عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-07-2010, 05:02 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الإعجاز العددي .. ما له وما عليه
بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل

.
الإعجاز العددي: هل يصرف المؤمن عن معاني ودلالات الآيات؟
ولكن بعض علماء المسلمين يرون أن الاهتمام بعَّد كلمات وحروف القرآن قد يصرف المؤمن عن دلالات ومعاني الآيات، فالمؤمن بحاجة إلى فهم آيات القرآن من الناحية اللغوية ليهتدي بها إلى طريق الله تعالى.
هذا فهم خاطىء أيضاً! فكيف يمكن للخالق العظيم جلّ جلاله أن يضع شيئاً في كتابه ليصرف الناس عن فهم آيات هذا الكتاب؟!! إن كل حرف من حروف القرآن فيه معجزة تستحق التدبُّر والتفكُّر. وبما أن هذا القرآن صادر من عند الله تعالى فإن كل شيء فيه هو من عند الله، ولا ينبغي لمؤمن حقيقي راسخ في العلم أن يقول إن هذه المعجزة لا تعنيني لأنني مؤمن أصلاً، بل لسان حال المؤمن يقول دائما: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)!
إن تأمُّل كلمات القرآن وآياته وحروفَه من الناحية العددية يجعل المؤمن أكثر حفظاً واستحضاراً لهذه الآيات، وهذا الكلام عن تجربة طويلة تتجاوز عشر سنوات مع الإعجاز الرقمي. وبالرغم من أنني أنفق وقتاً طويلاً على دراسة وتأمُّل الإعجازات الرقمية لكتاب الله تعالى ، إلا أنني لم أنصرف عن دلالات هذه الآيات، بل على العكس اكتسبت شيئاً جديداً وهو الدقة في تلاوة هذه الآيات، والحرص على كل حرف من حروف القرآن، وأنه لا يجوز زيادة حرف ولا نقصانه.
هل يمكن للبشر أن يأتوابمثل هذه الإعجازات؟
وقد يظن البعض ممن ليس لديهم الخبرة والتجربة بعدّ الحروف وإحصاء الكلمات، بأنه من السهل على أي إنسان أن يركّب جُمَلاً يراعي فيها تكرار الحروف، إذن أين الإعجاز؟
في كتاب الله عزّ وجلّ نحن أمام مقياسين: مقياس لغوي ومقياس رقمي. فلا نجد أي نقص أو خلل أو اختلاف في لغة القرآن وبلاغته من أوله وحتى آخره، وفي الوقت نفسه مهما بحثنا في هذا الكتاب العظيم لا نجد أي اختلاف من الناحية الرقمية، فهو كتاب مُحكم لغوياً ورقمياً.
إن محاولة تقليد القرآن رقمياً سيُخل بالجانب اللغوي، فلا يستطيع أحد مهما حاول
أن يأتي بكلام بليغ ومتوازن وبالوقت نفسه منظَّم من الناحية الرقمية، سيبقى النقص والاختلاف في كلام البشر، وهذا قانون إلهي لن يستطيع أحد تجاوزه، وهذا مانجد تصديقاً له في قول الحقّ تبارك وتعالى:
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82).
ففي هذه الآية دعوة لتأمّل التناسق في كلام الله تعالى، وتمييزه عن الاظطراب والاختلاف الموجود في كلام البشر. أليست هذه إشارة غير مباشرة لتدبُّر القرآن من الناحية البيانيّة والعددية؟
هل ينطبق الإعجاز العددي على قراءات القرآن العشر؟
أما قولهم: لا أرقام ثابتة في القرآن يمكن بناء معجزة عليها، وأن الأرقام في القرآن الكريم هي مثار خلاف عند الكثير من العلماء والباحثين، وأن عدد قراءات القرآن عشر، وهذه المصاحف العشرة تختلف من حيث عدد الآيات لكل سورة. فكيف نسمي هذه الأرقام حقائق يقينيّة، وهي قد تختلف من مصحف إلى آخر؟
والجواب عن هذه الشبهة نجده في قول الله عز وجل عن القرآن الكريم: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82). إذن في كتاب الله ليس هناك اختلاف، بل تعدّد القراءات وتعدّد الأرقام، وهذا يعني تعدّد المعجزات وزيادة في الإعجاز. ويمكنني أن أقول بأن الإعجاز الرقمي يشمل جميع قراءات القرآن، ويشمل جميع كلماته وحروفَه وآياته وسورَه، حتى النقطة في كتاب الله تعالى لها نظام مُعْجِزْ!
ولكن أبحاث الإعجاز العددي تقتصر حالياً على قراءة حفص عن عاصم، وهو المصحف الإمام، فهذه القراءة هي الأوسع انتشاراً في العالم الإسلامي، وهي الموجودة بين أيدينا اليوم. وحتى نكتشف معجزة جديدة يجب علينا إجراء دراسة مقارنة لهذه القراءات من الناحية الرقمية، والنتيجة المؤكدة لهذه الدراسة أن كل قراءة فيها معجزة خاصة بها. وأن وجود عدد من القراءات هدفه زيادة عجز البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قال الله عنه: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء:88).
وينبغي على كل مؤمن أن يعلم بأن القرآن متناسق في ألفاظه ومعانيه، وفي آياته وسوره، وفي بيانه ودلالاته، وفي عدد كلماته وحروفه. وقد يُخفي هذا التعدّد لقراءات القرآن معجزة عظيمة، بيانيّة وعددية، ولكن عدم رؤية المعجزة، لا يعني أبداً أنها غير موجودة، إنما يعني أن رؤيتنا نحن البشر محدودة.
هل يوجد إعجاز عددي في لفظ كلمات القرآن؟
وهنالك سؤال مهم: إلى أي حد تراعي أبحاث الإعجاز الرقمي لفظ كلمات القرآن الكريم، إذ كما نعلم أن القرآن نزل مقروءاً وليس مكتوباً؟
لقد لفت انتباهي هذا الأمر منذ زمن، وبعد تفكير وبحث طويلين أدركت بأن أي شيء في القرآن الكريم يُخفي وراءه معجزة. إن الذي يقرأ كتاب الله يرى أن طريقة رسم الكلمات وعدد الحروف المرسومة لا يساوي عدد الحروف الملفوظة (غالباً)، أي أن هناك تعدّداً في الأرقام، وتتعدد هذه الأرقام أكثر إذا لفظنا كلمات الآية باستمرار أو كل كلمة بمفردها. وأن هناك حروفاً تُكتب ولا تُلفظ ،وحروفاً أخرى تُلفظ ولا تُكتب.
وقد قمت بإجراء بحث داخل سورة الفاتحة (السبع المثاني)، وتبيَّن أن هنالك بناءً رقمياً عجيباً يقوم على الرقم سبعة لرسم هذه الكلمات كما رُسمت في القرآن، وبناءً آخر يقوم على الرقم سبعة أيضاً يشمل لفظ كلمات السورة. ومن هنا يمكن استنتاج الحقيقة المهمة وهي أن المعجزة تشمل رسم الكلمات ولفظها معاً ! وهذا يزيد في الإعجاز. ويكفي أن نعلم بان سورة الفاتحة وهي السبع المثاني تحوي أربعة عشر حرفاً مشدّداً (7×2)، وهذه الحروف تُكتب مرّة واحدة ولكنها تُلفظ مرّتين.
هل يمكن معرفة الغيب باستخدام الأرقام القرآنية؟
وهنالك من يبالغ في مسألة الإعجازالعددي فيربط بعض الأرقام القرآنية بأحداث سياسية أو تاريخية كزوال إسرائيل وأحداث الحادي عشر من أيلول والتنبؤ بقيام الساعة، ألا يُعتبر هذا أحد منزلقات الإعجاز الرقمي؟
إن المبالغات موجودة في كل العلوم، حتى في تفاسير القرآن، فقد تتعدد أراء العلماء حول تفسير بعض الآيات. وقد نجد تفسيرات متناقضة لبعض آيات القرآن، وقد نجد تفسيرات خاطئة أيضاً.
فمثلاً الذي فسَّر بأن الأرض مسطّحة وليست كرويّة تفسيره خاطىء، وفهمُه بعيد عن الواقع لقوله تعالى: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية:20). والتفسير الصحيح لهذه الآية أنه يجب على المؤمن النظر إلى خلق الله وخصوصاً الأرض التي مهَّدها الله لنا، وجعلها مستوية أمامنا، فمَهما سرنا على سطحها نعود من حيث بدأنا، ولو أن الله تعالى جعلها مليئة بالحفر والتعرجات والمنحدرات مثل سطح القمر لتعذرت الحياة، وصعبت كثيراً ولكنها رحمة الله بعباده.
إن لغة الرقم هي اللغة التي نعبر بها عن الماضي والمستقبل، فنحن نعبر عن التواريخ بالأرقام كما نعبر عن الأعمال التي سنقوم بها مثل السفر أو الاستعداد لموسم الحج أو لشهر رمضان بالأرقام أيضا. وقد قال الله تعالى (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً)(الإسراء:12).
واليوم يتنبأ علماء الفلك بموعد حدوث كسوف الشمس أو القمر بدقة تامة، وهذا لا يُعدّ أمراً محرّماً. نعم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكن هناك أشياء يمكن معرفتها بواسطة الحسابات، مثل الثقوب السوداء التي لا يمكن رؤيتها مطلقاً، ولكن يمكن حساب وتحديد بُعْدها عنا، ومقدار جاذبيتها، وسرعةحركتها بواسطة لغة الأرقام.
إذن المشكلة ليست في لغة الأرقام، بل في استعمال هذه اللغة بشكل علمي صحيح، فإذا ما جاء من يدّعي أنه استخرج من القرآن تاريخاً معيّناً أو حدثاً مستقبلياً، فإن عليه أن يأتي بالبرهان العلمي الذي لا يعارضُه أحد فيه.
ماهي الضوابط الواجب الالتزام بها من قِبل من يبحث في هذا العلم
حتى يكون البحث مقبولاً ويطمئن القلب إليه يجب أن يوافق العلم والشرع، أي يجب أن يحقق الضوابط التالية لكل عنصر من عناصره:
1- معطيات البحث: يجب أن تأتي من القرآن نفسه، ولا يجوز أبداً أن نُقحم في كتاب الله عزّ وجلّ مالا يرضاه الله تعالى.
2- طريقة معالجة المعطيات: يجب أن تكون مبنيّة على أساس علمي، وشرعي.فلا يجوز استخدام طرق غير علمية. لأن القرآن كتاب الله تعالى، وكما أن الله بنى وأحكم هذا الكون بقوانين محكمة، كذلك أنزل القرآن ورتبه وأحكمه بقوانين محكمة، وقال عنه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود:1).
3- نتائج البحث: أما نتائج البحث القرآني فيجب أن تمثّل معجزة حقيقيّة لا مجال للمصادفة فيها وينبغي على الباحث في هذا المجال إثبات أن نتائجه لم تأت عن طريق المصادفة. وذلك باستخدام قانون الاحتمالات الرياضي.
كلمة من العدل قولُها...
إن أي علم ناشئ لا بد أن يتعرض في بداياته لشيء من الخطأ حتى تكتمل المعرفة فيه. وهذا أمر طبيعي ينطبق على المعجزة الرقمية القرآنية. وذلك لأن اكتشاف معجزة في كتاب الله تعالى أمر ليس بالهيِّن، بل يحتاج لجهود مئات الباحثين. وإذا ظهر لدى بعض هؤلاء أخطاء كان من الواجب على المؤمن الحريص على كتاب ربه أن يتحرَّى هذه الأخطاء ويصحِّحها لينال الأجر من الله تعالى في خدمة هذا الكتاب العظيم.[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ADMINI%7E1/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG]
وإذا كان باعتقاد البعض أنه لا فائدة من دراسة لغة الأرقام القرآنية، فإن هذا الاعتقاد لا يستند إلى أي برهان علمي، بل جميع التطورات التي نشهدها في القرن الواحد والعشرين تؤكد على أهمية لغة الرقم في إقامة الحجة على كل من يُنكر صدق هذا القرآن.
وبما أن لغة الرقم هي لغة العلوم الحديثة، فما الذي يمنع أن نجد هذه اللغة في كتاب الله تعالى؟ وما الذي يضرّنا إذا صدرت أبحاث كهذه تُعلي من شأن القرآن، وتخاطب أولئك الماديين بلغتهم التي يتقنونها جيداً: لغة الأرقام؟
إذن المعجزة الرقمية هي أسلوب جديد في كتاب الله يناسب عصرنا هذا. الهدف منه هو زيادة إيمان المؤمن كما قال تعالى: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) (المدثر:31). هذه المعجزة هي وسيلة أيضاً لتثبيت المؤمن وزيادة يقينه بكتاب ربه لكي لا يرتاب ولا يشك بشيء من هذه الرسالة الإلهية الخاتمة، كما قال تعالىوَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ).
ولكن الذي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يقيم وزناً لهذه المعجزة ما هو ردّ فعل شخص كهذا؟ يخبرنا البيان الإلهي عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً). هذا هو حال الكافر يبقى على ضلاله حتى يلقى الله تعالى وهو على هذه الحال.
لذلك لا ينبغي للمؤمن الحقيقي أن يقول بأن المعجزة الرقمية لا تعنيني أو لن تؤثر على إيماني أو لن تزيدني إيماناً. بل يجب عليه البحث والتفكر والتدبر في آيات القرآن من جميع جوانبه. هذا القرآن سيكون شفيعاً لك أمام الله عندما يتخلَّى عنك كل الناس! فانظر ماذا قدمت لخدمة كتاب الله وخدمة رسالة الإسلام.
اللهم أرِنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه
وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
Kaheel7***********