عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-11-2011, 03:08 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

العبادة دواء للقلب
ذكرنا أن صلاح القلب يتبعه صلاح الجسد كله، ومعنى ذلك أن الصحة القلبية شرط في وجود الصحة العقلية والصحة النفسية والجسدية، ولذلك فإن التربية الروحية الإسلامية تجعل صلاح القلب من أهدافها الأولى.
ذكر الإمام الغزالي أن القلب الإنساني له أمراضه التي فيها هلاكه، وأن دواءه في معرفة الله وعبادته، قال: > بَانَ لي بالذوق مرة وبالعلم البرهاني مرة، أن الإنسان خلق من بدن وقلب، وأعني بالقلب حقيقة روحه التي هي محل معرفة الله دون اللحم والدم، وأن القلب له صحته وسلامته وله مرضه الذي فيه هلاكه. وأن الجهل بالله سم مُهْلِكٌ وأن معصية الله بمتابعة الهوى داؤه الممرض، وأن معرفة الله تعالى ترياقه المحيي، وطاعته دواؤه الشافي، وأنه لا سبيل إلى معالجته بإزالة مرضه وكسب صحته إلا بأدوية...".
>وبَانَ على الضرورة أن أدوية العبادات بحدودها ومقاديرها المحدودة المقدرة من جهة الأنبياء لا يدرك وجه تأثيرها ببضاعة العقل بل يجب فيها تقليد الأنبياء الذين أدركوا تلك الخواص بنور النبوة".
>وكما أن الأودية تركبت من أخلاط مختلفة، وبعضها ضعف البعض في الوزن، فكذلك العبادات التي هي أدوية القلوب مركبة من أفعال مختلفة النوع والمقدار حتى أن السجود ضعف الركوع، وصلاة الصبح نصف صلاة العصر... وكما أن في الأدوية أصولاً هي أركانها وزوائد هي متمماتها، لكل واحد منها خصوص تأثير في أعمال أصولها، فإن النوافل والسنن متممات لأركان العبادات" (1) .
يستفاد من كلام الغزالي أن القلب البشري معرض لأمراض معنوية مهلكة، وأنه في حاجة دائمة إلى أدوية تزوده بالوقاية من تلك الأمراض، وأن دواءه وشفاءه هو معرفة الله وعبادته.
وهذا يعني أن في الصلاة دواء وشفاء، وفي الصوم دواء وشفاء، وفي الزكاة دواء وشفاء، وفي الحج والجهاد، والذكر والدعاء دواء وشفاء.
ومجموع ما فرض الله، عز وجل، على الإنسان وشرعه له هو الذي فيه دواؤه وعلاجه، فلو حدث أن الإنسان عطل أمراً من أوامر الله، فلابد أن يترتب على ذلك فساد في قلبه ونفسه، وكل فريضة فرضها الله على الإنسان، إذا أتى بها ترتب على ذلك مصلحة لا تتحقق إلا بها، وإذا تركها ترتبت على ذلك مفسدة لا تزول إلا بإقامتها، قال الله عز وجل : {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيلَ وبعثنا منهم اثني عشرَ نقيباً، وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ...} إلى أن قال: {فبما نقضهم ميثاقَهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً}(2).
فبين سبحانه، أن قسوة القلب كانت عقوبة لهم على نقض الميثاق في أوامر تتعلق بالعبادة، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالرسل ونصرتهم، ومثل هذا يصح أن يحدث للمسلمين إذا نقضوا ميثاق الله فيما أمرهم به.
إن الله عز وجل فرض على المسلم فرائض متنوعة وأمره بإقامتها، لأن القلب البشري يحتاج إلى أدوية متنوعة، فلكل عمل شرعي آثاره في القلب، وتمام صلاحه مرهون بإقامة تلك الأعمال على الوجه الصحيح. ولكل أمر من أوامر الله حكمته، ولكل عبادة حكمتها، وعلى المسلم أن يعمل كما أمر، وأن يحقق الحكمة التي من أجلها أمر.
لقد بينا في الفصل الثاني من هذا الكتاب أن الهلع، وهو من أمراض القلب التي تلازم الإنسان في حياته، يظهر في الجزع الشديد عند المصيبة، وفي البخل الشديد في وقت الخير.
هذا المرض القلبي لا يتخلص منه الإنسان، إلا إذا اجتمعت فيه الأعمال الإيمانية المذكورة في الآيات الآنفة الذكر، من إقامة الصلاة مع المصلين، والإنفاق على السائل والمحروم، والتصديق بيوم الحساب، والإشفاق من عذاب الله، وحفظ الفروج، والقيام بالشهادة بأمانة. فمن تحلى بهذه الصفات الإيمانية شفي من مرض الهلع، وحل محله الصبر والكرم، وهما من مظاهر الصحة القلبية.
__________________