أصدقاء الشعب السوري وأصدقاء بشار السبت 17 شعبان 1433 الموافق 07 يوليو 2012
ياسر الزعاترة
الذي لا شكَّ فيه هو أن الشعب السوري قد حصل في باريس على فيض من الخطب الكبيرة المدجَّجة بالعواطف، لكن خريطة المواقف لم تتغير كثيرًا عما كانت عليه قبل شهور، فالولايات المتحدة والغرب عمومًا لا يبخلون بالعواطف على الشعب السوري، ولا يتوقفون عن التنديد بالقتل الذي يمارسه، بينما لا يكفّ الآخرون من المتحالفين معه عن كيل الدعم العملي والمباشر من تكنولوجي وعسكري ومالي، وسياسي أيضًا.
الذي لا شكَّ فيه هو أنَّ إيران لم تغير موقفها، أقله إلى الآن، وإن باتت أكثر تشككًا في قدرة النظام على هزيمة الثورة، الأمر الذي ينطبق على حلفائها في لبنان والعراق. أما روسيا فهي التي يحتاج موقفها إلى قدرٍ من التوقف، لاسيما أن تصريحات قادتها لا ترسو على بر واضح؛ إذ تشي بإمكانية قبول رحيل الأسد مع بقاء النظام، لكنها تعاود التشدد اعتقادًا منها بأن ذلك سيضمن مصالحها في سوريا الجديدة، في ذات الوقت الذي يحول دون انتهاء المعركة بهزيمة واضحة لها تشبه هزيمتها في الملف الليبي.
الذي لا شكَّ فيه هو أنَّ الجنرال بوتين، ضابط "الكي جي بي" السابق يكره كل ما يَمت إلى الثورات بصلة، وهو يشعر بحساسية مفرطة حيال حديث الولايات المتحدة والغرب عن دكتاتوريته المتلفعة بثياب ديمقراطية، في ذات الوقت الذي يكن فيه عداءً مفرطًا للقوى الإسلامية التي تتصدر الثورات العربية (قضية الشيشان حاضرة في ذاكرته على الدوام)، من دون أن ينفي ذلك البعد المتعلق بالمصالح الروسية في المنطقة، وفي سوريا على وجه التحديد.
لكن التطورات التي تتحرك على الأرض في الساحة السورية لم تَعُد تمنحه الحد الأدنَى من اليقين بقدرة الأسد على البقاء، لاسيما أن ما يقرب من 40% من مساحة البلاد لم تعد تحت سيطرته، وبات يتعامل معها على أنَّها أرض محتلة؛ يقصفها بالدبابات والصواريخ والطائرات، وليست مدنًا تحت سيطرته يواجه فيها احتجاجات الشعبية.
وجاء انشقاق عدد كبير من كبار الضباط (آخرهم العميد مناف طلاس) الذي يُعدّ من الدائرة المقربة جدًا من بشار الأسد، بل من "شلته" الخاصة حسب تعبير دوائر غربية، جاء ليؤكّد أنَّ المؤسسة الأمنية والعسكري تكاد تتخلص من ضباطها السنّة ليغدو الصراع أكثر وضوحًا بين الغالبية السنية والأقلية العلوية، الأمر الذي يعنِي تطورًا بالغ الخطورة، بل إنَّ التقارير الغربية لم تعد تتردَّد في الحديث عن "دومينو" الانشقاقات الذي يعصف بالنظام ويضعف مؤسسته الأمنية والعسكرية.
من هنا، يمكن القول إنَّ روسيا اليوم تجاهد للخروج من المأزق بأقل الخسائر، وهي لا تمانع أبدًا (حتى لو نفت ذلك بلسان المقال) في خروج الرئيس مقابل بقاء النظام، الأمر الذي ينطبق على إيران أيضًا، والتي أخذت تدرك إضافة إلى ذلك حجم عزلتها الإسلامية بسبب موقفها من سوريا، ولم تتخذ موقفًا إيجابيًا يقلل من هامش الحشد المذهبي الذي يجتاح المنطقة.
الولايات المتحدة ليس لديها في الملف السوري غير الأجندة الإسرائيلية، الأمر الذي ينطبق بهذا القدر أو ذاك على الدول الغربية، والأجندة المذكورة لا يعنيها غير تأمين نهاية للأزمة تحول دون انهيار النظام ووقوع البلد في يد قوى تصعب السيطرة عليها، وهي لذلك تميل إلى السيناريو اليمني، بل تتبناه بشكل واضح.
ينطبق ذلك على بعض الدول العربية التي تبدي تعاطفًا لافتًا مع الثورة السورية نكاية في إيران، لكنها تميل أيضًا إلى السيناريو اليمني خوفًا من استمرار مدّ الربيع العربي، فضلاً عن خضوع بعضها للإملاءات الغربية في معظم الملفات الخارجية. أما البعد المصري دخل المعادلة حديثًا، فهو مهم أيضًا، لأنَّه سيشكل عنصر دعم مهم للثورة السورية، وإن انشغل مؤقتًا بالهموم المحلية.
تبقى تركيا التي نقلتها قضية الطائرة من مربع الدعم الجيد للثورة السورية، إلى مربع التدخل المباشر بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، ولا يشك عاقل في أنَّ أنقرة ليس لديها غير خيار إسقاط النظام بالكامل، لأنَّ أية صيغة أخرى لن تؤمن لها مصلحة معتبرة.
الدعم التركي المشار إليه، معطوفًا على دعم بعض الدول العربية، هو الذي منح الثورة فرصة التمدد وفرض معطيات جديدة على الأرض، وأكَّد لكل المتشككين بانتصارها أنّ سقوط النظام هو مسألة وقت لا أكثر.
هنا تنهض خلافات المعارضة، وهي خلافات تلقي بظلالها على المستقبل أكثر من مصير الثورة، أعني لجهة اليوم التالي لسقوط النظام، وهنا لا يبدو أنَّ تركيا تأبه لهذا البعد، تمامًا كما هو حال الثائرين على الأرض الذين يباشرون عملهم دون النظر إلى ما يجري في الخارج، لاسيما أنَّ خيارًا آخر غير الانتصار لا يبدو قابلاً للتفكير بالنسبة إليهم.
خلاصة القول هي أنَّ عمر النظام قد أخذ يقصر بشكل متسارع، ولن يطول الوقت حتى ينهار، مع بقاء الشك قائمًا حول ما إذا كان الحل السياسي سيُفرض على الشعب، أم يسبقه المسار الثوري الكامل؟!
http://www.islamtoday.net/albasheer/...-13-170027.htm
http://www.islamtoday.net/albasheer/...-13-170027.htm