1- غاية المؤمن:
يقول الإمام البنا في رسالة إلى أي شيءٍ ندعو الناس: "إن القرآن الكريم حدَّد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها، فبيَّن أن قومًا أهمَّهم من الحياة الأكلُ والمتعةُ، فقال- تبارك وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ (محمد: من الآية 12)، وقومًا آخرين مهمتهم الزينةُ والعَرَضُ الزائلُ، فقال تبارك وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (آل عمران: من الآية 14)، وقومًا شأنهم في الحياة إيقادُ الفتن وإحياءُ الشرور والمفاسد ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾ (سورة البقرة).
تلك هي مقاصد الناس في الحياة؛ نزَّه الله المؤمنين عنها، وبرَّأهم منها، وكلَّفهم مهمة أرقى، وألقى على عاتقهم واجبًا أسمى، ذلك الواجب هو هداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام، فذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾ (سورة الحج)".
ويلخِّص الإمام البنا هذه الغاية في موضعٍ آخر من الرسالة فيقول: "إن مهمتنا هي سيادةُ الدنيا، وإرشادُ الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس".
وعلى ذلك تكون غاية المؤمن هي: إرضاء الله- عز وجل- بالتمكين لدينه في الأرض، وهداية البشرية إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام.
2- غاية الإخوان:
ولقد حدَّد الإمام البنا غاية الإخوان والتي بها يمكن تحقيق غاية كل مؤمنٍ، كما ذكر ذلك في رسالة المؤتمر الخامس بقوله: "إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الكاملة في كل مظاهرها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: من الآية 138)".
وعندما تتأمل هذه العبارة تدرك أن التمكين لدين الله في الأرض- وهي الغاية الأسمى- تحتاج إلى رجالٍ يؤمنون بتعاليم الإسلام الصحيح، ويعملون على تحقِّقه واقعًا وعملاً في حياة الناس؛ ولذلك يقول الإمام البنا: "لهذا وقفتُ نفسي منذ نشأتُ على غايةٍ واحدةٍ، هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقةً وعملاً؛ ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين إسلاميةً بحتةً في غايتها وفي وسائلها، لا تتصل بغير الإسلام في شيء".
ثم يتناول الإمام البنا في رسالة المؤتمر السادس الحديث عن الغاية ويحددها بأنها غايةٌ قريبةٌ وغايةٌ بعيدةٌ فيقول: "يعمل الإخوان المسلمون لغايتين: غاية قريبة يبدو هدفها، وتظهر ثمرتها لأول يومٍ ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام، وغاية بعيدة لا بد فيها من ترقِّب الغرض وانتظار الزمن حسب الإعداد وسبق التكوين..
فأما الغاية الأولى فهي المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونُه ونوعُه والخدمةُ الاجتماعيةُ كلما سمحت بها الظروف.. أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم؛ فهو إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ تتعاون عليه الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل، ويريدون بعث الأمة الإسلامية النموذجية التي تدين بالإسلام الحق، فيكون لها هاديًا وإمامًا، وتُعرَف في الناس بأنها دولة القرآن التي تصطبغ به، والتي تذود عنه، والتي تدعو إليه والتي تجاهد في سبيله وتضحِّي في هذا السبيل بالنفوس والأموال".
|