في جمعية خيرية ، لم يستوعب عقلي سلوك طالبات الجامعة فعللت الأمر بأن الزمن الذي يفصلنا و الذي يبلغ زهاء عشرون عاما حوى أحداثاً جساماً جعلت لي مزاجاً خاصاً مغايراً لهن. لذلك لم يجد التعاون إلينا سبيلا إلا قليلا.
لذلك أحببت أن أرسم لكم بعض ملامح ثمانينات و تسعينات القرن الماضي التي شكلت وعيي ، عسى أن تضيق الفجوة بيننا.
حين إعتقل جمال عبد الناصر الإخوان المسلمين في القرن الماضي ، تجنب البشر مظاهر التدين فقد أخذ أناس للسجون بالظن. وحدهن العجائز حافظن على غطاء الرأس ، أما المساجد فبقيت للمناسبات الرسمية أكثر منها للعبادة اليومية!
حينها وجدت الشيوعية الروسية فراغا فتقدمت لسده.
والشيوعية لمن لم يعاصرها لا تؤمن بخالق أو دين. الدين في نظرها مبادىء صاغها البشر على لسان آلهة
لترغم الضعيف على خدمة سيده. مبدأ انتشر بفوهات البنادق و دفع ثمنه ملايين بدمائهم كي يكتسح جزءا من كوكب الأرض. و حين اعتنقه عرب أرادوا فرضه على العالم العربي و وصلت بهم الجرأة لتعليق صور لينين (زعيم شيوعي) في المساجد.
ثم انتهى الحجر على الإخوان في عصر السادات بينما رحبت السجون بالشيوعيين . انتشرت مبادئ الإسلام و عادت الصلاة للبيوت و المساجد و ظهرت الفتيات بالملابس المحتشمة (يدنين عليهن من جلابيبهن) و (يضربن بخمرهن على جيوبهن) كما أمر الله في كتابه العزيز.
لبست الحجاب أنا و أمي في نفس العام 81، كنت في الثالثة عشر حينها. ارتديت ثيابا متسعة، ألوانها متعادلة و ارتدت أمي جلباباً واسعاً و طرحة مماثلة. كذلك كان الحجاب وقتها، إما أن ترتديه الفتاة هادئ ومحتشم أو لا ترتديه إنتظاراً للعريس المُرتقب. تحكم في النفس و إستقامة. و من لا ترتدي الحجاب، ثيابها طويلة، ذات أكمام طويلة، كما أسلوب اللبس في الثمانينات و التسعينات.
ثم غزت روسيا أفغانستان المسلمة و أرادت فرض الشيوعية عليها. و الأفغان شعب قوي اعتاد النضال ضد الغزاة فعزموا على طرد الروس من بلادهم. إبان الحرب الباردة بين روسيا و أمريكا.
حينها أُذِن بتمويل المجاهدين و تسليحهم بأموال الشعوب و الحكومات المسلمة و قد ساهمتُ في تلك الحملات بمصروفي و الحلي الذهبية، و كذلك فعل الكثيرون، حتى أذِن المولى العزيز بزوال الإحتلال الروسي عن أفغانستان ( و قريباً الصهيوني عن أرض الإسراء بإذنه تعالى)، ثم بهدم الشيوعية و تفكك الإتحاد السوفيتي كله.
أما الآن فكثيرات يرتدين الحجاب على مضض ، لا يتضح لي إن كانت محجبة أم لا.
في البارحة خطب داعية شاب شهير في الجامع عن الإستقامة فطُلب منه أن يعظ من تلبس الثياب الضيقة.
كان في حرج و هو ينتقي الألفاظ التي لا تضايقهن، و كان أكثر مراوغة و هو يضع تعريفاً للإستقامة. الإستقامة عكس المراوغة، رمية في الهدف مباشرة، فارق أساسي بين زمنين وجيلين.
**************
|