عرض مشاركة واحدة
  #213  
قديم 13-11-2011, 09:49 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي البرادعى وأمريكا.. والكذب البواح

البرادعى وأمريكا.. والكذب البواح

بعد أن أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى يرأسها اليابانى يوكيا أمانو تقريرا قبل عدة أيام قال المراقبون الغربيون إنه الأكثر تفصيلا فى تجميع الأدلة التى تفيد بأن إيران تطمح لامتلاك سلاح نووى، تذكرت على الفور المرشح الحالى للرئاسة فى مصر والمدير السابق لنفس الوكالة الذرية، الدكتور محمد البرادعى. فعلى مدى ثمانى سنوات قضيتها فى الولايات المتحدة، أربع منها أقوم بتغطية أنشطة البيت الأبيض والخارجية الأمريكية لصحيفة الأهرام من واشنطن، والبقية مراسلا لقناة الجزيرة فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك، لم أسمع كلمة ثناء واحدة فى حق الدكتور البرادعى من أى من المسؤولين الأمريكيين سواء من قبل أعضاء إدارة الرئيس السابق سيئ الذكر جورج دبليو بوش، أو من خلفه الذى كان من المفترض أن يكون أكثر موضوعية وعدالة، باراك أوباما. وكذلك الحال بالنسبة إلى الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين، والذين يتولون مع واشنطن عملية صياغة الغالبية العظمى من القرارات فى الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية. وفى اليوم التالى مباشرة لتولى السيد أمانو المعروف بقربه الشديد من الولايات المتحدة لمنصبه قبل نحو عامين، تحدثت مع مسؤول بريطانى كبير طلب عدم ذكر اسمه فى مقر الأمم المتحدة. وكاد الرجل يرقص طربا لخروج الدكتور البرادعى من الوكالة الذرية، قائلا إن تلك الخطوة ستمهد لبدء الضغوط الحقيقية على طهران لوقف برنامجها النووى. الدبلوماسى البريطانى المحنك لم يقلها صراحة، ولكنه ألمح إلى أن الأصول المسلمة للدكتور البرادعى وانتماءه إلى جيل نما فى ظل الأفكار القومية العربية لعبد الناصر ربما كانت عائقا أمام قبوله الضغوط الغربية الساعية لتضييق الخناق على طهران.

ولم يكد يمضى يوم على تذكرى ذلك الحوار البريطانى حتى قرأت ترجمة لتقرير أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية يوم الأربعاء 9-11، ونقلت فيه عن مسؤول إسرائيلى رفيع المستوى اتهامه للبرادعى، بأنه «ليس أقل من عميل إيرانى» زاعما أن «البرادعى أنقذ الإيرانيين من العقوبات وكان يعمل طوال الوقت على إخفاء حقيقة برنامجهم النووى». ما أعرفه شخصيا هو أن الدكتور البرادعى كان يحاول القيام بمهمته الصعبة بأقصى درجة من التوازن والموضوعية. فكأى مدير لمنظمة دولية تضم دولا كبرى كالولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية الحائزة على السلاح النووى، لم يكن من الممكن أن يتحكم البرادعى فى القرارات الصادرة عن الوكالة الدولية بمفرده، خصوصا فى ضوء أن معظم المعلومات التى ترده بشأن البرنامج النووى الإيرانى هى من مصادر المخابرات الغربية والإسرائيلية فى الأساس. ولكن ما كان يصر عليه الدكتور البرادعى هو تقديم أدلة قاطعة تتمتع بالمصداقية الكاملة، لا مجرد تكهنات واستنتاجات وقرائن كما يبدو الحال عليه الآن بالنسبة إلى المدير اليابانى للوكالة السيد أمانو الذى أقر المتحدث باسمه أنه قام بالفعل بزيارة البيت الأبيض واللقاء مع كبار المسؤولين قبل أيام من إصداره تقريره الأخير. وبالطبع فإن أمانو لم يذهب للبيت الأبيض فقط لتناول القهوة.

ومن المؤكد أن الدكتور البرادعى لم يكن يخضع لأى ضغوط إيرانية كذلك. فهذا أيضا لم يكن لتسمح به الولايات المتحدة وحلفاؤها، والتى لم تكن لتصمت لو اشتمت أدنى شبهة فى هذا الاتجاه. ولكن البرادعى الحائز على جائزة نوبل للسلام فى عام 2005 بعد أن واجه إدارة بوش الابن ورفض ترويج خرافاته بشأن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، لم يكن ليقبل كذلك بشن حرب على بلد مسلم آخر خصوصا فى ضوء الكارثة العراقية والثمن الهائل فى عدد الضحايا. نعم من المؤكد أن إيران لها طموحاتها الإقليمية الواسعة والتى يجب التعامل معها، ولكن ليس عبر الحروب التى لم تجلب لمنطقتنا سوى الكوارث والدمار.

ولكن ليس هذا هو الجانب الوحيد الذى يهمنى فى هذه القضية. فالجانب الأهم بالنسبة إلىّ هو فشلى فى العثور حتى الآن على أى مبرر لاستمرار الترويج للتقارير المغلوطة التى تتهم الدكتور البرادعى بأنه «عميل أمريكى»، كان من المفهوم ترديد هذه المقولات فى ظل نظام الرئيس المخلوع مبارك. فهو كان نظاما قائما على الكذب البواح والتزوير والفساد فى كل أوجه الحياة. وبالتالى لم يكن مستغرَبا أن يسعى لتشويه صورة الرجل الذى حرك مياه السياسة الراكدة فى مصر وأفسد مخطط توريث الحكم للنجل الأصغر، وأكد للمصريين أن هناك بديلا ثالثا ما بين حكومة أسست الفساد وقمعت الحريات، أو نظام يتحكم فيه متشددون متطرفون يهدفون إلى إقامة إمارة مصر الطالبانية ويهدمون تماثيل حضارتنا الفرعونية التى نفخر بها. أما الاستمرار فى ترديد مثل هذه الاتهامات الزائفة الآن، والزعم كذلك بأن الرجل لا يعرف مصر جيدا نتيجة إقامته لسنوات طويلة خارجها، فلا يوجد له معنى سوى أن هناك قوى فى مصر تخشى وترفض أن يتولى البرادعى رئاسة مصر ليقينها بأنه سيمثل تهديدا حقيقيا للمصالح التى قامت بترسيخها وبنائها على مدى عقود عدة، فالرجل معروف عنه النزاهة والتواضع والابتعاد عن شبهات الفساد، وهو يأمل بالفعل فى تغيير حقيقى للنظام فى مصر، لا مجرد التخلص من مبارك ونجله. كما أنه معروف أيضا بعلاقاته الدولية المتشعبة، وهو الأمر الذى لا يروق كذلك بالطبع لنظام اعتاد أن يحتكر التعامل مع العالم الخارجى بمفرده ويتهم أى طرف آخر يمتلك أى اتصالات مشابهة بالعمالة.

الدكتور البرادعى رجل مصرى عربى مسلم لم ينسَ بلده أو الشعوب العربية والمسلمة رغم السنوات الطويلة التى قضاها فى الغرب. وحتى هذه العقود التى قضاها فى الخارج لم يكن فيها بعيدا عن قضايا وطنه وشعوب المنطقة بحكم طبيعة عمله، والتى كانت تتطلب منه زيارة المنطقة العربية ومصر باستمرار.

هذا ليس مقالا دعائيا للبرادعى، خصوصا أن أحدا منا لا يعلم موعدا للانتخابات الرئاسية، ولكنها فرصة لذكر حقائق من حق الشعب المصرى أن يعرفها ويطّلع عليها، وشهادة عيان من طرف سمحت له ظروف عمله بالاطلاع على ما كان يقال فى حق الدكتور البرادعى فى دوائر صنع القرار السياسى فى الولايات المتحدة والغرب

خالد داوود
رد مع اقتباس