حديث الرئيس محمد أنور السادات
الي مجلة اكتوبر
فى٥ فبراير ١٩٧٨
سؤال : سيادة الرئيس : إن بعض دول الرفض تتحدث عن العودة الي جنيف ،ألا تري أن ذلك شيء غريب وكأن مبادرتك لم تحدث ، وكأن الدنيا لم تتغير بعدها فماالذي يتصوره هؤلاء ؟ وما الذي يتوقعونه ؟ وفي نفس الوقت يتكدس عندهم السلاحويعترضون علي السلاح الذي تطلبه ولم يأت بعد ، كأنه من المفروض أن نتعري من السلاحوألا نقف وألا نبحث عن أسلوب آخر اذا لم يتحقق السلام بالمفاوضات علي مرأي ومسمع منالعالم كله
الرئيس : يبدو غريبا ولكنني لا أتعجب لما أراه فالسوفييت والسوريونيطالبون بالعودة الي جنيف أو بالسير في الطريق الي جنيف ابتداء من مناقشات الكلماتوالاجراءات ... الخ ، أي ابتداء من الجلسات اللغوية والشعارات التي جربناها ولم نصلبها او عن طريقها الي أي شيء وكان من الممكن ان تظل كذلك عشرات السنين
ولكن حزبالبعث السوري لا يستطيع أن يواجه القضية العربية سافر الوجه ، وإنما لابد أن يقفوراء ساتر ، هذا الساتر هو الاتحاد السوفيتي ... هذا الساتر هو " ولي امره " "ولينعمته" ، إنها عقدة الشعور بأن الحزب صغير وهو لذلك في حاجة الي سند عالمي واحساسحزب البعث بأنه صغير وانه لا يمثل الا ٢% من الشعب السوري وهي حقيقة سمعتها منالرئيس الاسد شخصيا ، ولذلك فالحزب يلجأ الي العنف والي التصفية الجسدية وفي نفسالوقت لاحظ الاجانب قبل غيرهم أن ٧٥% من الجيش السوري ومن الشعب السوري مع مبادرةالسلام ، وكل ذلك قد نشرته الصحف العالمية مما اغضب فلاسفة حزب البعث وسفاحيه ايضافالذي يتردد في دمشق وفي موسكو ليس معناه أن المبادرة لم تحدث ولكن معناه ان هناكمن كان يتمني ألا تحدث وألا يكون لها هذا الدور العالمي وهم يخلطون بين امنياتهموبين الواقع ، ويفضلون امنياتهم واوهامهم علي هذا الواقع الذي لا يريحهم ولا يحبونله أن يستمر ولا أن تتسلط الاضواء كما كانت وسوف تبقي دائما علي مصر
وسورياوليبيا وغيرهما قد اعترضوا علي أن تتسلح مصر وأن يكون سلاحها من أي بلد خصوصا منامريكا ولا أظن ان لاحد الحق في الاعتراض ، لأنني لا اعترض علي أن تتسلح هذه الدولمن الاتحاد السوفيتي، ولا ازال أري أن التسليح العربي هو دعم لجبهتنا ولقوتنا ،لولا أن هذه القوة قد تمزقت وتفرقت وبدلا من أن يكون سلاح العرب ضد اعداء العربفانه قد اصبح ضد العرب انفسهم وأسوأ من ذلك أن هذه الدول العربية قد تحولت اليمخازن للذخيرة وتحولت قواتها الي حراس للذخيرة التي تنقلها الطائرات السوفيتية اليحروب صغيرة اخري تمزق العرب وتمزق القارة الافريقية ايضا ومثل هذه الاوهام اوهاماخري عند القذافي الذي يمني نفسه بانهيار اقتصادي في مصر يجيء من بعده انهيار سياسياجتماعي الي آخر ما توهمه وما يضعونه في راسه الصغير ليسرقوا ما في جيبه الكبير ،ولذلك اتصلت ليبيا بالدول العربية تحتج علي مساندة مصر ودعمها حتي تصبح قادرة عليشراء السلاح ؟ والذي يبعث علي الضحك حقا هو موقف سوريا من ليبيا .. إنني أعلم وغيريأيضا أن القذافي قد أهان سوريا والأسد ، كما لم يفعل احد وتدخلت واعترضت وهي وقائعمشهورة وفظيعة ولكن يبدو أن للذهب بريقا يخطف الشتائم ويزيل الاهانات كأنها بقعباهته علي ثوب ابيض وبمنتهي السهولة وقد اعترف السوريون بأن كل ما يريدونه منالقذافي هو الفلوس لأنه في حاجة الي دور، وهم علي استعداد أن يعطوه هذا الدور فيكونالممول لهم أو الغطاء الذهبي لهم بشرط أن يدفع ولايهم كثيرا ما الذي يقوله لهم قبلأو أثناء أو بعد الدفع ولذلك وصفت السخرية المصرية مؤتمر الرفض بأنه مؤتمر " القبض " وهي قفشه تعتبر نموذجا للنكته المصرية او صورة لأسلوب المصريين عندما يفلسفونالاشياء التي لا تعجبهم ولكنها صادقة
سؤال : سيادة الرئيس : عندما تتحدث عن سوريا فإنك تفرق دائما بينالشعب السوري وهذه التفرقة لها دلالة عندك ، هي أن هناك هوة سحيقة بين رأي الحزبوبين إحساس الشعب وتميل الي أن تجد الأعذار للشعب ولا تجدها للحزب و تختار سوريادائما نموذجا لذلك فهل سوريا تفردت بهذه " الهوة " في العالم العربي فأصبحت هذهالهوة مصيدة لسوء الفهم بين الدول العربية امام القرارات المصيرية او القرارات التيغيرت وجه العالم العربي - كحرب أكتوبر ومبادرتك للسلام ؟
الرئيس : تماما ولكنيأريد أن أعود الي هذه التفرقة لادفعها من سوريا الي الجزائر ولكن لاسباب مختلفةفأنا اري أن الجماهير علي حق واحساسها نابع من فطرتها ولم تكذب قط ، ومن تجربتيالطويلة الشاملة لم تخذلني الجماهير بحسها الصادق والزعماء اطباء يضعون أصابعهم علينبض الجماهير ثم يترجمون ذلك لاتولد في مواطن الداء وطبيعة الشفاء فهذه غريزةسياسية ايضاً لا تولد في يوم وليلة ولاهي مكتسبه وانما هي صفة او موهبة او منحة منعند الله
ولذلك فأنا اقف مع الجماهير وقد حدث في مصر بعد نكسه ١٩٦٧ ما مزققلوبنا وصفوفنا ايضا واستشري اليأس بين الناس واحست جماهير الامة العربية أن العالمقد انتهي وان العالم العربي ليس الا جثمانا مسجي من الخليج الي المحيط ، وأنصرخاتنا أصداء بلا اصوات ، وأن آمالنا ظلال بلا ضياء ، فقد انتهي كل شيء عندنا فينفس الوقت الذي ابتدأ كل شيء عند اسرائيل فقد عاودتهم أحلامهم الخرافية كلها،اسرائيل الكبري من النيل الي الفرات أو أبعد من ذلك الي الشمال والجنوب أو اسرائيلالتي ولدت لتنتصر والعرب الذين عاشوا لينهزموا او كل اسرائيلي بطل او اسرائيل هيالدولة التي تحارب وتنتصر خارج حدودها او الجندي الاسرائيلي هو " الكيف " الممتازوالجندي العربي هو "الكم " المتخلف وتهاوت علي آذاننا كل إذاعات العالم وترامت تحتعيوننا كل الصحف والكتب والاقلام تحفر لنا الارض وتعمقها لعلنا نلقي بأنفسنا فيهاثم تجيء رياح اليأس وتهيل علينا التراب وأخيرا تمتد أيدٍ رحيمة وتضع لافته مكتوبعليها جاءوا وذهبوا الي غير رجعة وأنا اعذر الشعوب فهي بحسها الصادق قد اهينتواهدرت وداستها أقدام الأعداء وأقلام ابنائها ايضا
ولكن لا أجد عذرا للقادة والقيادات السياسية والفكرية لأن أولواجباتها أن تبدد الظلام واليأس وتحارب الموت وأن تأخذ بيد الشعوب وأن تداري جراحهاوتجفف دموعها وان تقف وأن تموت واقفة وعند هذا اليأس في مصر وفي العالم العربي كانمن واجبي أن اضم الصفوف في مصر وأن اضم القلوب خارج مصر وأن أجمع الأصدقاء اليالاشقاء وأن نواجه الدنيا كلها في اصرار وشجاعة ، فنحن أمة عريقة وعظيمة ، واذاخسرنا معركة فليس معني ذلك خسارة الحرب ولا يعني ذلك أنه وداع الي غير لقاء معالحياة والأمل حتي النصر
وكانت مهمة شاقة ولكن انتصارات اكتوبر كانت برداوسلاما علينا وعلي أجيال من بعدنا ولولا انتصارات اكتوبر ما كانت مبادرة السلام ،واذا كانت انتصارات اكتوبر قد أوجدت القلوب علي مصر فإن مبادرة السلام قد أوغرتها
ليست الشعوب ولكن قلوب بعض الحكام ولشد ما أوجعني الرئيس بومدين عندما ذهب إليهرئيس الأركان المصري يخبره بأن مصر قد استعدت للحرب وكان ذلك في سبتمبر ١٩٧٣ أي قبلالمعركة بأسابيع، ثم سأله رئيس الأركان عن دور الجزائر في هذه الحرب القادمة هنافقط أعود الي أنني اجد للشعوب العذر ولكن لا أجد شيئا من ذلك للقيادة العسكرية اوالسياسية التي تعرف معني الإعداد للحرب ، ومعني أن الحرب علم صعب وشديد التعقيد وقدسمع رئيس الأركان المصري من الرئيس الجزائري ما أفزعه فقد قال له اذا ما قررت مصردخول الحرب فأرجو إخطاري قبل ثلاثة شهور من التاريخ الذي تحدد للقتال أي أن المطلوبأن نطلعه علي يوم القتال بالضبط ثم تعد علي أصابعنا تسعين يوميا وعندما تسأله مادورك وما الذي تستطيع ان تقدمه في المعركة ؟
بينما الملك الحسن الثاني عندما سأله رئيس الاركان عن دوره قال : إنالمغرب جاهز ومستعد ان يقدم كل ما تطلبه مصر ويتمني لمصر النصر وللعرب ايضا وكنت قداتخذت قرار الحرب قبل ذلك بأسابيع وانتهي إعداد كل شيء وتدريب قواتنا في مواقع اقربالي ما تكون الي نفس المواقع وفي نفس الظروف وحتي عندما تصور ذلك طلب شيئا غيرمعقول وهو أن نخطره قبل ثلاثة شهور من ذلك ان الجماهير معذورة اذا دفعها خوفهاويأسها الي ان ترفض تصديق الإعداد للحرب ولكن سياسيا مقاتلا مثل بومدين لاعذر له ،وقد فعل الرئيس بومدين ما سبق أن فعله القذافي ، فقد طلبت من القذافي الطائرات التيملأ الدنيا بأنه اشتراها من أجل مصر، فأرسل بعد ان دوخني ٢٥ طائرة نصفها للطيرانوهي قصة رويتها كثيرا ومعروفه ومؤكدة
وبومدين كرجل مقاتل يعرف معني الحرب ،ومعني التدريبات الشاقة علي الواجبات ولكن الذي قاله لرئيس الاركان المصري إن لميكن جهلا بالحرب الحديثة التي تختلف عن حرب العصابات فإنه استمرار في التشكيك فيالانهزامية التي كانت سائدة في ذلك الوقت والذين يقرأون تاريخ الحرب العالميةالثانية يعرفون أن الامريكان عندما قرروا الاشتراك في غزو نورمانديا قد ارسلواقواتهم الي بريطانيا للتدريب علي ذلك قبل الغزو سنة وأكثر ولم تقل امريكا لبريطانيااخطرونا قبل الغزو بثلاثة شهور؟
ومن بديهيات الاستعداد للحروب أن يتدربالمقاتلون علي أداء واجباتهم تدريبا كاملا حتي اذا نشبت الحرب احسوا أن الحرب نفسهااستمرار عنيف للتدريب تماما كما يحدث في المسارح المحترمة ، لابد للفرقة المسرحيةأن تقوم ببروفة عامة يرتدي فيها الممثلون ملابسهم وتمتليء الصالة بالمتفرجينويسمونها البروفة بالملابس الكاملة والتدريبات علي القتال هي بروفه بالملابسالكاملة علي نفس مسرح العمليات مع فارق واحد أنه لا يوجد جمهور وإنما توجد فرقةمسرحية اخري تحاول التدخل بالنار لوقف ماتقوم به الفرقة المسرحية المعادية حتيالشهادة والنصر والمجد وانتهت مناقشة رئيس الاركان المصري وهو حي يرزق حتي الآنبعبارة قالها بومدين لا تقل ايلاما إن عدم دخول المعركة مصيبة ودخولها مصيبتان
سؤال : سيادة الرئيس : ولكن مواقف الرئيس الجزائري قد تغيرت بعد ذلك، وهذا معناه أنه ظل لا يصدق ماتقول وما نردده نحن وراءك ، وكنا غير مصدقين ثم فجأةتحول الي جانبنا وبأكثر مما كنا نتوقع فكيف حدث التغير في تقديره للموقف وفي سلوكهالعام ومن ورائه الشعب الجزائري أيضا ؟
الرئيس : للتاريخ أقول إن الرئيس بومدينكان يتصل بنا يوميا اثناء المعركة ليطمئن علي سيرها وكذلك كان يفعل الملك حسينوالاشقاء العرب حتي رأي بومدين القائد الاسرائيلي عساف ياجوري علي التليفزيونالمصري يستسلم حتي رأي الأسري الاسرائيليين ايضا وتاكد ان الحرب جادة وان قواتنا قدحققت انتصارات لم يكن يتوقعها احد والباقي معروف لنا وللعالم كله
وبعد وقفإطلاق النار زارنا بومدين وقال شخصيا انه ذهب الي الاتحاد السوفيتي في اليوم السادسللمعركة وقال لي إن مجلس قيادة الثورة الجزائري ظل منعقدا منذ اليوم الاول للمعركةوظلوا ساهرين قلقين علي مصيرنا في نفس الوقت الذي يردد فيه العالم ما قاله قادةاسرائيل من أنهم سوف يحطمون عظامنا فلا تقوم لنا قائمة بعد ذلك ولكن مضي اليومالأول وجاء الثاني حتي السادس وكانت وكالات الأنباء تنقل اخبار المعركة عن اذاعةاسرائيل وبعد ذلك اكتشفوا أن اسرائيل تكذب علي العالم فاتجهت وكالات الانباءوالاذاعات العالمية تنقل عن مصر وقد التزمنا الدقة والموضوعية وكسبنا مجالا كنا قدفقدناه وهو احترام العالم لإذاعاتنا
وقال لي بومدين إننا قلنا لأنفسنا مادامتالحرب قد استمرت كل هذه الايام السته فاننا نعتبر مصر قد انتصرت علي الرغم أن سورياتراجعت الي ما وراء الابتداء ولذلك سافرت سرا الي الاتحاد السوفيتي دون أن يدري احدبذلك واجتمعت مع القادة السوفييت
وقال بومدين لي شخصيا ولما اجتمعت بالقادة السوفيت بريجنيفوبودجورني وكوسيجين قلت لهم أنتم الآن ترون تطورات القتال ولابد أن تقفوا مع مصروسوريا فقالوا نحن واقفون مع سوريا وبدأ بريجنيف يهاجمك بمنتهي العنف حتي شعرتبالحرج والضيق والقرف
وقال إن السادات سوف يضيع الدنيا كلها وفي مقدمتها مصروكل الأنظمة التقدمية في المنطقة ولقد طلبت منا سوريا ثلاث مرات أن توقف القتال لكنالسادات اصر علي الرفض ، وهذا الرجل السادات مجنون وصفات اخري لا أول لها ولا آخر ... ولكي اوقف هذه المناقشة الحادة - هذا كلام بومدين أيضا - وجهت النقاش وجهة أوضحفقلت له : انا زبون وجئت اليك اشتري سلاحا ما رايك ؟
قال : موافق
قلت : هذهمائتا مليون دولار نصفها لمصر والنصف الثاني لسوريا ومطلوب أن تبعث بها سلاحاللدولتين
ثم قال لي بومدين وعدت الي الجزائر دون أن يشعر الشعب الجزائري أننيسافرت الي موسكو ، وفي الجزائر وجدت مجلس الثورة لايزال منعقدا واطلعتهم علي ما جريهناك ثم قلت لهم جميعا أريد أن اصارحكم بشيء عجيب اذا كانت اسرائيل وامريكا تريدالقضاء علي السادات مرة ، فإن روسيا تريد القضاء عليه ألف مرة ولن انسي لبومدين هذاالموقف الكريم والعربي الأصيل وموقف آخر لبومدين هو انه ارسل ١٥٠ دبابة بعد وقفاطلاق النار فجاءت هذه الدبابات عندما حدثت الثغرة وكان مجيئها برا عبر ليبيا اليمصر في وقت مناسب تماما وجاءت من يوغوسلافيا ١٤٠ دبابة بعث بها الرئيس العظيم تيتو ... هذه الدبابات جاءت ومعها وقودها ايضا ثم سحبنا مائه دبابة كان قد بعث بهاالقذافي الي مرسي مطروح وكان القذافي كما عرفنا فيما بعد حريصا علي أن تظل هذهالدبابات في موقعها كخطوة لأحلام الغزو والسيطرة علي مصر ؟ وبذلك حشدنا حول الثغرةأكثر من ٨٠٠ دبابة لم انس هذا لبومدين ، ولذلك عندما زارني في الاسكندرية في العامالماضي وكان قد توقف في طرابلس اثناء الضربة التأديبية التي قامت بها قواتنا ضدالعبث الليبي لم أكد ازاء ذلك حتي قلت له
إن زيارتك هذه جعلتني أوقف العملياتالعسكرية ضد ليبيا ولو كنت تأخرت يومين آخرين لكان لنا موقف أعنف ، وبالفعل أصدرتتعليماتي الي وزير الحربية بوقف العمليات وسحب القوات التي دخلت جغبوب .. فلم يكنفي نيتنا أن نحتل أرضا وإنما فقط أن نؤدب القذافي وقد تم ذلك
سؤال : سيادة الرئيس ثم تغير بومدين بعد ذلك وتطرف في اتجاهه ضد مصرحتي دفعه ذلك الي ان يذهب الي طرابلس وان يقبل القذافي رئيسا له ، وأن يذهب اليالبلاد العربية يبحث عن مساندة لموقفه ... فما الذي طرأ عليه شخصيا او قوميا ؟ أوما الذي اسخطه هو الآخر علي مصر؟
الرئيس : ان الصورة قد اتضحت لي بعد ذلك أكثروانا بطبيعتي ميال الي التفاؤل ولذلك فأنا حسن الظن بالناس وأفضل أن أحسن الظن أولاوأسيء الظن بعد ذلك فأنا حسن الظن حتي يثبت العكس ، وهذا يريحني شخصيا ويريح الذينيعملون معي ، فبدلا من أن أكون مشدودا وكذلك الذين معي فأنا أفضل أن افكر وأن أعملبهدوء وهم أيضا لأن الذي يكون مشدودا يكون استعداده للوقوع في الخطأ أكبر فاذا كانهذا سلوك رئيس الدولة كانت اخطاؤه أفدح ولذلك فقد استرحت نفسيا وعمليا الي هذاالأسلوب في النظر الي الاشخاص والي معالجة الامور الخاصة والعامة
وربما كانهناك شيء في طبيعة بومدين - لا اعرف - ولكن اذا عدت الي موقفه من بن بيلا وهو زعيمالثورة الجزائرية حقا واول ما طلع العالم منها نجد أن بومدين قد سجنه ولايزال منذ ١٣ عاما مع أن بن بيلا هذا كان في استطاعته أن يدخل بالجيش الجزائري من المغرب اليالجزائر وحده ولكنه آثر أن يدخل ومعه بومدين قائد القوات الجزائرية واثناء الاعدادلمؤتمر القمة الافريقي الآسيوي العاشر في الجزائر اسقطه بومدين واعتقله
هل الذيفعله لبن بيلا هو الذي دفعه بعد ذلك الي موقفه من المغرب الذي ساند الثورةالجزائرية فقد ساهم الملك محمد الخامس كثيرا واحتضنهم وأعطاهم أرضه يحاربون منهاويدخلون منها زاحفين علي بلادهم ضد القوات الفرنسية وضد القوات الفرنسية التي تمردتعلي ديجول وضد الحكومة الجزائرية المؤقته برياسة بن خده ، كل ذلك وأكثر فعله الملكالمغربي والشعب المغربي ايضا
وسلوك بومدين من المغرب ومن ملكها ، لا يختلف عنموقفه من بن بيلا وهو أن بومدين لا يحب أن يمتن لأحد، اي انه يضيق بأن يكون لأحدفضل عليه وقد انتقل حقد بومدين علي الملك محمد الخامس الي الملك الحسن الثاني
وبومدين عنده مخاوف لأن عنده دعوي زعامة للمغرب العربي فهو يقول إن هناك محاولةلتطويق الثورة الجزائرية ، هذا التطويق يبدأ بمصر وينتهي بالمغرب ، أي موقف مصرالمؤيد للمغرب وموقف المغرب المساند لمصر يعتبره حصارا واحتواء الثورة الجزائرية
فهو يخاف من ذلك لأنه يخاف علي زعامته للمغرب العربي أن يمسها أحد او يتهددهااحد من الشرق او من الغرب ويري أيضا أن الملك الحسن الثاني يتلقي تسليحه من أمريكاوعلي صلة وثيقة بها ايضا وفي هذه الصلة خطورة علي الثورة الجزائرية ولذلك فالصحراءالمغربية قضية افتعلها بومدين ، فهي قضية ليس لها أي اساس هذا باعتراف بومدين نفسه،لأنه في مؤتمر الرباط سنه ١٩٧٤ وفي جلسة مغلقة للملوك والرؤساء ومسجلة بصوته فيهذه الجلسة أعلن بومدين أنه ليس للجزائر أي مطلب في الصحراء المغربية وأن هذه قضيةتخص المغرب وموريتانيا
وكان ذلك قبل أن تعلن اسبانيا عن انسحابها من الصحراء المغربية فلمامات فرانكو وجاء الملك كارلوس وقام بتصحيح للسياسة الداخلية والخارجية لبلادهوانسحبت اسبانيا من الصحراء المغربية ثار بومدين وراح يطالب بنصيبه ويساند شراذمالمتمردين . مع ان بومدين أعلن امام الملك والرؤساء أن دوسيه قضية الصحراء مغلقوأنه لا شأن له بها من قريب او من بعيد ؟
سؤال : سيادة الرئيس : هذا يبين لماذا اختلف بومدين مع الملك الحسنوبالتالي معنا نحن ايضا وانه سوف يظل كذلك ولكن كيف اتفق بومدين مع القذافي علي مابينهما من خلافات كثيرة لدرجة انه جاء يتوسط بينه وبين مصر أو لدرجة ان يذهب اليطرابلس ويرضي به رئيسا له ؟
الرئيس : ان موقف بومدين من القذافي قريب من موقفهمن الملك الحسن مع الفارق الهائل بينهما وبين الملك الحسن فالملك الحسن سياسي بارعورجل ذكي وفصيح وعلي ثقافة عربية وعالمية هائلة ولكن بومدين له موقف آخر ، وقدسمعته منه شخصيا ادهشني رأيه، ولكنه الواقع ، لقد قال بومدين إنه لن يسمح بأن تكونحدود مصر متاخمه لحدود الجزائر أي لن يسمح بأن تكون هناك علاقة طيبة بين مصر وليبيابحيث تعتبر ليبيا بأي شكل امتدادا لمصر ؟
سمعت هذا من بومدين شخصيا ولذلك عندماجاءني في الاسكندرية امضينا ليلة كاملة نتحدث في شأن العالم العربي ولم يطلب منيبومدين سحب قواتي من ليبيا وان كنت اعرف أنه جاء لذلك واعرف ايضا أن رأيه فيالقذافي في غاية السوء ، ولكنه يفضل هذا الوضع السيء بيننا وبين ليبيا علي أي وضعآخر يجعل مصر وليبيا سمنا علي عسل ان هذا السمن علي العسل يجده بومدين سما زعافالذلك كان بومدين حريصا علي ان يظل الموقف بين مصر وليبيا سيئا املاً في أن يكوناسوأ بعد ذلك ، فيسعده هذا ايضاً ، ومن هنا كان قبوله لرئاسة القذافي في موتمرطرابلس تدعيما لهذه العلاقة السيئة وتشجيعا عليها ولما انعقد مرة اخري في الجزائروجاء القذافي متأخرا يوما لم يعترض بومدين علي ذلك أي لم يعترض علي هذه الاهانهالتي حرص القذافي علي ان يؤكد بها انهم من غيره هو لا شيء
وابتلع بومدين هذهالاهانه واذكر ان بومدين عندما علم بمؤتمر جربه مع تونس جن جنونه اذ كيف يحدث هذاالتقارب بين القذافي وبورقيبه من تحت انفه ودون ان يدري ولذلك طلب سفير الجزائر فيطرابلس وتحدث اليه في التليفون ولعن آباء السفير والقذافي معا.. ووصلت الشتيمه اليعبارات نابية جدا .. وقال لي بومدين إنه قصد ذلك لأن المكالمات التليفونية مسجلةوأنه اراد أن تصل الشتائم الي القذافي ووصلته ولكنه مع ذلك أخذ برأي القذافي في كلشيء مادام هذا الرأي معاديا لمصر وللمغرب والمضحك ان بومدين عندما جاءني نقل ليمخاوف القذافي من ان مصر تحاول أن تزحف علي ليبيا من تشاد وأذهلتني هذه الهلوسة كمااضحكت قادتنا العسكريين .. ثم رويت لبومدين حقيقة الموقف في تشاد وانكشف بعد ذلك أنالقذافي وبومدين قد تآمر معا علي تشاد والنيجر ايضا
سؤال : سيادة الرئيس : إن الرئيس الجزائري قد تغير موقفه واشتد حدهضد مصر الي درجة انه هو ايضا يعترض علي تسليح امريكا لمصر تماما كبقية الذين رفضواالمبادرة فهل عند بومدين تصور آخر للكيفية التي يمكن بها أن تتسلح مصر دفاعا عنأرضها أو أن بومدين يتخذ أي موقف ضد مصر او ضد مصر والمغرب معا ..؟
الرئيس : إنلهذا الموقف خلفيه تاريخية ترجع الي سنه ١٩٧٦ ، فقد حدثني بومدين وكنا فيالاسكندرية عن زيارة وزير الدفاع السوفيتي جريتشكو للجزائر وقال لي بومدين إنالوزير السوفيتي قد مكث في الجزائر أربعة أيام ، امضي منها ثلاثة أيام يناقش موقفيمن الاسلحة السوفيتية فقد كنا الغينا المعاهدة واصبح الحظر السوفيتي علي السلاحكاملا فأصدرت قراري بتنويع مصادر السلاح قال لي بومدين إن هذا القرار هو الذي اوجعالسوفيت وليس قرار طرد الخبراء السوفيت ولا دخول الحرب ولا إلغاء المعاهدة
ولكنقرار تنويع مصادر السلاح هو الذي أقلق القيادة السوفيتية لأن السلاح السوفيتي كانيجب أن يظل قيدا في ايدينا ، فهم يعطوننا السلاح بشروطهم فإذا لم نخضع لهذه الشروطمنعوه عنا ، فاذا منعوه وليس لنا مصدر غيرهم استسلمنا واعطيناهم كل ما يريدون ،ولذلك كان السلاح السوفيتي سلاحا لنا فإذا لم يأت اصبح سلاحا ضدنا وهذا هو المطلوبوادهشني ذلك فقد تصورت أن قرار طرد الخبراء افدح وافضح وتصورت ايضا أن الغاءالمعاهدة أعنف ولكن لم يخطر علي بالي أن تنويع السلاح المصري هو أخطر هذه القراراتوادهشني أكثر ان الرئيس بومدين قد اقتنع بوجهة النظر السوفيتية من انه ما كان ينبغيلي أن أذهب لغير الروس وقال لي بومدين ولكنكم انتصرتم بالسلاح السوفيتي وقلت له هذاصحيح ولكن السلاح السوفيتي متخلف عن الاسلحة السوفيتية في أيد أخري ، ثم أنه متخلفعشرين عاما عن الاسلحة الامريكية في أيدي الاسرائيليين ولذلك فقد عوضننا هذا النقصفي السلاح بالأداء العظيم والكفاءه الرائعة ثم إن شراءنا للأسلحة السوفيتية لا يكفيمبرراً لأن نعطيهم مرسي مطروح أو غيرها ولايزال هذا موقف بومدين الذي ذهب اليالبلاد يردد ماقاله القذافي تصور هذا من استنكاره لموقف الدول العربية التي تؤيدمصر وتبارك المبادرة وتعينها علي شراء السلاح من أي مكان وذهب بومدين يشكوني للقادهالعرب يقول لهم : إن السادات قد حرم علي دخول مصر ، الآن أنا ممنوع من دخول مصر
شيء غريب أن يحرص علي دخول بلد أهانه وعرض به وشمت فيه وشنع عليهوليت ذلك رأيه هو إنما هو صدي للقذافي ، شيء مؤسف أن يكون بومدين أقصر قامة منالقذافي او يكون صداه أو نسخه مشوهه له ومنذ شهور ذهب زعيم عربي الي موسكو واعجبماسمعت منه أن بريجنيف قد اثار معه موضوع تنويع مصر لمصادر السلاح
وأننا سوفنشتري اسلحة من أمريكا بالذات إن هذا القرار مازال يوجع القيادة السوفيتية واذنابهافي المنطقة ولكن هذا الزعيم السياسي قد نقل لي حوار بينه وبينهم سألهم وانتممارايكم في مبادرة السادات ؟
قالوا : خيانه
قال : ما رايكم في دولة فلسطينية؟
قالوا : يجب ان يكون للفلسطينيين دولة
قال : وما رأيكم في الانسحاب؟
قال : يجب أن يكون شاملا
قال : ولكن هذا كله هو ما أعلنه السادات فيالكنيست وفي القدس ولايزال يتمسك به حتي الان ثم كيف تتصورون أن يتصدي لمثل هذهالقضايا وأن يكون بلا سلاح منكم او من غيركم ؟ كل ذلك حدث قبل أن يتحدد عددالطائرات التي سوف تبيعها لنا امريكا او عدد المركبات التي سوف ترسلها الينا وقدسألني رئيس احدي الدول الاوروبية الصديقة عن تسليح امريكا لمصر فكان ردي ان أهممافي هذه الصفقة هو حرصي علي كسر احتكار اسرائيل للسلاح الامريكي
ولقد ذهبتامريكا خطوة أبعد من ذلك عندما وضعت كل صفقات السلاح في الشرق الاوسط علي المائدةإما ان تبيعها للجميع او لا تبيعها للجميع اسرائيل ومصر والسعودية
وكانت اسلحةامريكا وصداقتها احتكارا لاسرائيل ووقفا عليها ، منذ أيام بن جوريون سنه ١٩٥٣ ، وقدحاول بن جوريون إفساد صداقة أمريكا لمصر وذلك عندما ارسل الارهابيين الي القاهرةلنسف المنشآت الامريكية والصداقة الامريكية أيضا ولايزال مناحم بيجين يحرص علي هذهالسياسة ويحاول إفسادها إن أمكن أو نسفها اذا استطاع
وسوف تمضي قافلة السلام ،ومن حولها ومن ورائها اصوات قبيحه لعلها تفسد هذا الأمل الانساني العظيم ولكنهم لنيستطيعوا