["أم طلحة"]

" ...وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي... "

من أرفع الأخلاق وأسماها خلق التغافل

"تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل"

ولنا مع الآية السابقة 3 وقفات:

1- " السِّجْنِ "

من لطائف الكلام والردود الأنيقة التي تدل على كرم صاحبها وسمو نفسه قول سيدنا يوسف
- عليه السلام - فيما قصه القرآن الكريم مما جرى بينه وبين أخوته قوله تعالى :
" وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن" 100 يوسف
ولم يقل - عليه السلام -
"أخرجني من الجب "

* تكرماً لئلا يُخجل أخوته !
* و صفحاً عن ذكر ما تعلق بقول إخوته
* وتناسياً لما جرى منهم

وهنا قمة الأدب من سيدنا يوسف - عليه السلام - بعد أن قال لهم " لاتثريب عليكم" !

ولما عادوا إليه المرة الثانية صفح عنهم ولم يذكِّرهم بما فعلوا بل قال:
أخرجني من السجن .. بدلاً من الجب

ولو قالها لجدد لهم ما عملوا به

ولذا يقال:
ذكر الجفاء وقت الصفاء ..جفــاء !!

2- " وَ جَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ"
لم يقل "أنا الذي جئت بكم من البدو بعدما كنتم مشردين لا مال لكم ولا مؤنة"
بل نسب الفضل لله
وكذلك كي لا يجرح إخوته في هذا المقام

3- " نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي "
فلم يقل ‏"‏نزغ الشيطان إخوتي‏"‏
لكن نسب الخطأ أيضا لنفسه وهو لم يفعله
كأن الذنب صدر من الطرفين هو وهم
بل وقدّم نفسه في الخطأ !!

-------------------

** من المعاني أيضا المستفادة من الآية:

" وَقَدْ أَحْسَنَ بَي "

الانشغال بالله عن أذى الخلق!
ففي هذا المقام الذي رفع الله عز وجل إليه يوسف عليه السلام
لم ينشغل بذكرى أذى إخوته أو الشماتة فيهم بعد تغير الأحوال
حتى أنه نسب الفضل كله لله
لكن انشغل بنعمة الله عليه أن آتاه الملك وعلمه تأويل الأحاديث وجمع له أبويه وإخوته بعد فراق عشرات السنين

حتى أن بقية الآية والآية التي تليها كلها حمد وثناء على الله
"......إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 100 رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ101"