
18-04-2011, 09:05 AM
|
 |
عضو لامع
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 1,001
معدل تقييم المستوى: 17
|
|
الكلام عبارة عن الجملة المفيدة فائدة تامة، كقولك: زيد منطلق، وإن تأتني أكرمك، وقم وصه، وما كان نحو ذلك؛ فأما اللفظة المفردة نحو: زيد وحده ونحو ذلك، فلا يسمى كلاما بل كلمة. هذا قول الجمهور، وذهب شرذمة من النحويين إلى ان الكلام يطلق على المفيد وغير المفيد إطلاقا حقيقيا؛ والدليل على القول الأول انه لفظ يعبر بإطلاقه عن الجملة المفيدة، فكان حقيقة فيها كالشرط وجوابه، والدليل على انه يعبر به عنها لا إشكال فيه، إذ هو متفق عليه وإنما الخلاف في تخصيصه بذلك دون غيره وبيان اختصاصه بها من ستة أوجه:
احدها: انه ُيطلق بإزائها فيقال هذه الجملة كلام، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
والثاني: ان الكلام تؤكد به الجملة كقولك: تكلمت كلاما، وكلمته كلاما والمصدر المؤكد نائب عن إعادة الجملة، ألا ترى ان قولك: قمت قياماً، وتكلمت كلاما، تقديره قمت قمت لان الأصل في التوكيد إعادة الجملة بعينها، ولكنهم آثروا ألا يعيدوا الجملة بعينها فجاؤوا بمفرد في معناها، والنائب عن الشيء يؤدي عن معناه.
والثالث:ان قولك: كلمته،عبارة عن أنك أفهمته معنى بلفظ والمعنى المستفاد بالإفهام تام في نفسه، فكانت العبارة عنه موضوعة له، لا مبينة عنه، والكلام هو معنى كلمته.
والرابع:ان مصدر تكلمت:التكلم وهو مشدد العين في الفعل والمصدر والتشديد للتكثير وادني التكثير الجملة المفيدة؛ أما كلمت فمشدد أيضا وهو دليل الكثرة ومصدره:التكليم والتاء والياء فيه عوض عن التشديد.
والخامس: ان الأحكام المتعلقة بالكلام لا تتحقق إلا بالجملة المفيدة فمن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} (6) سورة التوبة؛ ومعلوم ان الاستجارة لا تحصل إلا بعد سماع الكلام التام المعنى والكلمة الواحدة لا يحصل بها ذلك وكذلك قوله تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ } (15) سورة الفتح؛ والتبديل صرف ما يدل اللفظ عليه إلى غير معناه ولا يحصل ذلك بتبديل الكلمة الواحدة لأن الكلمة الواحدة إذا بدلت بغيرها كان ذلك نقل لغة إلى لغة أخرى، وقال تعالى: { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} (75) سورة البقرة؛ وإنما عقلوا المعنى التام ثم حرفوه عن جهته ومثله قوله تعالى: { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } (46) سورة النساء؛ ومن ذلك تعليق اليمين بسماع الكلام فانه لو قال والله لا سمعت كلامك فنطق بلفظة واحدة ليس فيها معنى تام لم يحنث.
والسادس: ان العرب قد تتجوز بالقول عن العجماوات، كقول الشاعر امتلأ الحوض وقال قطني سلا رويدا قد ملأت بطني وهو كثير في استعمالهم ولا ينسب الكلام إلى مثل ذلك فلا يقال: تكلم الحوض ولا الحائط ولا سبب لذلك إلا ان الكلام حقيقة في الفائدة التامة والقول لا يشترط فيه ذلك. ، وإذا ثبت ما ذكرناه بأن انه حقيقة في الدلالة على الجملة التامة المعنى فان قيل يتوجه عليه أسئلة؛ احدها: ان إطلاق اللفظ على الشيء لا يلزم منه الحقيقة فان المجاز يطلق على الشيء كما يقال للعالم بحر وللشجاع اسد وقال الله تعالى : { جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ } (77) سورة الكهف؛ و {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } (82) سورة يوسف، وكل ذلك مجاز وقد أطلق على هذا المعنى فلا يلزم من الإطلاق على ما ذكرتم الحقيقة ، السؤال الثاني: ان الإطلاق يكون حقيقة مشتركة أو جنسا تحته مفردات فالمشترك كلفظ العين والجنس مثل الحيوان فان الحيوان حقيقة في الجنس والواحد منه حقيقة أيضا فلم لا يكون الكلام والكلمة من هاتين الحقيقتين ، والسؤال الثالث:ان الكلام مشتق من الكلم وهو الجرح والجامع بينهما التأثير، والكلمة كذلك لان الحروف الأصول موجودة فيها، وهي مؤثرة أيضا إذا كانت تدل على معنى، وهي جزء الجملة التامة الفائدة والجزء يشارك الكل في حقيقة وضعه، ألا ترى ان الحق يثبت بشاهدين مثلا، وكل واحد منهما شاهد حقيقة واثبات الحق بهما لا ينفي كون كل واحد منهما شاهدا، كذلك ها هنا ألا ترى أن قولك: قام زيد، يشتمل على جزأين كل واحد منهما يسمى كلمة لدلالته على معنى وتوقف الفائدة التامة على حكم يترتب على المجموع ولا ينفي ذلك اشتراك الجزأين في الحقيقة، وعلى هذا ترتب التحريف والتبديل إذ كان كله حكما يستفاد بالجملة ولا ينفي حقيقة الوضع، ثم ما ذكرتموه معارض بقوله تعالى: { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } (5) سورة الكهف؛ وبقوله: { كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا } (40) سورة التوبة؛ {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً } (115) سورة الأنعام؛ ومعلوم انه أراد بالكلمة الجملة المفيدة ، وإذا وقعت الكلمة على المفرد جاز ان يقع الكلام على المفرد.
والجواب: إما الإطلاق فدليل الحقيقة إذ كان المجاز على خلاف الأصل، وإنما يصار إليه بقرينة صارفة عن الأصل، والأصل عدم القرائن ثم ان البحث عن الكلام الدال على الجملة المفيدة لا يوجد له قرينة بل يسارع إلى هذا المعنى من غير توقف على وجود قرينة، وهذا مثل لفظ العموم إذا أطلق حمل على العموم من غير ان يحتاج إلى قرينة تصرف إليه، بل ان وجد تخصيص احتاج إلى قرينة وأما السؤال الثاني: فلا يصح على الوجهين المذكورين؛ أما الاشتراك ففيه جوابان احدهما: انه على خلاف الأصل إذا كان يخل بالتفاهم، ألا ترى انه إذا أطلق لفظ العين لم يفهم منها ما يصح بناء الحكم عليه والكلام، إنما وضع للتفاهم، وإنما عرض الاشتراك من اختلاف اللغات، والثاني: ان الاشتراك هنا لا يتحقق لان الكلام والكلمة من حقيقة واحدة ولكن الكلام مجموع شيئين فصاعدا والكلمة اللفظة المفردة ولا اشتراك بينهما؛ وإنما الكلام مستفاد بالأوصاف والاجتماع وليس كذلك المشترك، بل كل واحدة من ألفاظه كالأخرى في كونها مفردة ؛ وأما الجنس فغير موجود هنا، لأن الجنس يفرق بينه وبين واحده بتاء التأنيث نحو: تمرة وتمر، وهذا غير موجود في الكلام والكلمة بل جنس الكلمة كلم وليس واحد الكلام كلامه فبان انه ليس بجنس. وأما السؤال الثالث: فخارج عما نحن فيه وبيانه ان اشتقاق الكلمة من الكلم،وهو التأثير والكلام تأثير مخصوص لا مطلق التأثير والخالص غير المطلق يدل عليه ان الكلم الذي هو الجرح مؤثر في النفس معنى تاما وهو الألم مثلا؛ والكلام أشبه بذلك لأنه يؤثر تأثيرا تاماً؛ وأما الكلمة المفردة فتأثيرها قاصر لا يتم منه معنى إلا بانضمام تأثير الآخر إليه فهما مشتركان في أصل التأثير لا في مقداره؛ وأما المعارضة بقوله تعالى: كبرت كلمةً ، فلا يتوجه لان أكثر ما فيه انه عبر بالجزء عن الكل وهذا مجاز ظاهر إذا كان الواحد ليس بجمع ولا جنس بل قد يعبر به عن الجمع والجنس؛ مجازا ووجه المجاز ان الجملة تتألف بعض أجزائها إلى بعض كما تتألف حروف الكلمة المفردة بعضها إلى بعض فلما اشتركا في ذلك جاز المجاز وليس كذلك التعبير بالكلام عن الكلمة لان ذلك نقيض معناها؛ ودليل المجاز في الكلمة ظاهر؛ وهو قوله:{ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (5) سورة الكهف؛ والكذب لا يتحقق في الكلمة المفردة وإنما يتصور فيما هو خبر والخبر لا يكون مفردا في المعنى؛ واحتج الآخرون بأن الاشتقاق موجود في الكلمة، والكلام بمعنى واحد وهو التأثير فكان اللفظ شاملاً لهما يدل عليه أنك تقول: إما تكلمت كلمة وإما تكلمت بكلمة، فيؤكد باللفظة المفردة الفعل كما يؤكد بالكلام فيلزم من ذلك إطلاق العبارتين على شيء واحد؛ والجواب: عن هذا ما تقدم في جواب السؤال الثالث؛ والله اعلم بالصواب
|