الحلقة الثامنة ولاخيرة
رجال اسهموا في صنع التاريخ

وقد لا يكون في وسع الذاكرة وقد شاخت أن تلم بأسماء الجميع, وربما يسقط منها بفعل السهو أو الخطأ بعض من كان لهم فضل كبير في هذا الإنجاز, لكن حسن النيات هو ضمان الغفران إن وقع السهو أو الخطأ, خصوصا أن جوهر الفكرة هو الإشارة الى عدد من الرجال كانوا علامات بارزة على هذا الطريق, دونهم ما كان يمكن أن يتحقق أي شيء, بعضهم رحل الى رحاب ربه, وبعضهم لايزال قادرا على العطاء, ولا أظن أن هناك مجالا للوم أو العتاب إن اقتصر الحديث على أربعة علماء أجلاء, كانوا رموزا لجهود آخرين كثيرين يصل عددهم الآن الى أكثر من ألفي خبير ومتخصص, أولهم الدكتور محمد حلمي عبدالرحمن أبوالتخطيط, وأبو النشاط النووي, وواحد من القلائل الذين أفسحوا للنهج العلمي والنظرة الموضوعية مكانا وسط العشوائية والارتجال والفهلوة المصرية, ثم الدكتور يحيي المشد العالم النابه الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في باريس كي يحرم العالم العربي من جهود عالم مصري تفرد في تخصصه لدراسة قلب المفاعل النووي وتصميمه, وزميله الدكتور مصطفي فهمي الراهب الزاهد في محراب العلم, الذي أعطي مصر كل ذرة من عقله وفكره وحياته, ومات فقيرا على سرير سفري في مسكن متواضع راضيا بما أنجزه, ثم الدكتور محمد عزت عبدالعزيز, أطال الله عمره, واحد من أكبر علماء العالم في الاندماج النووي وواحد من أكثر المتخصصين خبرة في عمل المعجلات النووية, ثم آخر العنقود في هذا الجيل من الرواد, الدكتور علي الصعيدي وزير الصناعة الأسبق, الذي فاوض باسم مصر الأمريكيين والألمان والفرنسيين والاستراليين والايطاليين على تنفيذ البرنامج النووي الذي وضعت خطوطه الرئيسية في عصر السادات, وظل يعيش أمل بناء أول محطة نووية في مصر الى أن وقع حادث تشرنوبيل الذي ضيع آماله أدراج الرياح. كان الدكتور حلمي عبدالرحمن هو الرائد الأول الذي نبه مصر الى خطورة هذا المجال, وقاد خطاها على أول الطريق, وكان هو الذي صمم بذكاء بالغ أولي بعثات مصر الى الخارج لدراسة كل التخصصات المتعلقة به, اختار أعضاءها من خمسة عشر طالبا من أوائل الثانوية العامة, إضافة الى خمسة من أوائل خريجي كليات الهندسة والعلوم في الجامعات المصرية, وكان من بين الذين اختارهم يحيي المشد, ومصطفي فهمي, ومحمد سلطان, ومنير هلال, وذكرى مبارك وجميع هؤلاء أصبحوا علماء ذائعي الصيت في مجالات تخصصاتهم المختلفة التي تشكل في النهاية كلا متكاملا يضمن لمصر معرفة راسخة ودقيقة بكل عناصر الطاقة النووية... تمثلت براعة د. حلمي عبدالرحمن الذي كان يشغل في هذا الوقت منصب سكرتير عام لجنة الطاقة النووية في أنه جمع في بعثة واحدة هذين الجيلين كي يضمن تواصل المعرفة والخبرة بين الأجيال المختلفة, في الوقت الذي كانت تخط فيه مصر أول سطورها في المعرفة النووية اعتمادا على جيل أقدم ألم أفراده بحكم تخصصاتهم المختلفة بقدر من المعرفة في هذا المجال, أبرزهم د.فؤاد محيي الدين الذي أصبح رئيسا لمجلس الوزراء, ود. عبدالمعبود الجيلي ود. على المفتي الطبيب الأشهر, غير أن براعة د. حلمي عبدالرحمن تكمن في ذكاء التوقيت الذي ربط فيه بين عودة البعثة العلمية الاولى الى مصر ووصول المفاعل التجريبي عام61, بما هيأ للعائدين فرصة اختيار معارفهم في تطبيقات عملية, وقد ساعد ذلك كله على إنشاء مدرسة علمية مصرية متخصصة في مجالات الطاقة النووية.وكان د. يحيي المشد أول المصريين الذين تخصصوا في فيزياء التفاعلات النووية التي تتم في قلب المفاعل, وقد أمضي معظم حياته في دراسة تصميم قلب المفاعل الذي تقع داخله عملية الانشطار, وقد ساعد يحيي المشد نبوغه المبكر, خصوصا أن الدول الكبري لم تكن تفرض حتى بداية السبعينيات أي قيود على المعرفة النووية المتعلقة بالمفاعلات النووية عالية التخصيب.وقد أصبح المشد تحت الرقابة والمتابعة الشديدة من جهاز الموساد الإسرائيلي, بعد أن استعاره العراق للإشراف على تنفيذ برنامجه النووي الذي كان يتم بمعونة فرنسية في عقد طويل الأجل, يربط بين التزام العراق بتوريد البترول الى فرنسا مقابل مفاعل نووي تبلغ درجة تخصيبه النووي أكثر من90 في المائة, وعندما أرادت فرنسا مراجعة عقدها مع العراق لتوريد مفاعل من نوع آخر يستخدم وقودا نوويا أقل خصوبة, لعب د. يحيي المشد دور المفاوض الرئيسي, وفي الليلة الأخيرة من مباحثاته في باريس, اقتحم الموساد الإسرائيلي غرفته في أحد فنادق العاصمة الفرنسية ولقي الرجل مصرعه في جريمة ارتكبها رجال المخابرات الإسرائيلية خلاصا من خبرة مصرية عالية التخصص في تصميم قلب المفاعل النووي.بطلنا الثالث هو الدكتور مصطفي فهمي, القصة الأسطورة لعالم راهب, أمضي حياته داخل معمله لا يغادره ليلا أو نهارا معظم الأيام, يدرس ويصمم دوائر التحكم الالكتروني في تشغيل المفاعلات النووية, ويختبر تصميماته في تطبيقات عملية يجهزها بنفسه, الى أن نجح في تشغيل مفاعل أنشاص الذي كان يعمل يدويا من خلال الحاسب الالكتروني, وبسبب هذه الطفرة تحقق تقدم هائل في بحوث ودراسات المصريين النووية, وبرغم تواضع الرجل الشديد وعدم اهتمامه بمظهره, كان موضع الاحترام والإجلال في مصر والخارج, وكان يجسد المثال لعالم مصري نابه وافر العلم, جم التواضع, شديد الاحتفاء والعناية بفريق الباحثين الشباب الذين يعاونونه في معمله.* وبين رواد هذه المدرسة العظيمة يعيش بيننا د. محمد عزت عبدالعزيز رئيس مؤسسة الطاقة النووية الأسبق, الذي لايزال يواصل العطاء برغم أنه جاوز السبعين عاما, ويعد واحدا من أكبر المتخصصين في العالم في الاندماج النووي, وتشغيل المعجلات النووية التي توظف تكنولوجيا الإشعاع لخدمة الطب والزراعة والبيئة, وصاحب مدرسة في مجال تخصصه, له تلاميذ عديدون في مصر والولايات المتحدة, وأسهم على امتداد9 سنوات في إرساء برنامج ليبي للطاقة النووية, وسوف يذكر له التاريخ أنه أول الذين نبهوا مصر الى خطورة البرنامج النووي الإسرائيلي, عندما كان طالب بعثة في الولايات المتحدة, وفطن الى وجود عالمين إسرائيليين شابين تسمح لهما سلطات الجامعة بدخول قسم البلوتونيوم الذي كان محرما دخوله حتى على الأمريكيين, فأرسل الى صديقه الدبلوماسي الشاب في السفارة المصرية في واشنطن أشرف غربال يؤكد له وجود برنامج نووي إسرائيلي.ويلحق بهذا الجيل الرائد الجهد الكبير الذي بذله وزير البترول الأسبق أحمد عزالدين هلال في صياغة أول برنامج نووي مصري يقوم على إنشاء ثماني محطات نووية قدرة كل منها1000 ميجاوات, والذي واصله بعد ذلك المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق, الى أن تم اختيار الضبعة مكانا لأولي محطات هذا البرنامج, وبدأت عملية نشيطة من أجل إعداد البنية الأساسية للمكان المتمثلة في إنشاء شبكات المياه والكهرباء والطرق وأماكن تخزين المياه, وكان دينامو المشروع في المرحلتين د. على الصعيدي وزير الصناعة الأسبق, الذي كان يرأس في هذا الوقت هيئة المحطات النووية, وكان أكثر الجميع حماسا لأن تقيم مصر برنامجها النووي بالتعاون مع فرنسا, بعد أن ثبت من المفاوضات الشاقة والمرهقة التي أجراها مع الجانب الأمريكي أنهم يختلقون العقبات أمام تنفيذ المشروع المصري.ويلي هذا الجيل الرائد ثلاثة أجيال مصرية أخري من علماء مصر وخبرائها في الطاقة النووية, يعملون في أربع مؤسسات نووية مصرية تهتم باستخدامات الطاقة النووية السلمية, يعيشون على أمل أن تعيد مصر النظر في قرارها تعليق برنامجها النووي بعد أن انتهت كل الأسباب التي أدت الى قرار التعليق, واعترف العالم بأن المحطات النووية هي أفضل الخيارات لحل مشكلة الطاقة في ظل تصاعد أسعار البترول والغاز, وتناقص مخزونهما العالمي, لأنها الأقل تكلفة والأكثر انتظاما والأشد حفاظا على البيـئة المحلية والمناخ العالمي

تمت بحمد الله وتوفيقه الموسوعة
أرجو ان يستفاد منها الجميع
وان تطلعوا ابناؤنا على علماؤنا
حتى يعوا ما فعله اليهود من التربص بنا
تحياتى لكم
جارى البحث عن موضوع جديد على نفس الدرب
|