القصص
{22} وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ
"وَلَمَّا تَوَجَّهَ" قَصَدَ بِوَجْهِهِ "تِلْقَاء مَدْيَن" جِهَتهَا وَهِيَ قَرْيَة شُعَيْب مَسِيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام مِنْ مِصْر سُمِّيَتْ بِمَدْيَن بْن إبْرَاهِيم وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِف طَرِيقهَا "قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِينِي سَوَاء السَّبِيل" أَيْ قَصْد الطَّرِيق أَيْ الطَّرِيق الْوَسَط إلَيْهَا فَأَرْسَلَ اللَّه مَلَكًا بِيَدِهِ عَنْزَة فَانْطَلَقَ بِهِ إلَيْهَا
{23} وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
"وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَن" بِئْر فِيهَا أَيْ وَصَلَ إلَيْهَا "وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّة" جَمَاعَة "مِنْ النَّاس يَسْقُونَ" مَوَاشِيهمْ "وَوَجَدَ مِنْ دُونهمْ" سِوَاهُمْ "امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ" تَمْنَعَانِ أَغْنَامهَا عَنْ الْمَاء "قَالَ" مُوسَى لَهُمَا "مَا خَطْبكُمَا" مَا شَأْنكُمَا لَا تَسْقِيَانِ "قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِر الرِّعَاء" جَمْع رَاعٍ أَيْ يَرْجِعُونَ مِنْ سَقْيهمْ خَوْف الزِّحَام فَنَسْقِي وَفِي قِرَاءَة يُصْدَر مِنْ الرُّبَاعِيّ أَيْ يَصْرِفُوا مَوَاشِيهمْ عَنْ الْمَاء "وَأَبُونَا شَيْخ كَبِير" لَا يَقْدِر أَنْ يَسْقِي
{24} فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
"فَسَقَى لَهُمَا" مِنْ بِئْر أُخْرَى بِقُرْبِهِمَا رَفَعَ حَجَرًا عَنْهَا لَا يَرْفَعهُ إلَّا عَشَرَة أَنْفُس "ثُمَّ تَوَلَّى" انْصَرَفَ "إلَى الظِّلّ" لِسَمُرَةَ مِنْ شِدَّة حَرّ الشَّمْس وَهُوَ جَائِع "فَقَالَ رَبّ إنِّي لِمَا أَنْزَلْت إلَيَّ مِنْ خَيْر" طَعَام "فَقِير" مُحْتَاج فَرَجَعَتَا إلَى أَبِيهِمَا فِي زَمَن أَقَلّ مِمَّا كَانَتَا تَرْجِعَانِ فِيهِ فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتَاهُ بِمَنْ سَقَى لَهُمَا فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا : اُدْعِيهِ لِي
{25} فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
"فَجَاءَتْهُ إحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء" أَيْ وَاضِعَة كُمّ دِرْعهَا عَلَى وَجْههَا حَيَاء مِنْهُ "قَالَتْ إنَّ أَبِي يَدْعُوك لِيَجْزِيَك أَجْر مَا سَقَيْت لَنَا" فَأَجَابَهَا مُنْكِرًا فِي نَفْسه أَخْذ الْأُجْرَة كَأَنَّهَا قَصَدَتْ الْمُكَافَأَة إنْ كَانَ مِمَّنْ يُرِيدهَا فَمَشَتْ بَيْن يَدَيْهِ فَجَعَلَتْ الرِّيح تَضْرِب ثَوْبهَا فَتَكْشِف سَاقَيْهَا فَقَالَ لَهَا : امْشِي خَلْفِي وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيق فَفَعَلَتْ إلَى أَنْ جَاءَ أَبَاهَا وَهُوَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام وَعِنْده عَشَاء فَقَالَ : اجْلِسْ فَتَعَشَّ وَقَالَ : أَخَاف أَنْ يَكُون عِوَضًا مِمَّا سَقَيْت لَهُمَا وَإِنَّا أَهْل بَيْت لَا نَطْلُب عَلَى عَمَل خَيْر عِوَضًا قَالَ : لَا عَادَتِي وَعَادَة آبَائِي نُقْرِي الضَّيْف وَنُطْعِم الطَّعَام فَأَكَلَ وَأَخْبَرَهُ بِحَالِهِ "فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَص" مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَقْصُوص مِنْ قِتْله الْقِبْطِيّ وَقَصْدهمْ قَتْله وَخَوْفه مِنْ فِرْعَوْن "قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْت مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ" إذْ لَا سُلْطَان لِفِرْعَوْن عَلَى أَهْل مَدْيَن
{26} قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ
"قَالَتْ إحْدَاهُمَا" وَهِيَ الْمُرْسَلَة الْكُبْرَى أَوْ الصُّغْرَى "يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ" اتَّخِذْهُ أَجِيرًا يَرْعَى غَنَمنَا بَدَلنَا "إنَّ خَيْر مَنْ اسْتَأْجَرْت الْقَوِيّ الْأَمِين" أَيْ اسْتَأْجِرْهُ لِقُوَّتِهِ وَأَمَانَته فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رَفْعه حَجَر الْبِئْر وَمِنْ قَوْله لَهَا : امْشِي خَلْفِي وَزِيَادَة أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْهُ وَعَلِمَ بِهَا صَوَّبَ رَأْسه فَلَمْ يَرْفَعهُ فَرَغِبَ فِي إنْكَاحه
{27} قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
"قَالَ إنِّي أُرِيد أَنْ أُنْكِحك إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ" وَهِيَ الْكُبْرَى أَوْ الصُّغْرَى "عَلَى أَنْ تَأْجُرنِي" تَكُون أَجِيرًا لِي فِي رَعْي غَنَمِي "ثَمَانِيَة حِجَج" أَيْ سِنِينَ "فَإِنْ أَتْمَمْت عَشْرًا" أَيْ رَعْي عَشْر سِنِينَ "فَمِنْ عِنْدك" التَّمَام "وَمَا أُرِيد أَنْ أَشُقّ عَلَيْك" بِاشْتِرَاطِ الْعَشْر "سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّه" لِلتَّبَرُّكِ "مِنْ الصَّالِحِينَ" الْوَافِينَ بِالْعَهْدِ
{28} قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
"قَالَ" مُوسَى "ذَلِكَ" الَّذِي قُلْته "بَيْنِي وَبَيْنك أَيّمَا الْأَجَلَيْنِ" الثَّمَان أَوْ الْعَشْر وَمَا زَائِدَة أَيْ رَعِيَّة "قَضَيْت" بِهِ أَيْ فَرَغْت مِنْهُ "فَلَا عُدْوَان عَلَيَّ" بِطَلَبِ الزِّيَادَة عَلَيْهِ "وَاَللَّه عَلَى مَا نَقُول" أَنَا وَأَنْتَ "وَكِيل" حَفِيظ أَوْ شَهِيد فَتَمَّ الْعَقْد بِذَلِكَ وَأَمَرَ شُعَيْب ابْنَته أَنْ تُعْطِي مُوسَى عَصَا يَدْفَع بِهَا السِّبَاع عَنْ غَنَمه وَكَانَتْ عِصِيّ الْأَنْبِيَاء عِنْده فَوَقَعَ فِي يَدهَا عَصَا آدَم مِنْ آس الْجَنَّة فَأَخَذَهَا مُوسَى بِعِلْمِ شُعَيْب