن؟
- أذكر قبل فترة فاقت 3 مليار دولار وبعد ذلك استقبلنا عدد من رجال الأعمال المصريين في مجال المعادن والذهب وفي الزراعة ومن الصعب أن أعطي رقم الآن ولكنها في تطور، بالمناسبة رغم الظروف التي يمر بها السودان وتيرة الاستثمار زادت ولم تنقص، لدينا الاستثمار القطري في كافة المجالات، وتركيا في البنى التحتية والمعادن وبدأت تصدر الذهب في الصحة هناك مستشفى تركي الآن بـ 35 مليون دولار في نيالا وسوف يفتتحوها الاتراك وهي منحة، وهناك الاستثمار السعودي والصيني والمصري، والاسبوع القادم مع مفوضية الاستثمار بالخرطوم سنعقد مؤتمر صحفي سنوضح فيه بالظبط حجم الاستثمار والزيادة فيه، والمؤكد أن الإستثمار في زيادة ملحوظة.
منذ يومين زارت وزيرة الخارجية الأمريكية القاهرة وكان هناك احتجاج شعبي على زيارتها. ماهي نصيحتك للقيادة الجديدة في مصر في ملف العلاقات مع أمريكا؟
- التجربة علمتنا أن الشعب أكثر شئ يستفذه ويثور عليه عندما يحس أنه مهان في كرامته مسلوب الارادة في قراره، لو كان أصلا أمريكا ستفعل شئ لحمت النظام السابق، ولكن الشعب جاء بالقوة، والسلطة الموجودة الآن هي كانت رافضة للتبعية وتنادي باستقلال القرار، والقوى التي كانت محمية بواسطة أمريكا هي التي رفضها الشعب، والرئيس البشير يدفع ثمن رفضه لبيع القرار السوداني وعدم استسلامه للقرار الأمريكي، ولكنه يحتمي بربه وبشعبه، ولذلك أنا رأيي للقيادة الجديدة في مصر أن تنتبه لهذا، وأن هذا الشعب الذي أتى بك يريد قرارا مستقلا يخدم مصالح مصر والأمة العربية أولا ولا يخدم مصالح اسرائيل وأمريكا، يريد قرار مصري مستقل يعبر عن الارادة المصرية، ولا يعبر عن التدخل الخارجي، يريد تنمية حقيقية يكون عمقها العربي وليس الغربي، ولكني أخشى ما أخشاه أن الغرب الذي فوجئ بهذا التغيير الذي تم يريد أن يحتويه ويوجهه الوجهه التي يريد، أنا على ثقة أن الذين هم في حكم مصر الآن أذكى من أن يسيروا في هذا الاتجاه، ولكن هذه نصيحتي بأن الغرب ولاؤه سيظل لإسرائيل ودعمه لها، الشعب أتي بهذه السلطة في الحكم لكي تنقذ القضية الفلسطينية وتنصف الحقوق العربية، نحن لسنا ضعفاء لو استخدمنا الكروت التي بأيدينا استخدامناها صحيحا، وهذا لا يعني أننا نعادي أمريكا ولكن لابد أن نقول لأمريكا أن هذا الموقف الذي تتخذيه خطأ، ويجب أن تتعلم أن تسمع مننا، أننا يمكن أن نقف معها وأننا نقف ضدها أيضا، وعلى أمريكا أن تتعلم أن تأتي إلى هنا وأن تعلمنا ماذا نفعل فهذا تدخل في الشئون الداخلية، فالشعب المصري هو الذي يقول للجيش المصري عد إلى الثكنات، وهو الذي يقول لرئيسه احترم القضاء، وهو الذي يقول للقضاء لاتدخل في عمل الجهاز التنفيذي، فهذا شأن الشعب المصري وليس شأن أمريكا، ولذلك أنا أتفق مع الذين رأوا أن ذلك تدخل في شئون مصر، فهل تقبل أمريكا بأن يذهب مرسي اليها ويقول لهم عليكم أن تسحبوا قواتكم من أفغانستان، وانتم منحاذون وظلمة تجاه الفلسطنيين، كل الذي نريده من أمريكا أن توازن بين مصالحها وبين انحيازها تجاه إسرائيل، وهي الآن لا تتحدث عما تقوم به إسرائيل من إعتداء.
مرسي زار السعودية في أول جولاته الخارجية هل نتوقع زيارة قريبة له إلى السودان أو زيارة قريبة للبشير إلى مصر؟
- نحن سعدنا جدا بزيارة مرسي للسعودية فهي قبلة المسلمين وحاضنة الحرمين الشريفين، وبالنظر إلى القيادة السعودية نعتقد أن زيارة مرسي كانت في مكانها، فهي تريد أن تطئن من أن العلاقات بين البلدين في الطريق الصحيح وأن مصر ستكون حامية وساندة للقضايا العربية، بالاضافة للتكامل الاقتصادي الذي يمكن أن يحدث بيننا، وكذلك وجود مايقارب من 2 مليون مصري بالمملكة، البشير زار مصر بعد الثورة ويمكن أن يزورها، ولكننا مقدرين أن القيادة المصرية مشغولة الآن بالشأن الداخلي لكننا نتوقع بعد أن تستقر الأوضاع أن تلتفت القيادة بأهمية الأوضاع مع السودان لأن هذا ليس طلبا رسميا، وانما طلبا شعبيا عبر عنه الوفود الشعبية التي زارت السودان بعد الثورة، وكذلك الوفود الشعبية السودانية، وقطعا زيارة مرسي للسودان لن تكون زيارة عادية وسوف يستقبل أحسن استقبال، وسوف يعبر الشعب السوداني بمدى فرحتهم بالثورة المصرية، قد تكون للقيادة توازنات تجعلها تزور السعودية ثم تأتينا سنتفهم ذلك، ولكننا نتوقع من القيادة المصرية بعدما تستقر الأوضاع أن تلتفت لهذا النهر الجارف من الحب والامكانات الضخمة التي يمكن أن تساهم في استقرار البلدين.
تعليقكم على وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر؟
- كإسلامي دون شك أرحب ترحيبا حارا بوصول الاسلاميين للسلطة في مصر، وأشيد جدا بالخطوات التي اتخذها الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي والممارسة الديمقراطية والتعويل على الشعب وليس على أجهزة الأمن وعلى الوحدة الوطنية، ورأينا أن الإخوان عندما عادوا للميدان وحدوا الجبهة الوطنية وساروا أقوياء، وأقول أن عبور مصر لهذه المرحلة هي عبور لنا جميعا، وأن استقرار مصر استقرار لنا جميعا، وكل السودانيين كانوا متابعين لهذا التحول الكبير في مصر، وكانوا أمام أجهزة التليفزيون يتابعون اعلان نتائج الانتخابات وخطاب مرسي بعدها وفي التحرير وأدائه اليمين الدستورية وفي جامعة القاهرة وكأننا مصريين تماما، أقول وكلي ثقة أحب السودان وحبي لمصر لا يقل عن حبي للسودان، لأن مكانة مصر في نفوس العرب كمكانة مكة في نفوس المسلمين، فالذي يدور في مصر الآن يخص العرب جميعا والسودان على وجه الخصوص، أشيد بالرئيس الجديد، حتى الآن أثبت مرسي أنه رئيس شعبي، وتاريخه يقول ذلك فقد خرج لمواجهة الصعاب كأي مواطن عادي فذهب للماجستير ثم الدكتوراه وهذا يؤكد أنه رئيس عصامي وهذا سيجعله ينجح في مهمته الجديدة في إدارة شئون مصر.
في تقديرك كيف ستكون العلاقات المصرية السودانية ومرسي الإسلامي حاكما لمصر والبشير الإسلامي حاكما للسودان؟
- في تقديري أن العلاقات بين البلدين وخاصة الشعبية سوف تشهد مزيدا من الاندياح في كافة المجالات، فالشعب المصري والسوداني مرتبطين بقلوبهم وكانوا ينتظرون قيادة شعبية ووجدها ونحن معهم.
ماسبب زيارتك للقاهرة هذه المرة؟
- سبب زيارتي أن الاتحاد العربي للعمل التطوعي، وهذا اتحاد منظم يغطي كل العالم العربي، ومقره الدوحة وهو أحد مؤسسات الجامعة العربية وفي كل فترة يكرم عدد من المواطنين العرب الناشطين في المجال الطوعي، أنا دعيت كأحد الذين كرموا هذا العام، وكان معي أيضا الأخ عمرو خالد و الدكتور جاسر محمد عبده يماني وآخرين، وتم تكريمنا لنشاطنا في مجال العمل الطوعي في داخل السودان وخارجه،