لماذا أمر الله الخلق جميعا بعبادته ؟
أقول ابتداء بين يدي الجواب على هذه المسألة : لو تخلي الخلق جميعا في الكون كله ، خلي بالكم من هذا التأصيل ، لو تخلي الخلق جميعا في الكون كله أو في الأرض عن عبادة الله سبحانه ، فالله جل وعلا غني عن كل خلقه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ، بل لا يزيد ملكه توحيد الموحدين ولا حمد الحامدين ولا شكر الشاكرين ، ولا ينقص ملكه كفر الكافرين ولا عصيان العاصين ولا إذناب المذنبين ، أبدا قال الله جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾[فاطر: من الآية15] نداء عام ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ﴾[فاطر:15] .
والفقر نوعان ، كما قال بن القيم في كتابه الماتع طريق الهجرتين :
فقر اضطراري وفقر اختياري .
الفقر الاضطراري : هو فقر كل الخلق في الأرض فقر أكثر الكافرين بالله هذا مضطر إلي الله جل وعلا هو فقير اضطرارا إلي الله فقير إلي الشمس إلي النور إلي الهواء إلي الماء إلي الأرض إلي آيات الله وهي خلق الله تبارك وتعالي فقير اضطرارا إلي الله جل جلاله ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ﴾[آل عمران: من الآية83] ولما خلق الله السماوات والأرض ﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾[فصلت : من الآية11].
الفقر الاختياري هو فقر العبودية والذل والانكسار لله تبارك وتعالي وكلما ازددت فقرا من هذا النوع الثاني ازددت عند الله غنى كلما ازددت فقرا اختياريا لله ازددت عند الله غنى فكلما ازدادت عبوديتك لله ازددت عزا عند الله كلما ازداد فقرك لله زادك الله غنى وزادك الله رفعه وزادك الله علوا ومكانة وشأنا عنده في الدنيا والآخرة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾15﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾16﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾[فاطر:15- 17 ]
إذن لماذا امرنا الله بعبادته والجواب :
أولا: لأن العبادة حق الله على عباده روى البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت رديف النبي صلي الله عليه وسلم يوما على حمار فقال النبي لمعاذ ( يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله وسعديك قال أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال معاذ الله ورسوله اعلم فقال صلي الله عليه وسلم حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا قال معاذ قلت أفلا أبشر الناس يا رسول الله قال لا ، لا تبشرهم فيتكلوا)
فأخبر بها معاذ بن جبل عند موته تأثما أي خشية من وقوعه في إثم لكتمان العلم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم .
ثانيا: من أرق وأجل صور الرحمة من الحق بالخلق أن أمرهم بعبادته .
نحن نقول بأن الله رحيم ، من أسماءه الرحيم والرحمن ، ومن صفاته الرحمة ونؤمن بأن رحمته سبقت غضبه ،
لأن العبادة غذاء لأرواحنا وحياة لقلوبنا وسبب لتفريج كروبنا ، لأنها تقربنا من ربنا تبارك وتعالى .
ثم بعد ذلك نعبد الله لذاته لأنه يستحق أن يعبد وطلبا لجنته وخوفا من ناره .
نعبد الله لأن العبادة غذاء للأرواح : أنت بدن وروح ، الإنسان مخلوق بدن وروح ، جسد وروح .
ومن هنا يقول ربنا ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيل﴾ [الإسراء:85] .