بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أخبار و سياسة (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=79)
-   -   السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (5) (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=364039)

غاربله 02-09-2011 04:22 AM

السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (1)
 
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (1)
05-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
غض الطرف عن مبدأ التعديل (الذاتي) أوقع "السلفيين" فيما انتقدوا عليه الناس قديماً، فنبذ التعصب للرجال، ومقولة الرجال يعرفون بالحق، وليس العكس، من أوائل المبادئ التي رفعوها، ثم لما أصبح لهم رجال رموز وقعوا في جدلية الرجال والمبادئ، صاروا يدورون حول الرجال وفوق المبادئ والعجيب أنهم وقعوا في إشكالية الازدواجية في حمل المبدأ: فهم إذا تكلموا عن الآخرين "فكلامهم صراحة وتصحيح، وتقديم للمبادئ على العلاقات والأشخاص. أما إذا تكلم غيرهم عنهم، فلا بد أن يحترم العلماء، ويتأدب معهم، إنها ظاهرة الكيل بمكيالين!


بقلم إبراهيم العسعس

المقدمة

ألا لا يمنعن رجلا هيبةُ الناس،

أن يقول بحق إذا علمه ([1])

إنها رؤية من الداخل، لأن التغيير يبدأ من الداخل.

وهي رؤيةٌ من الداخل، لأن كاتبها يؤمن بأن منهج السلف هو السبيل إلى إصلاح حال الأمة.

وهي رؤية من الداخل، فرضتها أحداث ومواقف كثيرة، مست المنهج، وتعدت الخطأ الفردي، فلم يعد يجدي أن تقول: لعل له عذراً وأنت تلوم. تأتي هـذه الدراسة في وقت الحاجة إلى البيان، بعد أن أصبحت "السلفية" وصفاً محتكراً في أيدي مجموعة من الناس، يظن الواحد منهم أنه قيم على منهج السلف، فينادي بأعلى صوته "أنا السلفية"، فمن كان "أنا" فهو "سلفي"، وإلا فليخرج من "السلفية" مذؤوماً مدحوراً.

وما كنا نحسب أنه سيأتي زمان يخرجنا فيه نقاد "السلفيين" من دائرة منهج السلف! ويخرجون فيه أهل العلم المعروفين بالتزامهم منهج السلف ويخرجون فيه العاملين المجاهدين المتمسكين بالسنة الرافعين لوائها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى وصف المسلمين بأنهم، جماعات الغلو، وأنهم أصحاب فتنة، وأنهم خوارج وأنهم يذكرون بالفئات المارقة عن الإسلام.. وانتهى الحال إلى تأليف كتب ورسائل، وإصدار أشرطة تسجيل في شتم المسلمين، وتصنيف العبادة من حيث قربهم من إلى السلفية".

لقد شوهت ممارسات "السلفيين" منهج السلف، وقزمته في قضايا معينة، وانعزلت به عن الواقع، حتى صار الانتساب إلى السلف، والمناداة بالسنة منقصة في نظر الناس، إذ عندما يسمعون عن السلف "والسلفية" يظنون أنهم المختصون بالأسماء والصفات، وبتحقيق الكتيبات... الخ الأمر الذي اضطرنا عند الانتساب إلى السلف أن نبيين للناس أن منهج السلف غير ما يرون، وخلاف ما يسمعون.

وكان من نتائج هذا الوضع أن عادت مقالات أهل الأهواء، ومناهجهم إلى الظهور، بعد أن عجز أهل السنة عن الارتفاع إلى مستوى منهجهم، والدعوة إليه، واستيعاب الناس الذين سروا بهم في البداية، ثم نبذوهم نبذ النوى، لما رأوهم تجمدوا عند قضايا لا يحيدون عنها([2]).

إن واقع "السلفيين" بحاجة إلى دراسة ومراجعة! والمأمول أن تكون هذه الدراسة دافعا للمخلصين الناضجين من أتباع المنهج! إلى دراسة الواقع وتشخيص حاجاته وأدوائه، وإلى إعادة دراسة أصول التوحيد، ومن ثم التفكير جدياً في إعادة جدولة الاهتمامات، وترتيب الأولويات.

إن غض الطرف عن مبدأ التعديل (الذاتي) أوقع "السلفيين" فيما انتقدوا عليه الناس قديماً، فنبذ التعصب للرجال، ومقولة الرجال يعرفون بالحق، وليس العكس، من أوائل المبادئ التي رفعوها، ثم لما أصبح لهم رجال رموز وقعوا في جدلية الرجال والمبادئ، صاروا يدورون حول الرجال وفوق المبادئ والعجيب أنهم وقعوا في إشكالية الازدواجية في حمل المبدأ: فهم إذا تكلموا عن الآخرين "فكلامهم صراحة وتصحيح، وتقديم للمبادئ على العلاقات والأشخاص. أما إذا تكلم غيرهم عنهم، فلا بد أن يحترم العلماء، ويتأدب معهم، إنها ظاهرة الكيل بمكيالين!

لقد أشفق بعض الاخوة بعض الصراحة، التي قد تزعج بعض "السلفيين، فطلبوا تغيير بعض العبارات، لا اعتراضا على ما تحمله من مضامين، لكن خشية أن تحمل ما لا تحتمل، أو أن تستغل في تفويت الفائدة المرجوة من الدراسة. ولم تكن هذه وجهة نطري، فإن قناعتي أن السائر في درب الإصلاح عليه أن يوطن النفس على ما سيصيبها من أذى.

وأنا لست مسؤولا عمن سيبحث عن صيد يشنع به على الحقيقة، "ومريض القلب تجرحه الحقيقة"، لأنني صاحب قضية، أكتب لنشر قضيتي. وأسلوب "رفقاً بالقوارير"، لا ينسجم مع فهمي للصراحة المطلوبة لتصحيح مسار السلفية، والدعوة إلى عقيدة التوحيد التي يراد لها أن تنحرف عن طريقها الصحيح. وحسبي أنني لم أتجاوز أدب العلم، ومنطق النقد المقبول. وإنني على أمل - إن شاء الله - من أن المخلصين الواعين من "السلفيين" سيرحبون بهذه الصراحة المنضبطة.

ولا بأس من التمادي في الأمل، فلأطمع - إذن - من* السلفيين. أن يطالعوا هذه الدراسة بتركيز وموضوعية، وليتوقف أحدهم قبل أن يغضب أو يتهم وليفكر ملياً، وليضع نصب عينيه مصلحة الإسلام والدعوة، قبل أن يتوتر من أجل بعض العبارات، التي قد يرى فيها شيئاً من شدة، وليتجنب الحيلة المتبعة للهروب من المسؤولية، ومواجهة المشكلة، حيث يصب كل الجهد في تضخيم بعض الشكليات، مصادراً بذلك الأفكار الجادة التي عرضتها الدراسة.

ونحن ـ في الحقيقة ـ لا نطمع كثيرا بمن ارتبطت مصالحه "بالسلفية" في شكلها القائم، فإن من هذه حاله يصعب عليه الانعتاق من شبكة العلاقات المعقدة التي يتصل معها، ويفيد منها، ولذلك فإننا نتوقع رفضه وبشدة.

ولكننا نخاطب الشباب المعتقد بمنهج السلف، الذي يرى أن لا نهضة للمسلمين إلا بإحياء الشباب الذي لا مصلحة له.

ونخاطب المسلمين ليعرفوا المنهج السلفي الحقيقي، وموقفه من القضايا المدروسة لعلنا نلتقي وإياهم لحمل الإسلام بدعوته؛ دعوة التوحيد…

نخاطبهم ونطمع منهم أن ينسوا النماذج التي بقيت زمناً ـ ولا زالت واجهات معروضة ـ باسم السلف والسلفية.

وأما من سيقول: إن الكلام يضر المنهج، وإن كان ولا بد فليكن في الغرف المغلقة! فأقول له: بل إنَّ الصمتَ هو الذي يضر المنهج وإن الصمت هو الذي يغتال المنهج، ويخنق الحق. ولم يزل معظم أهل الحق ـ منذ صفين ـ صامتين، متذرعين بالحكمة، ومتعللين بدرء الفتنة، حتى غصت الحلوق بالصمت، وساحت الفتنة في الأرض. ألا إن الصمت عار، عندما تكون الحقيقة مرة! أما حكاية الغرف المغلقة فهذه تصلح لمناقشة الشؤون الشخصية، أما عندما يتعلق الأمر بالمنهج، وبالممارسات العلنية المرتبطة بالفكرة، فإنها - أي الغرف - ليست محلاً للكلام. وبما أن الانحراف علني، فلا بد أن يكون التصويب علنياً.

وإذا كان الخطأ في العلن، فلا يجوز أن يكون التبرؤ منه في السر.

إن هذا البيان يجدد الدعوة إلى السنة، بمفهومها العام، وإلى منهج السلف. ويبين من هو السلفي وما هي قضية "السلفية"!

وأخيراً، فلقد حاولت ـ قدر استطاعتي ـ التزام آداب الحوار، وأصول النقد، وأسأل الله العفو إن أخطأت.

وسأحاول ـ بإذن الله ـ ألا أدخل في مهاترات وسفاهات من سيبقى واضعاً رأسه في الرمال، ناظراً إلى الأمور بعين واحدة، محولاً القضية عن مسارها الصحيح والمقصود.

وأتعب من ناداك من لا تجيبه، وأغيظ من عاداك من لا تشاكل.



عندما...



عندما يُخالف الشعارُ، فيُعرف الحقَّ بالرجال...

عندما يُقدم الأشخاصُ على المبادئ...

عندما تُزَور الحقائق، وتُنكًس الموازين...

عندما " يقرطس " الكتاب، فيُبدى بعضه، ويُخفى بعضه...

عندما يؤكل بالعلم، وتتحول الدعوة إلى حرفة...

عندما يُجَرحُ العامل المجاهد، ويعدل حِلسَ بيته...

عندما يحْجز التوحيد في القبور...

عندما تصبح المبادىء و الأصول في خطر...

وعندما لا يحتمل الوضع السكوت و التأجيل...

عندها يصبح...

الصمت خيانة،

السكوت جبناً،

التجاوز إثماً.

عندها لا بد من الكلام وبصوت مرتفع وعندها يَفْرِض علينا حق العلم أن لانُحابي أحداً.

بالتعاون مع موقع التغيير:
http://www.altaghyeer.com




([1])[رواه الإمام احمد 3 / 9والترمذي/ الفتن / باب ما جاء ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة وقال: وهذا حديث حسن صحيح].
([2]) ومما يؤسف له أن صورة مشوهة تركزت في أذهانهم عن منهج السلف، ولكننا -وبإذن الله - سنحاول محو هذه الصورة بهذه الدراسة وبغيرها

غاربله 02-09-2011 04:27 AM

السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (2)
 
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (2)
09-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
فإنني أعجب كثيرا من بعض المشايخ، وكثير من الأخوة، الملتزمين بنهج السلف، من حساسيتِهم تجاه هذا الموضوع ومحاولاتهم المستمرة على إثبات سلفيتهم عند بحث مسألة من المسائل التي يختلفون فيها مع محتكري الختم! فلماذا هذا الرعب؟! وهل غيركم أولى بالسلف منكم؟!

بقلم إبراهيم العسعس

كلمة في "المنهج":

تتردد كلمة المنهج في هذه الدراسة كثيرا، وبما أنها كلمة غامضة لدى كثير من الناس، يستخدمونها ويقرؤونها وهم لا يعرفون معناها، الأمر الذي أدى إلى خلط كبير، فقد رأيت أن أعرفها باختصار يُلقي بعض الضوء على معناها.

فالمنهج: طريق محدد يعتمد على خطة واعية.

أو هو: طائفة من القواعد العامة التي تنظم المعلومات والأفكار من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية، فعندما نقول مثلا: منهج "السلفيين" في التعبير، نعني: الطريق المحدد المعتمد على خطة واعية لإحداث التغيير. وعندما نقول: منهج علماء الحديث، نعني: مجموعة القواعد التي يعتمد عليها علماء الحديث لمعرفة صحيح الحديث من ضعيفة.

إن وضوح هذا البُعد، يقيد المتشدقين ـ أيا كانوا ـ، ويلزمهم بيانَ ما يقصدون من كلامهم: منهجنا في كذا..، فيظهر هل لهم منهجَ أم لا.

وهو ـ من بعدُ ـ يضمن لنا عدم انحراف أتباع المنهج ـ أي منهج ـ عن معالم! منهجهم، لأن وضوح المعالم يظل المقياس الذي نُرجِعُ إليه الأقوال والأفعال. وبهذا لن يعلو أحد على المنهج، بل سيبقى الكل تحته يخضعون له ويأتمرون بأمره. وبهذا تعرف قصد من قال (ولقد صدق): "خيرٌ للإنسان أن يعدل عن التماس الحقيقة، من أن يحاول ذلك من غير منهج".

* مقدمات:

(1) لست مضطراً لأن أذكر ـ معتذراًـ بأنني سلفي، وأنني أحترم فلاناً وفلاناً، وأكِن لهم خالِصَ التقدير، وأنني رضعتُ السلفية منذ نعومةِ أظفاري! لا أجدني مضطراً لهذه الاعتذارات التي تُقدم ـ عادةً ـ بين يدي حاملي ختم السلفية، خوفا من سلب وصف السلفية عن الناس، واتهامهم بالخَلفية. فإنَك ستعلم أخي القارئ فيما بعد بأن خَتْم السلفية ليس ملكا لأحد، ولا حكراً عليه "وسيرى الأخوةُ الذين ينتسبون إلى منهج أهل السنة، ويلتزِمون هَديَ السلف، بأنَهم إذا أخرجوا من السلفية من باب، فإن من أخرجهم سيُخرَجُ منها من مائةِ باب.

لا أحد بعد اليوم قيًمَ على السلفية، ومن اليوم لا بأس على المتبعين - على الحقيقة- لمنهج السلف مِن سَلبهم السلفية على أيدي إقطاعيي السلفية الذين انحرفوا بها عن الجادةِ، وملؤوها بالبدع. ولقد أشفقْتُ على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وهو يقدم لمقالاتِه المنشورةِ في مجلة "الفرقان" تحت عنوان "حوار في المنهج" بما يُثبِتُ سلفيتهُ خوفاً من سلبهاِ منه من محتكري الختم.

وأيضا، فإنني أعجب كثيرا من بعض المشايخ، وكثير من الأخوة، الملتزمين بنهج السلف، من حساسيتِهم تجاه هذا الموضوع ومحاولاتهم المستمرة على إثبات سلفيتهم عند بحث مسألة من المسائل التي يختلفون فيها مع محتكري الختم! فلماذا هذا الرعب؟! وهل غيركم أولى بالسلف منكم؟!

(2) ليكن معلوما بأن كلامنا في هذا البحث لا يعتني بالمسائل الفرعية، ولا يهدف إلى ترجيح قول على قول، فهو ليس بحثا فقهيا، ولكنه بحث منهجي، يذكر بالأصول، ويهتم بالقواعد.

(3) مصطلح "السلفية" بدعة، فهو لذلك مرفوض، وسيأتي بيان ذلك، إلا أنني مضطر لاستخدامه لأنه أصبح عَلما على فئة من أهل السنة. ومن هنا، فإن استخدامي له وصف للواقع وحسب. ومع ذلك ـ وحتى احتفظ بحقي في رفض المصطلح ـ فإنني سأستخدمه بين قوسين، تماما كاللفظ المترجَم ترجمة حرفيَة، تدليلاً على غرابته.

(4) قد يقال تسويغا لما سأورده من ملاحظات: إنها حالات فردية، وليست حجة على المنهج. فأقول: هذا موال سمعناه من الجماعات الإسلامية- حتى حفظناها. وشربنا منه حتى ارتوينا، ولو قبل ذلك قيل لوجدنا له مكانا، فابحث لك - يا أيها القائل - عن غيره. إن ما سأذكره ليس حالات فردية، بل هو انعكاس لمنهج، وانفعال بطريقة، وتأثر بتربية وتعليم، واقتداء برموز.

أرأيت عشرة إخوه، تسعة منهم على شاكلة واحدة، وطبع مشترك في سوء الخُلق، والاعتداء على الناس، هل لك أن تقول عن أحوالهم: سلوك فردي! أم لك أن تقول: قبح اللهُ بيتاً خرجتم منه؟ وهكذا الحال في موضوعنا، لأنك تجد نمطاً سلوكياً واحداً، وطريقة في التعامل مع الأحداث والمسائل سائدة، أفلا يدل كل هذا على منهج واحد في التربية؟.

(5) مضامين هذا البحث ليست رأياً لكاتبها وحده، وإنما هي لسان حال كثير من أهل السنة السائرين على هدي السلف، وهي كذلك مقال بعضهم ـ على استحياء ـ في المجالس الخاصة. وأسباب عدم تصريح هؤلاء وأولئك كثيرة منها: أن كثيراً من الأخوة تأخذهم هيبة الشيخ ناصر (رحمه الله) واحترامهم لعلمه وسنه واعترافهم بفضله وخدماته للسنة، لمعرفتهم بأن بعض الكلام سيصيب الشيخ (رحمه الله) وبعضه ستصيبه شظاياه.

ومع الاعتراف بعلم الشيخ وفضله وسنه، فهيبته محفوظة،غير أن هيبة الحق مقدمة عندنا، وخوفنا على منهج السلف من الانحرافات التي أصابته تضطرنا إلى تجاوز كل الاعتبارات الشخصية، وتوجب علينا تصحيح الأصول السنية التي بتنا نخشى عليها من التزوير والتلفيق.

وبمناسبة هذا الكلام، فإننا نرفض تحميل من حول الشيخ من التلامذة والمريدين القريبين كل الخطأ، وتبرئة الشيخ من كل ما يجري، على قاعدة إن الشيخ آخر من يعلم، بل الشيخ يعلم الكثير وإن الشيخ وطريقته ومنهجه من أسباب ما آلت إليه السلفية.
وبعد ….. فلا يفرحن مبتدع معلوم الإبتداع، أو من في قلبه مرض بما سيقرأ، فإن صراحتنا ليست قدحاً في منهج أهل السنة، ولا انتقاصاً من نهج السلف، وإنما هي تأكيد له، وتنقية له من كل شائبة تؤثر على انطلاقته الكبرى، التي ستقلع كل البدع، بدع القرن الثاني، وبدع قرننا هذا، بسيف التوحيد المتكامل، الذي لن يوفر شركاً من حدّه.

غاربله 02-09-2011 04:31 AM

السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (3)
 
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (3)
16-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
لقد حارب "السلفيون" اللافتات والألقاب التي يرفعها العاملون للإسلام، خاصة تلك التي تقتضي تحزباً وتكتلاً، وذلك لآثارها السلبية والخطيرة والتي أهمَها شق صف الأمَة، والتميز عنها بحيث تصبح اللافتات مقاييس اللقاء والمفارقة، وميزان التقوى وصحة الإسلام... حتى لقد كانت هذه القاعدة من أهم معالم المدرسة السلفية. وبعد أن اقتنع كثير من المسلمين بهذه القاعدة، إذ بدعاة الأمس، ومحاربي تلك البدعة من أكثر الناس وقوعا فيها، ومن اًكثر الدعاة التزاما بمعايير تفصلهم عن المسلمين


بقلم إبراهيم العسعس

* إشكالية النسبة وبدعية اللقب:

جاء رجل إلى الإمام مالك فقال: يا أبا عبد الله أسألك عن مسالة أجعلك حجة بيني وبين الله عز وجل، قال مالك: "ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، سل. قال: مَن أهل السنة؟. قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به".

(1) لقد حارب "السلفيون" اللافتات والألقاب التي يرفعها العاملون للإسلام، خاصة تلك التي تقتضي تحزباً وتكتلاً، وذلك لآثارها السلبية والخطيرة والتي أهمَها شق صف الأمَة، والتميز عنها بحيث تصبح اللافتات مقاييس اللقاء والمفارقة، وميزان التقوى وصحة الإسلام، وهذا ـ طبعا ـ بعد التأكيد على بدعتها، فالله سبحانه لم ينزل بها سلطانا. هكذا سمعنا كبار "السلفيين" يرددون ليل نهار، حتى لقد كانت هذه القاعدة من أهم معالم المدرسة السلفية.

(2) وبعد، أن اقتنع كثير من المسلمين بهذه القاعدة، واصبحوا يمقتون الحزبية والتفرق، والتميز عن المسلمين، وشق صفهم بالألقاب واللافتات، بعد كل هذا، إذ بدعاة الأمس، ومحاربي تلك البدعة من أكثر الناس وقوعا فيها، ومن اًكثر الدعاة التزاما بمعايير تفصلهم عن المسلمين.

لقد أصبحت "السلفية" لافتة، إن لم يكن بلسان المقال، فبلسان الحال، وإن لم يكن تصريحا فواقع التصرفات يُصرًح بذلك، وأي شئ تنفع بعد ذلك الدعاوى التي تنص على أن "السلفية" ليست حزبا، وأن "السلفيين" ليسوا متكتلين، إذا كان السلوك سلوكا حزبياً. أليس التقيد بالمصطلحات في مثل هذه الحالات سذاجة وسطحية!

إنَ هذا الوضع يتطلب منا أن نُبين الموقف من هذه الظاهرة التي تشكل خطراً على الدعوة إلى منهج أهل السنة. وكلامنا في هذا المبحث على مستويين، الأول: بدعية اللقب. والثاني: أنه مع افتراض شرعيته، فإن نتائجه تلزمنا بعدم استخدامه.

(3) لسنا "السلفيين" ولكننا المسلمون:

هكذا كانت البداية، وهكذا يجب أن تظل، وإذا كان ابتداء هذا اللقب من الآخرين، فلا ينبغي أن نفقد مناعتنا وننساق وراءه فنسمي أنفسنا به.

إن الاسم الذي ارتضى لنا رب العزةِ الانتساب إليه هو الإسلام، قال تعالى: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) الآية (الحج: 78) وهذا الاسم هو الذي أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع التحذير من غيره، فقال صلى الله عليه وسلم: "من دعا بدعوة الجاهلية، فهو من جُثا جهنم، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها: المسلمين عباد الله"[1].

ولقد سأل معاويةُ ابن عباس رضي الله عنهم فقال: أنت على ملة عثمان أو على ملة علي؟ فقال: لستُ على ملة علي، ولا ملة عثمان، بل أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(4) لسنا "السلفيين" ولكننا على منهج السلف:

كما علمتَ فإن الأصل الانتساب إلى الإسلام، والتمسك بالسنة. هذا هو الأصل، ومن كان على الأصل فلا يحتاج لإضافات أخرى. لكن عندما وقعت الفتنة، ورفعت البدعة ُ رأسها وانتَسبت، اضطر أهل السنة إلى الانصياع لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من التزام النهج الصحيح، فأعلنوا تمسكهم بمنهج السلف: أهل القرون الأولى (القرن هنا الجيل وليس مائة عام) في التلقي، فصاروا يعرفون بأهل السنة، وصاروا ينتسبون إلى منهج السلف، ولم يزيدوا على هذا. أما الذي يدعي بأن الانتساب إلى الإسلام، والتسمي بالسنة لا يكفي، لأن الكل ينتمي إلى الإسلام، والكل يقول: أنا على السنة. فنرد عليه:

أولا: نرفض "عند الحاجة" فنقول: نحن أهل السنة المقتفون لمنهج السلف. وثانيا نقول: أرأيت لو قال البعض ـ وقد قيل ـ: ونحن "سلفيون أيضا، وعلى منهج السلف، فهل عليك عندها أن تضيف قيدا آخر. فإن قال: الخضوع في مثل هذه الحالة للدليل، وليس للدعوى. فنقول: وهذا ما نريده، فالرجوع في تحديد موقف الناس من الكتاب والسنة إلى الدليل، وليس ادعاؤك "السلفية" بمُعفيكَ من طلب الدليل، ولا تجرد غيرك من الدعوى بمخصصه بالسؤال عن الدليل.

(5) سلفية: شرعة ومنهاجاً، لا في الفروع والفتاوى:

من أساليبنا نحن العرب في التعبير، التعميمُ والقطع بمناسبة وبدون مناسبة، وهو أسلوب نغطي به عجزنا عن التتبع والفصل بين الأشباه والنظائر، أي أنه أسلوب يُربحنا.

وهو أسلوب ينفعنا حيث نركَنُ إليه لقمع الآخر ولجمهم عن مناقشتنا أو التثبت مما نقول، فتجدنا نُكثر من مثل هذه الألفاظ: هذا هو الحقَ، أو كل ما عدا هذا باطل، أو أتحدى، أو أجمع علماء([2])الأمة... وبالطبع فإنَ الآخر عندما يسمع مثل هذه الألفاظ يصاب بالرعب.. ويلجأ إلى الصمت طلبا للسلامة من مخالفة "الحق" أو الوقوع في "الباطل" أو ثقب "الإجماع".

ومن هذه الألفاظ التي غدت سلاحا نُخرِس به الخصوم: ادعاؤنا بأننا "السلفيون"، وأن كلَ ما نقوله ونفعله: على منهج السلف، وهي عبارات يفهم منها "السلفية" قبل غيره أن أيً اختيار يَتعبد به فهو ـ وحده ـ موافق لمنهج السلف، وما عداه مخالف لمنهجهم.

وهذا فهم خاطئ، فالمسلم مُتبع لمنهج السلف في طرق الفهم، وأصول الأدلة وترتيبها، وليس في الفروع الفقهية.ولذلك فإنه لا يحق لأحد أن يدعيَ أن فتواه هي الفتوى السلفية، وأن ما عداها فَخَلفِيه وليس له أن يوالي أو يعادي على أساس هذه الفتوى، وليس له إقامة ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذه الفتوى، وليس له أن يجعل فتواه من أصول فكرته، وأولويات دعوته، التي لن يَصلحَ حالُ المسلمين إلا بالتمسك بها، وليس له ـ أخيرا ـ أن يدعيَ بان هذا ما كان عليه السلف إلا أن يجيءَ بإجماع مُثبت، وهيهات.. هيهات، وأنى له أن يأتي بالإجماع على كل المسائل، عِلما بأنه لا إجماع إلا في عصر الصحابة وفي مسائل محدودة.

(6) بدعية اللقب:

إذن فنحن مسلمون، وإن طلِب منا عرض منهجنا، فإننا نعرضه بالأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، مستعينين باجتهادات واختيارات السلف من الأجيال الثلاثة الأولى. والسلف غير "السلفية" والانتساب إليها. والمسلمون ليسوا "السلفيين".

قال ابن تيمية رحمه الله: "والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول: لا أنا شُكيلي، ولا قرفندي، بل أنا مسلم مُتبع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".

وقال رحمه الله: "والله تعالى قد سمانا في القرآنِ المسلمين المؤمنين عبادَ الله، فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا بها إلى أسماء أحدثها قوم وسموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان".

(7) أما المستوى الثاني:

فلنفترض شرعية التلقب بهذا اللقب، فإن حال من ينتسب إليه يقتضي تركه ونبذه لوقوعه في البدعة. والبدعة في هذا المستوى تظهر فيما يلي:

(أ) أنَ هذا الاسم أصبح لافتة تنضوي تحتها مجموعة معينة، تتخذ من بعض الاختيارات الفقهية ـ وليس المنهج ـ شعارا عليها.

(ب) امتحان المسلمين بهذه الاختيارات، وجعل اللقب معيارا للولاء والبراء، والحب والبغض.

قال ابن عبد البر رحمه الله: "لا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها([3]) ولا يوالي بهذه الأسماء، ولا يعادي عليها، بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم"([4]).

وقال ابن تيمية رحمه الله: "وليس لأحد أن يعلق الحمد والذم والحب والبعض. والموالاة والمعاداة واللعن بغير الأسماء التي علق الله بها ذلك: مثل أسماء القبائل، والمدائن، والمذاهب، والطرائق المضافة اٍلى الأئمة والمشايخ، ونحو ذلك مما يُراد به التعريف.... فمن كان مؤمنا وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صِنف كان" ([5]).

(ج) أصبح هذا اللقب من عوامل تفريق الأمة، داعيا إلى التعصب له، ولاختيارات علمائه، بدلاً من أن يكون ـ كما أريد له ابتداء ـ سببا في تجميع الأمة، ودافعا إلى الإلتزام بالسنًة وطريقة السلف!

إن الله سبحانه هو الذي سمى المهاجرين "مهاجرين" وهو عزَ وجل الذي سمى الأنصارَ "أنصاراً"، يعني أنهما لقبان شرعيان، ومع ذلك فانهما عندما استخدما في معرض العصبية، والتحيز لفريق ضد فريق آخر، صار استخدامهما ممقوتا، فقد أخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- أنه: "اقتتل غلامان غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجرين: يا للمهاجرين، ونادى الأنصار: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ أدعوى الجاهلية،... الحديث".

قال ابن تيميه رحمه الله: (فهاهنا الاسمان "المهاجرون" و"الأنصار" اسمان شرعيان، جاء بهما الكتاب والسنة، وسماهما الله بهما، كما سمانا المسلمين من قبل... وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله، ليس من المباح الذي به التعريف فقط، كالانتساب إلى القبائل والأنصار ولا من المكروه أو المحرم، كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى. ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفته منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وسماها "دعوى الجاهلية").

أقول: هذا في الاسم الشرعي الحسن المحمود، فماذا تقول في الاسم الذي يفضي الانتساب إليه إلى بدعة أو معصية، كما هو الحال في الانتساب إلى "السلفية".

(8) تنبيه لا بد منه:

سنعمد في المبحث اللاحق إلى اطلاع "السلفيين" على ما يجري حولهم، وكان مناسبا أن نأتي بالملاحظة التالية في ذلك المبحث. لكن لا بأس من ذكرها هنا لعلاقتها بموضوع المبحث، فهي من جهة علاقة "السلفيين" بالحياة تناسب المبحث اللاحق، ومن جهة علاقتها بإشكالية النسبة، تناسب هذا المبحث، فلا مانع من ذكرها في المبحثين.

ليكن معلوما أن مصطلح "السلفية" يستخدم من قِبل جهتين، كل جهة تقصد من إطلاقه قوما معنيين.

إما الجهة الأولى: فهي العاملين للإسلام، فإنهم يطلقون "السلفية" ويريدون بها تحديداً: تلك المدرسة الإسلامية التي تتًبع منهجا معينا تدعو إليه المسلمين، يعني أن مقصود هذه الجهة هم "السلفيون" الذين نتكلم عنهم.

وأما الجهة الثانية: فهم الآخرون، ممن هم خارج الدائرة الإسلامية العاملة للإسلام. من علمانيين، ومثقفين! ومستشرقين، ويسار إسلامي! وغيرهم من القائمة القاتمة.

وهؤلاء يطلقون "السلفية" ويقيسون بها كلً الدعاةِ إلى الإسلام، لأنهم يتمسكون بالماضي ويسعون إلى إحيائه، فمدلولُ المصطلح عندهم غير مدلوله عندنا، وهم يستخدمونه، ويستخدمون معه ـ كمرادف ـ أكثر من لقب مثل: الأصولية، الماضوية، المتطرفين.... إن إدراك هذا الفرق ليس ترفا فكريا، بل إنه على درجة، كبيرة من الأهمية، ليعرف حجم أفكاره ومدى تأثيرها في الواقع، وموقف الجاهلية منها.

فإذا عرفت هذا، فلك أن تعجب من كلام الشيخ محمد شقرة في رسالته "لا دفاعا عن السلفية لا، بل دفاعا عنها" في معرض رده على من يتهم "السلفيين" بأنهم خطر يتهدد أنظمة الحكم ويستهدف رؤوس الحكام، حيث يقول الشيخ: (أما عن التهمة الثانية، فهي التهمة التي يدندن حولها أعداء الإسلام هذه الأيام! وفي مقدمتهم اليهود إذ تناقلت وكالات الأنباء - منذ فترة - قول واحد منهم وهو (بيريز): "إن السلفية ليست خطرا على إسرائيل وحدها بل على كل أنظمة الحكم"، وقد عرفت - عزيزي القارئ - على ضَوءِ التفريق السابق أن (بيريز) يقصد من كلامه المسلمين الداعين إلى إعادة تحكيم الشرع في الأرض.

لقد نبهت إلى هذا الخطأ، حتى لا يظن "السلفيون" بأنهم يُقلقُون (بيريز) أو أنَ أعداء الإسلام المراقبين لحركته، باتوا يخشون من حركة تصحيح الأحاديث!! ومن حركةِ الدعوةِ إلى زي معين!! ومن جهود "تجار الورق" بإحياء كتيًباتٍ من مثل "القذْاذة في تحقيق محل الاستعاذة"، أو من مئات الكتب التي تتكلم عن الجنة والنار! فمثل هذه الكتيبات لا شك أنها أقلقت الدوائر الاستعمارية والصهيونية! كيف لا وهي تهدد وجودها.

وكم ذا بعمان من المضحكات *** ولكـــنه ضـحك كالبكاء.

واُذكًر بقاعدة مهمة، ذات علاقة وشيجة بهذه النقطة، وهي أن رفض الجاهلية لأفكارنا يدل على مدى تأثير أفكارنا عليها.. هذا وإن "السلفية" التي يقصدها (بيربز) هي "السلفية" التي هاجمها الأستاذ محمد شقرة في رسالته المشار إليها آنفا، وسمى حملتها، جماعات الغلو، لأنها تذكَره "بالطوائف المارقة من الإسلام، التي لا زالت دماء فتنتها تفوح حتى يومنا هذا"، هكذا وصف الأستاذ أتباع منهج السلف المدافعين عن شرع الله بما أداهم إليه اجتهادهم.

([1]) رواه الإمام أحمد 4/130/205، والترمذي كتاب الأمثال باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة، وقال :حديث حسن صحيح غريب . والجثاء جمع جثوة بالضم وهو الشيء المجموع.

([2]) وعندما تبحث لا تجد جمهوراً فضلاً عن أن تجد إجماعا

([3]) أي النسبة إلى المذاهب.

([4]) الانتقاء صفحة (35).
([5]) الفتاوى: جزء 28/ ص 227-2

غاربله 02-09-2011 04:33 AM

السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (4)
 
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (4)
19-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
فما الذي فعله السلفيون في هذا العصر؟ الذي فعلوه أنهم استحضروا مسألة الصفات وجعلوها عديل التوحيد، عليها يوالون، وعليها يعادون. واستحضروا مع هذه المسألة خصوم الإمام أحمد رحمه الله وأخذوا يناقشونهم وي***ونهم. واستحضروا مسالة شرك القبور والتمائم والرقي... وجعلوها شُغلهم الشاغل


بقلم إبراهيم العسعس

* "السلفيون" والتوحيد:

"ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" (النحل: 36) "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" (الأنبياء:25).

(1) العقيدة أولاً، نعم.. لأن بداية الأنبياء عليهم السلام كانت بها، وبداية محمد صلى الله عليه وسلم كانت بها، ولأن منطق البناء يقتضي أن يكون البدء بالأساس، والعقيدة هي الأساس. ومن المعلوم أن شعار عقيدة الإسلام وأسسها، ومنطلقَها هو التوحيد متمثلا بلا إله إلا الله. فبهذه الكلمة تُصلحُ انحرافاتُ العباد وضلالاتهم، وبها تُؤسس المفهمات السليمة المستقيمة. وهذا ما حصل، فلقد واجه وعالج النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة انحرافاتِ عصره عن العقيدة الحقَة. وذلك لأن لهذه الكلمةِ مراتب، كُل مرتبة تواجه وتعالج انحرافا معينا، أي أنَها تنقضه وتعرضُ بديله، ولقد شرحت آياتُ القرآن الكريم، وأحاديث النبيً صلى الله عليه وسلم مراتبَ هذه ا لكلمة، وهي:

1 - إثبات وجود الله سبحانه وتعالى ووحدانيته.

2 - أن هذا الإله سبحانه هو وحده الخالق المتصرف في شؤون البشر.

3- أن هذا الإله سبحانه هو وحده المستحق للعبادة، والاتباع، والطاعة والخضوع...

(2) ولقد عرض النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد بمراتبه كلها، لانه صلى الله عليه وسلم يؤسًس لعقيدة جديدة، ولأن الانحرافات في عصره كانت متعددة الأوجه. لكننا نعلم من آي القران الحكيم، ومن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن التركيز الأكبر كان على المرتبة الأخيرة، وهي استحقاقه وحده سبحانه! للعبادة والخضوع والطاعة والاتباع، وذلك لأنَ الانحراف الأكبر والمهم كان في هذه المرتبة، ولأن المراتب قبلها داخلة فيها، والإيمان بها يستلزمها جميعا.

(3) ولقد فهم كفار قريش لا إله إلا الله كما ينبغي لها أن تُفهم، فهموا أنَ الله موجود، وهذا أمر كانت تؤمن به أغلبيتُهم، وفهموا أنَ الله خالق متصرف رازق.... الخ، وهذا أمر كانت تؤمن به أغلبيتهم أيضا، وفهموا أن الخضوع والإتباع والطاعة يجب أن تختصً بالله وحده، ولكنه فهم لم يناسبهم فرفضوه، وقاوموا الدعوة لأجله.! وهكذا كان أقوام الأنبياء السابقين، فلقد رفض السابقون ـ ولا زال الناس فيه كذلك ـ اختصاصَ اللهِ بالحكم والتشريع، فقضية الأنبياء مع أقوامهم كانت في توحيد الإلهية، وبعبارة أخرى ـ إن شئت ـ: كان الصراعُ قائما حول النسبةِ المسموح بإعطائها لله سبحانه ليتدخل في الأرض، فأعداء التوحيد يصرون على بقاء الرب في السماء، والأنبياء يصرون على أنه سبحانه: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) (الزخرف:84).

إذن كان الانحراف الرئيس عند مشركي ذاك الزمان في توحيد الإلهية، وهو التوحيد الذي وُسِمُوا بالشرك لعدم تحقيقهم له، فهو لب العقيدة الإسلامية وهدفُها ا لأساس.

(4) فكيف كان منهجُ السلف في عرض العقيدة؟

كان منهجُهم يتمثل عرض لا إله إلا الله بشموليتها وبمراتبها، ولكل مقتضياتها، مع تركيزهم على ما ركز الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عليه، أعني توحيدَ الإلاهية، لإدراكهم أنه مفتاحُ الدخول في الإسلام، في حين قد يظنُ كثير من الناس أن توحيد الربوبية هو المفتاح مع العلم أن توحيد الربوبية أمره بين، فالذي يُنكر تفرُد الله سبحانه بفعل من أفعاله يكفر عند صبيان المسلمين، أما توحيدُ الإهيةِ فقد ينحرف فيه الإنسانُ وهو يظن أنَه يُحسِن صنعا. هكذا كان منهجهم في الظرف الطبيعي دعوة وتعليما.

فكيف كان منهجهم عند سماعهم بانحراف ما؟ ذلك يعتمد على إدراكهم لواقع ذلك الانحراف، فإذا أدركوه عالجوه بلا إله إلا الله، ومراتبها ومقتضياتها المتعلقة بذلك الانحراف، بل كنت تجدهم إذا خشوا انتشار بدعةٍ عقدية في المجتمع يجعلونها شغلهم الشاغل، وهمهم الوحيد، ومقياسهم في الانتساب إلى أهل السنة، موالين ومعادين على أساسها([1]). وهذا يفسر لك ـ عزيزي القارئ ـ تركيزَ الأئمة على مسائل بعينها في مراحل التاريخ المختلفة، والامتحان بها.

فلا تتعجب إذا وجدت كتابا في العقيدة لا يتكلم إلا في مسائل الصفات، أو القدر والإرجاء، أو كتابا لا يتحدث إلاَ في مسائل الكلام ومتعلقاته، فهنا الكتب لا تمثل كل العقيدة، وإنما تمثل القضايا المثارة في تلك الأزمان. وبعد هذا ندرك لماذا ركز السلفُ في مرحلة معينة على مسائل الصفات، وجعلوها المعيار، حتى ليعتقد الدارسُ أنًها مفتاحُ الإسلام، ومقياسُ الولاء والبراء([2]).

(5) لقد كان من فقه السلف أنهم تجاوبوا مع حاجات واقعهم، وتفاعلوا معه، وكانوا بالفعل أبناء عصرهم. وأنت عندما تسمع الشافعي رحمه الله يقول: "القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها، أهلَ الحديث الذين رأيتهم، وأخذتُ عنهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأنَه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء([3]).

أقول: عندما تسمع هنا الكلام فلا تعتقد أن الشافعي يقصد عرض العقيدة؟ الإسلامية بأركانها وشروطها عرضا أكاديميا تفصيليا، ولا تعتقد أنَ الذي ذكره هو جميع السنة([4]). كلا... فالذي يريده الشافعي رحمه الله بيان مسألة شَغَلت الرأي العام في عصره فيقضي فيها ناقلاً موقف السلف منها.

وعندما تقرأ كلاما لابن تيميه رحمه الله يقول فيه: "وقد يراد به أهلَ الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من أثبت الصفات لله تعالى". ويقول: "إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يُرى في الآخرة* ويُثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة"([5])، تدرك أن ابن تيميه رحمه الله يتكلم عن مسائل أثيرت في عصرٍ من العصور، حتى لقد اصبح مصطلح أهل السنة والحديث لا يُطلق إلا على من يُثبت الأصول المذكورة، وبالطبع ليست هذه المسائل هي وحدها التي يُعرف بها أهلُ الحديث والسنة، وإنما الكلام عن مرحلة معينة، وموضوع محدد.

إن كل مصطلح تسمى به أهلُ السنة، إنَما كان في مواجهة انحراف معين، فهم أهل السنة في مقابلة أهل البدع والمقالات المحدثة، كالشيعة والخوارج، وهم أهل الحديث في مقابلة التوسع في الأخذ بالرأي، وهم أهل الإثبات في مقابلة أهل التأويل... وإنه ونتيجة لظروف تاريخية خاصة صار يتبادر إلى الذهن عند سماع لفظ السلف مسائل الأسماء والصفات، من كلام، ورؤية... الخ، أي أنَ هذه المسائل غَدَت فاصلاً بين السلف والخلف. وبهذا اختلط التاريخي المؤقت المرتبط بظرف خاص، بالشرعي العام المطرد الشامل.

(6) فما الذي فعله السلفيون في هذا العصر([6])؟

الذي فعلوه أنهم استحضروا مسألة الصفات وجعلوها عديل التوحيد، عليها يوالون، وعليها يعادون. واستحضروا مع هذه المسألة خصوم الإمام أحمد رحمه الله وأخذوا يناقشونهم وي***ونهم. واستحضروا مسالة شرك القبور والتمائم والرقي... وجعلوها شُغلهم الشاغل.

واستدراكا، وقبل أي اعتراض، فليس الاعتراض على ضرورة تعليم الناس الحق، ولا على ضرورة توضيح هذه المسائل المهمة، ولكن الاعتراض أن تجعل هذه المسائل موضوعا للنهضة، وأولوية من أولوياتِ العمل الإسلامي في هذا العصر، مع وجود الانحراف الأكبر، والشرك الأعظم، وهو الانحراف عن شرع الله سبحانه، والشركُ في طاعته، وعدم الخضوع لحكمه، الذي ينبغي أن يكون موضوع التغيير، وأول المطلوب، لا أن يوضع على الرف، أو يُذكر على استحياء رفعا للعتب.

(7) إن الانتساب لهذا الدين لا يتحقق إلا بالكفر بالطاغوت، وإن رأس الطواغيت من يحكم بغير ما أنزل الله.. وما نراه من "السلفيين" غير هذا، وهم إن ذكروا هذه المسألة، فإنما يذكرونها بين يدي ضرورة نبذِ التعصب للمذاهب، أو في معرض الكلام النظري لتحقيق المسألة. أي أنهم لا يتعاملون معها على أنها هدف من أهدافهم.

إنَهم لا يتعاملون معها على أساس أنها اعظم شرك في هذا العصر، وأنها بدعة القرن، فأين العقيدة أولاً؟ وأين لا إله إلا الله؟ وأين الدعوة إلى التوحيد؟، والتحذير من الشرك([7])؟ مع انك عرفت - الحق عزيزي القارئ - أن توحيد الإلاهية هو أصل عقيدة الإسلام، وأن الدعوة إليه هو الواجب الأول والأهم، وبه تُعالج انحرافاتُ الخلق.

وكما عارض به ابنُ تيمية وابن عبد الوهاب شرك القبور، علينا أن نرفض به شرك القصور. لكن "السلفيين" قزموا التوحيد، وحصروه في مسائل معيًنة، فَشَوهوا حقيقة الدعوة إلى منهج السلف، بحيث أصبحت الدعوةُ إلى "السلفية" دعوة إلى شعبة من شعب الإيمان! ومن يقرأ كلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب رحمهما الله، ثم ينظر في أحوال من ينتسب إليهما لا ينتهي عَجَبُه، وتكفيني قراءة النص التالي لابن عبد الوهاب رحمه الله، ليُقارَن بين فقه هذا الإمام وقضيتهِ، وبين "سلفية" هذا العصر!

قال رحمه الله:

"فالله الله يا إخواني، تمسكوا بأصل دينكم وأولِه وآخره ورأسه، ورأسه شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها، وأحبوها وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت وعادوهم، وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم، أو لم يُكَفرهُم أو قال ما علي منهم، أو قال ما كَلفني اللهُ بهم، فقد كَذَب على الله وافترى، فقد كَلفه اللهُ بهم، وافترض عليه الكفرَ بهم، والبراءةَ منهم، ولو كانوا إخوانَهم وأولادَهم"([8]).

(8) لا أريد ـ في الحقيقة ـ أن أشرح قضية الطاغوت، والحكم بما أنزل الله، فلهاتين المسألتين بحثهما في كتاب آخر، ولكنني أقول وحَسْبِي: إن بدعة هذا العصر الكبرى هي الحكمُ بغير ما أنزل الله. وإن الشرك الأكبرَ في هذا العصر هو شرك الحاكمية. وإن "السلفية" الحقيقية هي التي تحارب البدعةَ القائمة، والشركَ الواقع، وإلا فإن شتم ابنَ عربي، ونقدَ المعتزلة، واتهامَ القبوريين، سهلٌ جداً لأنه نقاش مع الأموات، وصراعَ مع طواحين الهواء!

نقمت على المبرد ألفَ بيت *** كذاك الحي يَغلبُ ألفَ مَيتِ

ثم لا بد من تحديد الموقف وبوضوح، هل "االسلفيةُ" مدرسةً متخصصةَ بمسائل معينة، فليس لنا ـ عندئذ ـ أن نلومها؟ أم هي حركة إسلامية شمولية، هدفها تغيير واقع المسلمين. واستئناف الحياة الإسلامية، كما يقولون؟ فلتحدد أولوياتها، ولتبين بماذا ستبدأ، وبأي شيء سَتَمتعن ( ستمتحن )، وعلى أي شيء ستوالي وتعادي. أما أن يبقى مقياس العقيدة الصحيحة و"السلفية" النقية، مسألة الأسماء والصفات، مع عدم الالتفات إلى الأمور الأخرى، فأمر مرفوض، وليست هذه هي "السلفية" حتما.

(9) أمَا "السلفيون" الحقيقيون، بل: أمَا أهل السنة أما المسلمون، فإنهم يخاطبون الأمة بلا إله إلا الله كما أمر ربهم، ووصى نبيهم صلى الله عليه وسلم، لا إله إلا الله بأركانها وشروطها ومقتضياتها. وهم يركًزون على توحيد الإلوهية التي جعلهُ اللهُ سبحانه وتعالى الدليلَ على إسلام المرء، وإن مقياسَهم في الولاءِ والبراءِ هو موقفُ الناس من الحاكم بغير ما أنزل الله، ومن الراضي عن الطاغوت.

إنَ مقياسَ العقيدة النقية و"السلفيةِ" الصحيحة، توحيدُ الألوهية، وتوحيدُ الإلوهية هو توحيد الطاعةِ والاتباع والخضوع.... بهذا التوحيدِ نَمْتَحن وبه نوالي وبه نعادي. وإن الحكم بشريعة رب الأنام، هو الذي ينبغي أن يكون شعاراً لأهل السنة، وفارقا لهم عن أهلِ البدع الذين يُهونون من شأنِ هذه القضية الخطيرة! هذا هو منهجُ السلف، وهذا هو فقههم، وغير ذلك.... فغاية القُصورِ في التوحيد أن يقبع التوحيد في القُبور.



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) من الفقه أن يكبر العالم الانحراف البارز في عصره ويضخمه، ويشتغل به ليلاً ونهاراً ليكون حديث الناس.

([2]) منعا للتصيدِ، وتوضيحا أقول: لا أقصد التهوين من شأن هذا المسألة. بل أدعو إلى التفريق بين وجوب تعليمها والدعوة إلى القول الحق فيها، وبين جعلها موضوع امتحان، ومعيار ولاء وبراء في كل الأوقات في الوقت الذي تكون فيه، وقد يرد به القضايا مقصراً فيها، إن الكلام في ترتيب الأولويات فقط.

([3]) مختصر العلو ص 176.

([4]) السنة في استخدام السلف تعني أصول العقيدة.

([5]) منهاج السنة النبوية 2/ 1، كلامه رحمه الله عن لفظ (أهل السنة).

([6]) الكلام في واقع الحال، وليس في الدعاوى.
([7]) وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى اتهام من يعمل من أجل هذا القضية بأنه من الخوارج، وجماعات الغلو..، كما سترى قريباً.

غاربله 02-09-2011 04:35 AM

السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (5)
 
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (5)
22-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
فقد كان المأمول أن يبقى "السلفيون" متمسكين بالشعارات التي رفعوها عن التعصب المذهبي والغلو في الأئمة، وجمع شمل الأمَّة، والتواضع العلمي، والتضلع بالعلم،... ولكنهم ـ وللأسف ـ تنكًبوا كل ما رفعوه، فخالفوا منهج السلف. والناظر في أحوالهم يلمس غلواً في مشايخهم، وتعصبا لأقوالهم التي غدت مذهباً يوالون ويعادون عليه، واستعلاءً علميا، بحيث لا عالم عندهم إلا الذي يقرأ بعض الكتب، ويتشدق بمصطلحات خاصة.


بقلم إبراهيم العسعس

* "السلفيون" والجرح والتعديل

"اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"

كان يحيى بن معين يقول في عروة بن عبيد إنه دهري([1])...

(1) ليس الجرحُ والتعديل المذكور في رأس الصفحة هو الجرح والتعديل الخاص بعلم مصطلح الحديث، فذلك علم توقف على رأس المائة الثالثة، كما قال الذهبي رحمه الله. لكنه الجرح والتعديل من حيث هو قياس المسلم على مجموعة القيم والثوابت الإسلامية. هذه القيم والثوابت هي التي ينبغي أن يقوم المسلم على ضوءها، وأن يُوالى أو يُعادَى عليها، وهي من الوضوح والاتفاق عليها بحيث يُسمَى المخل بواحدة منها كافراً أو فاسقا أو عاصيا([2]) أما غيرها من المسائل التي تحتمل الاجتهاد، ويسوغ فيها الخلاف، أو المباحات، أو المسائل التي تقتنع بها مجموعة من الناس، فهذه ليست ميزاناً للقاء والمفارقة، فاللقاء على المنهج وليس على مثل هذه المسائل.

(2) هذه القضية واضحة، أو هكذا يجب أن تكون، لكن المشاهد من حال الجماعات الإسلامية غير ذلك، فكل جماعة تبنت مجموعة من المسائل في الفقه أو في طريقة التغيير... الخ، وجعلتها علامةً على الوعي أو على صدق الانتماء أو على صحة وصفاء العقيدة... الخ، وغيرها من مصطلحات التعديل.

(3) "والسلفيون" من هذه الجماعات التي تبنت مجموعة من الاختيارات، مَن وافقهم عليها فقد نجا، ومن خالفهم فليس سلفيا!

ولقد أصبح قولهم: ليس سلفيا، عبارة من عبارات التجريح التي يرفعونها في وجه من يجرؤ على مخالفتهم، ولأن كلمة "السلفية" كلمة عزيزة على قلوب المسلمين، فقد باتوا يَخْشَوْن أن تُسلب منهم، فصاروا لذلك يشعرون بضعف أمام "السلفيين".

(4) والمختلط.. بـ"السلفيين" يلاحظ ـ من واقع الحال ـ أنهم ينظرون اٍلى "المتبَنْطِل" نظرةَ انتقاص، وينظرون إلى "المسبل" نظرةَ استعلاء، ويتكلمون عن أفراد يوم السبت بالصوم من غير الفريضة كأنهم يتكلمون في التوحيد…الخ ثم إنهم يقيّمون المسلمين بهذه المسائل، هذا مع أنها مسائل فقهية يسوغ فيها الاجتهاد، ويُقبل فيها الخلاف، ولها تخريجات أخرى غير الذي يراه الشيخ ناصر الألباني ـ رحمه الله ـ.

أين هذا السلوك من قول يحيى بن سعيد: "ما برح أولو الفتوى يُفْتُون، فيحل هذا، ويُحرًمَ هذا، فلا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله، ولا المحلُّ أن المحـرمَ هلك لتحريمه".

(5) ضعف أحدهم رجلا، فقيل له: لم ضعفته؟ فرد الناقدُ "الشاطر": ذكِرَ مرة عند حماد فامتخط([3]). فأي سذاجة هذه؟!

ولا تظن ـ أخي القارئ ـ أن الأمَة قد خسرِت هذه الشطارة، فلا زال أمثال هذا الناقد البصير موجودين، يجرحون بما ليس بمجرِّج، فتجدهم يتهمون من يعمل في السياسة! وتراهم يتندرون على من يدرس فقه الواقع([4]) ثم إنَهم ابتكروا مرتبة جديدة من مراتب الجرح والتعديل، واستخدموا لها عبارة دقيقة جداً!. بلغ من دقتها أنك لا تستطيع فهمها إلا وأنت واقف على رأسك!. فلقد سئل الشيخ مرة عن أحد الدعاة الملتزمين بمنهج أهل السنة([5])، ولكنَه يهتم بفقه الواقع ويتابع السياسة([6])، فأجاب الشيخ قائلاًً: هو سلفي العقيدة، إخواني المنهج! فلتقًف النقاد الصغار هذه العبارة ووصفوا بها من كان على شاكلة ذلك الأخ المسؤول عنه!

فإذا سئل أحدهم عن العبد الفقير مثلاً، قال: هو سلفي العقيدة، تحريري المنهج! وأنا أجزم بأنه لو سئل عن معنى هذه العبارة لما وجد جواباً، كيف لا وهو كابنة الجبلِ، مهما يقل يقل.

ومن العبارات التي يقمعون بها إخوانهم قولهم: هذا سُروري! والعجيب أنَ "السلفيين" ما إن يسمعوا هذا الوصف حتى يعادوا الموصوف! ولك أن تتساءل متعجبا: لماذا؟ هل قناعة "السلفي" بأنه لا بد من الحياة ضمن الخارطة، وداخل التاريخ، يجعله: سلفي العقيدة، (إخواني أو تحريري أو سروري) المنهج؟!! وهل فقه الحياة خارج عن منهج السلف؟!.

لقد صدق من قال: عش رجباً ترى عجبا! وما زالت الأعاجيب تترى، كلما انقضى عجبٌ تبعه عجب! وكأن الشاعر قَصَدَ القوم عندما قال:

جعلتم ذنبنا أنا سمعنا وما الآذان إلاّ للسماع.

(6) والأدهى والأمر من كل ما مر، تعديلُ وتفضيل الموافق حتى لو عمل ما عمل!

فالسلفيون يجعلون إثبات الأسماء والصفات عقد الولاء والبراء، فمن أثبت فليفعل ما يشاء، حتى لو انحرف في توحيد الإلاهية، وفي الولاء والبراء، ووقع فـي محظوراتٍ شرعيةٍ بينة، وهذا عكس للقضية، فإن أهل السنة يُفضًلون الأتقى لله، ويعدلون بتوحيد الالاهية الذي من انحرف فيه فقد وقع في الشرك خلافا لمسألة الأسماء والصفات.

قال يعقوب الفسوي: "سمعت إنسانا يقول لأحمد بن يونس: عبد الله العمري ضعيف؟. قال: إنَما يضعفه رافضي مبغض لآبائه، ولو رأيت لحيتَه وخضابَه وهيئتَهُ لعرفت أنه ثقة". أرأيت؟ لقد وثقه لطول لحيته، وشكل لباسه، ولون خضابه! فما أدقهُ من توثيق! وبما أن الرجل محقق لهذه المهمات فهو ثقة، والذي يمسه بكلمة مبغض لآبائه! ويخيل إلي أنَ لسان حال "االسلفيين" يقول: "لا يضر مع إثبات الأسماء والصفات ذنب، كما لا تنفعُ مع فقه الواقع طاعة"([7]).

إن هذه الحالة، حالة نفسية، فالملتزم مع جهة معينة يظن من كثرة ما يسمع من اهتمامات جهته أن ما يسمعه هو الدين، فتراه ـ لذلك ـ ينظر إلى الآخرين نظرة استعلاء، ثم ينظر إلى نفسه وإلى من يحمل آراءه بأنَهم حققوا قمة الالتزام، فلا تثريب عليهم بعدها إن صدر عنهم أي شئ. ومجموعة التبرير جاهزة لتفنيدِ أي([8]) تهمة، فالسرقة اقتباس، وطمس توحيد الإلاهية تكتيك، حتى من كثرة التسويغات وكأنهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"([9]).

* "السلفيون" والفـقــه : "سلفية" أم - ناصرية؟!

ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً من إخواني أن يأخذ به "سفيان الثوري

(1) يتعامل "السلفيون" مع مسائل الفقه كما يتعامل المسلمون مع قوله تعالى: (أفي الله شك) (إبراهيم:10)، فالرأي الذي يَرونَه هو الرأي، والقاعدة عندهم معكوسة منكوسة، فرأيهم صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب!.

وهذا المنحى مخالف لمنهج السلف في الاجتهاد([10])، فما زال العلماء يختلفون فلا يُنكر بعضهم على بعض، ومازالوا يُنبهون على أن الخلاف في مسائل الفقه، لا يقتضي موقفا من الآخرين، وهذه بعض عباراتهم:

قال سفيان رحمه الله: "إذا رأيتَ الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلِفَ فيه وأنت ترى غيره فلا تنههُ".

وقال أحمد رحمه الله: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناسَ على مذهب ولا يُشدد عليهم"

وقال ابن تيمية رحمه الله: "والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله، وأما إذا خالف قولَ بعض الفقهاء، ووافق قول بعض آخرين، لم يكن لأحد اًن يُلزمه بقول المخالِف، ويقول: هذا خالف الشرع"

(2) وقد سبق وأشرتُ إلى بعض المسائل في المبحث السابق التي ألحقها "السلفيون" بدائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([11])، مثل مسألة اللباس، والإسبال، وصيام السبت،... وللحقيقة فإن البعض ما عاد يُثير هذه المسائل، لكن الجو العام عند "السلفيين" النظر لمن يخالفهم فـي هذه المسائل نظرة انتقاص، حتى إن بعضهم يتحرج من الصلاة خلف المتَبَنْطِل!.

ولعلهم ـ وهذا ظن مني ـ يَعدون الأخذ باختياراتهم في هذه المسائل من الأولويات، أولويات الدعوة، لأنهم يفهمون (وهذا ظن مني أيضا) أن الالتزام بهذه المسائل داخل في قول الإمام مالك رحمه الله: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"!.

(3) والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن الآفة السابقة مرتبطة ارتباطا عضوياً بالآفة التالية: وهي أن "السلفيين" يتعاملون مع فقه الشيخ ناصر الألباني ـ مثلاً ـ واختياراته، وكأنه فقه السلف، هكذا بالألف واللام الدالتين على العهد والاستغراق "ونتيجة لهذه الآفة تتشكل القضية في عقل "السلفي" على النحو التالي:

إذا كان هذا هو فقه السلف، فالفقه الآخر خارج عن فقه السلف، وهي معادلة تلقي في رُوع "السلفي" تلقائيا أن الفقه الآخر فقه مذموم. وهي نتيجة لها انعكاس على السلوك والمواقف.

(4) علم نفس الدليل!

والسؤال المهم في هذا السياق هو: لماذا يتصرف "السلفيون" هكذا؟! لأن هذه الآفة مبنية على مقدًمات عن الإتباع، والدليل، والسلف، والحديث الصحيح، والتزام السنة، وفتح باب الإجتهاد،....، وكما ترى فإنها مقدمات صحيحة، فلا اعتراض عليها، وإنما البحث في كيفية التعامل معها، وفي المآل الذي آلت إليه طريقة "السلفيين" في استخدامها. والذي يحدث أن المسلم إذا عرف عن عالم بأنه يأخذ بهذه المقدمات ويدعو إليها، ينشأ عنده نوع من التسليم لفتاوى هذا العالم من دون نقاش، وقد كنت ألحظ هذا المزلق من نفسي: فعندما كنت أسمع فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -مثلاً- أجد اطمئنانا وقبولاً لا أجده عندما أسمع فتوى للشافعي رحمه الله، أو لغيره من المجتهدين، وكأنهم يُفتون بلا أدلة! وهذا هو موقف "السلفي" من فتاوى الشيخ ناصر -رحمه الله - حيث يتقبلها باستسلام لوجود نفس المقدمات - المشار إليها - في ذهنه، وهو بعد ذلك يحاول فرض الفتوى على الآخرين من خلال التقديم بهذه المقدمات، فتفعل فعلها في نفوسهم. ولك أن تُسمًيَ هذه الحالة بعقدة الدليل، أو برعب الدليل([12]). هذا هو السبب ـ باختصارـ الذي يؤدي إلى التعامل مع فتوى الشيخ بما يلي:

1- بنظرة أحادية، أي أنها الحق الذي لا مِرية فيه، وغيرها خطأ لا صواب فيه!.

2- بأنها هي "الفتوى السلفية".

(5) لقد أدى هذا الوضع إلى قيام مذهب جديد، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، أو لنقل بكل الأركان التي لا بد من توفرها لقيام مذهب، فهناك: إمام مجتهد، ومؤلفات، ومنهج أصولي، وفتاوى، ومقلدون متعصبون! فماذا بقي؟! أليس هذا مذهباً؟.

وحتى لا اُفهم بصورة خاطئة فإنني أًبين ما يلي:

لا اعتراض على أن الإمام مجتهد، ولا على أن الفتاوى مهمَّة ونافعة، ولا على أن المنهج الأصولي ـ في أغلبه ـ صحيح، ولا على أن الفتاوى المستمدة من هذا المنهج علميَة([13]) ـ في أغلبها ـ، إنما الاعتراض على المقلدين المتعصبين، وعلى المقلد الذي يرى ويسمع ولا تعليق!.

(6) وعليه فلك أن تعجب، إذا عرفت أن منهج أهل السنة العلمي الذي دعا إليه "السلفيون" منذ زمن - عدمُ وضع أي عالم مهما بلغت درجته العلمية في منزلة من لا يُسأل عما يُفتي، أو عمَا يُصحح ويُضعف من الأحاديث. وإليك بعض الأمثلة الدالة على ما قلت: المثال الأول: يعرف طلاب الحديث أن وصفَ عالم لكتابه بالصحيح لا يعني أنه كذلك، ويعرف طلاب الحديث - لذلك عدم كفاية الإحالة - عند التخريج - على كتاب وُسِم بالصحة، أو على حديث صحًحه أحد النقاد دون مراجعة. وهذه قاعدة أكد عليها "السلفيون" كثيراً، وقد سِرنا على ذلك مع أمثال أبي داود، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبَان... حتى إذا استقرت القاعدة أو كادت، إذا بالكتبة "السلفيين" يُخرجون الأحاديث في الحواشي بطريقة رفضوها في حق الترمذي وأقرانه، وقبلوها في حق الشيخ ناصر فما ينفع القارئ أن يقول له كاتب "سلفي" صحيح الجامع، أو صححه شيخنا؟! هذا مع أنَهم لا يقبلون من مخرج قوله: حسنه الترمذي.

فإن قيل: ثبت أن تحسين الترمذيَ لا َيطرِد قلنا: وثبت أيضا أن تصحيح الشيخ لا يطرد.

المثال الثاني: ما معنىْ أن يؤلف "السلفيون" كتباً عارية من الدليل؟ ولماذا علي أن أقبلها، في الوقت الذي يحرم علي فيه أن أعتمد على كتاب لعالمٍ ليس "سلفياً" خلى من الدليل؟ الجواب واضح إذا استحضرت عقدة الدليل: فالأول يقول لك: لقد اعتمدتُ الدليلَ الصحيح، ولقد تحريتُ اتباع السنة، ولم أتعصب، ولم أقَلد الرجال؟. الخ هذه العناوين التي ما أنْ يقرأها المسلم حتى يَقبل تبنًيات الكاتب "السلفي" باستسلام مُطلق.

وهذا تجده في بعض رسائل الشيخ ناصر، وكتب الشيخْ محمد شقرة، فلماذا هذا التراجع عن المنهج؟!

المثال الثالث: حذر العلماء سابقاً من نمطٍ من الطلاب الذين يعتمدون على الكتب وحَسْب، وسمَوا من هذه حاله بـ"الصُحفي". ومع تقدم وسائل الإتصال! نَبَتَ طلاب من نمط جديد يعتمدون على الهاتف، لا مانع من تسمية من هذه حاله "بالهاتفي"! فمن هذا "الهاتفي"؟ إنه الذي يتصل بالشيخ ناصر الألباني ليستفتيه، فيجيبه الشيخ باختصار يتناسب مع الوقت المخصص للمكالمات، فإذا حاول السائل التحقق والإضافة يضيق الشيخ به، ولا يسمح بالإطالة، وإلى هنا، لا حرج ولا تثريب.

لكن الحرج والتثريب في طيران ذلك.. "الهاتفي" بالفتوى لينشرها على الملأ، وهو لا يدري ـ لأنه "هاتفي" ـ من أين أخذها الشيخ، ولا كيف استنبطها، وهل إذا كانت صالحة لنازلته، تصلح لكل نازلة؟ وكيف يُحقق مناطها؟ وتجده إذا سئل أجاب، وإذا نوقِش ناقش، فإذا سألته من أين لك هذا؟ أجابك ـ وهو مسرور ـ: سألت الشيخ على الهاتف: ثم بعد ذلك يقول لك أنا مجتهد، أنا مُتبع! حبذا الصحف، وحبذا التقليد، في زمن الهواتف والتقييد.

(7) هناك ظاهرة أخرى مهمة، وهي صالحة لتُجعل سبباً من أسباب رفض كثير من الناس اتَباع منهج السلف، وهي صالحة ـ كذلك ـ لتُلحَقَ بكل المباحث، لأنها سبب في مخالفات "السلفيين" لأهل السنة، إنها ظاهرة الضعف في الأصول، والفهم الدقيق الذي يفصل بين الامور. وهي ظاهرة شكى وحذر منها العلماء قديماً أعني علماء الحديث من أهل السنة، وليس غيرهم: فلقد شكى الخطيب البغدادي من صِنف ينتسب إلى الحديث، ولا يتفقه فيصبح بسلوكه ومواقفه مثلبةً للمدرسة التي ينتمي إليها.

قال رحمه الله: "وإنما أسرعت ألسنةُ المخالفين إلى الطعن على المحدثين لجهلهم أصول الفقه وأدلته في ضمن السنن، مع عدم معرفتهم بمواضعها"([14]). وقال: "وليُعلم أنَ الإكثار من كتب الحديث وروايته لا يصير بها الرجل فقيها، إنما يتفقه باستنباط معانيه وإمعان التفكر فيه"([15]). وقال: "ولا بد للمتفقه من أستاذ يدرس عليه، ويرجع في تفسير ما أشكِل إليه، ويتعرف منه طرق الاجتهاد، وما يُفَرق به بين الصحة والفساد"([16]).

وقد لاحظ الذهبي رحمه الله! ما لاحظه الخطيب، فقال عن محدثي زمانه: "فغالبهم لا يفقهون"([17]). ونحن إذ اصطدمنا بما اصطدم به الخطيب والذهبي رحمهما الله، لا نزيد عن التحذير مما حذرا، ونُسجل رفضنا السلوكات وفقهيات صارت عنواناً على مدرسة الحديث ومنهج السلف، فإن أحفاد أولئك([18]) متوافرون يشوهون المدرسة، ويسيئون للمنهج.

(8) ظاهرة أخيرة، وهي تصدر الأصاغر للفتيا، وهجومهم على التصنيف! وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لن يزال الناس بخير ما اخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا اًتاهم عن أصاغرهم فقد هلكوا".

الملاحظ أن الإكثار من جمع كتب الحديث، وحفظ الأحاديث الضعيفة، أصبحا دليلا -شبه وحيد - من أدلة تحقق العلم والانتساب إليه، ولما كانت هذه ميسورة هذه الأيام أصبح الأصاغر مقصودين! وانتشرت.. "جرثومة" اسمها. "جرثومة" التحقيق والفهرسة، فما أن يدور "الفتى" حول نفسه دورة أو دورتين حتى تصبح غاية طموحه، ومنتهى أربه تحقيق كتيب، أو إعداد فهرس، وهو إن فعل ذلك أصبح من المشار إليهم بالعلم!.

لقد تحول الواجب الذي نادى "السلفيون" به وهو (العلم قبل العمل)، إلى نوع من الاحتراف، وأصبح التصنيف ممسوخاً في شكل تحقيقات لكتيبات في مواضيع ممجوجة أنهكِت بحثا، مع أن المكتبة الإسلامية تفتقر لأبحاث جادة تجبر النقص، وتغذًي احتياجات الحياة المعاصرة؟. ولكن لأنها مواضيع يلزمها علماء حقيقيون، يتمّ الهروب إلى الفهرسة واجترار الرسائل التي وَصَفتُ، فهذه يستطيعها الفنيون([19]).

(9) وأخيراً، فقد كان المأمول أن يبقى "السلفيون" متمسكين بالشعارات التي رفعوها عن التعصب المذهبي والغلو في الأئمة، وجمع شمل الأمَّة، والتواضع العلمي، والتضلع بالعلم،... ولكنهم ـ وللأسف ـ تنكًبوا كل ما رفعوه، فخالفوا منهج السلف.

والناظر في أحوالهم يلمس غلواً في مشايخهم، وتعصبا لأقوالهم التي غدت مذهباً يوالون ويعادون عليه، واستعلاءً علميا، بحيث لا عالم عندهم إلا الذي يقرأ بعض الكتب، ويتشدق بمصطلحات خاصة.

إن الأصل الأصيل من أصول أهل السنة جمعُ شمل الأمة، وعدم تمزيقها إلى مذاهب وفرق، ولقد كان الظن "بالسلفيين" تحقيق هذا الأصل، ولكنهم تحولوا إلى مذهب جديد، فرسخوا التشرذم، وعمقوا ـ بممارساتهم المذهبية ـ الفُرقة، فانطبق عليهم ما قاله الشاعر:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فمالنا من سعد




([1]) ميزان الاعتدال 3/ 273، وعلق الذهبي فقال: "لعن الله الدهرية فإنهم كفار، وما كان عمرو هكذا".

([2]) لا يكفر إلا من أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه، وكذلك الحال في التفسيق فلا يفسق إلا بما ثبت أنه فسق... انظر الفصَل لابن حزم 3/ 5291 وإلاٍ حكام له 1/ 42 1، والمحرر في الفقه لابن تيميه الجد 2/ 9 5َ 2، ونزهة النظر لابن حجر ص 5.

([3]) قال الخطيب: "امتخاط حماد عند ذكره لا يوجب رد خبره" (الكفاية ص 185).

([4]) وهل في هذا مثلبة؟.

([5]) تعديل.

([6]) جرح..

([7]) تستطيع أن تضع مكان (فقه الواقع) أي عبارة يرفضها "السلفيون".

([8]) مجموعة التبرير هذه موجودة في كل الأحزاب والجماعات، وينطبق على الكل ما ينطبق على "السلفيين".

([9]) جزء من حديث علي رضي الله عنه في قصة حاطب، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال.... " الحديث. البخاري مع الفتح: كتاب المغازى / باب فضل من شهد بدراً / حديث 3983.

([10]) من المعلوم أن اللقاء يكون على المنهج، والمنهج في الفقه هو: اتباع السنة. وتحري الصحيح، وعدم التعصب للمذاهب...

([11]) ذكر غير واحد من العلماء المحققين أن الخلاف الفقهي في مسألة ما يخرجها من دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأشير بأن للقاعدة استثناء لا علاقة له بمحل البحث.

([12]) لا يفوتنك أن لكل جماعة عقدة، فعقدة الاخوان: الكثرة والأولية، وعقدة التحريريين: الوعي السياسي والعمق الفكري، وعقدة التبليغيين: التجرد عن الدنيا، والخروج في سبيل الله، والزهد.... فما المعدوم طبعاً!.

([13]) لا تلازم بين وصف الفتوى بالعِلمِية، وبين الموافقة والمخالفة، فهذا بحث آخر.

([14]) نصيحة أهل الحديث ص 40.

([15]) السابق ص 37.

([16]) السابق، ص 42.

([17]) زغل العلم ص 37. وقد سئل بعضهم: متى يكون الأدب ضاراً؟ فقال: إذا نقصت القريحة، وكثرت الرواية.

([18]) أصحاب الخطيب والذهبي رحمهما الله.
([19]) الفني هو الذي يستطيع التعامل مع معطيات موجودة أمامه فينظمها، ويصلحها. ويختصرها.... لكنه لا يمتلك القدرة على الابتكار أو الربط أو الابداع، فهو دائماً يدور في فلك المبدعين لذلك تجده يبلع ولا يهضم، فيجتره فيلفظ.... ثم يقبض. (يتبع)

aymaan noor 02-09-2011 04:36 AM

  • مقال اكثر من رائع ، و الغاية منه دليل على أخلاص فى النية لتصحيح بعض المثاقب والأخطاء ، و لايعيب أى تيار أو أى شخص مراجعة نفسه لتصحيح مساره ، والله الموفق
  • و لذلك كل الشكر لكاتب المقال ، و كل الشكر لمن أتاح لنا قراءته وجزاك الله خيرا

غاربله 02-09-2011 04:36 AM

السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (6)والاخيره
 
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (6)
27-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
في الحقيقة، لا يوجد منهج واضح، يبينون فيه حتى على طريقتهم، كيف سيستأنفون الحياة الإسلامية.والمتوفر بين أيدينا أساسان، يذكرهما "السلفيون" كثيراً، هما: التصفية والتربية.. وكما ترى، فإن هذين الأساسين لا يكفيان في توضيح الكيفية، فإلى متى ستستمر التصفية والتنقية، علماً بأن التصفية غدت مهنة يؤكل من ورائها، ولم تعد هدفاً دعوياً يُتحرك به بين الناس.


بقلم إبراهيم العسعس

* "السلفيون" والتغيير

(1) كيف سيستأنف "السلفيون، الحياة الإسلامية؟ أو قل "كيف" هذه، هناك سؤال ينبغي أن يسبقها وهو: هل يفكر "السلفيون" في هذا الموضوع؟ وما هو حجم الحيز الذي تشغله هذه القضية من اهتماماتهم؟

كانت بداية "السلفية" المعاصرة بداية علمية، تدعو إلى مجموعة من الأصول المعلومة، وجهدهم الذي تعلق بالواقع انصب على محاربة المذهبية، والشرك المتعلق بالقبور والرقى والتمائم، والبدع العملية المنتشرة في الأمة، ولم يكن لهم جهد فيما يتعلق بالواقع العام للأمة، ولم يطرقوا من توحيد الألاهية ما يتعلق بالحاكمية والتشريع، بل إنَ رموز "السلفية" يفتخرون بعدم وجود علاقة لهم بالسياسة، ففي نظرهم أن "السلفية": كلمة تلفظ بمعناها الصادر منها، أي معنى يدل على حركةٍ سياسية … ومن يفهم ذلك، فإنه مخالف ولنهج السلف غير سالك([1]).

إن المتتبع لرسائل "الدعوة السلفية"، يجد أمراً جديراً بالملاحظة، وهو أن استئناف الحياة الإسلامية لم يكن من ضمن أهدافهم التي اعتادوا على ذكرها على الغلاف الأخير لرسائل "الدعوة السلفية"، ثم منذ سنوات درجوا على ذكرها استجابة ـ كما يبدو ـ لضغط التيار الإسلامي الذي يدعو إلى استئناف الحياة الإسلامية، فأضافوها مجاملة ورفعاً للعتب([2]).

(2) والحقيقة أن الأمر لو وقف عند هذا الحد، لقلنا: لهم اجتهادهم، ولهم اهتماماتهم وأهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها في الأمة، وهذا غاية جهدهم، ومنتهى اجتهادهم، فجزاهم الله خيراً. لكن القوم لم يلزموا غرزهم، ولم يقنعوا باجتهادهم وجهدهم، ولم يرضوا بان يكون للخلق اجتهاد وجهد، فصاروا في الآونةِ الأخيرة ينشطون في المجالات ا لتالية:

1 - تشويه منهج السلف والانحراف به عن الجادة، من خلال وصفه ببعده عن السياسة وافتخاره بذلك.

2- نبذ المتمسكين بمنهج السلف، الملتزمين بأصول أهل السنة، بألقاب ليست مطابقة للواقع، فهذا إخواني، وذاك تحريري، وثالث سروري، ورابع: خارجي، وخامس: من جماعات الغلو، وسادس: يُذكًر بالطوائف المارقة من الإسلام... الخ من قاموس ألقاب الجرح والتصنيف "السلفي". ولماذا كل هذه الألقاب؟ لأن المتهَمَ في نظر "السلفي طبعا" يعيش ضمن الخارطة وداخل التاريخ، فيرى وجوب الاهتمام بالواقع والسياسة، وينتهج منهجاً في التغيير أداه إليه اجتهاده، وهو إن فعل ذلك أخرجه "السلفيون" من "السلفية" وكأنها حِكر عليهم، وكأنهم قيِّمون عليها، وهم لا يدرون بأنهم ـ بفعلهم هذا ـ مبتدعون، مخالفون لمنهج السلف وخط أهل السنة، وأنهم ـ عرفوا أم لم يعرفوا ـ أدوات في أيدي الجاهلية تضرب بهم الدعاة العاملين.

وإذ كان ذلك كذلك من الخطورة وتشويه الحقائق والانحراف عن "السلفية" "وبالسلفية" عن مضمونها الحقيقي وهو رفض الشرك في أجلى صوره، أعني تحكيمَ غير الله في الحياة، كان لا بُد من مناقشة هذه المسألة الخطيرة، وذكر القوم بما فيهم، تنبيهاً لهم، وتعليماً لغيرهم أن: ليست هذه في "السلفية" في موقفها من الواقع، ومن شرك الحاكمية، ومن العاملين للإسلام، ومن السياسة.

ومن يدعي ما يدعيه القوم خارج عن منهج السلف، مبتدع بدعة عظيمة، فوجب ـ والحالة هذه ـ بيان بدعته، لما فيها من تلبيس على الخلق، وإضلال لهم، باسم السلف. قيل للإمام أحمد رحمه الله: " الرجل يصوم ويصلي ويعتكف، أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال: إذا قام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل"([3]).

(3) "السلفيون" والسياسة:

سبقت الإشارة إلى افتخار "السلفيين" بانعدام العلاقة بينهم وبين السياسة، وذلك في قول الأستاذ محمد شقرة عن "السلفية" بأنَها: "كلمة تنفي بمعناها المتبادر منها، أي معنى يدل على حركة سياسية"([4]).

ولما كانت الجملة موهمة، تحتمل وجهين، فإنني سأتعرض لهما:

الوجه الأول: إن كان الأستاذ يقصد أن "السلفية" ليست حركة سياسية، بمعنى أنها ليست حزبا سياسيا بالمعنى الاصطلاحي لكلمة حزب "فالسلفية" كذلك.

الوجه الثاني: أن يكون قصد الأستاذ أن "السلفية" لا تهتم ولا تشتغل بالسياسة، فهذه دعوى مرفوضة، "وتهمة" منكرة يُراد للمنهج السلفي تلبسها.

فما الذي يفهمه "السلفيون" من كلمة سياسة، ولماذا يتوترون عند سماعها، السياسة هي: إدارة الواقع، والتعامل معه، والسياسة: هي الحركة من أجل تجسيد الأفكار في واقع الحياة.

فهل يفهم "السلفيون" السياسة على غير هذا الوجه، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا سياسة، فإن كانوا موافقين على هذه المعاني، لكن الكلمة تثيرهم، فلا مشكلة حينئذ؟ ونحن نتنازل عن الكلمة، وعياً منَا لأهمية المضمون والاتفاق عليه، حيث تفقد المصطلحات - عندها- أهميتها فلا مشاحة فيها.

(4) "السلفيون" وفقه الواقع:

كنا نعتقد أنَ قضية إدراك الواقع، قضية منتهية، قد حَسَمَها الحسّ الإسلامي منذ نزل القرآن، إذ يدرك العقل المسلم أن فقه الواقع أحدُ شرطي الانتهاء إلى حكم شرعي، فبما أن الأحكام الشرعية تتعلق بالحياة كلها، وبما أن المسلم مخاطب بعمارة الأرض، وبما أن المسلم ملتزم باستبانة سبيل المجرمين، لكل ذلك فإن فقه الواقع قضية محسومة. هكذا كنا نعتقد.. ثم إنَه ألف أحد الأشياخ رسالة في فقه الواقع، يذكر فيها أهميته، وضرورته، وهي رسالة صغيرة متواضعة، كل ما فيها معروف لدى أهل العلم والحكمة، لكنها بالنسبة للبيئة التي نشرت فيها جديدة، فهي لذلك إنجاز مهم وجهد مشكور.

وعندما قوبلت هذه الرسالة باهتمام، ووجهت الشباب "السلفي" إلى الالتفات إلى قضايا ومشاكل كانت غائبة عنهم، رأينا رد فعل عجيب من "السلفيين"، حيث صدرت لهم في التعليق على تلك الرسالة رسائل تُهوًن من شأن فقه الواقع.

وصرت تسمع كلمات غريبة مثل: "إنَ فقهَ فقهِ الواقع، أن تدع فقه الواقع، ليستحكم عندك فقه الواقع، فتكون من أعلم الناس، وأفقههم بفقه الواقع"([5]). وهذا منطق عجيب صورة ومعنى، ولا داعي للرد عليه لبيان ضعفه، فمخالفته لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهج سلف الأمة واضحة.

(5) لا أعرف لماذا عقدَوا هذه المسألة الواضحة؟! ولمصلحة من؟

ألأن قطاعاً كبيرا من الشباب "السلفي" بدأ ينتبه إلى واقعه ولزوم تغييره، بعد أن وجد أنه قضى ردحا من عمره مهتما بواقع الأئمة، أحمد، وابن تيمية، وابن عبد الوهاب رحمهم الله، يوالي اتباعهم، ويعادي خصومهم، ويحيا مشاكلهم؟.

أم لأنهم رأوا أن اهتمامات الشباب "السلفي" كبرت، وآفاقهم اتسعت، فلم تعد محصورة في مسائل معينة، بل صارت تتجه إلى شرك الحاكمية، واستئناف الحياة الإسلامية، على الحقيقة، ونقد الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يخص جاهلية قائمة، وخصوما ملموسين؟. أمن أجل هذا بدأت ألسنة البعض تجلدهم، وأقلامهم تطعنهم؟!.

وأسأل مرة أخرى: لحساب من؟ لحساب من يراد من "السلفية" أن تقبع في القبور... لحساب من يراد من.. السلفية أن تتحول إلى دار نشر؟ توظف مجموعة من الكتبة الذين يحترفون تحقيق رسائل، جهلها لا يضر وعلمها لا ينفع، رسائل لا يخرج تداولها عند التدقيق عن كونه تجارة ورق. لحساب من يراد "للسلفية" أن تبقى محصورة في تصفية الأحاديث؟ وإلى متى؟. لحساب من توضع الأيدي على آيات توحيد الالاهية، ويهمل شرك الحاكمية، ويسكت عن الطاغوت؟! ويُوالى ويحب ويمدح؟.

أسئلة مشروعة تحتاج لإجابات واضحة، وتقتضي من الأخوة "السلفيين" لحظة تأمل، لعلنا وإياهم نحيي منهجا للسلف اندرس، ونسير في طريق لأهل السنة انطمس.

(6) مشكلة "السلفيين" وغيرهم، أنهم يلحقون واقعنا بواقع السلف، فيتعاملون مع حكام هذا الزمان، كما تعامل السلف مع حكامهم، ويسقطون النصوص النبوية التي تتحدث عن الحكام الظالمين، على واقعنا نحن حيث الكفر البواح.

(7) ونعود الآن إلى السؤالين الذين افتتحنا بهما هذا المبحث، وهما:

هل يفكر "السلفيون" في موضوع التغيير تفكيراً جديا؟. وإذا كانوا كذلك فكيف سيستأنفون الحياة الإسلامية؟. أما أنهم يفكرون، فلا أعتقد، واعتقادي ليس نابعا من هوى، فكل ما سبق دليل على هذا الاعتقاد. ثم ما ظنك بقوم يرون أن السياسة "تياسه"، وأن الفقه ترك فقه الواقع، هل تظن أن لديهم نية للتغيير أو جديَة وسعيا؟.

ولكنني ـ وقبل الانتقال إلى السؤال الثاني ـ أذكر (للأمانة) أن لدى "السلفيين" نية للتغيير! أهدافهم منه تتمثل فيما يلي:

- تغيير منهج السلف!

- تغيير مذاهب الناس، وإلزامهم بمذاهب جديدة!

- تغيير بدع العبادات

- تغيير شرك القبور!

والعجيب أن "السلفي" يرى في هذه الأهداف غاية طموحه، وهو عندما يلتزم ـ مثلا ـ بزي معين يشعر بأنه قد استوفى المطلوب، وحقق شرط الصلاح، وهو بهذا الشعور يستنفدُ طاقته التي كان ينبغي أن تُوجه إلى قضايا أخرى، ويتجمد عند القمة ـ في نظره ـ راضياً بما حققه.

إنها حلاوة الشعور بالغربة، التي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم عليها بالدرجات العُلى، هكذا يظنَ ويأمل.

إن الغربة الحقيقية، حمل منهج السلف حيث الناس هاجرة له، وعدم الاقتصار على بعض هيئاتهم وتصرفاتهم.

إن منهج السلف هو أسلوبهم في التفكير والفهم، وطريقتهم في التفاعل مع قضايا عصرهم، وسبيلهم في حمل الإسلام والحركة به.

(1) ونعود إلى السؤال الثاني، وهو:

كيف سيستأنف السلفيون "الحياة ا لإسلامية"([6]).

في الحقيقة، لا يوجد منهج واضح، يبينون فيه حتى على طريقتهم، كيف سيستأنفون الحياة الإسلامية.

والمتوفر بين أيدينا أساسان يذكرهما "السلفيون" كثيراً، هما:

1- التصفية والتنقية لحقيقهة الإسلام … العودة بالأمة إلى العقيدة الحقة الصافية([7]).

2- التربية والإعداد والالتزام بأحكام الإسلام المستمدة من هذه العقيدة([8])...

وكما ترى، فإن هذين الأساسين لا يكفيان في توضيح الكيفية، فإلى متى ستستمر التصفية والتنقية، علماً بأن التصفية غدت مهنة يؤكل من ورائها، ولم تعد هدفاً دعوياً يُتحرك به بين الناس.

ثم إنَنا لا نشعر من الواقع أن هناك تربية وإعدادا مقصودين، وإنَما نرى افراداً تُؤلف بينهم مجموعة من المسائل. وبعد أن يذكر الأستاذ محمد شقرة هذين الأساسين يقول: "وهي بهذا المفهوم تستبعد من حسابها التطلع النهم الى أنظمة الحكم ورؤوس الحكام، وتضع في حسبانها، - أساساً- إصلاح الأمة إصلاحا ينتهي بها لنفسها إلى أن يكون الإسلام هو المهيمن على الإنسان والحياة، ليعودَ الحكم بالإسلام تاجاً يزين هامات بلاد المسلمين وديارهم"([9]).

منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى *** وإلا فقد عشنا بها زمناً رغداً.

والا فقل لي: بالله عليك كيف سينتهي الحال بالأمة من خلال إصلاحها على الطريقة "السلفية" إلى أن يكون الإسلام هو المهيمن على الإنسان والحياة، ليعود الحكم... الخ هذه الأماني، كيف ستنتهي الأمَة إلى ذلك إذا أخذت بعين الاعتبار أن لا وجود لفعل الإصلاح للمصلحين، وإذا نظرت في حال العالم اليوم والقوى المتحكمة فيه، وفعلها النشط في حرب الإسلام والالتفاف عليه؟.

ولقد صدق من قال: متى يبلغ البنيان يوماً تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

(11) وأخيراً، فان السلفيين مطالبون بمراجعة أنفسهم في موضوع التغيير، والاشتغال بالواقع؟ والمراجعة إنما تكون بأن يعودوا إلى دراسة فقه السلف في هذه المسألة كي يصلوا ـ إن شاء الله ـ إلى الحق. وإلا فليبقوا على ما هم عليه دون تحميل السلف وأهل السنة وزر مذهبهم، وليسموا الأشياء بأسمائها، وليكُفُوا ألسنتهم عن عباد الله العاملين.

وإذا أراد "السلفيون" استئناف الحياة الإسلامية ـ حقيقة لا دعوى ـ فإنهم مطالبون بتحديد موقفهم مما يلي:

- بأي شيء يبدؤون! أو ما هو فقههم للأولويات؟

- ما وهو وصفهم للواقع؟ أو ما هي أحكام الديار عندهم.

- ما هو فهمهم لتوحيد الالاهية؟ وما هو موقفهم من المنحرف فيه؟

وليكونوا حريصين عند الإجابة، على بيان موقف السلف الحقيقي منها؟ نسأل الله لنا ولهم الهداية.
([1]) السابق، ص 14.




([1]) من كلام الأستاذ محمد شقرة في رسالته لا دفاعاً عن السلفية لا. بل دفاعاً عنها.!.

([2]) كفى بهذا دليلاً على أن هذا الموضوع لم يكن لهم على ذكر.

([3]) الفتاوى/ جزء الجهاد/ 231.

([4]) (لا دفاعاً).

([5]) هي السلفية نسبة عقيدة ومنهجاً/ 148.

([6]) السؤال للمجاراة فقط، فقد تبين لنا أن لا كيفية.

([7]) العقيدة الحقة الصافية تساوي في حسن "السلفي" الأسماء والصفات. وشرك القبور...
([8]) انظر: لا دفاعاً.... ص 14.

aymaan noor 02-09-2011 04:48 AM

جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الرائع
و قد أعجبتنى هذه المقوله


اقتباس:

أرأيت عشرة إخوه، تسعة منهم على شاكلة واحدة، وطبع مشترك في سوء الخُلق، والاعتداء على الناس، هل لك أن تقول عن أحوالهم: سلوك فردي! أم لك أن تقول: قبح اللهُ بيتاً خرجتم منه؟ وهكذا الحال في موضوعنا، لأنك تجد نمطاً سلوكياً واحداً، وطريقة في التعامل مع الأحداث والمسائل سائدة، أفلا يدل كل هذا على منهج واحد في التربية؟.
فهو يقصد بذلك ألا يهان اللفظ أو المذهب نتيجة لسلوك بعض الأشخاص المنتمين اليه ،

aymaan noor 02-09-2011 05:24 AM

اقتباس:

ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً من إخواني أن يأخذ به "سفيان الثوري

(1) يتعامل "السلفيون" مع مسائل الفقه كما يتعامل المسلمون مع قوله تعالى: (أفي الله شك) (إبراهيم:10)، فالرأي الذي يَرونَه هو الرأي، والقاعدة عندهم معكوسة منكوسة، فرأيهم صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب!.
جزاك الله خيرا

على سبيل الحق 02-09-2011 06:56 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غاربله (المشاركة 3917537)
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (5)
22-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
فقد كان المأمول أن يبقى "السلفيون" متمسكين بالشعارات التي رفعوها عن التعصب المذهبي والغلو في الأئمة، وجمع شمل الأمَّة، والتواضع العلمي، والتضلع بالعلم،... ولكنهم ـ وللأسف ـ تنكًبوا كل ما رفعوه، فخالفوا منهج السلف. والناظر في أحوالهم يلمس غلواً في مشايخهم، وتعصبا لأقوالهم التي غدت مذهباً يوالون ويعادون عليه، واستعلاءً علميا، بحيث لا عالم عندهم إلا الذي يقرأ بعض الكتب، ويتشدق بمصطلحات خاصة.


بقلم إبراهيم العسعس

* "السلفيون" والجرح والتعديل

"اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"

كان يحيى بن معين يقول في عروة بن عبيد إنه دهري([1])...

(1) ليس الجرحُ والتعديل المذكور في رأس الصفحة هو الجرح والتعديل الخاص بعلم مصطلح الحديث، فذلك علم توقف على رأس المائة الثالثة، كما قال الذهبي رحمه الله. لكنه الجرح والتعديل من حيث هو قياس المسلم على مجموعة القيم والثوابت الإسلامية. هذه القيم والثوابت هي التي ينبغي أن يقوم المسلم على ضوءها، وأن يُوالى أو يُعادَى عليها، وهي من الوضوح والاتفاق عليها بحيث يُسمَى المخل بواحدة منها كافراً أو فاسقا أو عاصيا([2]) أما غيرها من المسائل التي تحتمل الاجتهاد، ويسوغ فيها الخلاف، أو المباحات، أو المسائل التي تقتنع بها مجموعة من الناس، فهذه ليست ميزاناً للقاء والمفارقة، فاللقاء على المنهج وليس على مثل هذه المسائل.

(2) هذه القضية واضحة، أو هكذا يجب أن تكون، لكن المشاهد من حال الجماعات الإسلامية غير ذلك، فكل جماعة تبنت مجموعة من المسائل في الفقه أو في طريقة التغيير... الخ، وجعلتها علامةً على الوعي أو على صدق الانتماء أو على صحة وصفاء العقيدة... الخ، وغيرها من مصطلحات التعديل.

(3) "والسلفيون" من هذه الجماعات التي تبنت مجموعة من الاختيارات، مَن وافقهم عليها فقد نجا، ومن خالفهم فليس سلفيا!

ولقد أصبح قولهم: ليس سلفيا، عبارة من عبارات التجريح التي يرفعونها في وجه من يجرؤ على مخالفتهم، ولأن كلمة "السلفية" كلمة عزيزة على قلوب المسلمين، فقد باتوا يَخْشَوْن أن تُسلب منهم، فصاروا لذلك يشعرون بضعف أمام "السلفيين".

(4) والمختلط.. بـ"السلفيين" يلاحظ ـ من واقع الحال ـ أنهم ينظرون اٍلى "المتبَنْطِل" نظرةَ انتقاص، وينظرون إلى "المسبل" نظرةَ استعلاء، ويتكلمون عن أفراد يوم السبت بالصوم من غير الفريضة كأنهم يتكلمون في التوحيد…الخ ثم إنهم يقيّمون المسلمين بهذه المسائل، هذا مع أنها مسائل فقهية يسوغ فيها الاجتهاد، ويُقبل فيها الخلاف، ولها تخريجات أخرى غير الذي يراه الشيخ ناصر الألباني ـ رحمه الله ـ.

أين هذا السلوك من قول يحيى بن سعيد: "ما برح أولو الفتوى يُفْتُون، فيحل هذا، ويُحرًمَ هذا، فلا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله، ولا المحلُّ أن المحـرمَ هلك لتحريمه".

(5) ضعف أحدهم رجلا، فقيل له: لم ضعفته؟ فرد الناقدُ "الشاطر": ذكِرَ مرة عند حماد فامتخط([3]). فأي سذاجة هذه؟!

ولا تظن ـ أخي القارئ ـ أن الأمَة قد خسرِت هذه الشطارة، فلا زال أمثال هذا الناقد البصير موجودين، يجرحون بما ليس بمجرِّج، فتجدهم يتهمون من يعمل في السياسة! وتراهم يتندرون على من يدرس فقه الواقع([4]) ثم إنَهم ابتكروا مرتبة جديدة من مراتب الجرح والتعديل، واستخدموا لها عبارة دقيقة جداً!. بلغ من دقتها أنك لا تستطيع فهمها إلا وأنت واقف على رأسك!. فلقد سئل الشيخ مرة عن أحد الدعاة الملتزمين بمنهج أهل السنة([5])، ولكنَه يهتم بفقه الواقع ويتابع السياسة([6])، فأجاب الشيخ قائلاًً: هو سلفي العقيدة، إخواني المنهج! فلتقًف النقاد الصغار هذه العبارة ووصفوا بها من كان على شاكلة ذلك الأخ المسؤول عنه!

فإذا سئل أحدهم عن العبد الفقير مثلاً، قال: هو سلفي العقيدة، تحريري المنهج! وأنا أجزم بأنه لو سئل عن معنى هذه العبارة لما وجد جواباً، كيف لا وهو كابنة الجبلِ، مهما يقل يقل.

ومن العبارات التي يقمعون بها إخوانهم قولهم: هذا سُروري! والعجيب أنَ "السلفيين" ما إن يسمعوا هذا الوصف حتى يعادوا الموصوف! ولك أن تتساءل متعجبا: لماذا؟ هل قناعة "السلفي" بأنه لا بد من الحياة ضمن الخارطة، وداخل التاريخ، يجعله: سلفي العقيدة، (إخواني أو تحريري أو سروري) المنهج؟!! وهل فقه الحياة خارج عن منهج السلف؟!.

لقد صدق من قال: عش رجباً ترى عجبا! وما زالت الأعاجيب تترى، كلما انقضى عجبٌ تبعه عجب! وكأن الشاعر قَصَدَ القوم عندما قال:

جعلتم ذنبنا أنا سمعنا وما الآذان إلاّ للسماع.

(6) والأدهى والأمر من كل ما مر، تعديلُ وتفضيل الموافق حتى لو عمل ما عمل!

فالسلفيون يجعلون إثبات الأسماء والصفات عقد الولاء والبراء، فمن أثبت فليفعل ما يشاء، حتى لو انحرف في توحيد الإلاهية، وفي الولاء والبراء، ووقع فـي محظوراتٍ شرعيةٍ بينة، وهذا عكس للقضية، فإن أهل السنة يُفضًلون الأتقى لله، ويعدلون بتوحيد الالاهية الذي من انحرف فيه فقد وقع في الشرك خلافا لمسألة الأسماء والصفات.

قال يعقوب الفسوي: "سمعت إنسانا يقول لأحمد بن يونس: عبد الله العمري ضعيف؟. قال: إنَما يضعفه رافضي مبغض لآبائه، ولو رأيت لحيتَه وخضابَه وهيئتَهُ لعرفت أنه ثقة". أرأيت؟ لقد وثقه لطول لحيته، وشكل لباسه، ولون خضابه! فما أدقهُ من توثيق! وبما أن الرجل محقق لهذه المهمات فهو ثقة، والذي يمسه بكلمة مبغض لآبائه! ويخيل إلي أنَ لسان حال "االسلفيين" يقول: "لا يضر مع إثبات الأسماء والصفات ذنب، كما لا تنفعُ مع فقه الواقع طاعة"([7]).

إن هذه الحالة، حالة نفسية، فالملتزم مع جهة معينة يظن من كثرة ما يسمع من اهتمامات جهته أن ما يسمعه هو الدين، فتراه ـ لذلك ـ ينظر إلى الآخرين نظرة استعلاء، ثم ينظر إلى نفسه وإلى من يحمل آراءه بأنَهم حققوا قمة الالتزام، فلا تثريب عليهم بعدها إن صدر عنهم أي شئ. ومجموعة التبرير جاهزة لتفنيدِ أي([8]) تهمة، فالسرقة اقتباس، وطمس توحيد الإلاهية تكتيك، حتى من كثرة التسويغات وكأنهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"([9]).

* "السلفيون" والفـقــه : "سلفية" أم - ناصرية؟!

ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً من إخواني أن يأخذ به "سفيان الثوري

(1) يتعامل "السلفيون" مع مسائل الفقه كما يتعامل المسلمون مع قوله تعالى: (أفي الله شك) (إبراهيم:10)، فالرأي الذي يَرونَه هو الرأي، والقاعدة عندهم معكوسة منكوسة، فرأيهم صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب!.

وهذا المنحى مخالف لمنهج السلف في الاجتهاد([10])، فما زال العلماء يختلفون فلا يُنكر بعضهم على بعض، ومازالوا يُنبهون على أن الخلاف في مسائل الفقه، لا يقتضي موقفا من الآخرين، وهذه بعض عباراتهم:

قال سفيان رحمه الله: "إذا رأيتَ الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلِفَ فيه وأنت ترى غيره فلا تنههُ".

وقال أحمد رحمه الله: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناسَ على مذهب ولا يُشدد عليهم"

وقال ابن تيمية رحمه الله: "والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله، وأما إذا خالف قولَ بعض الفقهاء، ووافق قول بعض آخرين، لم يكن لأحد اًن يُلزمه بقول المخالِف، ويقول: هذا خالف الشرع"

(2) وقد سبق وأشرتُ إلى بعض المسائل في المبحث السابق التي ألحقها "السلفيون" بدائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([11])، مثل مسألة اللباس، والإسبال، وصيام السبت،... وللحقيقة فإن البعض ما عاد يُثير هذه المسائل، لكن الجو العام عند "السلفيين" النظر لمن يخالفهم فـي هذه المسائل نظرة انتقاص، حتى إن بعضهم يتحرج من الصلاة خلف المتَبَنْطِل!.

ولعلهم ـ وهذا ظن مني ـ يَعدون الأخذ باختياراتهم في هذه المسائل من الأولويات، أولويات الدعوة، لأنهم يفهمون (وهذا ظن مني أيضا) أن الالتزام بهذه المسائل داخل في قول الإمام مالك رحمه الله: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"!.

(3) والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن الآفة السابقة مرتبطة ارتباطا عضوياً بالآفة التالية: وهي أن "السلفيين" يتعاملون مع فقه الشيخ ناصر الألباني ـ مثلاً ـ واختياراته، وكأنه فقه السلف، هكذا بالألف واللام الدالتين على العهد والاستغراق "ونتيجة لهذه الآفة تتشكل القضية في عقل "السلفي" على النحو التالي:

إذا كان هذا هو فقه السلف، فالفقه الآخر خارج عن فقه السلف، وهي معادلة تلقي في رُوع "السلفي" تلقائيا أن الفقه الآخر فقه مذموم. وهي نتيجة لها انعكاس على السلوك والمواقف.

(4) علم نفس الدليل!

والسؤال المهم في هذا السياق هو: لماذا يتصرف "السلفيون" هكذا؟! لأن هذه الآفة مبنية على مقدًمات عن الإتباع، والدليل، والسلف، والحديث الصحيح، والتزام السنة، وفتح باب الإجتهاد،....، وكما ترى فإنها مقدمات صحيحة، فلا اعتراض عليها، وإنما البحث في كيفية التعامل معها، وفي المآل الذي آلت إليه طريقة "السلفيين" في استخدامها. والذي يحدث أن المسلم إذا عرف عن عالم بأنه يأخذ بهذه المقدمات ويدعو إليها، ينشأ عنده نوع من التسليم لفتاوى هذا العالم من دون نقاش، وقد كنت ألحظ هذا المزلق من نفسي: فعندما كنت أسمع فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -مثلاً- أجد اطمئنانا وقبولاً لا أجده عندما أسمع فتوى للشافعي رحمه الله، أو لغيره من المجتهدين، وكأنهم يُفتون بلا أدلة! وهذا هو موقف "السلفي" من فتاوى الشيخ ناصر -رحمه الله - حيث يتقبلها باستسلام لوجود نفس المقدمات - المشار إليها - في ذهنه، وهو بعد ذلك يحاول فرض الفتوى على الآخرين من خلال التقديم بهذه المقدمات، فتفعل فعلها في نفوسهم. ولك أن تُسمًيَ هذه الحالة بعقدة الدليل، أو برعب الدليل([12]). هذا هو السبب ـ باختصارـ الذي يؤدي إلى التعامل مع فتوى الشيخ بما يلي:

1- بنظرة أحادية، أي أنها الحق الذي لا مِرية فيه، وغيرها خطأ لا صواب فيه!.

2- بأنها هي "الفتوى السلفية".

(5) لقد أدى هذا الوضع إلى قيام مذهب جديد، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، أو لنقل بكل الأركان التي لا بد من توفرها لقيام مذهب، فهناك: إمام مجتهد، ومؤلفات، ومنهج أصولي، وفتاوى، ومقلدون متعصبون! فماذا بقي؟! أليس هذا مذهباً؟.

وحتى لا اُفهم بصورة خاطئة فإنني أًبين ما يلي:

لا اعتراض على أن الإمام مجتهد، ولا على أن الفتاوى مهمَّة ونافعة، ولا على أن المنهج الأصولي ـ في أغلبه ـ صحيح، ولا على أن الفتاوى المستمدة من هذا المنهج علميَة([13]) ـ في أغلبها ـ، إنما الاعتراض على المقلدين المتعصبين، وعلى المقلد الذي يرى ويسمع ولا تعليق!.

(6) وعليه فلك أن تعجب، إذا عرفت أن منهج أهل السنة العلمي الذي دعا إليه "السلفيون" منذ زمن - عدمُ وضع أي عالم مهما بلغت درجته العلمية في منزلة من لا يُسأل عما يُفتي، أو عمَا يُصحح ويُضعف من الأحاديث. وإليك بعض الأمثلة الدالة على ما قلت: المثال الأول: يعرف طلاب الحديث أن وصفَ عالم لكتابه بالصحيح لا يعني أنه كذلك، ويعرف طلاب الحديث - لذلك عدم كفاية الإحالة - عند التخريج - على كتاب وُسِم بالصحة، أو على حديث صحًحه أحد النقاد دون مراجعة. وهذه قاعدة أكد عليها "السلفيون" كثيراً، وقد سِرنا على ذلك مع أمثال أبي داود، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبَان... حتى إذا استقرت القاعدة أو كادت، إذا بالكتبة "السلفيين" يُخرجون الأحاديث في الحواشي بطريقة رفضوها في حق الترمذي وأقرانه، وقبلوها في حق الشيخ ناصر فما ينفع القارئ أن يقول له كاتب "سلفي" صحيح الجامع، أو صححه شيخنا؟! هذا مع أنَهم لا يقبلون من مخرج قوله: حسنه الترمذي.

فإن قيل: ثبت أن تحسين الترمذيَ لا َيطرِد قلنا: وثبت أيضا أن تصحيح الشيخ لا يطرد.

المثال الثاني: ما معنىْ أن يؤلف "السلفيون" كتباً عارية من الدليل؟ ولماذا علي أن أقبلها، في الوقت الذي يحرم علي فيه أن أعتمد على كتاب لعالمٍ ليس "سلفياً" خلى من الدليل؟ الجواب واضح إذا استحضرت عقدة الدليل: فالأول يقول لك: لقد اعتمدتُ الدليلَ الصحيح، ولقد تحريتُ اتباع السنة، ولم أتعصب، ولم أقَلد الرجال؟. الخ هذه العناوين التي ما أنْ يقرأها المسلم حتى يَقبل تبنًيات الكاتب "السلفي" باستسلام مُطلق.

وهذا تجده في بعض رسائل الشيخ ناصر، وكتب الشيخْ محمد شقرة، فلماذا هذا التراجع عن المنهج؟!

المثال الثالث: حذر العلماء سابقاً من نمطٍ من الطلاب الذين يعتمدون على الكتب وحَسْب، وسمَوا من هذه حاله بـ"الصُحفي". ومع تقدم وسائل الإتصال! نَبَتَ طلاب من نمط جديد يعتمدون على الهاتف، لا مانع من تسمية من هذه حاله "بالهاتفي"! فمن هذا "الهاتفي"؟ إنه الذي يتصل بالشيخ ناصر الألباني ليستفتيه، فيجيبه الشيخ باختصار يتناسب مع الوقت المخصص للمكالمات، فإذا حاول السائل التحقق والإضافة يضيق الشيخ به، ولا يسمح بالإطالة، وإلى هنا، لا حرج ولا تثريب.

لكن الحرج والتثريب في طيران ذلك.. "الهاتفي" بالفتوى لينشرها على الملأ، وهو لا يدري ـ لأنه "هاتفي" ـ من أين أخذها الشيخ، ولا كيف استنبطها، وهل إذا كانت صالحة لنازلته، تصلح لكل نازلة؟ وكيف يُحقق مناطها؟ وتجده إذا سئل أجاب، وإذا نوقِش ناقش، فإذا سألته من أين لك هذا؟ أجابك ـ وهو مسرور ـ: سألت الشيخ على الهاتف: ثم بعد ذلك يقول لك أنا مجتهد، أنا مُتبع! حبذا الصحف، وحبذا التقليد، في زمن الهواتف والتقييد.

(7) هناك ظاهرة أخرى مهمة، وهي صالحة لتُجعل سبباً من أسباب رفض كثير من الناس اتَباع منهج السلف، وهي صالحة ـ كذلك ـ لتُلحَقَ بكل المباحث، لأنها سبب في مخالفات "السلفيين" لأهل السنة، إنها ظاهرة الضعف في الأصول، والفهم الدقيق الذي يفصل بين الامور. وهي ظاهرة شكى وحذر منها العلماء قديماً أعني علماء الحديث من أهل السنة، وليس غيرهم: فلقد شكى الخطيب البغدادي من صِنف ينتسب إلى الحديث، ولا يتفقه فيصبح بسلوكه ومواقفه مثلبةً للمدرسة التي ينتمي إليها.

قال رحمه الله: "وإنما أسرعت ألسنةُ المخالفين إلى الطعن على المحدثين لجهلهم أصول الفقه وأدلته في ضمن السنن، مع عدم معرفتهم بمواضعها"([14]). وقال: "وليُعلم أنَ الإكثار من كتب الحديث وروايته لا يصير بها الرجل فقيها، إنما يتفقه باستنباط معانيه وإمعان التفكر فيه"([15]). وقال: "ولا بد للمتفقه من أستاذ يدرس عليه، ويرجع في تفسير ما أشكِل إليه، ويتعرف منه طرق الاجتهاد، وما يُفَرق به بين الصحة والفساد"([16]).

وقد لاحظ الذهبي رحمه الله! ما لاحظه الخطيب، فقال عن محدثي زمانه: "فغالبهم لا يفقهون"([17]). ونحن إذ اصطدمنا بما اصطدم به الخطيب والذهبي رحمهما الله، لا نزيد عن التحذير مما حذرا، ونُسجل رفضنا السلوكات وفقهيات صارت عنواناً على مدرسة الحديث ومنهج السلف، فإن أحفاد أولئك([18]) متوافرون يشوهون المدرسة، ويسيئون للمنهج.

(8) ظاهرة أخيرة، وهي تصدر الأصاغر للفتيا، وهجومهم على التصنيف! وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لن يزال الناس بخير ما اخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا اًتاهم عن أصاغرهم فقد هلكوا".

الملاحظ أن الإكثار من جمع كتب الحديث، وحفظ الأحاديث الضعيفة، أصبحا دليلا -شبه وحيد - من أدلة تحقق العلم والانتساب إليه، ولما كانت هذه ميسورة هذه الأيام أصبح الأصاغر مقصودين! وانتشرت.. "جرثومة" اسمها. "جرثومة" التحقيق والفهرسة، فما أن يدور "الفتى" حول نفسه دورة أو دورتين حتى تصبح غاية طموحه، ومنتهى أربه تحقيق كتيب، أو إعداد فهرس، وهو إن فعل ذلك أصبح من المشار إليهم بالعلم!.

لقد تحول الواجب الذي نادى "السلفيون" به وهو (العلم قبل العمل)، إلى نوع من الاحتراف، وأصبح التصنيف ممسوخاً في شكل تحقيقات لكتيبات في مواضيع ممجوجة أنهكِت بحثا، مع أن المكتبة الإسلامية تفتقر لأبحاث جادة تجبر النقص، وتغذًي احتياجات الحياة المعاصرة؟. ولكن لأنها مواضيع يلزمها علماء حقيقيون، يتمّ الهروب إلى الفهرسة واجترار الرسائل التي وَصَفتُ، فهذه يستطيعها الفنيون([19]).

(9) وأخيراً، فقد كان المأمول أن يبقى "السلفيون" متمسكين بالشعارات التي رفعوها عن التعصب المذهبي والغلو في الأئمة، وجمع شمل الأمَّة، والتواضع العلمي، والتضلع بالعلم،... ولكنهم ـ وللأسف ـ تنكًبوا كل ما رفعوه، فخالفوا منهج السلف.

والناظر في أحوالهم يلمس غلواً في مشايخهم، وتعصبا لأقوالهم التي غدت مذهباً يوالون ويعادون عليه، واستعلاءً علميا، بحيث لا عالم عندهم إلا الذي يقرأ بعض الكتب، ويتشدق بمصطلحات خاصة.

إن الأصل الأصيل من أصول أهل السنة جمعُ شمل الأمة، وعدم تمزيقها إلى مذاهب وفرق، ولقد كان الظن "بالسلفيين" تحقيق هذا الأصل، ولكنهم تحولوا إلى مذهب جديد، فرسخوا التشرذم، وعمقوا ـ بممارساتهم المذهبية ـ الفُرقة، فانطبق عليهم ما قاله الشاعر:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فمالنا من سعد




([1]) ميزان الاعتدال 3/ 273، وعلق الذهبي فقال: "لعن الله الدهرية فإنهم كفار، وما كان عمرو هكذا".

([2]) لا يكفر إلا من أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه، وكذلك الحال في التفسيق فلا يفسق إلا بما ثبت أنه فسق... انظر الفصَل لابن حزم 3/ 5291 وإلاٍ حكام له 1/ 42 1، والمحرر في الفقه لابن تيميه الجد 2/ 9 5َ 2، ونزهة النظر لابن حجر ص 5.

([3]) قال الخطيب: "امتخاط حماد عند ذكره لا يوجب رد خبره" (الكفاية ص 185).

([4]) وهل في هذا مثلبة؟.

([5]) تعديل.

([6]) جرح..

([7]) تستطيع أن تضع مكان (فقه الواقع) أي عبارة يرفضها "السلفيون".

([8]) مجموعة التبرير هذه موجودة في كل الأحزاب والجماعات، وينطبق على الكل ما ينطبق على "السلفيين".

([9]) جزء من حديث علي رضي الله عنه في قصة حاطب، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال.... " الحديث. البخاري مع الفتح: كتاب المغازى / باب فضل من شهد بدراً / حديث 3983.

([10]) من المعلوم أن اللقاء يكون على المنهج، والمنهج في الفقه هو: اتباع السنة. وتحري الصحيح، وعدم التعصب للمذاهب...

([11]) ذكر غير واحد من العلماء المحققين أن الخلاف الفقهي في مسألة ما يخرجها من دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأشير بأن للقاعدة استثناء لا علاقة له بمحل البحث.

([12]) لا يفوتنك أن لكل جماعة عقدة، فعقدة الاخوان: الكثرة والأولية، وعقدة التحريريين: الوعي السياسي والعمق الفكري، وعقدة التبليغيين: التجرد عن الدنيا، والخروج في سبيل الله، والزهد.... فما المعدوم طبعاً!.

([13]) لا تلازم بين وصف الفتوى بالعِلمِية، وبين الموافقة والمخالفة، فهذا بحث آخر.

([14]) نصيحة أهل الحديث ص 40.

([15]) السابق ص 37.

([16]) السابق، ص 42.

([17]) زغل العلم ص 37. وقد سئل بعضهم: متى يكون الأدب ضاراً؟ فقال: إذا نقصت القريحة، وكثرت الرواية.

([18]) أصحاب الخطيب والذهبي رحمهما الله.
([19]) الفني هو الذي يستطيع التعامل مع معطيات موجودة أمامه فينظمها، ويصلحها. ويختصرها.... لكنه لا يمتلك القدرة على الابتكار أو الربط أو الابداع، فهو دائماً يدور في فلك المبدعين لذلك تجده يبلع ولا يهضم، فيجتره فيلفظ.... ثم يقبض. (يتبع)

كنت قد جهزت ردا مطولا وكتبته في مسودة
ولكني رأيت أن الموضوع لا يستحق هذا الرد
لأن كاتب المقال
يكفيه جمل:
1)"التناقض ظاهر في المقالة".
2)"كل المسلمين أهل السنة والجماعة سلفيون".
3)"يا من سمعتم عنا هلا سمعتم منا".
4)"المسائل الفقهية المختلف فيها ليس فيها إنكار مطلقا ومنها ما ذكر".
5)"ليس هناك مسلم ينظر لأخيه نظرة استعلاء ولوفعل ذلك لكان علامة على نفسه وليس على منهج المسلمين".
6)"الكاتب يجهل علم الجرح والتعديل ولا يدري شيئا عنه مطلقا".
7)"المذكور في أمر التوحيد هزل ليس غير وليأت بالدليل".

8)"كان ينبغي ألا يضيع الوقت في الرد على مثل هذا".
9)"نشكر الأخ أيمن نور الذي اقتطع ما مال إليه هواه وجزاه خيرا عليه وأي خير يجزى عليه المرء وهو ينقض( وليس ينقد) إخوانه".
10)"ينبغي أن يغلق الموضوع كما أغلق قبل ذلك موضوع علاء الأسواني الذي رددت فيه على الكاتب المتشيع أو المحب للشيعة ردا فائضا".


تلك عشرة كاملة

غاربله 02-09-2011 02:36 PM

غض الطرف عن مبدأ التعديل (الذاتي) أوقع "السلفيين" فيما انتقدوا عليه الناس قديماً، فنبذ التعصب للرجال، ومقولة الرجال يعرفون بالحق، وليس العكس، من أوائل المبادئ التي رفعوها، ثم لما أصبح لهم رجال رموز وقعوا في جدلية الرجال والمبادئ، صاروا يدورون حول الرجال وفوق المبادئ والعجيب أنهم وقعوا في إشكالية الازدواجية في حمل المبدأ: فهم إذا تكلموا عن الآخرين "فكلامهم صراحة وتصحيح، وتقديم للمبادئ على العلاقات والأشخاص. أما إذا تكلم غيرهم عنهم، فلا بد أن يحترم العلماء، ويتأدب معهم، إنها ظاهرة الكيل بمكيالين!

على سبيل الحق 02-09-2011 03:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غاربله (المشاركة 3917509)
السلف والسلفيون: رؤية من الداخل (1)
05-2-2008
http://www.thanwya.com/images/asr-spacer.gif
غض الطرف عن مبدأ التعديل (الذاتي) أوقع "السلفيين" فيما انتقدوا عليه الناس قديماً، فنبذ التعصب للرجال، ومقولة الرجال يعرفون بالحق، وليس العكس، من أوائل المبادئ التي رفعوها، ثم لما أصبح لهم رجال رموز وقعوا في جدلية الرجال والمبادئ، صاروا يدورون حول الرجال وفوق المبادئ والعجيب أنهم وقعوا في إشكالية الازدواجية في حمل المبدأ: فهم إذا تكلموا عن الآخرين "فكلامهم صراحة وتصحيح، وتقديم للمبادئ على العلاقات والأشخاص. أما إذا تكلم غيرهم عنهم، فلا بد أن يحترم العلماء، ويتأدب معهم، إنها ظاهرة الكيل بمكيالين!


بقلم إبراهيم العسعس

المقدمة

ألا لا يمنعن رجلا هيبةُ الناس،

أن يقول بحق إذا علمه ([1])

إنها رؤية من الداخل، لأن التغيير يبدأ من الداخل.

وهي رؤيةٌ من الداخل، لأن كاتبها يؤمن بأن منهج السلف هو السبيل إلى إصلاح حال الأمة.

وهي رؤية من الداخل، فرضتها أحداث ومواقف كثيرة، مست المنهج، وتعدت الخطأ الفردي، فلم يعد يجدي أن تقول: لعل له عذراً وأنت تلوم. تأتي هـذه الدراسة في وقت الحاجة إلى البيان، بعد أن أصبحت "السلفية" وصفاً محتكراً في أيدي مجموعة من الناس، يظن الواحد منهم أنه قيم على منهج السلف، فينادي بأعلى صوته "أنا السلفية"، فمن كان "أنا" فهو "سلفي"، وإلا فليخرج من "السلفية" مذؤوماً مدحوراً.

وما كنا نحسب أنه سيأتي زمان يخرجنا فيه نقاد "السلفيين" من دائرة منهج السلف! ويخرجون فيه أهل العلم المعروفين بالتزامهم منهج السلف ويخرجون فيه العاملين المجاهدين المتمسكين بالسنة الرافعين لوائها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى وصف المسلمين بأنهم، جماعات الغلو، وأنهم أصحاب فتنة، وأنهم خوارج وأنهم يذكرون بالفئات المارقة عن الإسلام.. وانتهى الحال إلى تأليف كتب ورسائل، وإصدار أشرطة تسجيل في شتم المسلمين، وتصنيف العبادة من حيث قربهم من إلى السلفية".

لقد شوهت ممارسات "السلفيين" منهج السلف، وقزمته في قضايا معينة، وانعزلت به عن الواقع، حتى صار الانتساب إلى السلف، والمناداة بالسنة منقصة في نظر الناس، إذ عندما يسمعون عن السلف "والسلفية" يظنون أنهم المختصون بالأسماء والصفات، وبتحقيق الكتيبات... الخ الأمر الذي اضطرنا عند الانتساب إلى السلف أن نبيين للناس أن منهج السلف غير ما يرون، وخلاف ما يسمعون.

وكان من نتائج هذا الوضع أن عادت مقالات أهل الأهواء، ومناهجهم إلى الظهور، بعد أن عجز أهل السنة عن الارتفاع إلى مستوى منهجهم، والدعوة إليه، واستيعاب الناس الذين سروا بهم في البداية، ثم نبذوهم نبذ النوى، لما رأوهم تجمدوا عند قضايا لا يحيدون عنها([2]).

إن واقع "السلفيين" بحاجة إلى دراسة ومراجعة! والمأمول أن تكون هذه الدراسة دافعا للمخلصين الناضجين من أتباع المنهج! إلى دراسة الواقع وتشخيص حاجاته وأدوائه، وإلى إعادة دراسة أصول التوحيد، ومن ثم التفكير جدياً في إعادة جدولة الاهتمامات، وترتيب الأولويات.

إن غض الطرف عن مبدأ التعديل (الذاتي) أوقع "السلفيين" فيما انتقدوا عليه الناس قديماً، فنبذ التعصب للرجال، ومقولة الرجال يعرفون بالحق، وليس العكس، من أوائل المبادئ التي رفعوها، ثم لما أصبح لهم رجال رموز وقعوا في جدلية الرجال والمبادئ، صاروا يدورون حول الرجال وفوق المبادئ والعجيب أنهم وقعوا في إشكالية الازدواجية في حمل المبدأ: فهم إذا تكلموا عن الآخرين "فكلامهم صراحة وتصحيح، وتقديم للمبادئ على العلاقات والأشخاص. أما إذا تكلم غيرهم عنهم، فلا بد أن يحترم العلماء، ويتأدب معهم، إنها ظاهرة الكيل بمكيالين!

لقد أشفق بعض الاخوة بعض الصراحة، التي قد تزعج بعض "السلفيين، فطلبوا تغيير بعض العبارات، لا اعتراضا على ما تحمله من مضامين، لكن خشية أن تحمل ما لا تحتمل، أو أن تستغل في تفويت الفائدة المرجوة من الدراسة. ولم تكن هذه وجهة نطري، فإن قناعتي أن السائر في درب الإصلاح عليه أن يوطن النفس على ما سيصيبها من أذى.

وأنا لست مسؤولا عمن سيبحث عن صيد يشنع به على الحقيقة، "ومريض القلب تجرحه الحقيقة"، لأنني صاحب قضية، أكتب لنشر قضيتي. وأسلوب "رفقاً بالقوارير"، لا ينسجم مع فهمي للصراحة المطلوبة لتصحيح مسار السلفية، والدعوة إلى عقيدة التوحيد التي يراد لها أن تنحرف عن طريقها الصحيح. وحسبي أنني لم أتجاوز أدب العلم، ومنطق النقد المقبول. وإنني على أمل - إن شاء الله - من أن المخلصين الواعين من "السلفيين" سيرحبون بهذه الصراحة المنضبطة.

ولا بأس من التمادي في الأمل، فلأطمع - إذن - من* السلفيين. أن يطالعوا هذه الدراسة بتركيز وموضوعية، وليتوقف أحدهم قبل أن يغضب أو يتهم وليفكر ملياً، وليضع نصب عينيه مصلحة الإسلام والدعوة، قبل أن يتوتر من أجل بعض العبارات، التي قد يرى فيها شيئاً من شدة، وليتجنب الحيلة المتبعة للهروب من المسؤولية، ومواجهة المشكلة، حيث يصب كل الجهد في تضخيم بعض الشكليات، مصادراً بذلك الأفكار الجادة التي عرضتها الدراسة.

ونحن ـ في الحقيقة ـ لا نطمع كثيرا بمن ارتبطت مصالحه "بالسلفية" في شكلها القائم، فإن من هذه حاله يصعب عليه الانعتاق من شبكة العلاقات المعقدة التي يتصل معها، ويفيد منها، ولذلك فإننا نتوقع رفضه وبشدة.

ولكننا نخاطب الشباب المعتقد بمنهج السلف، الذي يرى أن لا نهضة للمسلمين إلا بإحياء الشباب الذي لا مصلحة له.

ونخاطب المسلمين ليعرفوا المنهج السلفي الحقيقي، وموقفه من القضايا المدروسة لعلنا نلتقي وإياهم لحمل الإسلام بدعوته؛ دعوة التوحيد…

نخاطبهم ونطمع منهم أن ينسوا النماذج التي بقيت زمناً ـ ولا زالت واجهات معروضة ـ باسم السلف والسلفية.

وأما من سيقول: إن الكلام يضر المنهج، وإن كان ولا بد فليكن في الغرف المغلقة! فأقول له: بل إنَّ الصمتَ هو الذي يضر المنهج وإن الصمت هو الذي يغتال المنهج، ويخنق الحق. ولم يزل معظم أهل الحق ـ منذ صفين ـ صامتين، متذرعين بالحكمة، ومتعللين بدرء الفتنة، حتى غصت الحلوق بالصمت، وساحت الفتنة في الأرض. ألا إن الصمت عار، عندما تكون الحقيقة مرة! أما حكاية الغرف المغلقة فهذه تصلح لمناقشة الشؤون الشخصية، أما عندما يتعلق الأمر بالمنهج، وبالممارسات العلنية المرتبطة بالفكرة، فإنها - أي الغرف - ليست محلاً للكلام. وبما أن الانحراف علني، فلا بد أن يكون التصويب علنياً.

وإذا كان الخطأ في العلن، فلا يجوز أن يكون التبرؤ منه في السر.

إن هذا البيان يجدد الدعوة إلى السنة، بمفهومها العام، وإلى منهج السلف. ويبين من هو السلفي وما هي قضية "السلفية"!

وأخيراً، فلقد حاولت ـ قدر استطاعتي ـ التزام آداب الحوار، وأصول النقد، وأسأل الله العفو إن أخطأت.

وسأحاول ـ بإذن الله ـ ألا أدخل في مهاترات وسفاهات من سيبقى واضعاً رأسه في الرمال، ناظراً إلى الأمور بعين واحدة، محولاً القضية عن مسارها الصحيح والمقصود.

وأتعب من ناداك من لا تجيبه، وأغيظ من عاداك من لا تشاكل.



عندما...



عندما يُخالف الشعارُ، فيُعرف الحقَّ بالرجال...

عندما يُقدم الأشخاصُ على المبادئ...

عندما تُزَور الحقائق، وتُنكًس الموازين...

عندما " يقرطس " الكتاب، فيُبدى بعضه، ويُخفى بعضه...

عندما يؤكل بالعلم، وتتحول الدعوة إلى حرفة...

عندما يُجَرحُ العامل المجاهد، ويعدل حِلسَ بيته...

عندما يحْجز التوحيد في القبور...

عندما تصبح المبادىء و الأصول في خطر...

وعندما لا يحتمل الوضع السكوت و التأجيل...

عندها يصبح...

الصمت خيانة،

السكوت جبناً،

التجاوز إثماً.

عندها لا بد من الكلام وبصوت مرتفع وعندها يَفْرِض علينا حق العلم أن لانُحابي أحداً.

بالتعاون مع موقع التغيير:
http://www.altaghyeer.com




([1])[رواه الإمام احمد 3 / 9والترمذي/ الفتن / باب ما جاء ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة وقال: وهذا حديث حسن صحيح].
([2]) ومما يؤسف له أن صورة مشوهة تركزت في أذهانهم عن منهج السلف، ولكننا -وبإذن الله - سنحاول محو هذه الصورة بهذه الدراسة وبغيرها

تلخيص ما ورد في المقالة:
1)ادعاءات من غير دليل.
2)قالوا زمانا:"إذا كنت كذوبا فكن ذكورا"http://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=364039
فليقرأ مقال العسعس هنا وهو يشنع على السلف والسلفيين ولينظر ردي المختصر كذا.
3)نريد من الكاتب أن يعلمنا منهج السلف .
4)كالعادة تناقضات فاضحة داخل المقالة ولا تكاد تقف على فكرة أو قطعة منهجية علمية صحيحة.
5)قول السلف الذي ينادي به أهل العلم في زماننا وفي غيره:"الرجال يعرفون بالحق ولا عكس".
6)نقول للكاتب:"تكلم كما تشاء وبالذي تشاء ولا نخشى والله شيئا ولكن كن صاحب كتابة منهجية لا بطيخية".
7)ليس عندنا شيء اسمه الغرف المغلقة ومن يتكلم بذلك يتكلم عن نفسه لا عن المنهج.
8)المنهج منهج صحيح راجح ولكن الأشخاص قد يفعلون ما يسيئون هذا شيء طبيعي فالناس يقع منهم الخطأ والصواب في كل مكان وفي كل زمان
وإنما الرجوع إلى المحك إلى المنهج.
9)هذه ليست دراسة وأصحاب الدراسات والبحوث المنهجية يعلمون ذلك يقينا.
10)يقول إبراهيم العسعس هذا:"أنه اذا سمع بالسلفي تبادر الى الاذهان المرحاض و الحيض و ما الى ذلك". وهو أردني يقول عنه أهل الأردن:" ابراهيم العسعس
ابو هدى المقدسي
من المبغضين الحاقدين على الدعوة السلفية في الديار
هاجم العلماء و الدعاة شر مهاجمة.



تلك عشرة كاملة

على سبيل الحق 02-09-2011 03:24 PM

السلفيون المبتدعة: استدراكات على نصيحة إبراهيم العسعس للسلفيين (مقال له آخر)

بقلم. د. محمد بن إبراهيم السعيدي / رئيس قسم الدراسات الإسلامية ـ جامعة أم القرى
ليس صعبا على كل كاتب أن يصف من يرد عليه، بأن ما كتبه غير علمي، ولكن العسير إثبات عدم العلمية في كتابات الآخرين.
ولذلك، فإنني لن أصف مقال الأخ الكريم إبراهيم عسعس عن السلفية بالبعد عن المنهجية العلمية، ولكنني سأذكر قاعدة رئيسية من قواعد المنهجية، وأطبقها على مقال الأستاذ الكريم، وعلى القارئ الكريم أن يحكم ببصيرة.
فمن المسلمات في المنهج العلمي:
البعد عن التعميم، وحين يقع أحد في التعميم، فيلزمه أمران: أحدهما، إثبات الحكم، والآخر إثبات عمومه، وفي مقال أخي الكريم عدد من الأحكام العامة في معرض النقد، كان ينبغي عليه إثباتها ثم إثبات عمومها، لكنه على العكس حاول التخلص من توجيه هذا النقد، باستباقه والرد عليه بفرضية افترضها هو، وله هو وحده أن يصدقها، لكن الفرضيات لا تصلح أبدا لإثبات الأحكام.
فمن الأحكام العامة التي أطلقها: قوله: فكيف يكون "السلفيون"، مبتدعة؟!! والكل يعلم موقف "السلفيين" من البدع، وتشنيعهم على مرتكبيها. فجزمه بأن السلفيين مبتدعة، مستخدما صيغة الاستفهام وبناء مقاله كله على هذا الحكم الذي اعتبره مسلمة، يحتاج الأخ الكريم فيه إلى مناقشة من وجهين:
الأول: لا يوصف من وجدت عنده بدعة أو شيء من البدع، بكونه مبتدعا، سواء أكان سلفيا أم غير سلفي، إذ وصف المبتدع لا يصدق إلا على من كان منهجه الابتداع،
فأما من وقع في شئ من البدع، فلا يوصف بكونه مبتدعا، كما لا يوصف من وقع في شئ من المكفرات بكونه كافرا، ما لم ينتحل الكفر،
وكذلك لا يوصف بكونه مشركا من وقع في شئ من الشركيات ما لم ينتحل الشرك،
وكذلك لا يوصف بكونه عاصيا من وقع في شئ من هذه المعاصي ما لم يكن مستمرئا لها، مديما عليها،
ولذلك لا يصح وصفه للسلفيين بكونهم مبتدعة ولو على سبيل الاستفهام التقريري، بل كان حقه أن يقول: لديهم بعض البدع، ثم نحن نرحب بتنبيهنا إلى ما خالفنا السنة فيه.
الآخر: أن الكاتب ذكر موقف السلفيين من البدع منقوصا، فذكر أنهم ينكرون البدع ويشنعون على مرتكبيها، وهذا حق، وأعتقد أن أخي الكريم إبراهيم العسعس يوافق السلفيين في ذلك، فهو ينكر البدع ويشنع على مرتكبيها بدلالة غيرته على السنة وكتابته هذا المقال لينبهنا على بعض أخطائنا.
فهو وفقه الله معنا في هذا المنهج، ولكنه ترك بيان أمر مهم، وهو أن السلفيين لا يقولون بعصمة أنفسهم من البدع أو غيرها من أنواع المعاصي، كما أنهم يرون أن بعض البدع ككثير من أفعال العباد مما يسوغ الخلاف فيه، وهم يختلفون فيها فيما بينهم، ولا يعزب عنك دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح وخلاف العلماء في المملكة العربية السعودية فيه، فمنهم من يرى استحبابه ومنهم من يراه بدعة، وكذلك صلاة التراويح والقيام أكثر من ثلاث عشرة ركعة، يراه بعضهم بدعة، استنادا إلى خبر عائشة رضي الله عنها في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل، وآخرون يرونه مستحبا استنادا إلى الأثر عن عمر ولا يشنع بعضهم على بعض، بل جميعهم يرون عدم الانصراف من الصلاة مع الإمام حتى مع مخالفتهم للرأي الذي يعمل به الإمام، وكذلك صلاة التسبيح وصلاة الحاجة وإهداء ثواب قراءة القرءان للميت، وغيرها.
ومن الأحكام العامة، ما ذكره أن من بدع السلفيين: اللقاء مع الناس أو مفارقتهم على أساس الفتاوى في الفروع الفقهية التي يسوغ فيها الخلاف، أو على أساس المباحات.
وقبل إبداء الملاحظة على المضمون أقدم لأخي الكريم ملاحظة على المصطلح، فما ذكره إنما هو عيب سلوكي وليس بدعة،
ولا يخفى أن البدعة كما عرفها أهل العلم: طريقة محدثة في الدين يقصد بها مزيد التعبد لله عز وجل، وهذا التعريف لا ينطبق على الأمر الذي ذكره، فلا أستطيع إقراره على أن الأخلاق الوعرة والسيئة والأفق الضيق، يمكن أن يسمى بدعة، فذكر هذا العيب في سياق بدع السلفيين، خطأ منهجي، وكان بوسع الكاتب حفظه الله أن يضعه ضمن ما يتصوره من أخطاء السلفيين السلوكية، والفرق كبير بين أن تصف فلانا من الناس بالبدعة وبين أن تصفه بعيب سلوكي.
ولا أختلف مع أخي الكريم حين ذكر عيوبا شنيعة، أيا كان فاعلها، فجزاه الله خيرا على تنبيهنا إليها، ونحن نقبل دعوته وفقه الله للبعد عن هذا العيب، الذي لا يليق أن يتلبس به طالب العلم، لكن يكفي السلفيون فخرا، أن من أعظم من نبه على هذا العيب السلوكي ونهى الناس عنه، هم شيوخ السلفية الأقدمين، كابن تيمية الذي نقل نصه الأخ الكريم، والمحدثين، كابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى.
ومع تكراري ترحيبي بهذه النصيحة من أخي إبراهيم، فإنني أبشره وأنا أجزم بأنه يفرح ببشارتي هذه بأن هذا العيب الذي عممه على السلفيين قليل الوجود(لا أنكر وجوده لكنني أزعم قلته) في علمائهم وأهل الفتوى فيهم، ويكاد يكون منحصرا إما في صغار طلبة العلم، الذين لم يستوعبوا بعد معنى الخلاف، أو عدد يسير أيضا ممن لم يرزقوا العقل السديد.
وكونه قليل الوجود في علمائهم وأهل الفتوى فيهم، دليله، ذلك الخلاف الكبير بين علماء السلفية أنفسهم في قضايا الفروع على أساس فقهي، ومع ذلك ليس بينهم افتراق على هذا الأساس، فمثلا يوصف الشيخ عبدالله بن منيع والشيخ عبدالله المطلق، بكونهما يميلان إلى التيسير في المسائل المصرفية المعاصرة، ويميل الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، مفتي المملكة إلى منهج، أكثر تشددا في هذه المسائل، ولا نعرف بينهما إلا كل خير، وكذلك كان الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله يريان عدم نفاذ الطلاق البدعي، وكان العلماء يخالفونهما في حياتهما، ومع ذلك ظل الشيخان محل التقدير والإجلال.
بل إنني، وأنا أحسب نفسي على شئ من الاطلاع في هذه الجزئية، لا أعرف بلدا عربيا بين علمائه خلاف في الفروع، كما أعرف عن علماء السعودية السلفيين، وسر اختلافهم عدم التزامهم بتقليد مذهب أحمد، ولو التزموه، فمذهبه متعدد الوجوه والروايات، مما يجعل مقلد أحمد من العلماء في حاجة أيضا للاجتهاد بين ما روي عنه، حتى إن اختلاف الفتوى أصبح معروفا لدى العوام، ولم يعودوا يستغربونه كما يستغربه العوام في البلاد الإسلامية الأخرى، ففي نازلة الأسهم التي ابتلي الناس بها أخيرا، تجد الناس يقولون هذه الشركة، يرى فلان من العلماء أنها نقية، ويرى فلان أنها مختلطة ويخالفه فلان، ولم يؤثر ذلك على المجتمع السعودي الذي تغلب عليه السلفية أسوة بعلمائهم الذين رغم اختلافهم فهم ولله الحمد أحبة وإن حصل بينهم ما يحصل بين الأقران في بعض المواقف.
وكان الشيخ الألباني رحمه الله يرى أن وجه المرأة ليس بعورة ويخالفه أكثر علماء السلفية بشدة، ومع هذه الشدة في الخلاف، إلا أن الألباني رحمه الله ظل محل الإجلال من جميع السلفيين، علماء وعامة، حتى وفاته رحمه الله وإلى اليوم.
وجاءت نازلة قيادة المرأة للسيارة في السعودية، فأفتى الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله بتحريم ذلك على المرأة في السعودية، مراعيان غلبة جانب المفسدة في هذا الأمر على المصلحة بالنسبة للظروف التي يعلمانها في بلدهما، وخالفهما الشيخ الألباني رحمه الله، مع أنهما أدرى منه بظروف المرأة في المملكة العربية السعودية، وبقي الثلاثة حتى توفاهم الله لم يجرح أحدهم صاحبه بما يسوؤه.
ولو كان السلفيون ـ هكذا على التعميم ـ يفارقون على الخلاف في الفروع، لكانوا فيما بينهم أجدر على الافتراق، وأنا لا أعمم في النفي كما عمم أخي إبراهيم في الإثبات، لأنني أعرف من الأشياخ السلفيين من هو كما وصف أخي الكريم، ولكنهم لا يعبرون عن منهج كلي، كما أوحى لنا كلام أخينا في نصيحته.
هذه حال السلفيين في الخلاف الفقهي إذا وقع فيما بينهم، أما إذا وقع بينهم وبين مخالفهم، فالوقائع تنبئ عنهم. فإن السلفيين يشرفون على مجمعين من أكبر مجامع الفقه الإسلامي في العالم، في مكة وجدة، ويضم المجمعين نخبا من المفتين من غير السلفيين من أنحاء العالم الإسلامي، ويقع بينهم الخلاف الكبير داخل أروقة المجمع، لكنهم لا يتفارقون على أساس من هذا الخلاف أبدا، والمجمعان يعملان منذ سنوات طويلة ويواكبان مستجدات العالم الإسلامي بجد، وأثبت المجمعان أن المسلمين يمكن أن يتوحدوا على أساس الخلاف في الفتوى، ولو اتصف السلفيون بالمفارقة على أساس الخلاف الفقهي، لكان المجمعان منبرا للافتراق لا للاجتماع، بل لانقضى أمرهما منذ زمن بعيد.
بل إن أحد هذين المجمعين قد أسندت رئاسته منذ سنين إلى أحد علماء العالم الإسلامي ممن لم يوصف بسلفيته، وهو الشيخ الحبيب بلخوجة من علماء تونس المالكيين، ولم يقع من السلفيين استئثار بهذا المنصب، مع أنه في بلادهم وتحت رعايتهم. ولو نظرت في حال المجامع الأخرى التي لا تخضع لإشراف سلفي، لوجدت أنه يمارس فيها إقصاء متعمد للسلفيين واحتكار في المناصب، ولا يخفى على أحد الأمر في رابطة علماء المسلمين.
تلك بشارتي للأخ الكريم،
أما الأمر الذي أعتقد أنه يحزنه كما يحزنني: أن كثيرا من غير السلفيين من العلماء مصابون بالداء الذي ذكره أخي الكريم، ولن أستطرد في الأمثلة وأكتفي بالاقتصار على مثال واحد يغني هنا.
هذا المثال هو أنت يا أخي الكريم المحب الناصح، فقد خالفت السلفيين في مسألة، واقتضى منك ذلك إلى أن تصفهم بأنهم مبتدعة ومروجون للجبرية ومقزمون لمفهوم الولاء والبراء ومجزئون لتوحيد الألوهية .. بأسلوب تعميمي ضعيف الاستناد إلى البراهين الواقعية، فما كل هذه المفارقة يا أخي الحبيب؟ فإذا كانت هذه حال أخي إبراهيم مع دعوته الصادقة إن شاء الله للتوحد والائتلاف، فكيف الحال مع سواه؟ إلى الله المشتكى.
وقبل أن أنتقل من هذه الملاحظة، أحب أن أوجه كلمتي للأستاذ الكريم وغيره ممن قد يقرأ هذه المقالة: لا تجعلوا أخطاء صغار طلاب العلم وحديثي الالتزام والمتحمسين من الشباب في ممارستهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سببا للنيل من المسلمين بالعموم، لأن هذا يغيض إخوانكم منكم، ولسنا في حاجة لأن يغيض بعضنا بعضا، واجروا في نصيحتكم لهم جري الحكيم الذي يضع الهناء مواضع النقب.
ومن تعميمات أخي الحبيب إبراهيم، التي لم يدعمها بمثال واحد أو أي نوع من الإثبات العلمي، قوله والعجيب أنهم في المقابل تركوا ذكر الأصول الحقيقية، مثل بعض أصول التوحيد ومقتضياته، كتوحيد الإلاهية، وما يتعلق بها من وجوب الحكم بما أنزل الله، فلماذا هذا التناقض؟!
وهنا أسأل ما هي الأصول الحقيقية التي تركها السلفيون؟
وعلى حد ما أعلم فإن الأصول في الإسلام لا تنقسم إلى حقيقية ووهمية كما هو مفهوم كلام أخي إبراهيم، بل جميع الأصول حقيقية لكن منها ما هو متفق عليه وهو الكتاب والسنة والقياس والإجماع، ومنها ما هي أصول مختلف فيها كالاستحسان والمصالح المرسلة والعرف وغيرها.
فإن أراد أخونا الكريم بالأصول الحقيقية: الكتاب والسنة، فسامحه الله، وأنا من جهتي أحله عن نفسي وأسأل الله أن يغفر له زلته في حق الجميع، وإن أراد بها الأصول المختلف، فهي أصول من الاستدلال قد تركها كثير من العلماء من السلف والخلف كما عمل بها كثير من العلماء من السلف والخلف.
أما قوله: بعض أصول التوحيد، فكنت أتمنى منه أن يكون أكثر دقة في عبارته، فيقول: بعض المسائل المتعلقة بالتوحيد، لأن أصل التوحيد هو لا إله إلا الله، ولا يخالف فيها السلفيون ومعاذ الله.
أما اتهامه السلفيين بترك توحيد الإلاهية، فلا أجد له في ذلك عذرا سوى الخطأ في التعبير، لأنه إن لم يكن أخطأ في التعبير فهو يكفر السلفيين، وهذا ما أجزم يقينا أنه لا يقول به، وهو أسمى وأرفع من ذلك، لكن عبارته شديدة الإيهام بهذا المعنى الشنيع، وأعيدها للقارئ الكريم ليتأملها ويرى لعلي قد أخطأت الفهم: تركوا ذكر الأصول الحقيقية، مثل بعض أصول التوحيد ومقتضياته، كتوحيد الإلاهية.
أما قوله إنهم تركوا وجوب الحكم بما أنزل الله، فلن أفهم هذه العبارة كما يجب أن تفهم، بل سأفهمها كما تملي علي محبتي للأخ إبراهيم، لأن معناها الشرعي تكفير السلفيين حيث لا يقولون بوجوب الحكم بما أنزل الله، ولا شك أن من ينكر معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر، ولذلك آمل من أخي إبراهيم التأني في صياغة أفكاره حتى لا يقع في هذه العبارات المشكلة حقا. ولا بأس هنا أن أنقل فتوى شيخي السلفية المعاصرة في الحكم بغير ما أنزل الله:
سؤال وفتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
كثير من المسلمين يتساهلون في الحكم بغير شريعة الله، والبعض يعتقد أن ذلك التساهل لا يؤثر في تمسكه بالإسلام، والبعض الآخر يستحل الحكم بغير ما أنزل الله ولا يبالي بما يترتب على ذلك، فما هو الحق في ذلك؟
هذا فيه تفصيل: وهو أن يقال من حكم بغير ما أنزل، وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله، وأنه خالف الشرع ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله فهو كافر كفرا أكبر عند جميع العلماء، كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها، أو زعم أنها أفضل من حكم الله، أو زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية. من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم.
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوى أو لحظ عاجل وهو يعلم أنه عاص لله ولرسوله، وأنه فعل منكرا عظيما، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر لكنه قد أتى منكرا عظيما ومعصية كبيرة وكفرا أصغر كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرا دون كفر وظلما دون ظلم، وفسقا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال الله سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه، وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، وقال عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وقال عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ< فحكم الله هو أحسن الأحكام، وهو الواجب الإتباع وبه صلاح الأمة وسعادتها في العاجل والآجل وصلاح العالم كله ولكن أكثر الخلق في غفلة عن هذا. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهذه فتوى الشيخ محمد بن عثيمين:
أما فيما يتعلق بالحكم بغير ما أنزل الله، فهو كما في الكتاب العزيز ينقسم إلى ثلاثة أقسام: كفر وظلم وفسق على حسب الأسباب التي بني عليها هذا الحكم:
1- فإذا كان الرجل يحكم بغير ما انزل الله تبعا لهواه، مع علمه بأن الحق فيما قضى الله به فهذا لا يكفر لكنه بين فاسق وظالم.
2- وأما إذا كان يشرع حكما عاما تمشي عليه الأمة يرى أن ذلك من المصلحة وقد لبس عليه فيه فلا يكفر أيضا لأن كثيرا من الحكام عندهم جهل في علم الشريعة ويتصل بهم من لا يعرف الحكم الشرعي وهم يرونه عالما كبيرا فيحصل بذلك المخالف،
3- وإذا كان يعلم الشرع، ولكنه حكم بهذا أو شرع هذا وجعله دستورا يمشي الناس عليه، يعتقد أنه ظالما في ذلك، وأن الحق فيما جاء به الكتاب والسنة، فإننا لا نستطيع أن نكفر هذا.
وأعود إلى تعميمات أخي الأستاذ إبراهيم في حكمه على السلفية، إذ يقول: - تجزيء مفهوم توحيد الالاهية، بل تجزيء مفهوم التوحيد كله، وعرضهم له بما يُشعر بحصره في الأسماء والصفات، وتناول ما يتعلق منه بشرك القبور، وتحكيم المذاهب الفقهية. وتقزيم مفهوم الولاء والبراء، إلا في حدود البراءة من المتصوفة في "نيجيريا"، أو من شركيات ابن عربي (ت 636)، وجاهليات أبي جهل، أما غير ذلك فليس هنا وقته.
وهذا الحكم على السلفية لو صح لفسد به كلام الكاتب الذي سطره قبل ذلك بأسطر، وهو قوله: ولكن من الحق أن نقول: إنَ "السلفيين" ـ على ما فيهم من بدع ومخالفات ـ يتوخون المنهج السليم، في أصل دعوتهم، ويحاولون التقرب إلى منهج أهل السنة، وفقه السلف قدر استطاعتهم.
فهم ـ بذلك ـ فيما وافقوا فيه أهل السنة من أهل السنَة، وفيما ابتدعوا فيه وخالفوا ليسوا من أهل السنَة، وذلك أن السلفية لو صح كونهم جزئوا توحيد الألوهية وحصروه في الأسماء والصفات والقبور، وحصروا البراءة في البراءة من متصوفة نيجيريا، لو كانوا كذلك لم يكونوا من أهل السنة أصلا، لأن من هذه صفته فليس من أهل السنة سواء ولو وافق أهل السنة في بعض الأمور، فإذا كان أخونا إبراهيم سامحه الله مدركا لحقيقة تهمته هذه فهو ينفي انتساب السلفيين إلى أهل السنة أصلا، وليس هناك داع لأن يجاملهم ويقول إنهم يتوخون إتباع المنهج السليم.
ولم يأت لنا الكاتب الكريم بمثال على هذه الدعاوى الخطيرة، وبما أنه ليست مدعومة بأمثلة فإنما هي انطباعات شخصية، ونحن نتقبل منه هذه الانطباعات، لأنها جاءت من قلب ناصح مريد لنا الخير، لكن من حقنا عليه أن يسمح لنا بالقول: إن نصيحته جاءت في غير محلها، ومن حقه علينا أن نخبره بموضع خطئه.
فالتوحيد لا يتجزأ مفهومه عند السلفية، إذ التوحيد في اصطلاحهمً: هو اعتقاد أن الله واحد في ذاته وواحد في ربوبيته، وواحد في أسمائه وصفاته واحد في ألوهيته وعبادته وحده لا شريك له.
ولهذا لا يمكن أن يقولوا بتجزئ مفهوم التوحيد، إذ مفهومه وحدانية الله تعالى، وهي لا تتجزأ أبدا، فمن قال إنه واحد في ذاته ليس واحدا في ربوبيته أو إلاهيته، فقد أشرك، وكذلك من قال إنه ليس واحدا في أسمائه وصفاته.
أما ما تواضع عليه السلفيون من عهد ابن تيمية رحمه الله حتى الآن من تقسيم التوحد إلى ثلاثة أقسام، فليس هذا في حقيقته تقسيما لذات التوحيد والعياذ بالله، بل تقسيم لعلم التوحيد، إذ إن العلماء وجدوا أنفسهم في حاجة لتقسيم هذا العلم إلى هذه الأقسام لأغراض منهجية، منها تمييز مسائله وضبطها، وتمييز المخالفين في كل مسألة من هذه المسائل، إلى غير ذلك من الفوائد التي يجنيها الباحث من حسن التقسيم والترتيب.
أما تغليب السلفيين للكلام في الأسماء والصفات عن سائر أنواع التوحيد، فهذا قد يكون صحيحا في وقت دون وقت، حيث إن الحديث عن أي قسم تبعا لحاجة إليه، فالباحث يجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، كان أكثر بحثهم في توحيد الأسماء والصفات، لكونهم ابتلوا في عصرهم بطوائف تخالف في مسائل الأسماء والصفات، أكثر من مخالفتها في الإلاهية والربوبية، أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فكان أكثر كلامه في توحيد الألوهية، حيث كان في الجزيرة العربية ولا يعرف أهلها شيئا عن الجهمية والمعتزلة، ولكنهم ابتلوا بمخالفات تتعلق بتوحيد الألوهية، فكثر كلامه فيه وألف كتابه التوحيد ورسائله الأخرى فيه.
فإذا حصل وانشغل بعض علماء السلفية بقسم من مسائل التوحيد، فليس ذلك لكونهم لا يقولون بسواها بل لكون حاجتهم إلى الإنكار كانت إليها، ولن ترغم عالما وجد مجتمعا ضل في الأسماء والصفات أن يتكلم في الألوهية وحاجة المجتمع إليها أقل، والعكس أيضا صحيح.
ثم إننا نرى الكاتب وفقه الله يتناقض تناقضا عجيبا، فبينما نجده ينكر على السلفيين في صدر مقاله كونهم يفارقون الناس على المسائل الفقهية، نجده الآن ينكر على السلفيين انشغالهم بإنكار تحكيم المذاهب الفقهية، أي أن السلفيين هم من ينكر مفارقة الناس على الخلاف الفقهي، وهذا إن شاء الله هو الحق الذي نسأل الله أن يعيننا عليه، والحمد لله أن الله أنطق أخانا الكاتب به وهو جزاه الله خيرا حري بالحق وأهل له.
أما كثرة تناول السلفيين لما يتعلق بشرك القبور، فهذا حق ولله الحمد، لا ينكرونه ولا ينبغي أن ينكر عليهم، لأن شرك القبور من أعظم ما يعصى به الله في هذه الأرض، فهو من أبرز ذرائع الشرك الأكبر الذي جاءت الرسل بالتحذير منه وهي جريمة في حق التوحيد، لا نستغني في إنكارها والسعي لتخليص دين المسلمين منها عن كل جهد،،لكن الكاتب وفقه الله تناقض أيضا في إنكاره علينا حتى لم نعرف ماذا يريد، وذلك أنه قال في نفس السطر : إن السلفيين يشعرون بانحصار التوحيد في الأسماء والصفات ويجتزئون توحيد الألوهية، ثم يقول في نفس السطر إن السلفيين ينشغلون بإنكار شرك القبور، وشرك القبور هو من مسائل توحيد الألوهية وليس من مسائل توحيد الأسماء والصفات، وأكرر هنا : أي المعنيين يريد وأي الأمرين يرى الكاتب أنه شغل السلفيين؟ الواقع أن كلا الأمرين هو شغل السلفيين والحمد لله تعالى.
أما ما اتهمنا به من تقزيم الولاء والبراء، فلو كان ما ذكره صحيحا، فليس هو بتقزيم، بل هو مصادرة لهذا المفهوم ومعاندة له، وحيدة به عن معناه الحقيقي، وهذا كله ولله الحمد مما نبشر الكاتب وفقه الله أننا لا نقول به،
وكيف نقزم مفهوم الولاء والبراء والله تعالى يقول: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }ويقول تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
فلا يمكن لهذا المفهوم أن يحاد عنه أو يقزم.
وكيف يكون السلفية قزموا هذا المفهوم، وهم الذين أخرجوا هذا المفهوم مستقلا، إذ لا يخفى على الكاتب أن أحدا من العلماء الأوائل لم يكتب في الولاء والبراء مستقلا، بل إن إفراد هذا المفهوم بمصطلح مستقل لم يكن معروفا، وأن أول من أبرز هذا المصطلح وأفرده بالبحث هم السلفيون، وللمعاصرين من السلفيين عدد من الكتب ترد على ما ذهب إليه الكاتب الكريم ومنها: الولاء والبراء للدكتور محمد سعيد القحطاني، ومناط التكفير بموالاة الكفار للدكتور عبد الله بن محمد القرني، والولاء والبراء بين الغلو والجفاء للدكتور حاتم بن عارف العوني، فليرجع لها الجميع ليعرفوا مفهوم المعاصرين من السلفية للولاء والبراء، ليظهر أن من فضائل السلفيين إبراز هذا المفهوم كبحث مستقل عن بطون كتب العقيدة.
أما البراءة من المتصوفة في نيجيريا ـ وقد قال الكاتب ذلك من باب السخرية ـ ففيه أمران:
الأول: أن عناية السلفيين بالمتصوفة بنيجيريا أو ما هو أبعد منها، ليس موضعا للسخرية، لأن أهل نيجيريا كأهل الأردن لا بد أن تكون عنايتنا بهم على حد سواء، والعناية بتصحيح عقائد النيجيريين ومن هم أبعد منهم، هو من محامد السلفية ولله الحمد وحده،
الآخر: أن السلفيين لا يبرؤون من أحد من المسلمين أبدا حتى لو كانوا من أشداء أهل البدع، وأولئك هم قاتلوا مع المتصوفة الأفغان والبوسنويين والشيشان، ضد أعداء الدين من الكافرين، ولكنهم يبرؤون من أفعالهم وبدعهم، وهذا من فضل الله عليهم وفرق بين البراءة من المسلم والبراءة من بدعته .
أما البراءة من شركيات ابن عربي وجاهلية أبي جهل، فهذه منقبة ولله الحمد، وذكرها يدل على تناقض الكاتب وفقه الله، وذلك أنه اتهمنا قبل ذلك بسطر بتقزيم مفهوم الولاء والبراء، ومن يبرأ من جاهلية أبي جهل يبرأ من كل ما سار على نهجها من جاهلية حديثة. لكن ما ذكره الكاتب متماش مع الخلل المنهجي الذي أشرت إليه في أول المقال، حيث لا يثبت الأحكام العامة ولا يمثل لها.
أما آخر ما دلنا عليه الأخ الكريم من عيوبنا، فهو ما أسماه الجبرية الاجتماعية.
وخلاصتها: النأي عن الإصلاح السياسي انتظارا للتغيير الإلاهي المحتوم، وقد استند في نسبة هذا الرأي إلى السلفية على كتاب محمد شفره: هي السلفية، وأنا لم أقرأ كتاب محمد شقره، ولا أعتقد أن كاتبا مثل محمد شقره يمكن أن يمثل تيارا إسلاميا كبيرا ممتدا من الهند حتى المغرب العربي، وكون السلفيين لم يردوا على كتابه ليس دليلا على تبنيهم لمنهجه، كما يتصور الأخ إبراهيم عسعس، لاسيما إذا كان ما أورده في كتابه مما يسوغ الخلاف فيه.
وليعلم الكاتب وفقه الله أن السلفيين في السياسة ليس لهم منهج متفق، وذلك لأن السلف رضي الله عنهم لم يكن لهم أيضا في السياسة منهج متفق، فقد اختلف السلف بين علي ومعاوية كما اختلفوا في الخروج على يزيد بن معاوية مع الحسين رضي الله عنه ومع عبد الله بن حنظلة من بعده، كما اختلفوا في صحة خروج ابن الأشعث على الحجاج، مما يؤكد أن الرؤية السياسية ليست أمرا محسوما لدى السلف، ولذلك اختلف السلفيون فيها .
والذي يستقر عليه أكثر السلفيين اليوم، هو ما استقر عليه التابعون من بعد فتنة عبدالرحمن بن الأشعث من التزام طاعة ولي الأمر، امتثالا لأمر الله تعالى في الطاعة لمطلق أولياء الأمر ما أقاموا الصلاة كما تصرح به الأحاديث الصحيحة في صحيح مسلم وغيره، أما إذا لم يقيموا الشرع، فيعود الحكم بالخروج عليهم إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد.
هذا خلاصة ما أعرفه من منهج أكثرهم، وأنا أعلم أن هناك من المنتسبين إلى السلفية من بالغ في قضية طاعة ولي الأمر حتى صار يبرر مخالفات الحاكم الشرعية، بل و أصبح أداة في يد بعض الاستخبارات العربية علم أم لم يعلم، كما أن بعضهم بالغ في الخروج على الحكام حتى أصبح أداة في يد الاستخبارات العالمية علم أم لم يعلم.
أما العمل السياسي السلمي في البلاد التي تحكم بأنظمة برلمانية، فكثير من السلفيين يؤيدون مثل هذه الممارسة كوسيلة للإصلاح، ومن أمثلة ذلك تلك المشاركة الناجحة للسلفيين في مجلس الأمة الكويتي.
وتنوع الطرح السياسي لدى السلفيين دليل على ثراء منهجهم ورحابته بالاختلاف، ولا عبرة ببعض المنتسبين للمنهج السلفي الذين يرمون كل من خالفهم في أي جزئية من جزئيات العمل السياسي، بكونه ليس سلفيا، فهؤلاء مردود عليهم بضيق أفقهم وعدم معرفتهم بعمل السلف الذي ينتسبون إليه.
وفي الختام: أقول إنني أعلم أن مقال الكاتب منصب على توجه معين منتسب للسلفية، قليل الأتباع ولله الحمد، لكن لعل أصحاب هذا التوجه هم من خالطهم الكاتب في بلده، وهم يصورون أنفسهم على أنهم هم السلفيون وحدهم ويصفون حتى إخوانهم من السلفيين بالابتداع لمجرد مخالفتهم إياهم في بعض النوازل العصرية. لكن منهج التعميم وعدم ضرب الأمثلة، حرمنا كثيرا من الاستفادة من نصيحة أخينا الأستاذ الكريم وفقه الله.

hragaey 02-09-2011 03:31 PM

كلام جميل
ولكن من تكلم

maths city 02-09-2011 05:59 PM

مفيش فايده
لا ياس مع الحياة ولكن لا حياه لمن تنادى


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:03 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.