ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ
أمسكت راوية بذراعي في صرامة، بينما كنت أحث الخطى إلى قاعة المحاضرات و هي تقول :
ـ إن كنت تريدين حقا مصلحة دالية فانسي تماما مسألة سفر حسام! مرام، أنا معك في أن راوية ربما تكون تسرعت في موافقتها على هذا الزواج... و ربما تكون مبهورة بالسفر، و اكتشاف عالم جديد... لكن علينا أن نستمع إليها و نفهمها قبل أن نحكم على قرارها بأنه خاطئ... و أن نكون لها صديقتين، تنصحانها و تخافان عليها... دون أن نترك لمصالحنا الشخصية الفرصة للتشويش على حكمنا...
قاطعتها في انفعال قائلة :
ـ لكن قرارها لا يلمسها وحدها! زواجها سيغير مستقبل حسام و مخططاته تماما! و أنا أيضا... قرارها يمسني بشكل غير مباشر...
هزت راوية رأسها علامة عدم التأييد :
ـ حسام اختار أن يسافر مع أخته... و زواجها لا يلزمه بالسفر معها... إطلاقا... كان عرضا من الخاطب، و حسام وافق... يعني لا سبيل إلى إلقاء اللوم على دالية و لا على زواجها...
توقفت فجأة و تنهدت بعمق، قبل أن أواصل السير من جديد، بخطوات أكثر بطأ. تابعت راوية نسقي و هي تتطلع إلي متسائلة :
ـ ماذا الآن؟
التفت إليها و أنا أحاول الابتسام :
ـ حسن... ربما تستطيع دالية إقناع حسام بالبقاء...
نظرت إلي راوية في دهشة، بينما تابعت سيري إلى قاعة المحاضرات... و أنا أقول :
ـ بالتأكيد، هنالك حل لهذه الورطة... و سأجده بإذن الله...
لحقت بي راوية و هي تلهث و هتفت :
ـ هل ستقابلين دالية اليوم؟
ابتسمت في هدوء قائلة :
ـ لا تخافي, سأحاول قدر الإمكان أن أنصحها بإخلاص... و سأفصل الموضوعين تماما... ثم أنت ستكونين معي لتنبيهي... أليس كذلك؟
ابتسمت راوية موافقة و هي تتمتم :
ـ أرجو أن تنتهي هاته القصة على خير!
ما إن انتهت المحاضرات حتى تركت راوية و طرت بسرعة إلى المنزل... بالطبع، فأنا منذ مغادرة حسام لقاعة المكتبة أنتظر الفرصة المناسبة حتى أختلي بنفسي... و أفتح الهدية! كانت العلبة في شكل متوازي أضلاع... تشبه شكل الكتاب... لكن ارتفاعها يوحي بأنها لا يمكن أن تكون كتابا... ربما كتاب ضخم؟! أو كتابان؟ أو كتاب و شيء آخر له نفس الشكل؟ أعياني التفكير في محتوى العلبة!
دخلت المنزل مسرعة بعد أن ألقيت السلام و توجهت مباشرة إلى غرفتي...
لكن... سارة كانت في الغرفة... تجلس أمام حاسوبي...
اممم... حسن... أريد أن أكون بمفردي حين أفتحها... لكن لا بأس... سأفتحها أمام سارة... فهي ليست غريبة، و سترى الهدية عاجلا أم آجلا...
ألقيت السلام على سارة و جلست على الفراش و أنا أخفي ابتسامتي... ردت سارة السلام دون أن تلتفت إلي، فقد كانت منهمكة في إحدى الألعاب الجديدة التي يدمن أخي ماهر اقتناءها... أخرجت العلبة من حقيبتي في هدوء و أنا ألحظ سارة بطرف خفي. هل ستنتبه إلي؟ لكن كان يبدو عليها الانسجام التام مع لعبتها، فأخذت أنزع الغلاف في هدوء تام حتى لا أثير انتباهها...
لكن يبدو أن خشخشة ورق التغليف المميزة جعلتها تلتفت إلي في فضول... و ما إن لمحت العلبة بين يدي حتى أهملت الحاسوب و لعبة الحاسوب و قفزت لتجلس إلى جانبي و على شفتيها ابتسامة مميزة :
ـ ممن الهدية إذن؟
ابتسمت و قد احمر وجهي في خفر :
ـ من حسام...
قفزت سارة في حماس في مكانها، و هي تهتف :
ـ ماذا تنتظرين... هيا افتحيها...
امتدت أصابعي في حذر لتزيل ما تبقى من ورق التغليف... ثم وقعت عيناي على الهدية المكونة من جزئين... كان الجزء الأول علبة أقراص مضغوطة... فتحتها و قد اتسعت ابتسامتي سرورا... فأنا أثق في ذوق حسام، و أنه بالتأكيد قد اختار عددا من الدروس الدينية و التنموية المتميزة التي يعرف مدى شغفي بها... و بالفعل، لم أكن مخطئة في تقديري...
لبثت أقلب كنزي الثمين بين يدي و الابتسامة لا تفارق شفتي... كم أنت رائع يا حسام! فقد عرفت كيف تسترضيني و تطيب خاطري...
انتبهت على صوت سارة و هي تهتف مداعبة :
ـ مرام... ألن تفتحي هذه؟
التفتت لأجدها تمسك بين يديها الجزء الثاني من الهدية، الذي غفلت عنه في غمرة سروري بالجزء الأول... مددت يدي بسرعة لآخذ منها علبة الشكولاطة التي كادت تشرع في فتحها... و فجأة تقلصت الابتسامة على شفتي لتختفي تماما... و حلت في عيني نظرة دهشة و استغراب... و حزن...
تطلعت إلي سارة في دهشة بدورها و هي تلحظ التغيير المفاجئ الذي طرأ علي :
ـ مرام... هل هنالك ما يزعجك؟ ما الأمر؟
كانت علبة شكولاطة فاخرة و شهية... تنم عن ذوق رفيع... و قد كنت من محبي الشكولاطة... إلى هنا ليس هنالك أية مشكلة...
لكن... حين قرأت اسم الشركة المصنعة على العلبة تملكني حزن مفاجئ...
نعم، إنها شركة تساند العدوان الصهيوني على إخواننا الفلسطينيين... شركة من أول الشركات الموضوعة على لائحة المقاطعة الإسلامية! و لكن حسام لا يدرك كل هذا؟! كيف يمكنني أن أفرح بهديته؟!
و سارة هي الأخرى، لم تفهم سبب انزعاجي... هذا يعني أن الاسم لا يعني لها شيئا... بل ربما كانت ثقافة المقاطعة نفسها لا تعني لها شيئا! و لكن، كيف لي أن ألومها و هي قد عاشت سنوات طويلة في المجتمع الأمريكي حيث تختلف القيم و المبادئ... بل ربما لم تكن تعي شيئا من التغيرات و التحولات التي يعيشها عالمنا العربي...
نظرت إليها في و أنا أقول في مرارة :
ـ إنها شركة يجب مقاطعة منتجاتها... لأنها تساند العدوان الإسرائيلي و الأمريكي على إخواننا في فلسطين... من المفروض أن لا يقتني منتجاتها، فضلا على أن يهديني منها!
رأيت علامات الدهشة في عيني سارة... و بعد تردد قصير قالت :
ـ و هل تؤمنين أنت بأهمية المقاطعة؟!
اتسعت عيناي دهشة و أنا أتفحص ملامحها اللامبالية :
ـ طبعا!!! و هل في الأمر شك؟ هل من المفترض أن نساعد اقتصاديا من يسعى إلى أخذ القدس منا؟ من هدفه سلب أراضي المسلمين و تشريد أبنائهم؟!
عقدت حاجبيها في غير اقتناع و هي تقول :
ـ و هل تظنين أن مقاطعتك أنت و حسب... بل فلنقل مقاطعة عدد من المسلمين لهاته المنتجات سيؤثر كثيرا على اقتصادها و مرابيحها؟ هل تظنين أنهم سيتأثرون بفقدان عدد قليل من الزبائن؟ إن هذه الشركات ذات رؤوس أموال ضخمة... و مبيعاتها في العالم تتسع كل يوم... إضافة إلى أن منتجاتها ذات جودة عالية مقارنة بما يوجد في الأسواق... فلم نحرم أنفسنا من منتوج متميز، سعيا وراء تحقيق هدف شبه مستحيل؟! كما أن هاته الشركات الأجنبية تساهم في الرقي باقتصادنا... و تشارك في عملية التشغيل...
لم أستطع السيطرة على انفعالاتي و أنا أهتف في اعتراض :
ـ ألا تعلمين أن هاته الشركات التي تحظى بتمويل من رؤوس أموال صهيونية تسعى إلى القضاء على منتجاتنا المحلية و إغراق السوق بمنتجاتها حتى تضمن استمرار التبعية الاقتصادية العربية إلى كل ما هو أمريكي و صهيوني،حيث يتم تقديمها بأقل الأسعار و مدعومة بحملة إعلانية مميزة تتسبب في انهيار المنتج الوطني والانفراد بالسوق، ثم يرتفع السعر تدريجيًّا لتعويض خسارته، إضافة إلى أن المشروعات الأمريكية والصهيونية التي تقام في بلدنا هدفها الربح فقط دون مساهمة في دعم البنية الاقتصادية الوطنية مثل مشكلة البطالة... حيث إنَّ كل فرصة عمل لديهم تؤدي إلى ضياع ثلاثة فرص لدى الشركات الوطنية ناهيك عن أنها وظائف دنيا لا تكسب خبرة أو كفاءة يستفيد منها المجتمع...
رفعت سارة حاجبيها في عدم تصديق، فواصلت في اصرار :
ـ ثم من قال أن المقاطعة لا تحدث أضرارا لدى هاته الشركات؟ بالعكس... فقد أثبتت المقطعة فاعليتها على امتداد السنوات القليلة الماضية... فقد ساهمت في إلحاق خسائر بالولايات المتحدة وتراجع صادرتها من 22 مليار سنة 98 حتى وصلت إلى 16 مليار دولار سنة 2003... لدا فإن علينا أن نواصل الطريق و نستمر في دعم المنتج المحلي و مقاطعة كل الشركات التي تساند عدونا...
ثم تابعت في شيء من الفتور :
ـ و يؤسفني أن حسام لا يؤمن بضرورة المقاطعة...
بدا الأسف في صوت سارة التي بدأت تقتنع بموقفي :
ـ ربما لم يكن يعلم أن هاته الشركة بالدات هي من الشركات التي تجب مقاطعتها... فلا تلوميه و تعنفيه... فعلى أية حال، نواياه كانت حسنة... و لم يرد إلا أن يسعدك بهديتك، لا أن يعكر مزاجك...
ابتسمت و قد راقني تحليلها... نعم، ربما لم يكن يعلم... لكن يبدو أن هنالك الكثير من النقاط التي يجب وضعها على الحروف قريبا... في لقائي المقبل مع دالية...