محمد صلى الله عليه وسلم ،
سيد الخلق ، وأفضل الرسل ، وخاتم الأنبياء ، الذي أحاطته الرعاية الربانية ،
والعناية الإلهية منذ الصغر ، بحيث تميّزت طفولته عن بقيّة الناس ،
وكان ذلك من تهيئة الله له للنبوّة .
ففي صبيحة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول
من عام الفيل وُلد أكرم الخلق - صلى الله عليه وسلم – في مكة المكرمة ،
وفي أشرف بيت من بيوتها ونسبه – صلى الله عليه وسلم – من أطهر الأنساب ،
حيث لم يختلط بشيءٍ من سفاح الجاهليّة
وقد نشأ - صلى الله عليه وسلم – يتيماً ،
حيث توفّي والده عند أخواله في المدينة قبل مولده ،
فتولى أمره جدّه عبد المطلب ، الذي اعتنى به أفضل عناية ، وشمله بعطفه واهتمامه ،
واختار له أكفأ المرضعات ، فبعد أن أرضعته
ثويبة مولاة أبي لهب ، دفع به إلى حليمة السعدية ،
فقضى النبي – صلى الله عليه وسلم – الأيّام الأولى
من حياته في بادية بني سعد ،
ليلقى من مرضعته حليمة كل عناية ، مع حرصها على بقائه عندها حتى بعد إكمال السنتين ،
لما رأت من البركة التي حلّت عليها بوجوده – صلى الله عليه وسلم - ،
حيث امتلأ صدرها
بالحليب بعد جفافه ، حتى هدأ صغارها وكفّوا عن البكاء جوعاً ، وكانت ماشيتها في السابق
لا تكاد تجد ما يكفيها من الطعام ، فإذا بالحال ينقلب عند مقدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
حتى زاد وزنها وامتلأت ضروعها باللبن ، ومن أجل ذلك تحايلت حليمة لإقناع والدة النبي –
صلى الله عليه وسلم – بضرورة رجوعه إلى البادية بحجّة الخوف عليه من وباء مكّة .
وهكذا أمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
سنواته الأولى في صحراء بني سعد ،
فنشأ قوي البنية ، سليم الجسم ، فصيح اللسان ، معتمداً على نفسه ،
حتى كانت السنة الرابعة من مولده ، حين كان - صلى الله عليه وسلم – يلعب
مع الغلمان وقت الرعي ، فجاءه جبريل عليه السلام مع ملك آخر ، ، فأمسكا به وشقّا صدره
، ثم استخرجا قلبه ، وأخرجا منه قطعة سوداء فقال جبريل : " هذا حظ الشيطان منك " ،
ثم غسلا قلبه وبطنه في وعاء من ذهب بماء زمزم ، ثم أعاده إلى مكانه ، والغلمان
يشاهدون ذلك كلّه ، فانطلقوا مسرعين إلى مرضعته وهم يقولون :
" إن محمداً قد قُتل، وأقبل النبي – صلى الله عليه وسلم –
وهو يرتعد من الخوف ،
فخشيت حليمة أن يكون قد أصابه مكروهٌ ، فأرجعته إلى أمّه ، وقالت لها :
" أدّيت أمانتي وذمّتي " ، ثم أخبرتها بالقصّة ،
فلم تجزع والدته لذلك ، وقالت لها :
" إني رأيت خرج مني نورٌ أضاءت منه قصور الشام وبهذه الحادثة الكريمة ،
نال -صلى الله عليه وسلم- شرف التطهير من حظ الشيطان ووساوسه،
ومن مزالق الشرك وضلالات الجاهليّة ، مع ما فيها من دلالةٍ على الإعداد الإلهيّ للنبوّة والوحي منذ الصغر .