![]() |
البكالوريا أم الثانوية؟.. حيرة أولياء الأمور
تعد مرحلة الثانوية العامة من أهم المراحل الدراسية التي يمر بها الطالب، حيث تعتبر مرحلة فاصلة أو انتقالية من برنامج تأهيلي إلى مرحلة بناء أسس المستقبل، لذلك من المؤكد أن تلك المرحلة تتطلب التركيز على الأولويات وتدريب الطلاب بأساليب متنوعة وبدرجة وعي أعمق، وذلك من خلال الأسرة والمدرسة على حد سواء.
تأتي هذه المقدمة بعد حالة من القلق والتوتر بين أولياء الأمور، خاصةً خريجي مرحلة الصف الثالث الإعدادي للفصل الدراسي المنتهي، وتحديدًا بعد إعلان وزير التربية والتعليم عن اعتماد نظام البكالوريا كمسار تعليمي جديد، بعد الحصول على موافقة البرلمان، حيث دخلت آلاف الأسر المصرية في دوامة من الحيرة ، فالوزارة قررت هذا العام منح الطلاب حرية الاختيار بين النظامين، لكن السؤال الذي يشغل أولياء الأمور: أي الطريقين نختار؟! أنا كأب لابنة تستعد لدخول الصف الأول الثانوي، حرصت على منحها الحرية الكاملة في التفكير والاختيار، لا أريد أن أفرض عليها مستقبلاً معينًا، ولكن في الوقت ذاته لا يمكنني تجاهل شعوري بالقلق، وهو شعور مشترك - في تقديري - بين معظم أولياء الأمور، ليس تجاه هذا النظام أو ذاك، بل تجاه طريقة التنفيذ. دعوني أضرب مثالًا بسيطًا، قد يبدو للبعض تفصيلًا صغيرًا، لكنه في الحقيقة يمس جوهر الأزمة، ابنتي في الصف الثالث الإعدادي، كانت من الطالبات المتفوقات، وقد حصلت على الدرجة النهائية في امتحانات الفصل الدراسي الأول، مما جعلنا نوقن أنها ستكون من أوائل الإدارة، وربما محافظة القاهرة. لكن ما حدث في الفصل الدراسي الثاني كان صادمًا، فوجئنا بنقص في درجاتها، رغم تأكيدها على صحة إجاباتها، وبعد تردد، تقدمنا بتظلم، فاكتشفنا وجود أخطاء فعلية في رصد الدرجات، فقد فقدت درجتين ونصف بسبب خطأ في الجمع، ودرجة أخرى في سؤال بالإجابة النموذجية نفسها، وحتى بعد هذا التظلم، لم يتم تعديل ترتيبها بين الأوائل، وكأن حقها ضاع وسط الإجراءات الروتينية. ما يهمني هنا ليس مجرد ترتيبها، بل أن نحاسب من أخطأ، وأن يشعر الطالب وولي الأمر بوجود منظومة تحقق العدالة وتكافؤ الفرص، لأن الأمر ذاته يتكرر في كثير من الأحيان مع طلاب المرحلة الثانوية الحاسمة في مستقبل أولادنا. أعود إلى أصل القضية: نحن لم نفشل في اختيار النظام فقط، بل في خلق منظومة تعليمية ناجحة من الأساس، فمنذ سنوات طويلة ونحن نُجري تجارب تعليمية متلاحقة دون أن نصل إلى نظام يربي عقلًا أو يصنع جيلًا قادرًا على التعلم والتفكير والإبداع. المشكلة - في رأيي - لا تتعلق بجودة النظام نفسه، بل بغياب الرؤية الجامعة، النظام قد يكون جيدًا على الورق، لكن من يستوعبه؟ من يدرب عليه؟ من يُهيئ الطالب والمدرس والأسرة للتفاعل معه؟! لا يوجد حوار حقيقي بين الأطراف المعنية، لا الطالب فاهم، ولا المعلم مستعد، ولا ولي الأمر مطمئن.. والأخطر: لا أحد يُعطي أي نظام جديد فرصة حقيقية للتجربة، والتقييم، والتعديل. نبدأ.. ثم نتراجع.. ثم نعود إلى نقطة الصفر. شخصيًا، قرأت عن نظام البكالوريا وأراه جيدًا جدًا، وأتفهم رؤية الدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التعليم، وأتمنى أن يحصل على الدعم الكامل والفرصة الكافية لتطبيقه ولا يتكرر مشهد التجارب السابقة معه. لكن ما أتمناه أكثر، هو أن يفتح الوزير قنوات حوار حقيقية مع الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، ويضع آليات شفافة للتنفيذ والتقييم، بعيدًا عن التسرع أو الضغوط، فلا نريد لنظام البكالوريا أن يسقط في فخ الفشل، مثل كثير من الأنظمة السابقة التي لم نمنحها الوقت الكافي للحكم عليها بإنصاف، خصوصًا أننا بارعون في إطلاق المبادرات التعليمية وسن القوانين حولها، لكننا نُجيد أيضًا إهمال التنفيذ، والعودة إلى المربع صفر. الخلاصة: نحن بحاجة إلى: -حوار مجتمعي حقيقي يسبق كل قرار. -فرصة كاملة لأي نظام جديد لتطبيقه وتقييمه. -رقابة صارمة على الإدارات التعليمية. -منح الفرص للكفاءات الحقيقية. -تواصل مباشر ومنتظم بين الوزارة والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور. -دراسة كل المقترحات بجدية. -رقابة برلمانية ومجتمعية على الأداء. - وغيرها من الضوابط المطلوبة في هذا الشأن حسب رؤية الوزارة. والسؤال الأهم: هل ننجح – ولو لمرة – في تنفيذ فكرة واحدة حتى النهاية؟ هل نمنحها الفرصة الكاملة، لا من أجل أنفسنا فقط، بل من أجل إنقاذ أبنائنا؟ الإجابة لا تزال معلقة... ونحن ما زلنا ننتظر! المصدر : اليوم السابع |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:29 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.