عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-08-2009, 10:16 AM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 34
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 18
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الثالثةعشر

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ



سافرت عائلة عمتي الأسبوع الماضي إلى مقر إقامتهم في أمريكا... ظلت صورة سارة المبتسمة و المنطلقة و هي تلوح لي مبتعدة نحو قاعة الركاب عالقة في ذاكرتي. صورة مختلفة عن سارة التي رأيتها منذ بضعة أسابيع حين زارتنا للمرة الأولى... لكن صورة طارق بخطاه المتثاقلة و نظرته الخابية كانت تؤرقني و تشغل بالي لأيام عدة...

رغم الصدمة، بدت راوية متماسكة و هي تتلقى خبر سفر طارق المفاجئ و عدوله عن مسألة الخطبة و الارتباط برمّتها، دون سابق إنذار... ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة، ما لبثت أن اتسعت تاركة إياي في دهشة و حيرة!
لم تكن تلك نهاية مفاجآت الأسبوع المنصرم، فقد أسرّت عمتي هيام إلى أمي، في زيارتها الأخيرة منذ يومين فقط، بأن رجلا ثريا تقدم لحنان... و حنان تميل إلى الموافقة! فجأة لم يعد موضوع الميراث يشغل بال عمتي، و لا بال حنان... و أخلت سبيل طارق بعد أن وجدت في العريس الجديد ضالتها! أيمن يستعد للسفر و الالتحاق بعمي محمود الذي وعده بوظيفة مرموقة تناسب طموحاته... لذلك فإن عمتي هيام تتعجل إتمام مراسم الخطبة قبل مغادرته. و هي جاءت تطلب من أبي الحضور هذا المساء للقاء العريس مع زوجها و ابنها، فهي رغم كل شيء، و رغم الخلافات المتكررة، لاتزال تحرص على استشارة أبي في كل ما يخصها و أبناءها، و تعتبره أقرب إخوتها إليها...

كنت أتمشى رفقة راوية في ساحة الكلية، ساعة الاستراحة المسائية، حين رن هاتف راوية فجأة. سارعت لتخرجه من محفظتها، ثم التمعت في عينيها نظرة مشرقة تنطق بالسرور و هي ترد على المتصل في لهفة. لم تدم المكالمة سوى بضع ثوان، لكن كان لها مفعول السحر على راوية التي التفتت إلي في فرح حقيقي و هي تمسك بذراعي بقوة :
ـ إنها راقية... ستأتي لزيارتنا رفقة زوجها مساء اليوم... و ستقضي عندنا بضعة أيام!

راقية هي شقيقة راوية الكبرى التي تزوجت منذ بضعة شهور و سافرت رفقة زوجها الذي يعمل في مدينة تبعد مئات الكليومترات عن مدينتنا... لا شك أن مجيئها سيخفف عن راوية الكثير من إحساسها بالوحدة في بيتها!

ـ سأذهب لاشتراء بعض الحلويات من المركز التجاري وسط المدينة... هل تأتين؟

كنت سعيدة من أجل راوية التي أصابها الفتور و البرود الشديد في الفترة الماضية، فلم يسعني إلا أن أرحب بالفكرة و أرافقها...
كنا نتجول في المركز التجاري، نتوقف من حين إلى آخر أمام أحد المحلات، نتأمل المعروضات على الواجهات، نتبادل بعض التعليقات ثم نواصل طريقنا في مرح افتقدته كثيرا في راوية... و أخيرا وصلنا إلى محل كبير في الطابق الثاني من المركز، و هو محل معروف يصنع أفخر الحلويات الخاصة بالمناسبات المميزة. نظرت إلى راوية في شك و نظراتي تقول : هل أنت متأكدة من أنك تقصدين هذا المحل بعينه؟!
لكنها سحبتني من ذراعي مبتسمة و هي تهتف :
ـ سأشتري لعزيزتي راقية أجمل كعكة فأنا أعلم كم تحب الكعك المحلى... و هذا المحل يصنع أفضل الأنواع في المدينة على الإطلاق!

تبعتها في تسليم و أنا أتأمل مختلف الأصناف التي رصفت على الجانبين بشكل يجلب الأنظار و يوقظ عصافير البطن... ثم رحت أتساءل عن ثمن الكعكة التي ستشتريها راوية و قد هالني ارتفاع الأسعار المعلقة هنا و هناك!

فجأة انتبهت على صوت ضحكة أعرفها حق المعرفة... ضحكة مميزة، و صاخبة و مستهترة... التفتت في فزع إلى مصدرها، فوجدت أن ظني كان في محله!

كانت حنان ابنة عمتي هيام تقف على بعد خطوات مني و هي تتأبط ذراع رجل، بدا لي أقرب إلى الكهولة منه إلى الشباب، و تمسك في يدها الثانية طبقا صغيرا يحوي قطعة من الحلويات الشهية. لبثت أتأملها في دهشة، حتى التفتت إلي بدورها و كأنها أحست بنظراتي... تلاشت ضحكتها لبضع ثوان، لكنها ما لبثت أن استأذنت من مرافقها و اقتربت مني في خطوات رشيقة و ابتسامة صغيرة تعلو شفتيها :
ـ أهلا بك يا مرام... ما الذي تفعلينه هنا؟

رفعت حاجبي في استغراب، فقد كنت أهم بأن أطرح عليها نفس السؤال، لكنني ابتسمت و أشرت إلى راوية التي دخلت في حوار مع أحد الباعة و قلت :
ـ جئت رفقة صديقتي راوية لشراء كعكة...

ثم أشرت إلى مرافقها الذي كان منشغلا بتذوق بعض الحلويات و استطردت :
ـ يبدو أنك لست بمفردك أيضا!

اتسعت ابتسامتها و هي تقول في دلال :
ـ تعلمين أن نبيل تقدم لخطبتي منذ فترة وجيزة... و قد كنا بصدد اختيار كعكة مناسبة للخطوبة...

تزايدت دهشتي و أن أحدق في الرجل الذي التفت إلينا ليستعجل حنان، و همست في نفسي في قلق : ظننته والد إحدى صديقاتها! إنه يبدو كهلا...

رمقتني بطرف عينها و هي تهمس :
ـ إنه ناضج حقا... لكنه في مقتبل الشباب... و يكفيه فخرا أنه كوّن مستقبله بنفسه في فترة وجيزة و حقق نجاحا في أعماله... كما أنه من النوع المناسب لي، فأنا لا أحبذ الشباب الطائش الذي لا يدري كيف يشق طريقه بعد...

لم أرد أن أشير إلى حكاية طارق حينها، خشية أن تسمعنا راوية... لكنني نظرت إليها قائلة :
ـ يبدو أن الأمور تسير بينكما بشكل جيد... رغم أنكما تعرفتما منذ فترة وجيزة... أم تراني مخطئة؟

بدا الاستياء على ملامح حنان، لكنها قالت في هدوء :
ـ لم أكن أظن أن الحظ سيبتسم لي بهاته السرعة... فحين تقدمت إلى وظيفة السكرتيرة في شركته، كنت أشك في فرصي في النجاح... لكنني وفقت إلى أكثر من ذلك! ففي لقائنا الثاني للاتفاق على مبادئ العمل، فاجأني بطلب فاق كل توقعاتي... الحياة فرص يا عزيزتي... و كان علي أن أحسن اقتناص فرصتي...

تذكرت شيئا ما فجأة فبادرتها متسائلة :
ـ أليس من المفترض أنه سيلتقي رجال العائلة مساء اليوم لمناقشة موضوع الخطبة؟ أعني أن موضوع الكعكة سابق لأوانه بعض الشيء... أليس كذلك؟

ابتسمت حنان في مرح و هي تسوي خصلة نافرة من خصلات شعرها و هي تهمس :
ـ لا تقلقي يا عزيزتي... لا يمكن أن يرفض والدي نبيل! أنا واثقة!

أشار إليها خطيبها المستقبلي في صوت هادئ رزين :
ـ حنان... عزيزتي... تعالي تذوقي هاته الكعكة... أظنها ستعجبك...

التفتت إلي حنان بعد أن ابتسمت له ابتسامة عريضة و هي تقول :
ـ عن إذنك مرام... يجب أن أختار كعكتي... أراك لاحقا...

ثم ابتعدت بنفس الخطوات الرشيقة الموزونة لتستقر من جديد إلى جانب رجلها الذي مد إليها الشوكة مع قطعة الحلوى، فالتقطتها بين شفتيها في رقة و نعومة، ثم أطلقت ضحكة من ضحكاتها و هي تهتف في غنج :
ـ إنها حقا الكعكة التي أريد... لقد أصبحت خبيرا في ذوقي بالفعل!

اقتربت راوية، في حين كنت لا أزال أراقب حنان و أنا في حالة من العجب و الذهول. بادرتني راوية قائلة :
ـ من تكون تلك الفتاة؟

أجبتها في شيء من الحرج :
ـ ابنة عمتي... و خطيبها...

لم تعلق راوية على الموقف، بل سارعت لتريني كعكتها الصغيرة المحلاة بالكريما البيضاء و هي تهتف :
ـ أليست جميلة؟ ستعجب راقية حتما!

ابتسمت و أنا أرافقها مغادرتين المحل، و قد شغل بالي موضوع خطبة حنان...

أخفيت عن الجميع لقائي بحنان في محل الحلويات، و انتظرت إلى أن عاد أبي من السهرة في منزل عمتي. كان يبدو عليه الانشراح، و هو يخلع سترته الجلدية و يجلس على الأريكة في استرخاء... بادرته أمي متسائلة :
ـ كيف كانت السهرة عند هيام؟ و كيف كان العريس؟

تنهد أبي و هو يتناول جهاز التحكم عن بعد و يضيء التلفاز و يقول :
ـ يبدو أن هيام ستطمئن على مستقبل ابنتها أخيرا...

اقتربت في فضول و قد تملكتني الدهشة... و تابع أبي قائلا :
ـ إنه رجل رصين... على خلق... مركزه الاجتماعي مرموق... و يبدو عليه النضج و الاستقامة... أرجو أن تبيض حنان وجوهنا أمامه...

ابتسمت أمي و هي تجلس إلى جانبه :
ـ يبدو أنها محظوظة حقا... الحمد لله أن نال إعجابكم... و ماذا عن محمود، و أيمن؟

كان أبي قد شرع في تغيير القنوات الفضائية و السفر بين مختلف المحطات... لكنه أجاب في قليل من التركيز :
ـ محمود يبدو مرتاحا، فالرجل متحدث لبق، كما أن كرمه و دماثته جليان للعيان... لكن أيمن يراه كبيرا في السن، نظرا للشيب الذي وخط شعره... مع أنه لم يتجاوز الخامسة و الثلاثين... و الحقيقة أن حنان أيضا تبدو أكبر من سنها... و فارق عشر سنوات أو حتى اثنتي عشرة سنة ليس بالفارق الكبير... كما أن جميع الأطراف يبدون في رضا تام... خاصة هيام، فهي سعيدة لسعادة ابنتها... فهي سترتاح من هم البحث عن عريس لها، بعد أن تركت الدراسة و قلت فرصها في إيجاد عمل محترم...

قال ذلك و أطلق ضحكة قصيرة، استغرق بعدها في متابعة الأخبار... تاركا إياي في حيرة من أمري... هل أفرح لابنة عمتي التي ظفرت بالعريس الذي تتمناه، أم أشفق على الرجل المسكين الذي لم أفهم بعد ما الذي دفعه إلى الارتباط بها بهذه السرعة، و هو الذي انتظر كل هذا الوقت لتكوين شركته و تحقيق نجاحه... و هو على هذا القدر من الوجاهة و الرصانة!
__________________