عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-11-2011, 11:39 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عوائق.. وتضحيات:
أهـمـيـة مـعـــرفة عوائق الطريق: ثم نأتي إلى اليوم العظيم، يوم النحر؛ يوم العيد؛ حيث ينطلق الحاج قبل طلوع الشمس إلى منى ملبياً وعليه السكينة، ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات مـتـعـاقـبـات، ويكبر مع كل حصاة، ويقطع التلبية عندها، ثم يذبح الهدي، ثم يحلق أو يقصر. وبـذلك يـتـحـلل التحلل الأول، فيلبس الثوب ويتطيب، ويحل له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، ثـم يـذهــب إلى مكة لطواف الإفاضة بدون رَمَل. ثم يصلي ركعتي الطواف، ويسعى المتمتع والقارن أو المـفـرد الـذي لـم يـسـع. وبذلك يتحلل التحلل الكامل. ويشرب من زمزم، ويصلي الظهر ـ إن أمكن ـ، ويكبر، ثم يـذهـب للمبيت في منى باقي الليالي.
وحول الأبعاد التـربـويـة لأعمال يوم النحر نقتطف بعض هذه الملامح التي ترمز إلى معرفة السائر لعوائق الطريق، وتصميمه على الانتصار عليها:
أ -
عـنـدمـــا يـبتدأ الحاج بالرمي فإنما هو من باب دخول البيوت من أبوابها؛ حيث إن الرمي هو تحية منى.
وكذلك هو من باب الـبـدايــة بالأصل الكبير في كل قضية؛ فبعد سفر طويل وتعبئة كبرى، وشحن داخلي يتجه الحاج إلى العدو الأول، ذلك الذي حذره منه الحبيب صلى الله عليه وسلم فعرَّفه عليه ليتجنبه؛ كـيـف لا وهــو عينه ذلك العدو الذي لم يَرُقْهُ جلال سويعات الوقوف بعرفات، وكان في أغيظ مواقفه؟!
وعندما يرمي الحاج سبعاً من الحصيات فإنه يبدو كأنه تصميم على جدية المواجهة ضـــد شبهات الشيطان وشهواته.
وفي دعاء الحاج ربه عقيب الرمي يتبين أهمية سلاح الدعاء في كل موقف، وكذلك يتـبـيـن معنى فقر العبد دوماً إليه ـ سبحانه ـ؛ فبعونه ـ عز وجل ـ تأتي القوة والمنعة والـنـصـر في معركته ضد عدو الله وعدوه.
وبتدبر البعد التربوي الشامل للرمي نستشعر أن أصل كل معركة أن تعرف من هو الـعــدو الحقيقي، فتواجهه.
فمن العوائق الرئيسة عدم معرفة العدو، وعدم معرفة أسلحته، ونقط ضعفه، ومعرفة كيفية التغلب عليه.
ب -
وفي الـنـحــر دلالات عـظـيـمـة للسائر: فهو يرمز إلى أن السائر الذي يعرف طريقه، ويعرف هدفه، ويعرف أيضاً عدوه، وأن عـلـيه ألاَّ تعيقه أي تضحيات في سبيل تحقيق ما خطط له.
يتأمل الداعية ذلك وهو يتذكر رواده على الـطـريـق، يتذكر الخليل ـ عليه السلام ـ وكيف أنه ضحى بولده الوحيد الحبيب ـ عليه السلام ـ وذلك في سبيل رضاه ـ سبحانه ـ وامتثال أمره.
والله ـ عز وجل ـ لا يريد العنت بعباده، وإنما يـريــد لهم تجربة واقعية تثبت وتبرهن أن الـعـبـــد قد رتب أولوياته جيداً، وعندما يثبت ذلك للعبد نفسه وليس للحق ـ سبحانه ـ الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، عند ذلك فقط يكون النجاح في الاختبار.
كيف لا والحق ـ سـبحانه ـ قد أخبر أن إبراهيم وولده ـ عليهما السلام ـ قد نجحا بالرغم من عدم ذبح إسماعـيـل ـ عليه السلام ـ؟ فالقضية لم تك هي الذبح، بل هو مجرد اختبار واقعي لجدية الاستعــداد للتضحية: ((ونَادَيْنَاهُ أَن يَا إبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا إنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ)).[ الصافات: 104، 105].
والموفق هو من يعرف عـوائق طريقه، فيتـغـلب عليها مضحياً في سبيل هدفه الأسمى، وهذا هو الفيصل والفارق: ((ومِـنَ الـنَّـاسِ مَـــن يَـتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ)). [البقرة: 165].
فرحم الله من أرى أعداء الله مـنـه قـوة، ورحــم الله من أظهر لربه منه جدية وبذلاً وحباً وتضحية، وترتيباً صحيحاً لأولوياته.
ج -
وفي ذهاب الحاج إلى مكة لطواف الإفــاضــة أبعاد تربوية عظيمة منها أنه تأكيد على أن السائر لم يزل على عهده، ولم تزل القضية المحورية التي يدور حولها وبها ومعها هي شغله الشاغل.
ومنها أيضاً أنه فوق كونه تجديداً للعهد، فـهـو تجديد للزاد الذي من شأنه أن يقويه على أي عقبة في الطريق.
ومـنـهـا أهـمـيـة تـذكـير الأمة بضرورة توحيد الغاية والهدف والهموم لتكون أشبه بمحور تطوف كل فئات الأمة حوله حتى تتجمع القوى حول الأهداف العظام، ولا تتفرق.
فمن عوائق الطريق الـتـشرذم تحت رايات متعددة، والتمحور حول أفكار غير موحدة؛ لأن من أهم ركائز المشروع الحضاري الإسلامي هو الحركة الجماعية المنظمة والمتوافقة.
د -
وعندما ينهي الـحـاج أعـمـــال يوم النحر بالحلق أو التقصير، وهو من باب استعداد الحاج لأعمال منى، التي ستكون أشبه باللجان المصغرة التي تعقد ورش عمل لمتابعة أعمال
المؤتمر السنوي الذي عقد في عرفة.
وعندما يقرر صلى الله عليه وسلم صـحـة كلٍ من الحلق والتقصير، ثم يرتب الحلق ويفضله على التقصير فإنما هو من باب يسر المـنـهج ومرونته، وكذلك له مغزى تربوي آخر وهو من ركائز المشــروع الحضاري ألا وهــو قـبـول الآخـــر، أو بمعنى أشمل هو من باب التعددية الـفـكـريــة والمـذهـبـية؛ وذلك كما بينا ذلك عند الحديث عن أهمية إعادة صياغة العقلية المسلمة على أصول منها: قضية تعدد الصواب.
فمـن عوائق الطريق وجــود بعض من ذوي الاعتلالات التربوية والحــركية بل والفكريــة، فلا يرى إلا رأيه، ولا يستمع للآخر، بل يبلغ به الأمر إلى أن يسفه رأي الآخر، ويتمادى به الاعتلال حتى يسفه الآخر نفسه.
وقـديـمـــــاً من وراء السنين أنصفنا المربون عندما حملوا لنا نصيحة الشافعي ـ رحمه الله ـ عندما وضــــع قـاعــدة ذهبية من قواعد حرية الفكر: "رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب".
بل إن الحق ـ سبحانـه ـ ذم رائد هؤلاء (الدكتاتوريين) عندما وضع قاعة بغيضة من قواعد كبت الفكر: ((قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إلاَّ مَا أَرَى ومَا أَهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ)) [ غافر:29].
__________________