(11) عاملة النظافة و مديرة المدرسة
مشهورة بالإنفعالات الحادة و الحلول القطعية ، تلقيها في وجه المشتكي فيذهله الحل المقترح .
هذه المرة الشكوى من طالب في الصف الرابع الإبتدائي بأنه فقد جاكت المدرسة خلال اليوم الدراسي .
فصول الرابع الإبتدائي تقطن الدور الثالث .
تتناقل الهمسات الخبر التالي : حرمت المديرة عاملة نظافة الدور الثاني من أجر شهر كامل لإهمالها.
ما المنطق في هذا العقاب ؟
تخبرني الهمسات أن الولد لم يكن متأكداً أين أضاع الجاكت ، ربما في معمل العلوم الواقع في الدور الثاني . نظافة المعمل مسؤلية عاملة النظافة تلك و بالتالي جاكت الولد مشكلتها و الخصم يطال مرتبها . إمرأة نقول لها حالة و نقصد أن لديها ظروف اجتماعية تستوجب الشفقة و العطف والتصدق عليها كلما أمكن ذلك لأنها من تعول أسرتها .
انتفض عجباً فهذا الولد في فصلي و أنا لم أحضر التلاميذ للمعمل في هذا اليوم . لا يمكن أن تكون العاملة هي سبب ضياع الجاكت ، في الحقيقة الأولاد ينسون كثيراً و تختلط عليهم الأمور أكثر .
لكن الهمسات و نظرات العيون تحمل من القلق ما يقول لا دخل لنا .
فقط على أحد أن يخبرها ، مؤكد لو علمت المديرة الوقائع المحددة ، مؤكد سيتغير حكمها .. يتجاهل البشر حماسي بنظرات غريبة ..
اليوم التالي تعلمني مدرسة ذات خبرة بالأمور أن مسؤول المعمل أخبر المديرة أن الطالب لم يدخل المعمل في اليوم المذكور و أنه لم ينس الجاكت هناك بأي حال من الأحوال . ثم إن ذلك لم يغير شيئاً .
أود لو أنصف مظلومة ، لا أعرف كيف، حتى الهواء يخبرني أنه لن يحمل صوتي للمديرة لو تحدثت في هذا الشأن!
حسناً إلى عاملة النظافة إذاً . إمرأة هادئة تنهي عملها كي تشغل باقي وقتها بقرآن ربها ، يؤذن للصلاة فتقوم لها ثم تستكمل عملها ، هكذا يومها فقط .
أجدها تنظف الفصل فأناولها ظرف فيه مبلغ مساوٍ لمرتبها الضائع ، استقطعته من مرتبي. أناولها المال فتشكرني.
تخبرني همسات أخرى أنني لست أول من قام بتسليم ظرف المرتب لعاملة النظافة . الظلم الذي وقع عليها ضاعف مرتبها مرتين !
المديرة ، حسناً أنقش خبرها في صفحة أخرى . فهذه الصفحة للعاملة ابتداء .
***********
(12)ذات صباح عمل
الخمول يرسم لوجهي صورة مرهقة في المرآة هذا الصباح ، طيف الكآبة يلون وجهاً أضناه الألم، يعلن ما بنفس يرهقها فكر لا يهدأ . أود لو تزين بالحيوية . أو شيء من ثقة تمسح عنه القلق . ابتسامة بدل طيف الهم هذا تزيد قدرتي على الفعل .
وضعت غطاء رأسي فالوقت يؤذن بانعدام التلكؤ و التفكير.
أنظر لوجهي في المرآة فألمح نوراً يشع بعيناي ، و ابتسامة تمس وجهي بلا تكلف .. أحسست بقربه فارتجفت ، سألتُ : من تكون ؟
....
لمَ أتيت ، فأيامي اعتياد المألوف ؟
....
أواصل الإستعداد و أتناساه ...
_ لا تخافي .
أرتجف ثانية ، أذكر ربي ، سترك يا حليم .
يستعرض ذهني شريط الخلاف مع عمالقة في العمل ، لو داستني إحداهن لأهلكتني . استغفر الله ، أعطيهن حجماً يفوق آدميتهن . حاولت أن أحس بحجمهن الحقيقي فلم أستطع تجاهل القوة و الثراء و السلطة . ما يهولني حد الفزع . أف لك متى تعقلين ؟!
أحضرتنا المديرة جميعاً في مكتبها لأجل شكوى ولد صغير من فصل أدرسه ، أنه لا يفهم دروساً لم يحضرها .. انشغل عنها باللعب في فناء المدرسة تحت بصرها ، و أخذت تصرخ و تسب نظام التعليم و الدرجات و الامتحانات ، و لم يعرف أحد كيف يهدئ من روعها .
الحاكم بأمرها تزيل بكلمة أي موظف من مكانه تصرفه إلى الشارع في لحظة أو تستقطع راتب الشهر كله بدون تحقيق رسمي و لا من يحزنون !
روعتهم جميعاً .
تركتها تغضب و أكملت ورد تسبيحي ما كنت أهم به قبل الدخول عليها . لم يصلني صوتها إلا قليلاً .
عرفت حجمها الحقيقي ، العالمانية المبجلة مفتونة بالديمقراطية الغربية و التطبيق صفر !
خفضت راتبي و أخذت مني الفصل ..
لا لم ينتهِ الأمر بعد ... أريد حقي .. من ينصفني ؟
تعاقب على ذاك الفصل أربع مدرسات ، لم تحتمله إحداهن . نحس أصاب الوظيفة ، بقي عالقاً بها .. البقية تأتي ، يأتيني خبرها عما قريب !
تلك فقرة كتبتها قبل أكثر من عام. زمن لزم لإعداد المسرح للمشهد التالي : وسائل الإعلام تسجل خروج مديرة المدرسة منها على رؤوس الأشهاد. كما تدين تدان فاعتبروا يا أولي الأبصار !
******************