عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 14-08-2009, 01:26 AM
الصورة الرمزية ساره الالفي
ساره الالفي ساره الالفي غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 34
المشاركات: 253
معدل تقييم المستوى: 18
ساره الالفي is on a distinguished road
افتراضي


ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ



جلست دالية بيني و بين راوية و قد ارتسمت على شفاهنا ابتسامات ودودة... ابتسمت دالية بدورها ابتسامتها البريئة التي توحي إلي بأنها لا تزال طفلة غرة و من غير الممكن أن تكون مقبلة على زواج قريب!

التفتت دالية إلي و قالت في مرح :
ـ ما الجديد يا فتيات؟ أراكما منشرحتين...

ضحكت و أنا أربت بكفي على كتفها :
ـ و هل تركت لنا فرصة معك! فأنت في كل يوم لك جديد متجدد و أخبارك متسارعة كأنك تسابقين الزمن... هااااا... ماذا بعد الخطبة؟ هل قررتما متى يكون عقد القران؟

احمر وجه دالية و هي تقول :
ـ لازلت غاضبة لأنني لم أدعك للخطبة! كان غصبا عني يا حبيبتي فقد تم كل شيء بسرعة فائقة و بحضور عدد قليل من المقربين...

قاطعتها و أنا أهز رأسي مؤيدة :
ـ طبعا... و وليد كان جد مستعجل و لديه الكثير من المعاملات التي عليه إنهاؤها قبل السفر... على أية حال، يجب أن ألوم حسام لأنه لم يفكر في دعوتي!

ضحكنا معا في مرح، ثم التفتت إلى دالية متصنعة الغضب و قلت في حزم :
ـ على فكرة... أنا غاضبة من حسام...

ابتسمت دالية مداعبة :
ـ من أجل السفر؟ أعلم أنه لم يكن في الحسبان... و لكن لمَ لم تتحدثي إليه في الموضوع؟

قاطعتها شارحة :
ـ طبعا أنا منزعجة من سفره... لكن تلك نقطة أخرى سنعود إليها بعد قليل... لكنني أتحدث عن شيء آخر...

ثم أخرجت من حقيبتي علبة الشكولاطة الأجنبية التي أهداها إلي حسام.

تناولتها دالية من بين يدي و هتفت بعد أن تعرفت عليها بسهولة :
ـ أليست الشكولاطة التي أهداها إليك حسام؟ إن لم تعجبك فالذنب ليس ذنبه! في الحقيقة هو طلب مني أن أشتري لك شيئا ما على ذوقي... لأنه لا يعرف ما يمكنه أن يهديه إليك... غير الكتب و الأقراص... فذاك عالم أخي المحدود...

ضحكت دالية ثانية في حين اتسعت عيناي دهشة و أنا أقول :
ـ هكذا إذن! أنت من اشترى هاته العلبة يا شقية!

سارعت دالية تقول في اعتذار :
ـ أنا آسفة حقا... إن كنت وجدت في مكوناتها شيئا من الكحول فأنا آسفة حقا، فهي شوكلاطة أجنبية و الحقيقة أنني كنت مستعجلة و لم أملك الوقت الكثير لأتحقق مما كتب على العلبة... آسفة حقا يا مرام!

حدقت فيها في استغراب :
ـ كحول في مكوناتها؟؟ و هل يسوقون في بلدنا شوكلاطة فيها نسبة من الكحول؟! يا إلهي... ألا يستحون! غير معقول؟! هذا آخر ما كنت أتوقعه!!

قاطعتني دالية و قد احمر وجهها خجلا :
ـ في الحقيقة الشكولاطة ليست مصنعة في بلدنا و هذا ما جعلني أشك في مكوناتها... فحين طلب مني حسام أن أساعده بخصوص الهدية كنت مشغولة للغاية و لم أستطع الخروج في الوقت المناسب... فكان الحل أن وضعت في المغلف علبة من العلب التي أحضرها وليد من كندا... و لم أتمعن كثيرا فيها، بل أعجبني شكلها و بدت لي من النوع الفاخر... لذا آسفة جدا إن لم تعجبك... فهو ليس خطأ حسام بل خطئي...

هززت رأسي في تفهم و أنا أرد :
ـ بل هو خطأ وليد على ما يبدو!

نظرت إلي دالية في دهشة فواصلت قائلة :
ـ الشركة صاحبة المنتج هي من الشركات التي تجب مقاطعتها يا عزيزتي...

تطلعت إلي دالية في دهشة ثم أمعنت النظر في العلبة و قالت في حرج :
ـ آنا آسفة حقا يا مرام لم أتفطن للأمر...

ثم أضافت و هي تحك ذقنها في تفكر :
ـ يجب أن أنظر في الهدايا التي أحضرها وليد جيدا...

بادرتها راوية التي ظلت صامتة إلى تلك اللحظة قائلة :
ـ لم تخبرينا... أي نوع من الشباب... أقصد الرجال، هو وليد؟ كيف هي طريقة تفكيره و ماهي نظرته إلى الحياة؟

ابتسمت دالية في خجل و هي تقول :
ـ إنه يبدو لي من النوع العملي... عملي في كل شيء... في حياته الخاصة كما في حياته المهنية... يكره إضاعة الوقت و يحب أن يكون كل شيء في مكانه المحدد... لا يقدم على أية خطوة قبل أن يدرس نتائجها جيدا و يدرك جدواها...

ضحكت راوية و هي تعلق قائلة :
ـ لذا فقد استمر في دراسة جدوى الزواج قرابة الخمسة عشر عاما!

بدا الضيق على دالية فعاجلتها راوية على الفور :
ـ ألم تسأليه لمَ لم يتزوج إلي الآن؟

أطرقت دالية قائلة :
ـ بلى... سأله حسام عن ذلك... فقال بأنه كان يبني مستقبله المهني حتى يكون قادرا على تحمل مسؤولية زوجة و أطفال و يضمن لهم أفضل الظروف...

ضحكت راوية من جديد و هي تقول مداعبة :
ـ حسام المسكين! لا بد أن نظرية وليد حطمت معنوياته تماما! كم عليك أن تنتظري يا مرام!!!

حدجتها بنظرة صارمة اعتراضا على دعابتها الثقيلة، فتنحنحت و قالت مستعيدة جديتها و هي تقول مخاطبة دالية :
ـ و لكن، كيف يمكنك أن تعرفي أنه لم تكن لديه علاقات مع فتيات قبلك... خاصة أنه عاش زمنا غير قصير في كندا... فهل من المعقول أنه لم يعجب بأية فتاة منذ فترة الدراسة؟ و العلاقات غير المشروعة ممكنة جدا هنالك...

كانت كلمات راوية صريحة جدا... و قاسية نوعا ما على دالية التي بدت في حيرة من أمرها، و لم يخف علينا أنها كانت ربما تطرح على نفسها نفس التساؤلات دون أن تجد جوابا شافيا. التقت عيناي بعيني راوية فأشرت إليها بأن تتوقف... لكن بدا الاحتجاج في عينيها و هي تهز كتفيها في عدم اقتناع... و تواصل الحوار بيني و بين راوية عبر الإشارات و الإيماءات، و لم نتفطن إلى دالية التي كانت تجلس بيننا مطرقة في حيرة... و لم ننتبه إلا على صوتها الذي بللته الدموع و هي تقول في مرارة ظاهرة :

ـ مرام... راوية... أنتما أختاي أليس كذلك؟

نظرنا إليها في دهشة و قلق و أسرعت أقول و أنا أمسك بكفها بين كفي :
ـ طبعا يا حبيبتي... و هل في ذلك شك؟ ما الأمر يا حبيبتي قولي...

رفعت رأسها إلي و هي تمسح عينيها بكمها و قالت :
ـ أريد أن أفضي إليكما بشيء ما...

اقتربت راوية أكثر و قالت في اهتمام :
ـ طبعا يا عزيزتي... كلنا آذان صاغية...

بدا على دالية نوع من التردد، لكنها حسمت أمرها بسرعة و قالت :
ـ إنه بخصوص وليد... كل شيء بدا مطمئنا في البداية... فهو من أقاربنا... والده المتوفي كان من المقربين إلى أبي و له عليه فضل كبير... حيث ساعده في بداية حياته المهنية و استقراره الزوجي و كان أبي يلجأ إليه في كل الصعوبات... و يبدو أن حب والده جعل أبي يحب وليد كثيرا... و كان يقص علينا كيف كان يحمله على كتفيه عندما كان صغيرا و يأخذه معه إلى المسجد و يلهو معه بشتى لعب الأطفال... قبل أن يتزوج أبي و ينجب حسام... و استمرت العلاقة بينهما بعد وفاة والد وليد، كأنه شقيقه الأكبر... لكنها انقطعت نوعا ما بعد سفره إلى كندا، حيث لم يكن يتصل كثيرا... لكن والدته كانت تزورنا باستمرار، فقد كانت تربطها علاقة طيبة بأمي... كما أنها بقيت وحيدة بعد سفر وليد و أبي كان يريدها أن تتقرب أكثر من العائلة و فاء لذكرى المرحوم... ثم حين رغب وليد في الزواج، لم تتردد والدته في مفاتحة والدتي في الأمر... و قد سر أبي كثيرا لأنه يحب وليد... و لم يعط أهمية تذكر لفارق السن بيننا، لأنه كان واثقا من تربية المرحوم و يعتقد بأن ابنه لا بد أن يكون على نفس الخصال...

بادرتها معترضة و أنا أقول :
ـ لكنه لم يضع في اعتباره أن الغربة الطويلة من الممكن أن تغير طباعه... كما أنه لم يعد ذاك الولد الصغير البريء الذي كان يلهو معه في السابق!

تنهدت دالية و هي تواصل :
ـ المهم... أبي وافق بدون تردد... و أمي لم تعترض كثيرا، لأنها تقدّر والديه و تحترمهما... و مسألة فارق السن لم تبد لها مزعجة جدا... لأنها تصغر والدي بأحد عشرة سنة... و هو فارق يبدو عاديا جدا في عائلة أبي... حيث الفارق بين عمي الأكبر و زوجته يقارب الثلاثة عشرة سنة... و عمي الأصغر أيضا زوجته تصغره بعشر سنوات... و كلاهما يعيش سعيدا مع زوجته... بل لعل فارق السن الهام يبدو مستحسنا عندهم لأنه يعني نضج الرجل و استعداده المادي و النفسي لتحمل مسؤولية ثقيلة... و لا أحدثك عن السخرية التي لقيها حسام من طرف أعمامي حين أبدى رغبته في الزواج و هو لم ينته من دراسته بعد...

احمر وجهي دون أن أشعر حين أتت على ذكر ارتباطي بحسام، و ابتسمت في خجل. واصلت دالية حديثها قائلة :
ـ كان حسام الوحيد المعترض... فهو يرى وليد كهلا في حين لازلت في بداية الشباب. و نظرية حسام تقول : كلما كان الزوجان متقاربين في السن، كلما كانت فرصهما للتفاهم و التواصل أكبر... و هي نظرية تعارض بالطبع كل ما أسمعه من أمي و خالاتي عن سرعة نضج الفتاة و تأخر نضج الرجل، و أهمية الفارق بين الزوجين لأن المرأة تظهر عليها علامات الهرم بسرعة أكبر من الرجل... خاصة بعد الحمل و الولادة... كما أن الرجل الناضج يكون أكبر قدرة على الاستقرار من الشاب... فهو يكون قد خبر الدنيا و تعلم الكثير و يقدر الحياة الزوجية... و بالطبع لن يبحث عن مغامرات الشباب...

قاطعتها راوية في دهشة :
ـ هل هذا ما تعلمك إياه أمك و خالاتك؟ أن يكون الرجل قد جرب و خبر كل أصناف البنات قبل أن يختار شريكة حياته؟ طبعا! و بذلك يكون أكيدا بأنها الصنف الذي يريد... و كيف يمكنه أن يختار إن لم يملك المعرفة الكافية بتلك السلعة التي تسمى المرأة!!!

تنهدت دالية في حزن و هي تقول :
ـ كنت أعلم في قرارة نفسي بأن ما يقلنه مخالف للشريعة الإسلامية... و أن الرجل الشريف الملتزم لا يمكن أن يعيش شتى أنواع المغامرات حتى يقرر في النهاية أن يتزوج... بل هو يتزوج ليعف نفسه و يصون زوجته. لكنني كنت أتساءل : كيف يمكنني أن أضمن في الزوج الذي سيتقدم إلي أنه شخص ملتزم لم تكن له مغامرات سابقة؟ ثم اقتنعت بأن أهم ما في الأمر أن يكون قد تاب بعد مغامراته توبة نصوحا... و هدفه من الزواج هو بناء أسرة مسلمة... و عزمت في نفسي أن أنفذ إلى قرار وليد و أعرف نواياه و أهدافه...

تطلعت إليها في فضول و أنا أقول :
ـ هاااا... و ما هي نواياه و أهدافه؟

ـ حسن... لست متأكدة بعد... لكن من خلال أحاديثنا القليلة و القصيرة عرفت أنه شخص جريء و قوي الشخصية... ثقته بنفسه ليست لها حدود. ربما بدا كذلك أمامي، لأنني صغيرة و قليلة التجربة بالنسبة إليه... و طوال لقاءاتنا كان يحدثني عن حياته في كندا... عن منزله الكبير الفخم المحاط بحديقة جميلة... به بركة سباحة في الطابق تحت الأرضي... حدثني كذلك عن الأثاث الذي أولى أهمية كبرى لاقتنائه و تنسيقه... حدثني عن عمله و عن انجازاته المهنية... لكن ما أقلقني هو أنه لم يقل شيئا عن نفسه! و حين سألته عن هواياته، ضحك بقوة كأنني رويت طرفة على مسمعه و قال كأنه يحدث طفلة صغيرة : الهوايات يتسلى بها الشباب المتفرغ في مثل سنك... أما رجال الأعمال أمثالي فلا يملكون الوقت لإضاعته، بل لاستثماره فيما يدر الربح الوفير! ربما لا أدرك بالفعل أهمية وقته لأنني لازالت في بداية الشباب و لا أعرف أهمية العمل... لكنني بدأت أتساءل : هل سيجد الوقت بعد زواجنا ليجلس إلي و نتحدث، أما أن ذلك سيكون مضيعة لوقته الثمين أيضا؟ حسن... لكنني وافقت عليه، لأن أبي كان متحمسا و مسرورا بهاته المصاهرة... و لأنني كنت أتطلع إلى حياة الرفاهية في كندا و خيالي المحدود يعجز عن تصور ماهية العيش هنالك... ثم وليد لم يكن فيه عيب يجعلني أنفر منه... إلا عمليته المفرطة! لكنني حدثت نفسي بأنه سيكون من السهل علي فيما بعد أن أتعود على نمط حياته... و لكن...

أطرقت دالية من جديد في انزعاج، فبادرتها راوية مشجعة :
ـ و لكن ماذا؟

تنهدت دالية و هي تقول :
ـ و لكن لقاءنا الأخير جعلني في حيرة من أمري... تذكرين حين جئت إليك يا مرام، و استغربت من قلة اهتمامه بالحديث إلي و التعرف على زوجته المستقبلية... ظل سؤالك يرن في أذني حين عدت إلى البيت... و حين جاء في المساء مع والدته لزيارتنا قررت أن أفعل شيئا. و كانت والدته من فتح لي الباب حيث بادرته قائلة : لم لا تجلس قليلا مع خطيبتك بينما نعد العشاء... ثم قامت هي أمي إلى المطبخ، و لم يكن حسام و لا والدي في البيت... و الحقيقة أنه جاء ليناقش مع والدي مسألة ما، فكان مضطرا لانتظار قدومه... لذا فقد جلسنا سوية في قاعة الجلوس المفتوحة على المطبخ. فسألته بكل جرأة : ما الذي تنتظره من زوجة المستقبل... و تصوري بم أجابني؟ قال بكل برود أنه يريد زوجة جميلة و شابة تمنحه المتعة حين يريد و تلبي رغباته و تسهر على راحته!!! كنت في غاية الذهول... ربما كنت أدرك أنها الحاجة الطبيعية لكل الأزواج لكنني لم أتصور أن يكون صريحا إلى تلك الدرجة... ثم وضعه يده على كفي التي كانت مستقرة على ركبتي و قال ضاحكا : فهل ستكونين لي تلك الزوجة؟ سحبت كفي بسرعة و عاجلته و أنا في حيرة من أمري : ألا تهمك أخلاقها، تدينها، شخصيتها، طموحاتها؟ فارتفعت ضحكته ثانية و هو يقول : إلى أين تريدين الوصول بهاته الأسئلة؟ فأجبته بإصرار : أريد أن أعرف رأيك حقيقة! فتغيرت ملامح وجهه و هي يقول في جدية : أنت لازلت صغيرة و لا تعرفين الكثير عن العالم، لذا لا يمكن أن تكوني مكتملة بناء الشخصية... و أنا سأساعدك على تنمية شخصيتك كما يجب حين نكون هناك. أما الدين و الخلق فهو أمر مفروغ منه بما أن اختيار أمي الحبيبة وقع عليك... لذا لا يجب أن أقلق من تلك الناحية... في تلك اللحظة دخل والدي، فانسحبت بهدوء إلى غرفتي و أفسحت لهما المجال كي يناقشا موضوعهما المهم... دخلت إلى غرفتي و جلست إلى أفكاري و قد أدركت شيئا ما بكل مرارة : إنه لا يتهم بالتعرف إلي، لأنني لا أعني له شيئا... بل أنه يعتبرني لعبة سيقوم هو بتقويمها و تعديلها كيفما يشاء... و فهمت حينها لمَ وقع اختياره على فتاة صغيرة لم تختبر الحياة بعد : حتى يسهل عليه التحكم فيها، و بناء شخصيتها على طريقته!

تبادلت و راوية نظرات حائرة و قلقة ثم قلت في جزع :
ـ و علام استقر رأيك بعد كلامه ذاك؟

هزت دالية رأسها في استسلام :
ـ لست أدري... فأنا في نهاية الأمر لا أزال غرة و خبرتي لا تقارن بخبرته... كما أن الغربة تساعد كثيرا على تنمية الشخصية... فأقول أحيانا بأن التجربة تستحق المحاولة، و هي ستشكل إثراءا كبيرا لحياتي... لكنني في نفس الوقت أشعر بقلق لا أدري مصدره...

قاطعتها راوية في حدة :
ـ كل هذا و لا تدرين مصدره؟ أنا أحدثك عن مصدره! مصدره هو هذا الرجل الأناني الذي يظن أنه يشتري بنات الناس بثروته و وجاهته الاجتماعية و يقمع شخصيتهن و يتحكمن فيهن كيفما يشاء كأنهن لم يكن شيئا قبله! إنها عقدة التفوق! يظن أنه اكتسب كل خبرة العالم و بناء على ذلك فتصرفاته سليمة مائة بالمائة و ما أنت إلا تحفة صغيرة و جميلة يضيفها إلى مجموعة تحفه... طبعا فهو أنفق الكثير من المال على الأثاث و الرياش و تلزمه تحفة أنيقة أخيرة ليزين بها كل ذلك! و هو طبعا إن أعجبه منظر التحفة فلن يفكر كثيرا في داخلها لأنه من السهل عليه أن يلمعها و يصقلها جيدا على طريقته حتى تناسب ذوقه في جميع الأوقات!!! يا حبيبتي يا دالية، ما الذي يجبرك على المضي في هاته التجربة التي لا تضمن لك أدنى فرص تحقيق ذاتك؟ ثم هو لم يذكر صفة مثقفة في تعريفه للمرأة المناسبة التي يبحث عنها... فما أدراك بأنه سيسمح لك بعد الارتباط بأن تواصلي تعليمك؟ ثم هو يريدك دائما جاهزة لخدمته و متعته... فهل سيقبل أن تنشغلي عنه بعمل ما يا ترى؟؟ عليك أن تفكري جيدا في كل هذه النقاط فالمسألة ليست هينة يا حبيبتي!! إنها رحلة عمر...

تنهدت دالية من جديدة و هي تقول :
ـ ربما كنت على حق... ربما علي أن أفكر جيدا في الأمر...

ثم نظرت إلي مبتسمة و قالت :
ـ قبل أن يدخل حسام في دوامة التأشيرة و معاملات السفر...

ضحكنا معا ضحكات شابها بعض التوتر و القلق، قبل أن تستدرك دالية كأنها تذكرت شيئا مهما :
ـ مرام... هل تذكرين ذاك الشاب المسيحي الذي أسلم... جاد... الذي طلبت من حسام أن يتصل به و يساعده على التعرف أكثر على الإسلام؟

فوجئت بسؤالها و نظرت إلى راوية مباشرة دون وعي مني... فوجدت وجهها قد شحب فجأة... فعاجلت دالية قائلة :
ـ نعم... ما شأنه؟

ـ أنا آسفة لأنني تأخرت في إخبارك... فقد مضى على الحادثة حوالي أسبوعين... لكنني كنت مشغولة كما تعلمين. و حين حدثني حسام، فكرت بأنني سأتصل بك قريبا و أخبرك... لكنني سهوت عن ذلك لفترة و لم أذكر الأمر إلا البارحة...

قاطعتها بنفاد صبر :
ـ و لكن ما الأمر؟ قولي...

ـ حسن... لقد أخبر حسام بأنه قد تعلق بالفتاة التي ساعدته على دخول الإسلام... و هو واثق من أنها تعلقت به هي الأخرى رغم أنها رفضت طلبه حين تقدم إليها... و طلب من حسام النصح و المشورة... فأخبره حسام بأنه يتفهم موقف الفتاة و خوفها من ارتباط مماثل قد يسبب لها توترات و مشاكل هي في غنى عنها... و لكن بإمكانه أن يطلب منهامنحه فرصة إضافية ليقنعها بأنه الشخص المناسب لها و أنه مستعد لفعل أي شيء لإسعادها... فحسم جاد أمره و هو عازم على القدوم إلى بلدنا في أجازته المقبلة... أوه يا إلهي... قال أن الأجازة تبدأ بعد أسبوعين! يعني أنها بدأت بالفعل... و قد يكون وصل! لقد تأخرت كثيرا... أرجوك يا مرام، أخبري تلك الفتاة بأنه سيتصل بها قريبا ليطلب موعدا مع والدها... و عبري لها عن أسفي الشديد لأنني تأخرت في إيصال الخبر، مع أنني لا أعرفها... هل أعرفها؟

ابتسمت في هدوء و أنا أرى راوية تشير إلي من وراء دالية بأن أجيب بالنفي... فقلت :
ـ حسن سأبلغها... لا تقلقي...

لم أجب على سؤالها الأخير... و الحمد لله أنها لم تصر. فقد التفتت إلى راوية كأنها تذكرت شيئا من جملة الأشياء الكثيرة التي نسيتها في الفترة الماضية :
ـ و أنت يا حبيبتي... ما أخبارك؟ هل من جديد؟

فبادرتها هاتفة :
ـ ألم تصلك الأخبار بعد؟ ابن عمتي طارق تقدم لخطبتها... و هي وافقت!

احتضنت دالية راوية في سعادة مهنئة... في حين ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي راوية، و احمرت وجنتاها... و بدت في عينيها نظرة ساهمة، تشي بالدوامة التي وجدت نفسها فيها...



__________________