معنى ورُود النّار
ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بورود النار المذكور في قوله تعالى : (
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ) [مريم : 71] هو دخول النار ، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه
(1) ، وكان يستدل على ذلك بقول الله تعالى في فرعون : (
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ) [هود : 98] ، وبقوله : (
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ) [مريم : 86] ، وقوله : (
لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ) [الأنبياء : 99] ، وروى مسلم الأعور عن مجاهد : (
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) [مريم :71] قال : داخلها
(2) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالورود هنا المرور على الصراط ، يقول شارح الطحاوية : " واختلف المفسرون في المراد بالورود في قوله تعالى : (
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) [مريم : 71] ما هو ؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط قال تعالى : (
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) [مريم : 72] .
وفي (( الصحيح )) أنه صلى الله عليه وسلم قال : "
والذي نفسي بيده ، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة " ، قالت حفصة : فقلت : يا رسول الله ، أليس الله يقول : (
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) [مريم : 71] . فقال : "
ألم تسمعيه قال : (
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) [مريم : 72] . وأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها ، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله ، بل تستلزم انعقاد سببه ، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ، ولم يتمكنوا منه يقال : نجاه الله منهم .
ولهذا قال تعالى : (
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا ) [ هود : 58 ] ، (
فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا ) [ هود : 66 ] . (
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا ) [ هود : 94 ] ، ولم يكن العذاب أصابهم ، ولكن أصاب غيرهم ، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة ، لأصابهم ما أصاب أولئك ، وكذلك حال الوارد على النار ، يمرون فوقها على الصراط ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً ، فقد بين صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور أن الورود هو الورود على الصراط "
(3) .
والحق أن الورود على النار ورودان : ورود الكفار أهل النار ، فهذا ورود دخول لا شك في ذلك كما قال تعالى في شأن فرعون
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) [ هود : 98 ] ، أي بئس المدخل المدخول .
والورود الثاني : ورود الموحدين ، أي مرورهم على الصراط على النحو المذكور في الأحاديث .
--------------------------------
(1) التخويف من النار : ص 20 .
(2) التخويف من النار : ص 200 .
(3) شرح العقيدة الطحاوية:ص 471 .