عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28-03-2011, 01:53 PM
Specialist hossam Specialist hossam غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
العمر: 36
المشاركات: 1,933
معدل تقييم المستوى: 16
Specialist hossam is on a distinguished road
افتراضي

فتح الأندلس وجهود طارق بن زياد


... كان الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الايبيريَّة (أسبانيا

والبرتغال) أمراً طبيعياً حسب الخطة التي اتبعها المسلمون أثناء

فتوحاتهم، وهي تأمين حدودهم ونشر دعوتهم وذلك بالمضي في

جهادهم إلى ما وراء تلك الحدود، لنشر العقيدة الإسلامية التي

تقتضي أن يستمر المدُّ الإسلامي ما دامت فيه القوة على

الاستمرار، وبعد أن أرسى موسى بن نصير، ومن معه، كلمة

الإسلام بجهودهم في المغرب الكبير، كانت الخطوة التالية

الطبيعية هي فتح الأندلس وقد عمل موسى على إكمال جهود من

سبقه من الجند الدعاة ـ قادة وجيشاً ـ في ترسيخ قدم الإسلام في

الشمال الإفريقي، فقد عمل على تثبيت الإسلام في قلوب الناس

ونشط في تعليمهم وتربيتهم على مبادئ الدين الحنيف، وآتت

جهوده الدعوية ثمارها الزكية فقد أصبح البربر في تلك الديار من

أخلص الناس للإسلام والدعوة إليه والجهاد في سبيل نشر

تعاليمه، ولقد كانت أكثرية جيش طارق إلى الجزيرة الايبيريَّة من





المسلمين البربر، الذين تحمسوا لدعوة الإسلام، حباً لها وتضحية

من أجلها، لا طمعاً في مغنم أو حرصاً على جاه، فهذا هو هدف

جميع الفتوحات الإسلامية التي يكفي الاطَّلاع عليها ومعرفة

طبيعتها لرفض الإدعاءات وإسقاط المفتريات المزوّرة، التي

تشير ـ تلميحاً أو تصريحاً ـ إلى إعتبار الغنائم سبب هذا الفتح،

وهو أمر عاري من الحجج والبراهين والأدلة، وإنما هي أوهام لا

تحمل أي رائحة من الطابع العلمي أو السند التاريخي.


فكرة الفتح

: يمكن القول بأن فكرة فتح الجزيرة الايبيريَّة هي فكرة إسلامية

تماماً. بل يُروى بأنها فكرة قديمة تمتد إلى أيام الخليفة الراشد

عثمان بن عفان، فقد كان عقبة بن نافع الفهري يفكر في إجتياز

المضيق إلى أسبانيا لو استطاع وسبق للمسلمين نشاط على

شواطئ أسبانيا الشرقية وبعض الجزر القريبة منها، وهي



مَيورْقة ومَنورقة، واليابسة، يذكر الذهبي أنه في سنة 89هـ:

جهز موسى بن نصير ولده عبد الله، فافتتح جزيرتي مَيورْقة

ومَنورقة، أما الإتصال بيُليان حاكم مدينة سبتة أو بغيره من

الأسبان فإنها جاءت مواتية على ما يبدو وفي الوقت الذي كان

موسى بن نصير يفكر في تنفيذ فكرة الفتح ولكن كيف تم الاتصال





بالجانب الأسباني ((يُليْان وأنصار الملك المخلوع وغيرهم،؟

اختلفت الأقوال فيما إذا تم الأمر بالمراسلة أو باللقاء الشخصي

وأين؟ إذا كان هذا الاتصال أصلاً قد تمّ وبهذا المستوى على كل

حال فإن اتصالات الجانب الأسباني بموسى ومساعداتهم ـ أثناء

عمليات الفتح ـ ربما كانت عاملاً مساعداً سهّل سير الفتح أو

عجّل به. لكن المبادأة ومردّ العمليات وإنجازها كانت من الجانب

الإسلامي الذي اندفع مع الفتح بقوة فائقة معتمداً على الله في

تحقيق ما يصبوا إليه من هداية الناس وقد استشار موسى الوليد

بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) قبل اتصالاته بليُليان، أو اتصال هذا

الأخير بموسى. وقد ترددت الخلافة ـ بادي الأمر ـ بالقيام بمثل هذا

العمل الكبير، خوفاً على المسلمين من المخاطرة في مفاوز أو

إيقاعهم في مهالك، ولكن موسى أقنع الخليفة بالأمر، ثم تمّ

الاتفاق على أن يَسبق الفتح اختبار المكان بالسرايا أو الحملات

الاستطلاعية.

الحملة الاستطلاعية ، أو حملة طريف


... نفذ موسى أوامر الوليد بأن جهز حملة استطلاعية مؤلفة من

خمسمائة جندي منهم مائة فارس بقيادة طريف بن مالك الملقب

بأبي زُرعة وهو مسلم من البربر وجاز هذا الجيش الزُّقاق ـ اسم

يطلق أحياناً على المضيق ـ من سبتة بسفن يُليْان أو غيره، ونزل

قرب أو في جزيرة بالوما في الجانب الأسباني وعرفت هذه

الجزيرة فيما بعد باسم هذا القائد: جزيرة طريف، وكان إبحار هذه

الحملة من سبتة في رمضان عام 91هـ )تموز 710م) وقد جال

طريف في المدينة والنواحي المحيطة بها واستطلع أخبار العدو

في تلك الجهات، وعادت حملة طريف بالأخبار المطمئنة

والمشجعة على الاستمرار في عملية الفتح،، فقد درس أحوال

المنطقة وتعرّف على مواقعها وأرسل جماعات إلى عدة أماكن ـ

منها جبل طارق ـ لهذا الغرض فكانت هذه المعلومات عوناً في

وضع خُطة الفتح ونزول طارق بجيشه على الجبل.

... لما رأى موسى بن نصير ما حققته حملة طريف، وصحّ عنده

ما نقل إليه من أحوال الأندلس، بعث طارق بن زياد في سبعة

آلاف من المسلمين أكثرهم من البربر والموالي وأقلهم من العرب

ولما احتاج طارق إلى أعداد في فترة تالية أمدّه موسى بخمسة

آلاف فتمّ جيش طارق من السفن لنقل الجنود إلى بر الأندلس وقد

حرص القائمون على الحملة لاستكمال عملية نزول الجند أن

يُعموُا أخبار الحملة على الناس، لذلك أحضر يوليان السفن إلى

سبتة ليلاً وأخذت تنقل الجنود تباعاً، ويبدو أن عملية إبحار الجند

اقتضت أكثر من ليلة، فقيل أن الجند الذين نزلوا بر الأندلس كانوا

يكمنون في النهار حتى لا يشعر بهم أحد، وكانت السفن تختلف

بين سبتة والأندلس وأهل الأندلس لا يظنون إلا أنها تختلف بمثل

ما كانت السفن تختلف به من المنافع والمتاجر، ولما علم أهل

الأندلس بالحملة كانت عملية الإبحار قد تمت بسلام في رجب من

عام اثنين وتسعين للهجرة، ونزل طارق، بالجند عند جبل كالبي،

وهو الجبل الذي أخذ اسم طارق وصار يعرف بجبل طارق، وقيل

لما ملك رئيس الموحدين عبد المؤمن الأندلس وعبر جبل طارق

أمر ببناء مدينة على الجبل وسماه جبل الفتح ولكن الاسم لم يثبت

له وظل اسم جبل طارق جارياً على الألسنة، وسار طارق

بالجيش نحو الجزيرة الخضراء ففتحها، وكان لذريق في شمال

الأندلس مشغولاً في محاربة البشكنس، وقيل في محاربة

الفرنسيين، فأرسل خليفته تدمير يُعْلِمُه بالهجوم الإسلامي، فعاد


لذريق مسرعاً لصده، وفي طريقه لقتال المسلمين عرّج على

العاصمة طليطلة دون أن يدخلها وصالح أسرة غيطشة ودعاهم

والقوط المخالفين له إلى الانضمام إليه في حرب العدو المشترك

فساروا معه، وقيل أن لذريق عهد بقيادة ميمنة جيشه وميسرته

إلى ابني غيطشة، وعلم طارق بالحشود التي حشدها لذريق

لمجابهته فكتب إلى موسى ينبئه بضخامتها ويطلب منه مدداً،

فأمدّه موسى بخمسة آلاف مقاتل، ويصف المقري، نقلاً عن بعض




المؤرخين جند طارق لقد أقبلوا وعليهم ((الزرد)) وفوق رؤوسهم

((العمائم البيض)) وبأيديهم ((القسي العربية)) وقد تقلدوا

السيوف وحملوا الرماح فلما رآهم لذريق دخله منهم الرعب،

وذكر ابن الأثير: أن طارقاً لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي

صلى الله عليه وسلم ـ في نومه ـ ومعه المهاجرون والأنصار قد

تقلّدوا السيوف وتنكّبوا القسّي، فقال له النبي صلى الله عليه

وسلم: يا طارق تقدم لشأنك، وأمره بالرفق بالمسلمين، والوفاء

بالعهد، فنظر طارق فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه

قد دخلوا الأندلس أمامه، فاستيقظ من نومه مستبشراً وبشر

أصحابه وقويت نفسه ولم يشك في الظفر.


معركة وادي لكّة أو العبور إلى الأندلس


... لم يعد بين طارق وخصمه لذريق سوى عاملي الزمن،

والأرض وأصبح من الواضح أن طارقاً أكثر حرية من خصمة بعد



سقوط ولاية ((الجزيرة الخضراء)) بيده وهزيمة قائد القوط

((بنج)) وهلاك فرقته بكاملها على يدي جيش طارق، وأصبح

قادراً على اختيار المكان المناسب للقتال، فقد كان اختيار ميدان

القتال من قبله من أهم عناصر نجاحه في هذه المعركة، إذ كان قد

أسند ميمنة جيشه إلى بحيرة خاندا شرقاً، الممتدة عدة كيلومترات

والتي يصب فيها نهر البرباط الذي بمر بوادي البرباط وأسند

ميسرته إلى الوادي المذكور غرباً، كما اسند مؤخرة هذا الجيش

إلى جبال ((رتينا)) العالية جنوباً، منتظراً أن يأتيه العدو من

الشمال بعد أن وضعه في موضع الاضطرار لا الاختيار، وما أن

استكمل لذريق عدة الجيش وعديدة حتى تحرك جنوباً لمواجهة

طارق وجيشه في المكان الذي اختاره هذا الأخير، فوصله في



الأيام الأخيرة من شهر رمضان عام 92هـ وعسكر بجيشه على

الجهة الشمالية للوادي، والتقى الجيشان على نهر لكة من أعمال

شذونة لليلتين بقيتا من رمضان سنة 92هـ واتصلت الحرب بين

الجانبين ثمانية أيام استشهد فيها ثلاثة آلاف من المسلمين ولكن

الهزيمة دارت على لذريق وجيشه، وقيل أن لذريق غرق وقتل

كثير من جيشه، ومما يروي عن ابناء غيطشة أنهم خذلوا لذريق

وتركوهم وأنصارهم مواقفهم أمام المسلمين ظناً منهم أن





المسلمين إذا امتلأت أيديهم من الغنائم عادوا إلى بلادهم فبقي

الملك لهم، ولعل خذلان آل غيطشة وأنصارهم لذريق كان بدافع

الانتقام منه، ولا شك أن هذا الفتح مثل غيره يعود إلى قوة

المسلمين بتمكن العقيدة وتغلغل معانيها في نفوسهم وحرصهم

على الشهادة في سبيلها.


... وبعد هذا النصر العظيم تعقب طارق فلول الجيش القوطي التي

لاذت بالفرار. وسار الجيش الإسلامي فاتحاً لبقية مناطق الجزيرة

الإيبيريّة.


الدروس المستخلصة من معركة وادي لكّة

أ ـ أسلوب ((الحذر واليقظة)) تجاه الحلفاء: لم يكتف موسى بن

نصير بقول يليان ووعده بالعون والمساعدة في فتح الأندلس بل

كلفه مهمة استطلاعية في تلك البلاد ليختبر صدقه ووفاءه بعهده،

وقد كان يليان صادقاً بما قال ووفياً لما تعهد به، كما كان موسى

حذراً ويقظاً ونبهاً.

ب ـ أسلوب الاستطلاع قبل الانزال: أراد موسى أن يستطلع البيئة

التي سوف يقتحمها والعدو الذي سوف يقاتله والبقعة التي سوف

يتم النزول فيها، وذلك قبل أن يدفع بجيشه في مغامرة مجهولة

النتائج، فأرسل حملة استطلاعية بقيادة طريف بن مالك وما أن

عادت تلك الحملة بالمعلومات الوافية عن البيئة والعدو وبقعة

النزول حتى اطمأن إلى سلامة قراره فكتب إلى الخليفة يستأذنه بالفتح

ج ـ الأسلوب المتكرر في الاختبار والحيطة: رغم ما سبق من

اختبار سواء بواسطة الحملة التي قام بها يليان أو حملة طريف،

فقد أبى الخليفة إلا أن يكرر الاختبار فقال لموسى: خضها

بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر

شديد الأهوال. ولما لفت موسى نظر الخليفة إلى سهولة عملية

الإبحار والإنزال أصر الخليفة قائلاً: وإن كان، فلابد من اختباره

بالسرايا قبل اقتحامه. وذلك يدل على مدى حرص الخليفة على

التأكد من نجاح العملية وسلامتها وتأمين الفوز للمسلمين بدل أن

يغرر بهم في بحر شديد الأهوال. وهذا الأسلوب المتكرر في

الاختبار والحيطة قبل الإنزال والاقتحام سهّل عملية الفتح إلى حد

كبير وأعان المسلمين في مواجهتهم الحاسمة للعدو، إذ أمّن لهم

عملية (( المباغتة)) لعدو لم يكن ينتظر مثل هذه المفاجأة أبداً.

خ ـ أسلوب المباغتة: إن الأسلوب الذي اتبعه طارق في إيصال

المسلمين إلى ساحل الأندلسي منفذاً تعليمات الخليفة، كان أسلوباً



بارعاً إلى حد كبير، فهو لم يبحر بالمسلمين دفعة واحدة بل أبحر

بهم على دفعات متتالية وفي مراكب تجارية، وما أن التأم شمل

المسلمين في تلك البلاد، حتى فوجئوا بالهزيمة الساحقة التي

لحقت بهم على يد هؤلاء المسلمين ومقتل أحد أهم قادتهم

((بنج)) ابن أخت مليكهم لذريق، فانتزع المسلمون، بهذه

المباغتة وهذا الانتصار، المبادرة من يد أعدائهم وأسقط في يد

القوط، وأصبحت هزيمتهم على يد المسلمين قدراً محتوماً.

س ـ تنفيذ أسلوب (( رأس الجسر)): نفذ طارق، فور وصول

جيشه إلى الساحل الأندلسي، أسلوب (( رأس الجسر)) وهو

أسلوب يعمل به في الحروب الحديثة، فأقام على الساحل قاعدة

حصينة سوّرها وحماها وانطلق منها في فتوحاته، تماماً كما

يفعل أي جيش في أيامنا هذه.

ش ـ اختيار ميدان القتال: لقد أحسن طارق اختيار ميدان القتال

وفرض على العدو أن يجابهه من جهة واحدة هي جبهة الشمال،

ووضعه في موضع الاضطرار الاختيار.

ص ـ المبادرة بالقتال: كان طارق في هذه المعركة هو البادئ

بالقتال بل بادر إلى اجتياز النهر لملاقاة عدوه، فناوشه ثلاثة أيام

ثم شن عليه بعد ذلك هجوماً عاماً انتهى بهزيمته.

ر ـ صدق المسلمين ووفاؤهم بالعهود: كان المسلمون صادقين

ووفوا بعهودهم تجاه يليان وأبناء غيطشة فأعادوا لهؤلاء ضياع

أبيهم واحترموا تعهداتهم ليليان وأنصاره، وكانت نتيجة ذلك أن

أعتقت سلالة كل من يليان وأبناء غيطشة الإسلام، فكان فيها من

حسن إسلامه مثل أيوب ( توفي سنة226 هـ) وسليمان( توفي

سنة 379 هـ) وأحمد(( توفي سنة 388 هـ)) من سلالة يليان،

ومثل أبي بكر محمد بن عمر المعروف بابن القوطية صاحب

كتاب تاريخ افتتاح الأندلس وهو من سلالة سارة بنت المنذر بن

غيطشة آخر ملوك القوط.

ك ـ استثمار النصر: طبق طارق بالبداهة، مبدأ من أهم المبادئ

العسكرية الحديثة وهو استثمار النصر، إذ أنه ما أن هزم لذريق

في وادي لكّة حتى لاحق فلول جيشه دون أن يترك لهذا الجيش

مجالاً للتجمع وإعادة التنظيم من جديد، وكان طارق قد وضع

لنفسه هدفاً أساسياً هو احتلال طليطلة عاصمة العدو، إذ أنه

يعرف ولا شك، أنه باحتلاله لعاصمة المملكة، تفقد هذه المملكة

مركزيّتها، ويفقد الملك قاعدة ملكه وحكمه، ولكن طارقاً مع ذلك،

لم ينس أن يرسل جيشه في حملات إلى مختلف أنحاء البلاد لكي

يحتل المواقع الاستراتيجية فيها فيفقد القوط كل أمل بمتابعة

القتال والنصر، فأرسل إحداها إلى داخل البلاد شمالاً نحو قرطبة،

وكانت قصبة هامة في الأندلس، وأرسل أخرى شرقاً، على

الساحل الجنوبي للبلاد، نحو ملقة، وأرسل ثالثة إلى داخل البلاد

شمالاً بشرق، نحو غرناطة وكانت تشكل موقعاً استراتيجياً هاماً

في البلاد، ثم توجه بنفسه شمالاً إلى العاصمة طليطلة واستولى

عليها، فظل الحكم القوطي، من جراء ذلك، شديداً طريداً في أنحاء

الأندلس إلى أن سقط.




الخطبة المنسوبة إلى طارق وحرق السفن


يعتقد كثير من المؤرخين أن طارقاً أحرق سفنه، بعد أن أنزل

جيشه على الساحل الأندلسي، ثم خطب بجنده الخطبة الشهيرة،

أيها الناس، أين المفر البحر ورائكم، والعدو أمامك وليس لكم

والله إلا الصدق والصبر...، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع

من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته

وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا

ما تستخلصونه من أيدي عدوِّكم وإن امتدت بكم الأيام على

افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوب من

رُعْبها... وجاء في الخطبة:,, وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة

من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات بالدّر والمرجان

والحُلل المنسوجة بالعقبان، المقصورات في قصور الملوك ذوي

التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من

الأبطال عُربانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً،

ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمُجالدة الأبطال

والفرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله إلى إعلاء كلمته،.. الخ

الخطبة، وبالإمكان إيراد الملاحظات التالية حول الخطبة:


أ ـ لم تكن الخطبة وما فيها من السجع من أسلوب ذلك العصر

القرن الأول الهجري، وغير متوقع لقائد جيش أن يعتني بهذا

النوع من الصياغة.


ب ـ إن المعاني التي تناولتها الخطبة لا تتلاءم وروح الإسلام

العالية، التي توفرت لدى الفاتحين، ومقدار حبهم للإسلام وإعلاء

كلمته، ورغبتهم في الاستشهاد من أجل ذلك،، فهي لا تشيد

بدوافع الفتح وأهدافه ـ وهي معروفة مألوفة ـ التي أنبتتها ورعتها

العقيدة الإسلامية، عاملة على ابتغاء مرضات الله تعالى وحده،

لتعلو راية الإسلام وتسود شريعته ويكون الدين كله لله،

((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (الأنفال ، الآية : 39).


ت ـ يلاحظ في الخطبة عديد من الأخطاء ويلاحظ فيها التناقض

في المعاني، وبعض ما فيها مخالف لحقائق تاريخية، كاستعمال

((اليونان)) التي ربما جاء ذكرها للسجع فالمؤرخون الأندلسيون

اعتادوا أن يستعملوا في هذه المناسبة القوط أو الروم، وكذلك

العلوج والعجم أو المشركين والكفار، وليس لدينا نص يحتوي

مثل هذا الاستعمال، غير أن ابن خلكان ـ وهو مشرقي ـ أورد هذا

الاستعمال في غير الخطبة ثم. ((وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك

أمير المؤمنين..)) فالذي انتخبهم موسى بن نصير وليس الوليد.

ج ـ كان المتوقع أن تحتوي الخطبة على آيات من القرآن الكريم

وأحاديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، أو وصايا وأحداث

ومعاني إسلامية أخرى تناسب المقام كالمعهود. وغير ذلك من الملاحظات.

... وكل ما تقدم لا يمنع أن يكون طارق جيد الكلام، وأنه خطب

جنده يحُّثهم على الجهاد، ويروي المَقَّري أبياتاً قالها طارقاً بهذه

المناسبة:
ركبنا سَفينا بالمجاز مُقَيَّرا


عسى أن يكون الله منا قد اشترى

نفوساً وأمولاً وأهلاً بجنَّة

إذا ما اشتهينا الشيء منها تيسَّرا

ولسنا نُبالي كيف سالت نفوسنا

إذا نحن أدركنا الذي كان أجْدراوقال ابن بشكوال: إن طارقاً كان

حسن الكلام ينظم ما يجوز كتبه. ووجهة هذه الأبيات تغاير وجهة

الخطبة، فهي منسجمة والمعاني الإسلامية ومستمدة من قوله

تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ

الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي

التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا

بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة ، الآية : 111) .

وأما موضوع حرق طارق للسفن التي عبر بها المضيق، كي

يقطع على الجيش الإسلامي كل أمل في العودة، فيستميت في

الدفاع؟ ذكر بعض المؤرخين ذلك؟

لكن لماذا يحرق طارق السفن، سواء امتلكها المسلمون أم يُلْيان؟

وكان طارق وجيشه يقاتلون من أجل عقيدة وإنهم في ساعة

عبورهم جاؤوا مجاهدين مستعدين للشهادة، وطارق متأكد من

هذه المعاني، فإذا كانت السفن ليُليان فليس من حق طارق

التصرف بها، وإن كانت للمسلمين فليس حرقها عملاً عسكرياً

سليماً أو مناسباً، ما دام يحتاج إليها وإلى النجدة والاتصال الدائم

بالمغرب لأي غرض، وقد رأينا كيف احتاج إلى النجدة قبل خوض

هذه المعركة واحتاجها فيما بعد، كما أن طارقاً كان قادراً على

إعادتها إلى الساحل الأفريقي إن الدوافع الإسلامية والهدف الذي

جاء الجيش من أجله أقوى في الاندفاع من أي سبب آخر، وما

كان المسلمون يتخلفون عن خوض معركة أو تقديم أنفسهم

لإعلاء كلمة الله، بل لذلك أتوا، والمصادر الأندلسية ـ لاسيما

الأولى ـ لا تشير إلى قصة حرق السفن التي لا تخلو من علاقة

وارتباط بقصة الخطبة.
عبور موسى بن نصير إلى الأندلس


... كان موسى بن نصير من التابعين ـ رحمهم الله تعالى ـ وقد

روى تميم الداري رضي الله عنه، وكان عالماً كريماً شجاعاً ورعاً

تقياً لله تعالى، وكان من رجال العلم حزماً ورأياً وهمّة ونبلاً

وشجاعة وإقداماً، وكان حين وجّه طارقاً لفتح الأندلس كان يتلقى

الأخبار ويراقب الأحداث، منذ بدايتها، ويُهيء المتطلبات لإنجاز

هذا الفتح الكبير، بهمة المؤمن وإخلاص التقي، ويدعو الله أن

ينزل نصره على المسلمين. وكان موسى بن نصير يعتقد اعتقاداً

كبيراً في أهمية الدعاء والتضرع لتحقيق النصر على الأعداء

ويعتبر الدعاء من أسباب النصر التي أرشد إليها القرآن الكريم

ومارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول ابن الكردبوس:

وكان موسى بن نصير حين أنفذ طارقاً مُكبَّاً على الدعاء والبكاء

والتضرع لله تعالى، والابتهال إليه في أن ينصر جيش المسلمين،

وما عُلم أنه هزم له جيش قط، وكان طارق بن زياد على صلة

بقائده موسى بن نصير، يفتح الفتوحات باسمه وبتعليماته،

ويخبره عن كل شيء أولاً بأول منذ بداية الفتح، ويستشيره فيما

يحتاج إليه وقد رأينا كيف طلب المدد قبل معركة وادي لكّة وكان

موسى على علم تام بأحوال الفتوح وبعد سنة تقريباً من عبور

طارق، وتفرق جيشه وتوزيعه على المناطق والمدن التي فتحت ـ

خاف طارق أن يُغلب وأن يُستغل القوط قلة جيشه، فأرسل إلى

موسى يستنجده واستخلف موسى على القيروان ولده عبد الله..

ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر

ضخم، وتحرك موسى بجيشه نحو شذونة فكانت أول فتوحاته ثم

توجه إلى مدينة قرمونة وليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد

على من يرومها بحصار أو قتال فدخلها بحيلة توجهت بأصحاب

يُلْيان، دخلوا إليهم كأنهم فُلاّل

وطرقهم موسى بخيله ليلاً ففتحوا لهم الباب، وأوقعوا بالأحراس،

فملكت المدينة فافتتحها. وتوجه بعد ذلك: إلى أشبيلية جارتها



فحاصرها وهي أعظم مدائن الأندلس... فامتنعت شهراً على

موسى ثم فتحها الله عليه،.. ثم سار إلى مدينة ماردة وفتح في

طريقه إليها لَبْلَة وباجة ثم فتح ماردة صلحاً بعد قتال وجهاد

عظيم، وأقام موسى في ماردة زيادة على شهر يرتب أحوالها

وينظم أمورها ويريح الجند من العناء ويستعد لاستئناف السير،

ووجه موسى ابنه عبد العزيز من ماردة إلى أشبيلية، وكانت فلول

القوط من لبلة وباجة قد اجتمعت فيها وقتلوا العديد من

المسلمين، منتهزين فرصة انشغال موسى بحصار ماردة وبلغه

الخبر خلال الحصار، فأعاد عبد العزيز فتح أشبيلية ثم فتح لبلة

وباجة، وأصبحت المدن والقرى تتساقط أمام جيوش الفاتحين

كتساقط الأوراق من على الأشجار في فصل الخريف.


لقاء موسى وطارق

... في بداية ذي القعدة سنة 94هـ ابتدأ موسى بالسير صوب

طليطلة ـ وكتب إلى طارق بالتوجه إليه في مجموعة من جيشه ثم

جاءه طارق. ذكر البعض أن لقاءهما كان عند طليطلة أو قرطبة،

ورجح الدكتور الحجي العالم البارز في تاريخ الأندلس: بأن اللقاء

كان خارج مدينة طلبيرة التي تبعد 150كم غرب طليطلة، ووصل



موسى وطارق إلى طليطلة ذو القعدة ـ ذي الحجة أو آخر سنة 94

هـ وأقاما بالجيش الإسلامي فصل الشتاء أو جله في طليطلة

يرتبون أحولها وينظمون شئونها، ويستريحون ويتهيأون

ويخططون لفتح شمال شبه الجزيرة الأيبيريَّة، وكتب موسى

والقادة الآخرون إلى الخليفة الوليد ـ وربما ليس لأول مرة ـ أخبار

الفتح، وضربت العملة الإسلامية لأول مرة في الأندلس وقام

بالدعوة إلى الله وتعليم الناس حقائق الإسلام وشرحه لهم

ودعوتهم إليه بعد أن رآه أهل البلاد عملياً في خلق الفاتحين.

ولعلهم أرسلوا فرقاً إلى بعض المناطق، فقد كان طارق خبر

أحوال طليطلة لاسيما شمالها، إذ كان قد وصل إلى المدينة المائدة

(في منطقة وادي الحجارة).





... وأما ما تحدثت عنه المصادر عن قصة الخلاف الذي قيل إنه

حدث بين القائدين الكبيرين موسى وطارق، وتبالغ هذه المصادر

فترجع أمر هذا الخلاف إلى حسد دب في نفس موسى على مولاه

طارق وعلى ما حققه من نجاح، وتنسب إلى موسى أنه أهان

طارقاً بأن وضع السوط على رأسه، فهذه روايات ناقشها عدد من

الباحثين وأبانوا ضعفها وسقوطها وتفاهتها، كمحمود شيت

خطاب، وعبد الله عنان، ود. عبد الرحمن الحجي، ود. محمد

بطاينة، ود. عبد الشافي محمد عبد اللطيف، وغيرهم وإن كان

حدث شيء فلا يعدو أن يكون مناقشة القضايا أو استفهامه من

طارق خطته وإبداء الملاحظات عنها، تخوفاً من الأذى، وعندما

استفسر موسى من طارق عن سبب الايغال والتقحم في بلاد

العدو، اعتذر إليه طارق بخطته العسكرية أمام الظروف المحيطة

والضرورة الداعية لأسلوبه، وقبل موسى عذره. وسارا بعده ـ

سوية إخوة مجاهدين، ينشرون دين الله ويُعلون كلمته ويبلغون

للناس شريعته، كما لا ننسى أن طارق جندي من جنود موسى

والانتصارات التي حققها طارق إنجازات تكتب في صفحة موسى

القيادية.



__________________
قالوا كذبا : دعوة رجعية -- معزولة عن قرنها العشرين
الناس تنظر للأمام ، فما لهم -- يدعوننا لنعود قبل قرون؟
رجعية أنّا نغارُ لديننا -- و نقوم بالمفروض و المسنون!
رجعية أن الرسول زعيمنا -- لسنا الذيول لـ "مارْكسٍ" و " لِنين" !
رجعية أن يَحْكُمَ الإسلامُ في -- شعبٍ يرى الإسلامَ أعظم دين !
أوَليس شرعُ الله ، شرعُ محمدٍ ------ أولى بنا من شرْعِ نابليون؟!
يا رب إن تكُ هذه رجعيةً ------ فاحشُرْنِ رجعياً بيومِ الدين !