حكم المحادثة بين الشباب والبنات
إن الله عز وجل حين قضى بالفصل بين المرأة والرجل من غير محارمها كان لحكمٍ عظيمة فهو قضاءٌ قضاه وحكمٌ حَكم به ولا معقب لحكمه، ولذلك لا يجوز لنا أن نبرر هذا العلاقة بأي شكل من الأشكال أو نجد سبباً لكي نبعد عنها الشبهات بأن نقول أن العلاقة بين الشاب والفتاة صداقة محترمة أو يعاملها كأخت له، فأي علاقة بين أي فتاة وشاب غير محرم لها تعد محرمة.
يقول جل وعلا: )قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ` وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ( سورة النور (30-31).
فالنظر إلى الأجنبية حرام فما بالنا بعلاقة الصداقة والتعامل المباشر بينهم الذي لا يخلو من الهزار والنظر والخلوة، قال رسول الله e: "لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما" (صحيح): مسند أحمد (115).
فالعلاقة بين أي شاب وفتاة تزيد بكثرة التعامل بينهما فتبدأ العلاقة بسيطة في بادئ الأمر حتى تصل إلى ذروتها لأنها علاقة يتبناها الشيطان وتحركها الشهوة. قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( سورة النور (21).
هذه العلاقة بين الشاب والفتاة تزني فيها كل الأعضاء كما قال رسول الله e: "كتب على بن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه" صحيح مسلم (2657).(5).
يقول الشيخ عبد الخالق الشريف: إن الله خلق هذا الجنس البشري من الرجال والنساء وجعل كل طرف يميل إلى الآخر بغريزة أودعت في النفس لبقاء النسل، ولبقاء هذه الحياة، ولقد حدد الإسلام طريقة ومنهج العلاقة التي يجب أن تكون بين الذكر والأنثى، فإما أنها علاقة مع المحارم كالأمهات والبنات، أو علاقة مع ما أحلها الله له من الزوجات بضوابطها الشرعية، أما كل علاقة بين الرجل والمرأة خارج هذا النطاق، فلا تتم من المسلم إلا على سبيل الاضطرار أو الحاجة، كشهادة المرأة أمام قاضٍٍ في محكمة، أو ما يضطر إليه مما لا يملك تغييره، كمدرسٍ عُيِّن في الجامعة يدرس للذكور والإناث، وفي هذه الحالة الاضطرارية يجب ألا تكون العلاقة إلا عابرة وفي حدود التعلم والتعليم؛ لأن الاختلاط منهي عنه شرعًًا، فإذا تطور إلى الخلوة كان محرمًًًا، وعلى هذا الأمر فإنه لا يوجد ما يُسمَّى علاقة عادية مع البنات.
ويقول الشيخ عبد الرحمن السحيم: لا يجوز تكوين صداقات بين الرجال والنساء عبر هذه الوسائل الحديثة للأسباب التالية:
1- لأن هذا من اتخاذ الأخدان الذي نهى الله عز وجل عنه في كتابه الكريم )وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ( سورة النساء (25)، يقول الشوكاني: المراد منها ولا متخذات أخلاء، والخل هو الصديق.
2- لأنه ذريعة إلى الوقوع في المحظورات بداية من اللغو في الكلام، ومرورا بالكلام في الأمور الجنسية وما شابهها، وختاما بتخريب البيوت، وانتهاك الأعراض، والواقع يشهد بذلك.
3- لأنه موطن تنعدم فيه الرقابة، ولا توجد فيه متابعة ولا ملاحقة، فيفضي كلا الطرفين إلى صاحبه بما يشاء دون خوف من رقيب ولا حذر من عتيد.
4- لأنه يستلزم الكذب إن عاجلاً أو آجلاً، فإذا دخل الأب على ابنته، وسألها ماذا تصنع، فلا شك في أنها ستلوذ بالكذب وتقول: إنني أحدث إحدى صديقاتي، وإذا سألها زوجها في المستقبل عما إذا كانت مرت بهذه التجربة فإنها لا شك ستكذب عليه.
5- لأنه يدعو إلى تعلق القلوب بالخيال والمثالية حيث يصور كل طرف لصاحبه أنه بصفة كذا وكذا، ويخفي عنه معايبه وقبائحه حيث الجدران الكثيفة، والحجب المنيعة التي تحول دون معرفة الحقائق، فإذا بالرجل والمرأة وقد تعلق كل منهما بالوهم والخيال، ولا يزال يعقد المقارنات بين الصورة التي طبعت في ذهنه، وبين من يتقدم إلى الزواج به، وفي هذا ما فيه (6).
فينبغي أن لا تنشأ علاقة بين شاب وفتاة بأي شكل من الأشكال ولا تحت أي مسمى ولا يكون بينهم حوار إلا للضرورة وفي حدود الآداب الإسلامية:
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين: فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة.
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم الذي يغطي جميع البدن. قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( سورة الأحزاب (59).
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:
* في الكـلام، بحـيث يكـون بعيدًا عن الإغـراء والإثارة، وقد قال تعالى: )فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا( سورة الأحزاب (32).
* في المشي، كما قال تعالى: )وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ( سورة النور (31)، وأن تكـون كالتي وصفها الله بقوله: )فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ( سورة القصص (25).
* في الحـركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشـريف بـ "مميلات مائلات" صحيح مسلم (2128).
4 ـ أن تتجنب كل ما من شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للٍّقاء مع الرجال.
5 ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم (7).
__________________
"اعذروا تخبطى فأنا كلاعمى يلتمس طريقا بين من يظنون أنفسهم مبصرون "
|