فان احتججتم بالشهيد بأنه*** حيّ كما قد جاء في القرآن
والرسل أكمل حالة منه بلا***شك وهذا ظاهر التبيان
فلذاك كانوا بالحياة أحق من*** شهدائنا بالعقل والبرهان
وبأن عقد نكاحه لم ينفسخ** فنساؤه في عصمة وصيان
ولأجل هذا لم يحل لغيره*** منهن واحدة مدى الأزمان
أفليس في هذا دليل أنه*** حيّ لمن كانت له أذنان
أو لم ير المختار موسى قائما*** في قبره لصلاة ذي القربان
أفميت يأتي الصلاة وان ذا*** عين المحال وواضح البطلان
أو لم يقل أني أرد على الذي*** يأتي بتسليم مع الاحسان
أيرد ميت السلام على الذي*** يأتي به هذا من البهتان
هذا وقد جاء الحديث بأنهم*** أحياء في الأجداث ذا تبيان
وبأن أعمال العباد عليه تعـ***ـرض دائما في جمعة يومان
يوم الخميس ويوم الاثنين الذي*** قد خص بالفضل العظيم الشأن
في الجواب عما احتجوا به في هذه المسألة
فيقال اصل دليلكم في ذاك حجتنا عليكم وهي ذات تبيان
ان الشهيد حياته منصوصة***لا بالقياس القائم الأركان
هذا مع النهي المؤكد أننا*** ندعوه ميتا ذاك في القرآن
ونساؤه حل لنا من بعده*** والمال مقسوم على السهمان
هذا وأن الأرض تأكل لحمه*** وسباعها مع أمة الديدان
لكنه مع ذلك حيّ فارح*** مستبشر بكرامة الرحمن
فالرسل أولى بالحياة لديه مع*** موت الجسوم وهذه الأبدان
وهي الطرية في التراب وأكلها*** فهو الحرام عليه بالبرهان
ولبعض أتباع الرسول يكون ذا*** أيضا وقد وجدوه رأي عيان
فانظر الى قلب الدليل عليهم*** حرفا بحرف ظاهر التبيان
لكن رسول الله خص نساؤه*** بخصيصة عن سائر النسوان
خيرن بين رسوله وسواه فا***خترن الرسول لصحة الايمان
شكر الاله لهن ذلك وربنا*** سبحانه للعبد ذو شكران
قصر الرسول على أولئك رحمة*** منه بهن وشكر ذي الاحسان
وكذاك أيضا قصرهن عليه معـ***ـلوم بلا شك ولا حسبان
زوجاته في هذه الدنيا وفي الأخـ***ـرى يقينا واضح البرهان
فلذا حرمن على سواه بعده*** إذ ذاك صون عن فراش ثان
لكن أتين بعدة شرعية*** فيها الحداد وملزم الأوطان
هذا ورؤيته الكليم مصليا*** في قبره اثر عظيم الشان
في القلب منه حسيكة هل قاله*** فالحق ما قد قال ذو البرهان
ولذاك أعرض في الصحيح محمد*** عنه على عمد بلا نسيان
والدارقطني الامام أعله*** برواية معلومة التبيان
أنس يقول رأي الكليم مصليا*** في قبره فأعجب لذا الفرقان
فرواه موقوفا عليه وليس بالمـ***رفوع أشواقا الى العرفان
بين السياق الى السياق تفاوت*** لا تطرحه فما هما سيان
لكن تقلد مسلما وسواه ممـ***ـ، صحّ هذا عنده ببيان
فرواته الاثبات أعلام الهدى*** حفاظ هذا الدين في الأزمان
لكن هذا ليس مختصا به*** والله ذو فضل وذو احسان
فروى ابن حبان الصدوق وغيره*** خبرا صحيحا عنده ذا شان
فيه صلاة العصر في قبر الذي*** قد مات وهو محقق الايمان
فتمثل الشمس الذي قد كان ير***عاها لأجل صلاة ذي القربان
عند الغروب يخاف فوت صلاته*** فيقول للملكين هل تدعاني
حتى أصلي العصر قبل فواتها*** قالا ستفعل ذاك بعد الآن
هذا مع الموت المحقق لا الذي*** حكيت لنا بثبوته القولان
هذا وثابت البناني قد دعـ***ـا الرحمن دعوة صادق الايقان
أن لا يزال مصليا في قبره*** ان كان أعطي ذاك من انسان
لكن رؤيته لموسى ليلة المعـ***ـراج فوق جميع ذي الأكوان
يرويه أصحاب الصحاح جميعهم*** والقطع موجبة بلا نكران
ولذاك ظن معارضا لصلاته*** في قبره اذ ليس يجتمعان
وأجيب عنه بأنه أسرى به*** ليراه ثم مشاهدا بعيان
فرآه ثم وفي الضريح وليس ذا*** بتناقض إذ أمكن الوقتان
هذا ورد نبينا التسليم من*** يأتي بتسليم مع الاحسان
ما ذاك مختصا به أيضا كما*** قد قاله المبعوث بالقرآن
من زار قبر أخ له فأتى بتسـ***ـليم عليه وهو ذو ايمان
رد الاله عليه حقا روحه*** حتى يرد عليه رد بيان
وحديث ذكر حياتهم بقبورهم*** لما يصح وظاهر النكران
فانظر الى الاسناد تعرف حاله*** ان كنت ذا علم بهذا الشأن
هذا ونحن نقول هم أحياء لـ***ـكن عندنا كحياة ذي الأبدان
والترب تحتهم وفوق رؤوسهم*** وعن الشمائل ثم عن أيمان
مثل الذي قد قلتوه معاذنا*** بالله من أفك ومن بهتان
بل عند ربهم تعالى مثل ما*** قد قال في الشهداء في القرآن
لكن حياتهم أجل وحالهم*** أعلى وأكمل عند ذي الاحسان
هذا وأما عرض أعمال العبا***د عليه فهو الحق ذو امكان
وأتى به أثر فإن صح الحـ***ـديث به فحق ليس ذا نكران
لكن هذا ايس مختصا به*** أيضا بآثار روين حسان
فعلى أبي الانسان يعرض سعيه*** وعلى أقاربه مع الأخوان
ان كان سعيا صالحا فرحوا به*** واستبشروا يا لذة الفرحان
أو كان سعيا سيئا حزنوا وقا***لوا رب راجعه الى الاحسان
ولذا استعاذ من الصحابة من روى*** هذا الحديث عقيبه بلسان
يا رب إني عائذ من خزية*** أخزي بها عند القريب الداني
ذاك الشهيد المرتضى ابن روا***حة المحبوّ بالغفران والرضوان
لكن هذا ذو اختصاص والذي*** للمصطفى ما يعمل الثقلان
هذي نهايات لأقدام الورى*** في ذا المقام الضنك صعب الشان
والحق فيه ليس تحمله عقو***ل بني الزمان لغلظة الأذهان
ولجهلهم بالروح مع أحكامها*** وصفاتها للألف بالأبدان
فارض الذي رضي الاله لهم به*** أتريد تنقض حكمة الديان
هل في عقولهم بأن الروح في*** أعلى الرفيق مقيمة بجنان
وترد أوقات السلام عليه من*** أتباعه في سائر الأزمان
وكذاك إن زرت القبور مسلما*** ردت لهم أرواحهم للآن
فهم يردون السلام عليك لـ*** ـكن لست تسمعه بذي الأذنان
هذا وأجواف الطيور الخضر*** مسكنها لدى الجنات والرضوان
من ليس يحمل عقله هذا فلا*** تظلمه واعذره على النكران
للروح شأن غير ذي الأجسام لا*** تهمله شأن الروح أعجب شان
وهو الذي حار الورى فيه فلم*** يعرفه غير الفرد في الأزمان
هذا وأمر فوق ذا لو قلته*** بادرت بالانكار والعدوان
فلذاك أمسكت العنان ولو أرى*** ذاك الرفيق جريت في الميدان
هذا وقولي أنها مخلوقة*** وحدوثها المعلوم بالبرهان
هذا وقولي أنها ليست كما*** قد قال أهل الافك والبهتان
لا داخل فينا ولا هي خارج*** عنا كما قالوه في الديان
والله لا الرحمن أثبتم ولا*** أرواحكم يا مدعي العرفان
عطلتم الأبدان من أرواحها*** والعرش عطلتم من الرحمن
في كسر المنجنيق الذي نصبه أهل التعطيل
على معاقل الايمان وحصونه جيلا بعد جيل
لا يفزعنك قعاقع وفراقع*** وجعاجع عريت عن البرهان
ما عندكم شيء يهولك غير ذا***ك المنجنيق مقطع الأفخاذ والأركان
وهو الذي يدعونه التركيب منـ***ـصوبا على الاثبات منذ زمان
أرأيت هذا المنجنيق فإنهم*** نصبوه تحت معاقل الايمان
بلغت حجارته الحصون فهدت الـ***ـشرفات واستولت على الجدران
لله كم حصن عليه استولت الـ***ـكفار من ذا المنجنيق الجاني
والله ما نصبوه حتى عبروا*** قصدا على الحصن العظيم الشأن
ومن البليّة أن قوما بين أهـ***ـل الحصن واطوهم على العدوان
ورموا به معهم وكان مصاب أهـ***ـل الحصن منهم فوق ذي الكفران
فتركبت من كفرهم ووفاق من*** في الحصن أنواع من الطغيان
وجرت على الاسلام أعظم محنة*** من ذين تقديرا من الرحمن
والله لولا أن تدارك دينه*** الرحمن كان كسائر الأديان
لكن أقام له الاله بفضله*** يزكا من الأنصار والأعوان
فرموا على ذا المنجنيق صواعقا*** وحجارة هدته للأركان
فاسألهم ماذا الذي يعنون*** بالتركيب فالتركيب ست معان
إحدى معانيه هو التركيب من*** متباين كتركيب الحيوان
من هذه الأعضا كذا أعضاؤه*** قد ركبت من أربع الأركان
أفلازم ذا للصفات لربنا*** وعلوه من فوق كل مكان
ولعل جاهلكم يقول مباهتا*** ذا لازم الاثبات بالبرهان
فالبهت عندكم رخيص سعره*** حثوا بلا كيل ولا ميزان
هذا وثانيها فتركيب الجوا***ر وذاك بين اثنين يفترقان
كالجسر والباب الذي تركيبه*** بجواره لمحلة من بان
والأول المدعو تركيب امتزا***ج واختلاط وهو ذو تبيان
أفلازم ذا من ثبوت صفاته*** أيضا تعالى الله ذو السلطان
والثالث التركيب من متماثل*** يدعي الجواهر فردة الأكوان
والرابع الجسم المركب من هيو***لاه وصورته لذي اليونان
والجسم فهو مركب من ذين عنـ***ـد الفيلسوف وذاك ذو بطلان
ومن الجواهر عند أرباب الكلا***م وذاك أيضا واضح البطلان
فالمثبتون الجوهر الفرد الذي*** زعموه أصل الدين والايمان
قالوا بأن الجسم منه مركب*** ولهم خلاف وهو ذو ألوان
هل يمكن التركيب من جزئين أو*** من أربع أو ستة وثمان
أو ست عشرة قد حكاه الأشـ***ـعري لذي مقالات على التبيان
أفلازم ذا من ثبوت صفاته*** وعلوه سبحان ذي السبحان
والحق أن الجسم ليس مركبا*** من ذا ولا هذا هما عدمان
والجوهر الفرد الذي قد أثبتو***ه في الحقيقة ليس ذا إمكان
لو كان ذلك ثابتا لزم المحا***ل لواضح البطلان والبهتان
من أوجه شتى ويعسر نظمها*** جدا لأجل صعوبة الأوزان
أتكون خردلة تساوي الطود في الأ***جزاء في شيء من الأذهان
إذ كان كل منهما أجزاؤه*** لا تنتهي بالعد والحسبان
وإذا وضعت كل الجوهرين وثالثا*** في الوسط وهو الحاجز الوسطاني
فلأجله افترقا فلا يلتقيا*** حتى يزول إذاﹰ فيلتقيان
ما مسه إحداهما منه هو الممـ***سوس للثاني بلا فرقان
هذا محال أو تقول بغيره*** فهو انقسام واضح التبيان
والخامس التركيب من ذات من الـ***أوصاف هذا باصطلاح ذان
سموه تركيبا وذلك وضعهم*** ما ذاك في عرف ولا قرآن
لسنا نقر بلفظة موضوعة*** في الاصطلاح لشيعة اليونان
أو من تلقى عنهم من فرقة*** جهمية ليست بذي عرفان
من وصفه سبحانه بصفاته العليـ***ـا ويترك مقتضى القرآن
والعقل والفطرة أيضا كلها*** قبل الفساد ومقتضى البرهان
سموه ما شئتم فليس الشأن في الأسـ***ـماء بالألقاب ذات الشان
هل من دليل يقتضي ابطال ذا التركـ***ـيب من عقل ومن فرقان
والله لو نشرت شيوخكم لما*** قدروا عليه لو أتى الثقلان
والسادس التركيب من ماهية*** ووجودها ما ها هنا شيئان
الا اذا اختلف اعتبارهما فذا*** في الذهن والثاني ففي الأعيان
فهناك يعقل كون ذا غير لذا*** فعلى اعتبارهما هما غيران
أما اذا اتحدا اعتبار كل نفس وجـ***ـودها هو ذاتها لا ثان
من قال شيء غير ذا كان الذي*** قد قاله ضرب من الفعلان
هذا وكم خبط هنا قد زال بالتفصـ***ـيل وهو الأصل في العرفان
وابن الخطيب وحزبه من بعده*** لم يهتدوا لمواقع الفرقان
بل خبطوا نقلا وبحثا اوجبا*** شكا لكل ملدد حيران
هل ذات رب العالمين وجوده*** أم غيره فهما اذا شيئان
فيكون تركيبا محالا ذاك أن*** قلنا به فيصير ذا امكان
وإذا نفينا ذاك صار وجوده*** كالمطلق الموجود في الأذهان
وحكوا أقاويلا ثلاثا زينـ***ـك القولين اطلاقا بلا فرقان
الثالث التفريق بين الواجب الأ***على وبين وجود ذي الامكان
وسطوا عليها كلها بالنقض والا*** بطال والتشكيك للانسان
حتى أتى من أرض آمد آخرا*** ثور كبير بل حقير الشان
قال الصواب الوقف في ذا كله*** والشك فيه ظاهر التبيان
هذا قصارى بحثه وعلومه*** أن شك في الله العظيم الشان
في أحكام بيان هذه التراكيب الستة
فلأولان حقيقة التركيب لا***تعدوها في اللفظ والأذهان
وكذلك الأعيان أيضا انما التركـ***ـيب فيها ذلك النوعان
والأوسطان هما اللذان تنازعا العقـ***ـلاء في تركيب ذي الجثمان
ولهم أقاويل ثلاث قد حكينـ***ـاها وبينا أتم بيان
والآخران هما اللذان عليهما*** درات رحى الحرب التي تريان
أنتم جعلتم وصفه سبحانه*** بعلوه من فوق ذي الأكوان
وصفاته العليا التي ثبتت له*** بالعقل والمنقول ذي البرهان
من جملة التركيب ثم نفيتم*** مضمونها من غير ما برهان
فجعلتم المرقاة للتعطيل هـ***ـذا الاصطلاح وذا من العدوان
ولكن اذا قيل اصطلاح حادث*** لا حجر في هذا على انسان
فتقول نفيكم بهذا الاصطلا***ح صفاته هو أبطل البطلان
وكذاك نفيكم به لعلوه*** فوق السماء وفوق كل مكان
وكذاك نفيكم به لكلامه*** بالوحي كالتوراة والقرآن
وكذاك نفيكم لرؤيتنا له*** يوم المعاد كما يرى القمران
وكذاك نفيكم لسائر ما أتى*** في النقل من وصف بغيرمعان
كالوجه واليد والأصابع والذي*** أبدا يسوءكم بلا كتمان
وبودكم لو لم يقله ربنا*** ورسوله المبعوث بالبرهان
وبودكم الله لما قالها*** أن ليس يدخل مسمع الانسان
قام الدليل على استنادكم الكـ***ـون أجمعه الى خلاقه الرحمن
ما قام قط على انتفاء صفاته*** وعلوه من فوق ذي الأكوان
هو واحد في وصفه وعلوه*** ما للورى رب سواه ثان
فلأي معنى تجحدون علوه*** وصفاته بالفشر والهذيان
هذا وما المحذور الا أن يقال*** مع الاله لنا اله ثان
أو أن يعطل عن صفات كماله*** هذا محذوران محظوران
أما اذا ما قيل رب واحد*** أوصافه أربت على الحسبان
وهو القديم فلم يزل يصفاته*** متوحدا بل دائم الاحسان
فبأي برهان نفيتم ذا وقلـ***ـتم ليس هذا قط في الامكان
فلئن زعمتم أنه نقص فذا***بهت فما في ذاك من نقصان
النقص في أمرين سلب كماله*** أو شركة بالواحد الرحمن
أتكون أوصاف الكمال نقيصة*** في أي عقل ذاك أم قرآن
أن الكمال بكثرة الأوصاف لا*** في سلبها ذا واضح البرهان
ما النقص غير السلب حسب وكل نقص أصله سلب وهذا واضح التبيان
فالجهل سلب العلم وهو نقيصه*** والظلم سلب العدل والاحسان
منتقص الرحمن سالب وصفه*** والحمد والتمجيد كل أوان
ولذاك أعلم خلقه أدراهم*** بصفاته من جاء بالقرآن
وله صفات ليس يحصيها سوا***ه من ملائكة ولا انسان
ولذاك يثني في القيامة ساجدا*** لما يراه المصطفى بعيان
بثناء حمد لم يكن في هذه الدنيـ***ـا ليحيصيه مدى الأزمان
وثناؤه بصفاته لا بالسلو***ب كما يقول العادم العرفان
والعقل دل على انتهاء الكون أجمعه الى رب عظيم الشان
وثبوت أوصاف الكمال لذاته*** لا يقتضي إبطال ذا البرهان
والكون يشهد أن خالقه تعا***لى ذو الكمال ودائم السلطان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** فوق الوجود وفوق كل مكان
وكذلك يشهد أنه سبحانه المـ***ـعبود لا شيء من الأكوان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** ذو حكمة في غاية الاتقان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** ذو قدرة حي عليم دائم الاحسان
وكذاك يشهد أنه الفعال حـ***ـقا كل يوم ربنا في شان
وكذاك يشهد أنه المختار في *** أفعاله حقا بلا نكران
وكذاك يشهد القيوم قا*** م بنفسه ومقيم ذي الأكوان
وكذاك يشهد أنه ذو رحمة*** وإرادة ومحبة وحنان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** متكلم بالوحي والقرآن
وكذاك يشهد أنه سبحانه الـ***ـخلاق باعث هذه الأبدان
لا تجعلوه شاهدا بالزور والتـ***ـعطيل تلك شهادة البطلان
وإذا تأملت الوجود رأيته*** ان لم تكن من زمرة العميان
بشهادة الاثبات حقا قائما*** لله لا بشهادة النكران
وكذاك رسل الله شاهدة به*** أيضا فسل عنهم عليم زمان
وكذاك كتب الله شاهدة به*** أيضا فهذا محكم القرآن
وكذلك الفطر التي ما غيرت*** عن أصل خلقتها بامر ذان
وكذا العقول المستنيرات التي*** فيها مصابيح الهدى الرباني
أترون أنا تاركو ذا كله*** لشهادة الجهمي واليوناني
هذي الشهود فان طلبتم شاهدا*** من غيرها سيقوم بعد زمان
إذ ينجلي هذا الغبار فيظهر الـ***ـحق المبين مشاهدا بعيان
فإذا نفيتم وقلت أنه*** ملزوم تركيب فمن يلحاني
ان قلت لا عقل ولا سمع لكم*** وصرخت فيما بينكم بأذان
هل يجعل الملزوم عين اللزم الـ***ـمنفى هذا بيّن البطلان
فالشيء ليس لنفسه ينفى لدى*** عقل سليم يا ذوي العرفان
قلتم نفينا وصفه وعلوه*** من خشية التركيب والامكان
لو كان موصوفا لكان مركبا*** فالوصف والتركيب متحدان
أو كان فوق العرش كان مركبا*** فالفوق والتركيب متفقان
فنفيتم التركيب بالتركيب مع*** تغيير احدى اللفظين بثان
بل صورة البرهان أصبح شكلها*** شكلا عقيما ليس ذا برهان
لو كان موصوفا لكان كذاك مو***صوفا وهذا حاصل البرهان
فإذا جعلتم لفظة الترطيب بالـ***ـمعنى الصحيح أمارة البطلان
جئنا الى المعنى فخلصناه منـ***ـها وأطّرحناها أطراح مهان
هي لفظة مقبوحة بدعية*** مذمومة منا بكل لسان
واللفظ بالتوخيد نجعله مكا***ن اللفظ بالتكريب في التبيان
واللفظ بالتوحيد أولى بالصفا***ت وبالعلو لمن له أذنان
هذا هو التوحيد عند الرسل لا*** أصحاب جهم شيعة الكفران
والفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد النفاة المعطلين
فاسمع اذا أنواعه هي خمسة*** قد حصلت أقسامها ببيان
توحيد أتباع ابن سينا وهو منـ***ـسوب لأرسطو من اليونان
ما للاله لديهم ماهية*** غير الوجود المطلق الوجدان
مسلوب أوصاف الكمال جميعها*** لكون وجود حسب ليس بفان
ما أن له ذات سوى نفس الوجو***د المطلق المسلوب كل معان
فلذاك لا سمع ولا بصر ولا***علم ولا قول من الرحمن
ولذاك قالوا ليس ثم مشيئة*** وإرادة لوجود ذي الأكوان
بل تلك لازمة له بالذات لم*** تنفك عنه قط في الأزمان
ما اختار شيئا قط يفعله ولا*** هذا له أبدا بذي امكان
وبنوا على هذا استحالة خر***ق ذي الأفلام يوم قيامة الأبدان
ولذاك قالوا ليس يعلم قط شيـ***ـئا ما من الموجود في الأعيان
لا يعلم الأفلاك كم أعدادها*** وكذا النجوم وذانك القمران
بل ليس يسمع صوت كل مصوت***كلا وليس يراه رأي عيان
بل ليس يعلم حالة الانسان تفـ***ـصيلا من الطاعات والعصيان
كلا ولا علم له يتساقط الـ***أوراق أو بمنابت الأغصان
علما على التفصيل عندهم*** عين المحال ولازم الامكان
بل نفس آدم عندهم عين المحا***ل ولم يكن في سالف الأزمان
ما زال نوع الناس موجودا ولا*** يفنى كذاك الدهر والملوان
هذا هو التوحيد عند فريقهم*** مثل ابن سينا والنصير الثاني
قالوا والجأنا الى ذا خشية التـ***ـركيب والتجسيم ذي البطلان
ولذاك قلنا ما له سمع ولا*** بصر ولا علم فكيف يدان
وكذاك قلنا ليس فوق العرش*** الا المستحيل وليس ذا امكان
جسم على جسم كلا الجسمين*** محدود يكون كلاهما صنوان
فبذاك حقا صرحوا في كتبهم*** وهم الفحول أئمة الكفران
ليسوا مخانيث الوجود فلا إل***ى الكفران ينحازوا ولا الايمان
والشرك عندهم ثبوت الذات والأ***وصاف إذ يبقى هناك اثنان
غير الوجود فصار ثم ثلاثة*** فلذا نفينا اثنين بالبرهان
نفى الوجود فلا يضاف اليه شيء*** غيره فيصير ذا إمكان
في النوع الثاني من أنواع التوحيد لأهل الالحاد
هذا وثاتيها فتوحيد ابن سبـ***تعين وشيعته أولي البهتان
كل اتحادي خبيث عنده*** معبوده موطوؤه الحقاني
توحيدهم أن الاله هو الوجو***د المطلق المبثوث في الأعيان
هو عينها لا غيرها ما ها هنا*** رب وعبد كيف يفترقان
لكن وهم العبد ثم خياله*** في ذي المظاهر دائما يلجان
فلذاك حكمهما عليه نافذ*** فابن الطبيعة ظاهر النقصان
فإذا تجرّد علمه عن عقله أيضا فإن الـ***ـعقل لا يدنيه من ذا الشان
بل يخرق الحجب الكثيفة كلها*** وهما وحسا ثم عقل وإن
فالوهم منه وحسه وخياله*** والعلم والمعقول في الأذهان
حجب على ذا الشأن فاخرقها وإلـ***ـا كنت محجوبا عن العرفان
هذا وأكثفها حجاج الحس والـ***ـمعقول ذانك صاحب الفرقان
فهناك صرت موحدا حقا ترى*** هذا الوجود حقيقة الديان
والشرك عندهم فتنويع الوجو***د وقولنا ان الجود اثنان
واحتج يوما بالكتاب عليهم*** شخص فقالوا الشرك في القرآن
لكنما التوحيد عند القائلين*** بالاتحاد فهم أولو العرفان
رب وعبد كيف ذاك وإنما الـ***ـموجود فرد ماله من ثان
في النوع الثالث من التوحيد لأهل الالحاد
هذا وثالثها هو التوحيد عنـ***ـد الجهم وتعطيل بلا ايمان