الذين يمرُّون على الصّراط هم المؤمنون دون المشركين
دلت الأحاديث التي سقناها على أن الأمم الكافرة تتبع ما كانت تعبد من آلهة باطلة، فتسير تلك الآلهة بالعابدين ، حتى تهوي بهم في النار ، ثم يبقى بعد ذلك المؤمنون وفيهم المنافقون ، وعصاة المؤمنين ، وهؤلاء هم الذين ينصب لهم الصراط .
ولم أر في كتب أهل العلم من تنبه إلى ما قررناه من أن الصراط إنما يكون للمؤمنين دون غيرهم من الكفرة المشركين والملحدين غير ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى ، فإنه قال : في كتابه التخويف من النار :
" واعلم أن الناس منقسمون إلى مؤمن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ، ومشرك يعبد مع الله غيره ، فأما المشركون ، فإنهم لا يمرون على الصراط ، وإنما يقعون في النار قبل وضع الصراط " (1) .
وقد ساق بعض الأحاديث التي سقناها ، ومنها حديث أبي سعيد الخدري الذي في الصحيحين ، ثم قال : " فهذا الحديث صريح في أن كل من أظهر عبادة شيء سوى الله كالمسيح والعزير من أهل الكتاب ، فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع في النار قبل نصب الصراط ، إلا أن عباد الأصنام والشمس والقمر وغير ذلك من المشركين تتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدنيا ، فترد النار مع معبودها أولاً ، وقد دل القرآن على هذا المعنى في قوله تعالى في شأن فرعون : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) [هود : 98] ... وأما من عبد المسيح والعزير من أهل الكتاب ، فإنهم يتخلفون مع أهـل الملل المنتسبين إلى الأنبياء ، ثم يردون النار بعد ذلك .
وقد ورد في حديث آخر أن من كان يعبد المسيح يمثل له شيطان المسيح فيتبعونه ، وكذلك من كان يعبد العزير ، وفي حديث الصور أنه يمثل لهم ملك على صورة المسيح ، وملك على صورة العزير ، ولا يبقى بعد ذلك إلا من كان يعبد الله وحده في الظاهر سواء كان صادقاً أو منافقاً من هذه الأمة وغيرها ، ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم عن السجود ، وكذلك يمتازون عنهم بالنور الذي يقسم للمؤمنين " (2) .
وهذا نظر سديد من قائله رحمه الله .
--------------------------------
(1) التخويف من النار : ص 187 .
(2) التخويف من النار : ص 188 .