بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   محمد نبينا .. للخير ينادينا (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=43)
-   -   وأذا مرضت فهو يشفين - الطب النبوي من كتاب زاد المعاد لابن قيم الجوزية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=427886)

محمد رافع 52 26-05-2012 10:00 AM

وأذا مرضت فهو يشفين - الطب النبوي من كتاب زاد المعاد لابن قيم الجوزية
 
الطب النبوي من كتاب زاد المعاد للإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية
باب مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً
الشرح:
قوله (أبو أحمد الزبيري) هو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، نسب لجده وهو أسد من بني أسد بن خزيمة، فقد يلتبس بمن ينسب إلى الزبير بن العوام لكونهم من بني أسد بن عبد العزى، وهذا من فنون علم الحديث وصنفوا فيه الأنساب المتفقة في اللفظ المفترقة في الشخص.
وقد وقع عند أبي نعيم في الطب من طريق أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة " قالا حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي أبو أحمد الزبيري " وعند الإسماعيلي من طريق هارون بن عبد الله الحمال " حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري".
قوله: (عن أبي هريرة) كذا قال عمر بن سعيد عن عطاء، وخالفه شبيب بن بشر فقال " عن عطاء عن أبي سعيد الخدري " أخرجه الحاكم وأبو نعيم في الطب ورواه طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس، هذه رواية عبد بن حميد عن محمد بن عبيد عنه.
وقال معتمر بن سليمان " عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة " أخرجه ابن عاصم في الطب وأبو نعيم، وهذا مما يترجح به رواية عمر بن سعيد.
قوله: (ما أنزل الله داء) وقع في رواية الإسماعيلي " من داء " و " من " زائدة، ويحتمل أن يكون مفعول " أنزل " محذوفا فلا تكون من زائدة بل لبيان المحذوف، ولا يخفى تكلفه.
قوله: (إلا أنزل له شفاء) في رواية طلحة بن عمرو من الزيادة في أول الحديث " يا أيها الناس تداووا " ووقع في رواية طارق بن شهاب عن ابن مسعود رفعه " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا " وأخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم، ونحوه للطحاوي وأبي نعيم من حديث ابن عباس، ولأحمد عن أنس " إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء، فتداووا " وفي حديث أسامة بن شريك " تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحدا الهرم " أخرجه أحمد والبخاري في " الأدب المفرد " والأربعة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وفي لفظ " إلا السام " بمهملة مخففة يعني الموت.
ووقع في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود نحو حديث الباب في آخره " علمه من علمه وجهله من جهله " أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.
ولمسلم عن جابر رفعه " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى " ولأبي داود من حديث أبي الدرداء رفعه " إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تداووا بحرام " وفي مجموع هذه الألفاظ ما يعرف منه المراد بالإنزال في حديث الباب وهو إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى الله عليه وسلم مثلا، أو عبر بالإنزال عن التقدير.
وفيها التقييد بالحلال فلا يجوز التداوي بالحرام.
وفي حديث جابر منها الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر.
وفي حديث ابن مسعود الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد، وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر " بإذن الله " فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته.
والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك، وسيأتي مزيد لهذا البحث في " باب الرقية " إن شاء الله تعالى.
ويدخل في عمومها أيضا الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له، وأقروا بالعجز عن مداواته، ولعل الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله " وجهله من جهله " إلى ذلك فتكون باقية على عمومها، ويحتمل أن يكون في الخبر حذف تقديره: لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء، والأول أولى.
ومما يدخل في قوله " جهله من جهله " ما يقع لبعض المرضى أنه يتداوى من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع، والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبا فيقع الخطأ من هنا، وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع فلا ينجع ومن هنا تخضع رقاب الأطباء، وقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي خزامة وهو بمعجمة وزاي خفيفة " عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به هل يرد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله تعالى " والحاصل أن حصول الشفاء بالدواء إنما هو كدفع الجوع بالأكل والعطش بالشرب، وهو ينجع في ذلك في الغالب، وقد يتخلف لمانع والله أعلم.
ثم الداء والدواء كلاهما بفتح الدال وبالمد، وحكي كسر دال الدواء.
واستثناء الموت في حديث أسامة بن شريك واضح، ولعل التقدير إلا داء الموت، أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت.
واستثناء الهرم في الرواية الأخرى إما لأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة، أو لقربه من الموت وإفضائه إليه.
ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا والتقدير: لكن الهرم لا دواء له، والله أعلم.



محمد رافع 52 26-05-2012 10:06 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 10:08 AM

باب هَلْ يُدَاوِي الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَوْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ
الشرح:
قوله: (باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل) ذكر فيه حديث الربيع بالتشديد " كنا نغزو ونسقي القوم ونخدمهم ونرد ال***ى والجرحى إلى المدينة " وليس في هذا السياق تعرض للمداواة، إلا إن كان يدخل في عموم قولها " نخدمهم " نعم ورد الحديث المذكور بلفظ " ونداوي الجرحى ونرد ال***ى " وقد تقدم كذلك في " باب مداواة النساء الجرحى في الغزو " من كتاب الجهاد، فجرى البخاري على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض ألفاظ الحديث، ويؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس.
وإنما لم يجزم بالحكم لاحتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب، أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجا لها أو محرما.
وأما حكم المسألة فتجور مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك، وقد تقدم البحث في شيء من ذلك في كتاب الجهاد.
باب الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ
الشرح:
قوله: (باب الشفاء في ثلاث) سقطت الترجمة للنسفي، ولفظ " باب " للسرخسي.
الحديث:
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ حَدَّثَنَا سَالِمٌ الْأَفْطَسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ رَفَعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الْقُمِّيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَسَلِ وَالْحَجْمِ
الشرح:
قوله: (حدثني الحسين) كذا لهم غير منسوب، وجزم جماعة بأنه ابن محمد بن زياد النيسابوري المعروف بالقباني، قال الكلاباذي: كان يلازم البخاري لما كان بنيسابور وكان عنده مسند أحمد بن منيع سمعه منه يعني شيخه في هذا الحديث، وقد ذكر الحاكم في تاريخه من طريق الحسين المذكور أنه روى حديثا فقال: كتب عني محمد بن إسماعيل هذا الحديث.
ورأيت في كتاب بعض الطلبة قد سمعه منه عني ا ه.
وقد عاش الحسين القباني بعد البخاري ثلاثا وثلاثين سنة وكان من أقران مسلم، فرواية البخاري عنه من رواية الأكابر عن الأصاغر.
وأحمد بن منيع شيخ الحسين فيه من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري، فلو رواه عنه بلا واسطة لم يكن عاليا له.
وكانت وفاة أحمد بن منيع - وكنيته أبو جعفر - سنة أربع وأربعين ومائتين وله أربع وثمانون سنة، واسم جده عبد الرحمن وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه، ولذلك يقال له المنيعي وابن بنت منيع، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وجزم الحاكم بأن الحسين المذكور هو ابن يحيى بن جعفر البيكندي وقد أكثر البخاري الرواية عن أبيه يحيى بن جعفر وهو من صغار شيوخه، والحسين أصغر من البخاري بكثير، وليس في البخاري عن الحسين سواء كان القباني أو البيكندي سوى هذا الحديث.
وقول البخاري بعد ذلك " حدثنا محمد بن عبد الرحيم " هو المعروف بصاعقة يكني أبا يحيى وكان من كبار الحفاظ وهو من أصاغر شيوخ البخاري ومات قبل البخاري بسنة واحدة وسريج بن يونس شيخه بمهملة ثم جيم من طبقة أحمد بن منيع ومات قبله بعشر سنين، وشيخهما مروان بن شجاع هو الحراني أبو عمرو، وأبو عبد الله مولى محمد بن مروان بن الحكم نزل بغداد وقواه أحمد بن حنبل وغيره.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه وليس بالقوي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الشهادات، ولم يتفق وقوع هذا الحديث للبخاري عاليا، فإنه قد سمع من أصحاب مروان بن شجاع هذا ولم يقع له هذا الحديث عنه إلا بواسطتين، وشيخه سالم الأفطس هو ابن عجلان وما له في البخاري سوى الحديثين المذكورين من رواية مروان بن شجاع عنه.
قوله: (حدثني سالم الأفطس) وفي الرواية الثانية عن سالم وقع عند الإسماعيلي " عن المنيعي حدثنا جدي هو أحمد بن منيع حدثنا مروان بن شجاع قال ما أحفظه إلا عن سالم الأفطس حدثني " فذكره، قال الإسماعيلي: صار الحديث عن مروان بن شجاع بالشك منه فيمن حدثه به.
قلت: وكذا أخرجه أحمد بن حنبل عن مروان بن شجاع سواء، وأخرجه ابن ماجه عن أحمد بن منيع مثل رواية البخاري الأولى بغير شك، وكذا أخرجه الإسماعيلي أيضا عن القاسم بن زكريا عن أحمد بن منيع، وكذا رويناه في " فوائد أبي طاهر المخلص " حدثنا محمد بن يحيى بن صاعد حدثنا أحمد بن منيع.
قوله: (عن سعيد بن جبير) وقع في " مسند دعلج " من طريق محمد بن الصباح " حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس أظنه عن سعيد بن جبير " كذا بالشك أيضا، وكان ينبغي للإسماعيلي أن يعترض بهذا أيضا، والحق أنه لا أثر للشك المذكور، والحديث متصل بلا ريب.
قوله: (عن ابن عباس قال: الشفاء في ثلاث) كذا أورده موقوفا، لكن آخره يشعر بأنه مرفوع لقوله " وأنهى أمتي عن الكي " وقوله " رفع الحديث " وقد صرح برفعه في رواية سريج بن يونس حيث قال فيه " عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " ولعل هذا هو السر في إيراد هذه الطريق أيضا مع نزولها، وإنما لم يكتف بها عن الأولى للتصريح في الأولى بقول مروان " حدثني سالم " ووقعت في الثانية بالعنعنة.
قوله: (رواه القمي) بضم القاف وتشديد الميم هو يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي عامر الأشعري، لجده أبي عامر صحبة وكنية يعقوب أبو الحسن وهو من أهل قم ونزل الري، قواه النسائي وقال الدار قطني ليس بالقوي، وما له في البخاري سوى هذا الموضع.
وليث شيخه هو ابن سليم الكوفي سيئ الحفظ.
وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية القمي موصولا في " مسند البزار " وفي " الغيلانيات " في " جزء ابن بخيت " كلهم من رواية عبد العزيز بن الخطاب عنه بهذا السند، وقصر بعض الشراح فنسبه إلى تخريج أبي نعيم في الطب، والذي عند أبي نعيم بهذا السند حديث آخر في الحجامة لفظه " احتجموا لا يتبيغ بكم الدم في***كم".
قوله: (في العسل والحجم) في رواية الكشميهني " والحجامة " ووقع في رواية عبد العزيز بن الخطاب المذكورة " إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي مصة من الحجام، أو مصة من العسل " وإلى هذا أشار البخاري بقوله " في العسل والحجم " وأشار بذلك إلى أن الكي لم يقع في هذه الرواية.
وأغرب الحميدي في " الجمع " فقال في أفراد البخاري: الحديث الخامس عشر عن طاوس عن ابن عباس من رواية مجاهد عنه، قال: وبعض الرواة يقول فيه عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " في العسل والحجم الشفاء " وهذا الذي عزاه للبخاري لم أره فيه أصلا، بل ولا في غيره، والحديث الذي اختلف الرواة فيه هل هو عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس أو عن مجاهد عن ابن عباس بلا واسطة إنما هو في القبرين اللذين كانا يعذبان، وقد تقم التنبيه عليه في كتاب الطهارة، وأما حديث الباب فلم أره من رواية طاوس أصلا، وأما مجاهد فلم يذكره البخاري عنه إلا تعليقا كما بينته، وقد ذكرت من وصله، وسياق لفظه: قال الخطابي انتظم هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس، وذلك أن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط، والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم، وأما العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية، ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن، وأما الكي فإنما يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها " آخر الدواء الكي"، وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره، واكتوى غير واحد من الصحابة.
قلت: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة، فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبه بها على أصول العلاج، وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية، وشفاء الدموية بإخراج الدم، وإنما خص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب والفهم له، بخلاف الفصد فإنه وإن كان في معنى الحجم لكنه لم يكن معهودا لها غالبا.
على أن في التعبير بقوله " شرطة محجم " ما قد يتناول الفصد، وأيضا فالحجم في البلاد الحارة أنجح من الفصد، والفصد في البلاد التي ليست بحارة أنجح من الحجم.
وأما الامتلاء الصفراوي وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل، وقد نبه عليه بذكر العسل، وسيأتي توجيه ذلك في الباب الذي بعده.
وأما الكي فإنه يقع آخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات؛ وإنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء لظنهم أنه يحسم الداء فتعجل الذي يكتوي ال***** بالنار لأمر مظنون، وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض الذي يقطعه الكي.
ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى، وعلى هذا التفسير يحمل حديث المغيرة رفعه " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل " أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعا وأن فيه مضرة، فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب، وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع.

محمد رافع 52 26-05-2012 10:11 AM

وقد قيل إن المراد بالشفاء في هذا الحديث الشفاء من أحد قسمي المرض، لأن الأمراض كلها إما مادية أو غيرها؛ والمادية كما تقدم حارة وباردة، وكل منهما وإن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركبة فالأصل الحرارة والبرودة وما عداهما ينفعل من إحداهما، فنبه بالخبر على أصل المعالجة بضرب من المثال، فالحارة تعالج بإخراج الدم لما فيه من استفراغ المادة وتبريد المزاج، والباردة بتناول العسل لما فيه من التسخين والإنضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين، فيحصل بذلك استفراغ المادة برفق، وأما الكي فخاص بالمرض المزمن لأنه يكون عن مادة باردة فقد تفسد مزاج العضو فإذا كوي خرجت منه، وأما الأمراض التي ليست بمادية فقد أشير إلى علاجها بحديث " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " وسيأتي الكلام عليه عند شرحه إن شاء الله تعالى.
وأما قوله " وما أحب أن أكتوي " فهو من *** تركه أكل الضب مع تقريره أكله على مائدته واعتذاره بأنه يعافه.


باب الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ
الشرح:
قوله: (باب الدواء بالعسل، وقول الله تعالى: فيه شفاء للناس) كأنه أشار بذكر الآية إلى أن الضمير فيها للعسل وهو قول الجمهور، وزعم بعض أهل التفسير أنه للقرآن.
وذكر ابن بطال أن بعضهم قال: إن قوله تعالى (فيه شفاء للناس) أي لبعضهم، وحمله على ذلك أن تناول العسل قد يضر ببعض الناس كمن يكون حار المزاج، لكن لا يحتاج إلى ذلك لأنه ليس في حمله على العموم ما يمنع أنه قد يضر الأبدان بطريق العرض.
والعسل يذكر ويؤنث، وأسماؤه تزيد على المائة، وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا: يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع الفضلات، ويغسل خمل المعدة، ويسخنها تسخينا معتدلا، ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ، وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية، وفيه حفظ المعجونات وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة، وتنقية الكبد والصدر، وإدرار البول والطمث، ونفع للسعال الكائن من البلغم، ونفع لأصحاب البلغم والأمزجة الباردة.
وإذا أضيف إليه الخل نقع أصحاب الصفراء.
ثم هو غذاء من الأغذية، ودواء من الأدوية، وشراب من الأشربة، وحلوى من الحلاوات، وطلاء من الأطلية، ومفرح من المفرحات.
ومن منافعه أنه إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان، وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر، وكذلك الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك من الفواكه، وإذا لطخ به البدن للقمل *** القمل والصئبان، وطول الشعر وحسنه ونعمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها.
وهو عجيب في حفظ جثث الموتى فلا يسرع إليها البلى، وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة، ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه، ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا.
وقد أخرج أبو نعيم في " الطب النبوي " بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر رفعه " من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم بلاء " والله أعلم.



محمد رافع 52 26-05-2012 10:12 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 10:20 AM

الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ
الشرح:
حديث عائشة " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل " قال الكرماني: الإعجاب أعم من أن يكون على سبيل الدواء أو الغذاء.
فتؤخذ المناسبة بهذه الطريق، وقد تقدم باقي الكلام عليه في كتاب الأطعمة.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ
الشرح:
قوله: (عبد الرحمن ابن الغسيل) اسم الغسيل حنظلة بن أبي عامر الأوسي الأنصاري، استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة فقيل له الغسيل، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو جد جد عبد الرحمن، فهو ابن سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة، وعبد الرحمن معدود في صغار التابعين لأنه رأى أنسا وسهل بن سعد، وجل روايته عن التابعين، وهو ثقة عند الأكثر واختلف فيه قول النسائي.
وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرا ا ه.
وكان قد عمر فجاز المائة فلعله تغير حفظه في الآخر وقد احتج به الشيخان، وشيخه عاصم بن عمر بن قتادة أي ابن النعمان الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمر ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في " باب من بنى مسجدا " في أوائل الصلاة، وهو تابعي ثقة عندهم، وأغرب عبد الحق فقال في " الأحكام ": وثقة ابن معين وأبو زرعة وضعفه غيرهما.
ورد ذلك أبو الحسن بن القطان على عبد الحق فقال: لا أعرف أحدا ضعفه ولا ذكره في الضعفاء ا ه.
وهو كما قال.
قوله: (إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم) كذا وقع بالشك، وكذا لأحمد عن أبي أحمد الزبيري عن ابن الغسيل، وسيأتي بعد أبواب باللفظ الأول بغير شك، وكذا لمسلم، وذكرت فيه في " باب الحجامة من الداء " قصة، وقوله "أو يكون " قال ابن التين صوابه " أو يكن " لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزوما.
قلت: وقد وقع في رواية أحمد " إن كان أو إن يكن " فلعل الراوي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوا فأثبتها، ويحتمل أن يكون التقدير: إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء، فيكون التردد لإثبات لفظ يكون وعدمها، وقرأها بعضهم بتشديد الواو وسكون النون، وليس ذلك بمحفوظ.
قوله: (ففي شرطة محجم) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم.
قوله: (أو لذعة بنار) بذال معجمة ساكنة وعين مهملة، اللذع هو الخفيف من حرق النار.
وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عض ذات السم.
قوله: (توافق الداء) فيه إشارة إلى أن الكي إنما يشرع منه ما يتعين طريقا إلى إزالة ذلك الداء، وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق، ويحتمل أن يكون المراد بالموافقة موافقة القدر.
قوله: (وما أحب أن أكتوي) سيأتي بيانه بعد أبواب.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلاً فَسَقَاهُ فَبَرَأَ
الشرح:
حديث أبي سعيد في الذي اشتكى بطنه فأمر بشرب العسل، وسيأتي شرحه في " باب دواء المبطون".
وشيخه عباس فيه هو بالموحدة ثم مهملة النرسي بنون ومهملة، وعبد الأعلى شيخه هو ابن عبد الأعلى، وسعيد هو ابن أبي عروبة، والإسناد كله بصريون.
باب الدَّوَاءِ بِأَلْبَانِ الْإِبِلِ
الشرح:
قوله: (باب الدواء بألبان الإبل) أي في المرض الملائم له.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاساً كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ فَأَنْزَلَهُمْ الْحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ سَلَّامٌ فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا
الشرح:
قوله: (سلام بن مسكين) هو الأزدي، وهو بالتشديد، وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في كتاب الأدب.
ووقع في اللباس عن موسى بن إسماعيل " حدثنا سلام عن عثمان بن عبد الله " فزعم الكلاباذي أنه سلام بن مسكين، وليس كذلك بل هو سلام بن أبي مطيع، وسأذكر الحجة لذلك هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (حدثنا ثابت) هو البناني، ووقع للإسماعيلي من رواية بهز بن أسد " عن سلام بن مسكين قال حدث ثابت الحسن وأصحابه وأنا شاهد منهم " فيؤخذ من ذلك أنه لا يشترط في قول الراوي حدثنا فلان أن يكون فلان قد قصد إليه بالتحديث، بل إن سمع منه اتفاقا جاز أن يقول حدثنا فلان، ورجال هذا الإسناد أيضا كلهم بصريون.
قوله: (أن ناسا) زاد بهز في روايته " من أهل الحجاز " وقد تقدم في الطهارة أنهم من عكل أو عرينة بالشك، وثبت أنهم كانوا ثمانية وأن أربعة منهم كانوا من عكل وثلاثة من عرينة والرابع كان تبعا لهم.
قوله: (كان بهم سقم فقالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا) في السياق حذف تقديره فآواهم وأطعمهم، فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة، وكان السقم الذي بهم أولا من الجوع أو من التعب فلما زال ذلك عنهم خشوا من وخم المدينة إما لكونهم أهل ريف فلم يعتادوا بالحضر، وإما بسبب ما كان بالمدينة من الحمى، وهذا هو المراد بقوله في الرواية التي بعدها " اجتووا المدينة " وتقدم تفسير الجوى في كتاب الطهارة.
ووقع في رواية بهز بن أسد " بهم ضر وجهد " وهو يشير إلى ما قلناه.
قوله: (في ذود له) ذكر ابن سعد أن عدد الذود كان خمس عشرة.
وفي رواية بهز بن أسد: أن الذود كان مع الراعي بجانب الحرة.
قوله: (فقال اشربوا ألبانها) كذا هنا، وتقدم من رواية أبي قلابة وغيره عن أنس " من ألبانها وأبوالها".
قوله: (فلما صحوا) في السياق حذف تقديره: فخرجوا فشربوا فلما صحوا.
قوله: (وسمر أعينهم) كذا للأكثر، وللكشميهني باللام بدل الراء، وقد تقدم شرحها.
قوله: (فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت) زاد بهز في روايته " مما يجد من الغم والوجع " وفي صحيح أبي عوانة هنا يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة".
قوله: (قال سلام) هو موصول بالسند المذكور، وقوله "فبلغني أن الحجاج " هو ابن يوسف الأمير المشهور.
وفي رواية أنس " فذكر ذلك قوم للحجاج فبعث إلى أنس فقال: هذا خاتمي فليكن بيدك - أي يصير خازنا له - فقال أنس: إني أعجز عن ذلك.
قال فحدثني بأشد عقوبة " الحديث.
قوله: (بأشد عقوبة عاقبه النبي صلى الله عليه وسلم) كذا بالتذكير على إرادة العقاب.
وفي رواية بهز " عاقبها " على ظاهر اللفظ.
قوله: (فبلغ الحسن) هو ابن أبي الحسن البصري (فقال: وددت أنه لم يحدثه) زاد الكشميهني " بهذا " وفي رواية بهز " فوالله ما انتهى الحجاج حتى قام بها على المنبر فقال: حدثنا أنس " فذكره وقال " قطع النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي والأرجل وسمل الأعين في معصية الله، أفلا نفعل نحن ذلك في معصية الله "؟ وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن ثابت " حدثني أنس قال: ما ندمت على شيء ما ندمت على حديث حدثت به الحجاج " فذكره، وإنما ندم أنس على ذلك لأن الحجاج كان مسرفا في العقوبة، وكان يتعلق بأدنى شبهة.
ولا حجة له في قصة العرنيين لأنه وقع التصريح في بعض طرقه أنهم ارتدوا، وكان ذلك أيضا قبل أن تنزل الحدود كما في الذي بعده، وقبل النهي عن المثلة كما تقدم في المغازي، وقد حضر أبو هريرة الأمر بال***** بالنار ثم حضر نسخه والنهي عن ال***** بالنار كما مر في كتاب الجهاد، وكان إسلام أبي هريرة متأخرا عن قصة العرنيين، وقد تقدم بسط القول في ذلك في " باب الإبل والدواب " في كتاب الطهارة، وإنما أشرت إلى اليسير منه لبعد العهد به.


محمد رافع 52 26-05-2012 10:25 AM

باب الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ
الشرح:
قوله: (باب الدواء بأبوال الإبل) ذكر فيه حديث العرنيين، ووقع في خصوص التداوي بأبوال الإبل حديث أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رفعه " عليكم بأبوال الإبل فإنها نافعة للذربة بطونهم " والذربة بفتح المعجمة وكسر الراء جمع ذرب، والذرب بفتحتين فساد المعدة.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الْإِبِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ قَالَ قَتَادَةُ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ
الشرح:
قوله: (أن ناسا اجتووا في المدينة) كذا هنا بإثبات " في " وهي ظرفية أي حصل لهم الجوى وهم في المدينة، ووقع في رواية أبي قلابة عن أنس " اجتووا المدينة".
قوله: (أن يلحقوا براعيه يعني الإبل) كذا في الأصل.
وفي رواية مسلم من هذا الوجه أن يلحقوا براعي الإبل".
قوله: (حتى صلحت) في رواية الكشميهني " صحت".
قوله: (قال قتادة) هو موصول بالإسناد المذكور، وقوله "فحدثني محمد بن سيرين الخ " يعكر عليه ما أخرجه مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال " إنما سملهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم سملوا أعين الرعاة " وسيأتي بيان ذلك واضحا في كتاب الديات إن شاء الله تعالى



محمد رافع 52 26-05-2012 10:31 AM

باب الحبة السوداء
الشرح :
قوله: (باب الحبة السوداء) سيأتي بيان المراد بها في آخر الباب.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْساً أَوْ سَبْعاً فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا مِنْ السَّامِ قُلْتُ وَمَا السَّامُ قَالَ الْمَوْتُ
الشرح:
قوله: (حدثني عبد الله بن أبي شيبة) كذا سماه ونسبه لجده وهو أبو بكر، مشهور بكنيته أكثر من اسمه " وأبو شيبة جده، وهو ابن محمد بن إبراهيم، وكان إبراهيم أبو شيبة قاضي واسط.
قوله: (حدثنا عبيد الله) بالتصغير كذا للجميع غير منسوب، وكذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله غير منسوب، وجزم أبو نعيم في " المستخرج " بأنه عبيد الله بن موسى، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر الأعين والخطيب في كتاب " رواية الآباء عن الأبناء " من طريق أبي مسعود الرازي، وهو عندنا بعلو من طريقه، وأخرجه أيضا أحمد بن حازم عن أبي غرزة - بفتح المعجمة والراء والزاي - في مسنده، ومن طريقه الخطيب أيضا كلهم عن عبيد الله بن موسى، وهو الكوفي المشهور، ورجال الإسناد كلهم كوفيون، وعبيد الله بن موسى من كبار شيوخ البخاري، وربما حدث عنه بواسطة كالذي هنا.
قوله: (عن منصور) هو ابن المعتمر.
قوله: (عن خالد بن سعد) هو مولى أبي مسعود البدري الأنصاري، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه المنجنيقي في كتاب رواية الأكابر عن الأصاغر عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد فأدخل بين منصور وخالد بن سعد مجاهدا، وتعقبه الخطيب بعد أن أخرجه من طريق المنجنيقي بأن ذكر مجاهد فيه وهم.
ووقع في رواية المنجنيقي أيضا " خالد بن سعيد " بزيادة ياء في اسم أبيه، وهو وهم نبه عليه الخطيب أيضا.
قوله: (ومعنا غالب بن أبجر) بموحدة وجيم وزن أحمد، يقال إنه الصحابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية.
وحديثه عند أبي داود.
قوله: (فعاده ابن أبي عتيق) في رواية أبي بكر الأعين " فعاده أبو بكر بن أبي عتيق " وكذا قال سائر أصحاب عبد الله بن موسى إلا المنجنيقي فقال في روايته " عن خالد بن سعد عن غالب بن أبجر عن أبي بكر الصديق عن عائشة " واختصر القصة، وبسياقها يتبين الصواب، قال الخطيب: وقوله في السند " عن غالب بن أبحر " وهم فليس لغالب فيه رواية، وإنما سمعه خالد مع غالب من أبي بكر بن أبي عتيق، قال وأبو بكر بن أبي عتيق هذا هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأبو عتيق كنية أبيه محمد بن عبد الرحمن، وهو معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه وجده وجد أبيه صحابة مشهورون.
قوله: (عليكم بهذه الحبيبة السويداء) كذا هنا بالتصغير فيهما إلا الكشميهني فقال " السوداء " وهي رواية الأكثر ممن قدمت ذكره أنه أخرج الحديث.
قوله: (فإن عائشة حدثتني أن هذه الحبة السوداء شفاء) وللكشميهني " أن في هذه الحبة شفاء " كذا للأكثر.
وفي رواية الأعين " هذه الحبة السوداء التي تكون في الملح " وكان هذا قد أشكل علي، ثم ظهر لي أنه يريد الكمون وكانت عادتهم جرت أن يخلط بالملح.
قوله: (إلا من السام) بالمهملة بغير همز، ولابن ماجه " إلا أن يكون الموت"، وفي هذا أن الموت داء من جملة الأدواء، قال الشاعر " وداء الموت ليس له دواء " وقد تقدم توجيه إطلاق الداء على الموت في الباب الأول.
قوله: (قلت وما السام؟ قال: الموت) لم أعرف اسم السائل ولا القائل، وأظن السائل خالد بن سعد والمجيب ابن أبي عتيق.
وهذا الذي أشار إليه ابن أبي عتيق ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض منه عطاس كثير وقالوا: تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات، فلعل غالب بن أبجر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن أبي عتيق الصفة المذكورة، وظاهر سياقه أنها موقوفة عليه، ويحتمل أن تكون عنده مرفوعة أيضا، فقد وقع في رواية الأعين عند الإسماعيلي بعد قوله من كل داء " وأقطروا عليها شيئا من الزيت " وفي رواية له أخرى " وربما قال وأقطروا الخ " وادعى الإسماعيلي أن هذه الزيادة مدرجة في الخبر، وقد أوضحت ذلك رواية ابن أبي شيبة؛ ثم وجدتها مرفوعة من حديث بريدة فأخرج المستغفري في " كتاب الطب " من طريق حسام بن مصك عن عبيد الله بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الحبة السوداء فيها شفاء " الحديث، قال وفي لفظ " قيل: وما الحبة السوداء؟ قال: الشونيز قال: وكيف أصنع بها؟ قال: تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة، فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين، فإذا كان من الغد قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفي الأيسر واحدة، فإذا كان اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين " ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة، وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك.
وقيل أن قوله " كل داء " تقديره يقبل العلاج بها، فإنها تنفع من الأمراض الباردة، وأما الحارة فلا.
نعم قد تدخل في بعض الأمراض الحارة اليابسة بالعرض فتوصل قوى الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها، ويستعمل الحار في بعض الأمراض الحارة لخاصية فيه لا يستنكر كالعنزروت فإنه حار ويستعمل في أدوية الرمد المركبة، مع أن الرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وقد قال أهل العلم بالطب: إن طبع الحبة السوداء حار يابس، وهي مذهبة للنفخ، نافعة من حمى الربع والبلغم، مفتحة للسدد والريح، مجففة لبلة المعدة، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار أذابت الحصاة وأدرت البول والطمث، وفيها جلاء وتقطيع، وإذا دقت وربطت بخرقة من كتان وأديم شمها نفع من الزكام البارد، وإذا نقع منها سبع حبات في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان أفاده، وإذا شرب منها وزن مثقال بماء أفاد من ضيق النفس، والضماد بها ينفع من الصداع البارد، وإذا طبخت بخل وتمضمض بها نفعت من وجع الأسنان الكائن عن برد، وقد ذكر ابن البيطار وغيره ممن صنف في المفردات في منافعها هذا الذي ذكرته وأكثر منه.


محمد رافع 52 26-05-2012 10:33 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 10:37 AM

وقال الخطابي: قوله " من كل داء " هو من العام الذي يراد به الخاص، لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة.
وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل " فيه شفاء للناس " الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى.
وقال غيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد، فيكون معني قوله " شفاء من كل داء " أي من هذا ال*** الذي وقع القول فيه، والتخصيص بالحيثية كثير شائع والله أعلم.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولا خفاء بغلط قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب - ومدار علمهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب - فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم.
انتهى وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب، ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ
الشرح:
قوله: (أخبرني أبو سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: (وسعيد هو ابن المسيب) كذا في رواية عقيل، وأخرجه مسلم من وجهين اقتصر في كل منهما على واحد منهما، وأخرجه مسلم أيضا من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ " ما من داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السام".
قوله: (والحبة السوداء الشونيز) كذا عطفه على تفسير ابن شهاب للسام، فاقتضى ذلك أن تفسير الحبة السوداء أيضا له.
والشونيز بضم المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتانية بعدها زاي.
وقال القرطبي: قيد بعض مشايخنا الشين بالفتح وحكى عياض عن ابن الأعرابي أنه كسرها فأبدل الواو ياء فقال الشينيز، وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهوة الشونيز عندهم إذ ذاك، وأما الآن فالأمر بالعكس، والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير، وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر الأشهر وهي الكمون الأسود ويقال له أيضا الكمون الهندي.
ونقل إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " عن الحسن البصري أنها الخردل، وحكى أبو عبيد الهروي في " الغريبين " أنها ثمرة البطم بضم الموحدة وسكون المهملة، واسم شجرتها الضرو بكسر المعجمة وسكون الراء.
وقال الجوهري: هو صمغ شجرة تدعى الكمكام تجلب من اليمن، ورائحتها طيبة، وتستعمل في البخور.
قلت: وليست المراد هنا جزما.
وقال القرطبي: تفسيرها بالشونيز أولى من وجهين: أحدهما أنه قول الأكثر، والثاني كثرة منافعها بخلاف الخردل والبطم.


محمد رافع 52 26-05-2012 10:40 AM

باب التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ
الشرح:
قوله: (باب التلبينة للمريض) هي بفتح المثناة وسكون اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية ثم نون ثم هاء، وقد يقال بلا هاء، قال الأصمعي: هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل قال غيره: أو لبن.
سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها.
وقال ابن قتيبة: وعلى قول من قال يخلط فيها لبن سميت بذلك لمخالطة اللبن لها.
وقال أبو نعيم في الطب: هي دقيق بحت.
وقال قوم: فيه شحم.
وقال الداودي: يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا فيكون لا يخالطه شيء، فلذلك كثر نفعه.
وقال الموفق البغدادي: التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن، وهو الدقيق النضيج لا الغليظ النيئ.
الحديث:
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ
الشرح:
قوله: (عبد الله) هو ابن المبارك.
قوله: (حدثنا يونس بن يزيد عن عقيل) هو من رواية الأقران.
وذكر النسائي فيما رواه أبو على الأسيوطي عنه أن عقيلا تفرد به عن الزهري.
ووقع في الترمذي عقب حديث محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة في التلبينة، وقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة " حدثنا بذلك الحسين بن محمد حدثنا أبو إسحاق الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري " قال المزي: كذا في النسخ ليس فيه عقيل.
قلت: وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية نعيم بن حماد ومن رواية عبد الله بن سنان كلاهما عن ابن المبارك ليس فيه عقيل، وأخرجه أيضا من رواية علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك بإثباته، وهذا هو المحفوظ، وكأن من لم يذكر فيه عقيلا جرى على الجادة لأن يونس مكثر عن الزهري، وقد رواه عن عقيل أيضا الليث بن سعد وتقدم حديثه في كتاب الأطعمة.
قوله: (أنها كانت تأمر بالتلبين) في رواية الإسماعيلي " بالتلبينة " بزيادة الهاء.
قوله: (للمريض وللمحزون) أي بصنعه لكل منهما، وتقدم في رواية الليث عن عقيل " إن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها ثم اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن أمرت ببرمة تلبينة فطبخت ثم قالت: كلوا منها".
قوله: (عليكم بالتلبينة) أي كلوها.
قوله: (فإنها تجم) بفتح المثناة وضم الجيم وبضم أوله وكسر ثانيه وهما بمعنى، ووقع في رواية الليث " فإنها مجمة " بفتح الميم والجيم وتشديد الميم الثانية هذا هو المشهور، وروي بضم أوله وكسر ثانيه وهما بمعنى، يقال جم وأجم، والمعني أنها تريح فؤاده وتزيل عنه الهم وتنشطه، والجام بالتشديد المستريح، والمصدر الجمام والإجمام، ويقال جم الفرس وأجم إذا أريح فلم يركب فيكون أدعى لنشاطه.
وحكى ابن بطال أنه روي تخم بخاء معجمة قال: والمخمة المكنسة.
الحديث:
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينَةِ وَتَقُولُ هُوَ الْبَغِيضُ النَّافِعُ
الشرح:
(حدثنا فروة) بفتح الفاء (ابن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون المعجمة وبالمد هو الكندي الكوفي، واسم أبي المغراء معد يكرب وكنية فروة أبو القاسم، من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري ولم يكثر عنه.
قوله: (أنها كانت تأمرنا بالتلبينة وتقول: هو البغيض النافع) كذا فيه موقوفا، وقد حذف الإسماعيلي هذه الطريق وضاقت على أبي نعيم فأخرجها من طريق البخاري هذه عن فروة، ووقع عند أحمد وابن ماجه من طريق كلثم عن عائشة مرفوعا " عليكم بالبغيض النافع التلبينة يعني الحساء " وأخرجه النسائي من وجه آخر عن عائشة وزاد " والذي نفس محمد بيده إنها لتغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء " وله وهو عند أحمد والترمذي من طريق محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، ثم أمرهم فحسوا منه ثم قال: إنه يرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء".
ويرتو بفتح أوله وسكون الراء وضم المثناة ويسرو وزنه بسين مهملة ثم راء، ومعني يرتو يقوي ومعنى يسرو يكشف، والبغيض بوزن عظيم من البغض أي يبغضه المريض مع كونه ينفعه كسائر الأدوية.
وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي زيد المروزي بالنون بدل الموحدة، قال: ولا معني له هنا.
قال الموفق البغدادي: إذا شئت معرفة منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير ولا سيما إذا كان نخالة، فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذي غذاء لطيفا، وإذا شرب حارا كان أجلى وأقوى نفوذا وأنمى للحرارة الغريزية.
قال: والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة.
قال: وسماه البغيض النافع لأن المريض يعافه وهو نافع له، قال: ولا شيء أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير، وأما من يغلب على غذائه الحنطة فالأولى به في مرضه حساء الشعير.
وقال صاحب " الهدى ": التلبينة أنفع من الحساء لأنها تطبخ مطحونة فتخرج خاصة الشعير بالطحن، وهي أكثر تغذية وأقوى فعلا وأكثر جلاء، وإنما اختار الأطباء النضيج لأنه أرق وألطف فلا يثقل على طبيعة المريض.
وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد، ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحا، وبالحزين إذا طبخ مطحونا، لما تقدمت الإشارة من الفرق بينهما في الخاصية والله أعلم.

محمد رافع 52 26-05-2012 10:41 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 10:43 AM

باب السَّعُوطِ
الشرح:
قوله: (باب السعوط) بمهملتين: ما يجعل في الأنف مما يتداوى به.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ
الشرح:
قوله: (واستعط) أي استعمل السعوط وهو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب، ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس، وسيأتي ذكر ما يستعط به في الباب الذي يليه.
وأخرج الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس رفعه " أن خير ما تداويتم به السعوط".


محمد رافع 52 26-05-2012 10:46 AM

باب السَّعُوطِ بِالْقُسْطِ الْهِنْدِيِّ وَالْبَحْرِيِّ
وَهُوَ الْكُسْتُ مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ مِثْلُ كُشِطَتْ وَقُشِطَتْ نُزِعَتْ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ قُشِطَتْ
الشرح:
قوله: (باب السعوط بالقسط الهندي والبحري) قال أبو بكر بن العربي القسط نوعان: هندي وهو أسود، وبحري وهو أبيض، والهندي أشدهما حرارة.
قوله: (وهو الكست) يعني أنه يقال بالقاف وبالكاف، ويقال بالطاء وبالمثناة، وذلك لقرب كل من المخرجين بالآخر، وعلى هذا أيضا مع القاف بالمثناة ومع الكاف بالطاء، وقد تقدم في حديث أم عطية عند الطهر من الحيض " نبذة من الكست " وفي رواية عنها " من قسط " ومضى للمصنف في ذلك كلام في " باب القسط للحادة".
قوله: (مثل الكافور والقافور) تقدم هذا في " باب القسط للحادة".
قوله: (ومثل كشطت وقشطت، وقرأ عبد الله قشطت) زاد النسفي " أي نزعت " يريد أن عبد الله بن مسعود قرأ " وإذا السماء قشطت " بالقاف ولم تشتهر هذه القراءة، وقد وجدت سلف البخاري في هذا: فقرأت في كتاب " معاني القرآن للفراء " في قوله تعالى: (وإذا السماء كشطت) قال يعني نزعت، وفي قراءة عبد الله قشطت بالقاف والمعنى واحد، والعرب تقول: الكافور والقافور والقشط والكشط وإذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في المخرج هكذا رأيته في نسخة جيدة منه " الكشط " بالكاف والطاء والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ يُسْتَعَطُ بِهِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّ عَلَيْهِ
الشرح:
قوله: (عن عبيد الله) سيأتي بلفظ " أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة".
قوله: (عن أم قيس بنت محصن) وقع عند مسلم التصريح بسماعه له منها، وسيأتي أيضا قريبا.
قوله: (عليكم بهذا العود الهندي) كذا وقع هنا مختصرا، ويأتي بعد أبواب في أوله قصة " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي وقد أعلقت عليه من العذرة فقال: عليكن بهذا العود الهندي".
وأخرج أحمد وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعا " أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه " وفي حديث أنس الآتي بعد بابين " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " وهو محمول على أنه وصف لكل ما يلائمه، فحيث وصف الهندي كان لاحتياج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة، وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة، لأن الهندي كما تقدم أشد حرارة من البحري.
وقال ابن سينا: القسط حار في الثالثة يابس في الثانية.
قوله: (فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء كدواء وأدوية.
قوله: (يسعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب) كذا وقع الاقتصار في الحديث من السبعة على اثنين، فأما أن يكون ذكر السبعة فاختصره الراوي أو اقتصر على الاثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما، وسيأتي ما يقوي الاحتمال الثاني.
وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول وي*** ديدان الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك شهوة الجماع ويذهب الكلف طلاء، فذكروا أكثر من سبعة، وأجاب بعض الشراح بأن السبعة علمت بالوحي وما زاد عليها بالتجربة، فاقتصر على ما هو بالوحي لتحققه وقيل ذكر ما يحتاج إليه دون غيره لأنه لم يبعث بتفاصيل ذلك قلت: ويحتمل أن تكون السبعة أصول صفة التداوي بها؛ لأنها إما طلاء أو شرب أو تكميد أو تنطيل أو تبخير أو سعوط أو لدود؛ فالطلاء يدخل في المراهم ويحلى بالزيت ويلطخ، وكذا التكميد، والشرب يسحق ويجعل في عسل أو ماء أو غيرهما، وكذا التنطيل، والسعوط يسحق في زيت ويقطر في الأنف، وكذا الدهن، والتبخير واضح، وتحت كل واحدة من السبعة منافع لأدواء مختلفة ولا يستغرب ذلك ممن أوتي جوامع الكلم.
وأما العذرة فهي بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبا، وقيل هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق أو في الخرم الذي بين الأنف والحلق، قيل سميت بذلك لأنها تخرج غالبا عند طلوع العذرة؛ وهي خمسة كواكب تحت الشعري العبور، ويقال لها أيضا العذاري، وطلوعها يقع وسط الحر.
وقد استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارا والعذرة إنما تعرض في زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة ولا سيما وقطر الحجاز حار، وأجيب بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم، وفي القسط تخفيف للرطوبة.
وقد يكون نفعه في هذا الدواء بالخاصية، وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض كثيرا، بل وبالذات أيضا.
وقد ذكر ابن سينا في معالجة سعوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره.
على أننا لو لم نجد شيئا من التوجيهات لكان أمر المعجزة خارجا عن القواعد الطبية.
وسيأتي بيان ذات الجنب في " باب اللدود " وفيه شرح بقية حديث أم قيس هذا.
وقولها " ودخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي " تقدم مطولا في الطهارة، وهو حديث آخر لأم قيس وقع ذكره هنا استطرادا، والله أعلم.

محمد رافع 52 26-05-2012 10:51 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 10:52 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 10:53 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 10:56 AM

باب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (باب الرقى بفاتحة الكتاب، ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ذكره بصيغة التمريض، وهو يعكر على ما تقرر بين أهل الحديث أن الذي يورده البخاري بصيغة التمريض لا يكون على شرطه، مع أنه أخرج حديث ابن عباس في الرقية بفاتحة الكتاب عقب هذا الباب.
وأجاب شيخنا في كلامه على علوم الحديث بأنه قد يصنع ذلك إذا ذكر الخبر بالمعنى، ولا شك أن خبر ابن عباس ليس فيه التصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرقبة بفاتحة الكتاب وإنما فيه تقريره على ذلك فنسبة ذلك إليه صريحا تكون نسبة معنوية، وقد علق البخاري بعض هذا الحديث بلفظه فأتى به مجزوما كما تقدم في الاجارة في " باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب " وقال ابن عباس " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " ثم قال شيخنا: لعل لابن عباس حديثا آخر صريحا في الرقية بفاتحة الكتاب ليس على شرطه فلذلك أتى به بصيغة التمريض.
قلت: ولم يقع لي ذلك بعد التتبع.
وقال ابن القيم: إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب، فقد اشتملت على ذكر أصول أسماء الله ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الاعانة به والهداية منه، وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه، ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به، ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته، وضال لعدم معرفته له، مع ما تضمنته من إثبات القدر والشرع والاسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع، وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ فَقَالُوا هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ فَقَالُوا إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا وَلا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلا فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعاً مِنْ الشَّاءِ فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ فَقَالُوا لا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقَالَ وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ
الشرح:
حديث أبي سعيد في قصة الذين أتوا على الحي فلم يقروهم، فلدغ سيد الحي فرقاه أبو سعيد بفاتحة الكتاب، وقد تقدم شرحه في كتاب الاجارة مستوفى.

محمد رافع 52 26-05-2012 10:57 AM


محمد رافع 52 26-05-2012 06:34 PM


محمد رافع 52 26-05-2012 06:38 PM

الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ
الشرح:
قوله: (باب الدواء بالعجوة للسحر) العجوة ضرب من أجود تمر المدينة وألينه.
وقال الداودي: هو من وسط التمر.
وقال ابن الاثير: العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد، وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بالمدينة.
وذكر هذا الاخير القزاز.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ أَخْبَرَنَا هَاشِمٌ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَقَالَ غَيْرُهُ سَبْعَ تَمَرَاتٍ
الشرح:
قوله: (حدثنا علي) لم أره منسوبا في شيء من الروايات، ولا ذكره أبو علي الغساني، لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه علي بن عبد الله ابن المديني، وبذلك جزم المزي في " الاطراف " وجزم الكرماني بأنه علي بن سلمة اللبقي وما عرفت سلفه فيه.
قوله: (حدثنا مروان) هو ابن معاوية الفزاري، جزم به أبو نعيم، وأخرجه مسلم عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن مروان الفزاري.
قوله: (هاشم) هو ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وعامر بن سعد هو ابن عم أبيه، ووقع في رواية أبي أسامة في الطريق الثانية في الباب " سمعت عامرا سمعت سعدا " ويأتي بعد قليل من وجه آخر " سمعت عامر بن سعد سمعت أبي " وهو سعد بن أبي وقاص.
قوله (من اصطبح) في رواية أبي أسامة " من تصبح " وكذا في رواية جمعة عن مروان الماضية في الاطعمة، وكذا لمسلم عن ابن عمر وكلاهما بمعنى التناول صباحا، وأصل الصبوح والاصطباح تناول الشراب صبحا، ثم استعمل في الاكل، ومقابله الغبوق والاغتباق بالغين المعجمة؛ وقد يستعمل في مطلق الغذاء أعم من الشرب والاكل، وقد يستعمل في أعم من ذلك كما قال الشاعر: صبحنا الخزرجية مرهفات وتصبح مطاوع صبحته بكذا إذا أتيته به صباحا، فكأن الذي يتناول العجوة صباحا قد أتى بها، وهو مثل تغدى وتعشى إذا وقع ذلك في وقت الغداء أو العشاء.
قوله: (كل يوم تمرات عجوة) كذا أطلق في هذه الرواية، ووقع مقيدا في غيرها، ففي رواية جمعة وابن أبي عمر سبع تمرات، وكذا أخرجه الاسماعيلي من رواية دحيم عن مروان، وكذا هو في رواية أبي أسامة في الباب، ووقع مقيدا بالعجوة في رواية أبي ضمرة أنس بن عياض عن هاشم بن هاشم عند الاسماعيلي، وكذا في رواية أبي أسامة، وزاد أبو ضمرة في روايته التقييد بالمكان أيضا ولفظه " من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية " والعالية القرى التي في الجهة العالية من المدينة وهي جهة نجد، وقد تقدم لها ذكر في المواقيت من كتاب الصلاة، وفيه بيان مقدار ما بينها وبين المدينة.
وللزيادة شاهد عند مسلم من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة بلفظ " في عجوة العالية شفاء في أول البكرة " ووقع لمسلم أيضا من طريق أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن الانصاري عن عامر بن سعد بلفظ " من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح " وأراد لابتي المدينة وإن لم يجر لها ذكر للعلم بها.
قوله: (لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل) السم معروف وهو مثلث السين، والسحر تقدم تحرير القول فيه قريبا؛ وقوله: " ذلك اليوم " ظرف وهو معمول ليضره، أو صفة لسحر.
وقوله: " إلى الليل " فيه تقييد الشفاء المطلق في رواية ابن أبي مليكة حيث قال " شفاء أول البكرة في أو ترياق " وتردده في ترياق شك من الراوي، والبكرة بضم الموحدة وسكون الكاف يوافق ذكر الصباح في حديث سعد، والشفاء أشمل من الترياق يناسب ذكر السم، والذي وقع في حديث سعد شيئان السحر والسم، فمعه زيادة علم.
وقد أخرج النسائي من حديث جابر رفعه " العجوة من الجنة، وهي شفاء من السم " وهذا يوافق رواية ابن أبي مليكة.
والترياق بكسر المثناة وقد تضم وقد تبدل المثناة دالا أو طاء بالاهمال فيهما، وهو دواء مركب معروف يعالج به المسموم، فأطلق على العجوة اسم الترياق تشبيها لها به، وأما الغاية في قوله: " إلى الليل " فمفهومه أن السر الذي في العجوة من دفع ضرر السحر والسم يرتفع إذا دخل الليل في حق من تناوله من أول النهار، ويستفاد منه إطلاق اليوم على ما بين طلوع الفجر أو الشمس إلى غروب الشمس، ولا يستلزم دخول الليل، ولم أقف في شيء من الطرق على حكم من تناول ذلك في أول الليل هل يكون كمن تناوله أول النهار حتى يندفع عنه ضرر السم والسحر إلى الصباح، والذي يظهر خصوصية ذلك بالتناول أول النهار لانه حينئذ يكون الغالب أن تناوله يقع على الريق، فيحتمل أن يلحق به من تناول الليل على الريق كالصائم، وظاهر الاطلاق أيضا المواظبة على ذلك.
وقد وقع مقيدا فيما أخرجه الطبري من رواية عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها " كانت تأمر بسبع تمرات عجوة في سبع غدوات " وأخرجه ابن عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام مرفوعا، وذكر ابن عدي أنه تفرد به، ولعله أراد تفرده برفعه، وهو من رجال البخاري لكن في المتابعات.
قوله: (وقال غيره سبع تمرات) وقع في نسخة الصغاني " يعني غير حديث علي " انتهى، والغير كأنه أراد به جمعة، وقد تقدم في الاطعمة عنه أو غيره ممن نبهت عليه ممن رواه كذلك.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ سَمِعْتُ سَعْداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ
الشرح:
قوله في رواية أبي أسامة (سبع تمرات عجوة) في رواية الكشميهني " بسبع تمرات " بزيادة الموحدة في أوله، ويجوز في تمرات عجوة الاضافة فتخفض كما تقول ثياب خز، ويجوز التنوين على أنه عطف بيان أو صفة لسبع أو تمرات ويجوز النصب منونا على تقدير فعل أو على التمييز.
قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر.
وقال ابن التين: يحتمل أن يكون المراد نخلا خاصا بالمدينة لا يعرف الان.
وقال بعض شراح " المصابيح " نحوه وإنه ذلك لخاصية فيه، قال: ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمانه صلى الله عليه وسلم، وهذا يبعده وصف عائشة لذلك بعده صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض شراح " المشارق " أما تخصيص تمر المدينة بذلك فواضح من ألفاظ المتن، وأما تخصيص زمانه بذلك فبعيد، وأما خصوصية السبع فالظاهر أنه لسر فيها، وإلا فيستحب أن يكون ذلك وترا.
وقال المازري: هذا مما لا يعقل معناه في طريق علم الطب، ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر في السم وجه من جهة الطب لم يقدر على إظهار وجه الاقتصار على هذا العدد الذي هو السبع، ولا على الاقتصار على هذا ال*** الذي هو العجوة، ولعل ذلك كان لاهل زمانه صلى الله عليه وسلم خاصة أو لاكثرهم، إذ لم يثبت استمرار وقوع الشفاء في زماننا غالبا، وإن وحد ذلك في الاكثر حمل على أنه أراد وصف غالب الحال.
وقال عياض: تخصيصه ذلك بعجوة العالية وبما بين لابتي المدينة يرفع هذا الاشكال ويكون خصوصا لها، كما وجد الشفاء لبعض الادواء في الادوية التي تكون في بعض تلك البلاد دون ذلك ال*** في غيره، لتأثير يكون في ذلك من الارض أو الهواء.
قال: وأما تخصيص هذا العدد فلجمعه بين الافراد والاشفاع، لانه زاد على نصف العشرة، وفيه أشفاع ثلاثة وأوتار أربعة، وهي من نمط غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا وقوله تعالى: (سبع سنابل) وكما أن السبعين مبالغة في كثرة العشرات والسبعمائة مبالغة في كثرة المئين.
وقال النووي: في الحديث تخصيص عجوة المدينة بما ذكر، وأما خصوص كون ذلك سبعا فلا يعقل معناه كما في أعداد الصلوات ونصب الزكوات.
قال: وقد تكلم في ذلك المازري وعياض بكلام باطل فلا يغتر به انتهى.
ولم يظهر لي من كلامهما ما يقتضي الحكم عليه بالبطلان، بل كلام المازري يشير إلى محل ما اقتصر عليه النووي، وفي كلام عياض إشارة إلى المناسبة فقط، والمناسبات لا يقصد فيها التحقيق البالغ بل يكتفى منها بطرق الاشارة.
وقال القرطبي: ظاهر الاحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر، والمطلق منها محمول على المقيد، وهو من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني.
ومن أئمتنا من تكلف لذلك فقال: إن السموم إنما ت*** لافراط برودتها، فإذا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم.
قال: وهذا يلزم منه رفع خصوصية عجوة المدينة بل خصوصية العجوة بل خصوصية التمر، فإن من الادوية الحارة ما هو أولى بذلك من التمر، والاولى أن ذلك خاص بعجوة المدينة.
ثم هل هو خاص بزمان نطقه أو في كل زمان؟ هذا محتمل، ويرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة.
فمن جرب ذلك فصح معه عرف أنه مستمر، وإلا فهو مخصوص بذلك الزمان.
قال وأما خصوصية هذا العدد فقد جاء في مواطن كثيرة من الطب كحديث " صبوا علي من سبع قرب " وقوله للمفؤود الذي وجهه للحارث بن كلدة أن يلده بسبع تمرات، وجاء تعويذه سبع مرات، إلى غير ذلك.
وأما في غير الطب فكثير، فما جاء من هذا العدد في معرض التداوي فذلك لخاصية لا يعلمها إلا الله أو من أطلعه على ذلك، وما جاء منه في غير معرض التداوي فإن العرب تضع هذا العدد موضع الكثرة وإن لم ترد عددا بعينه.
وقال ابن القيم: عجوة المدينة من أنفع تمر الحجاز، وهو صنف كريم ملزز متين الجسم والقوة، وهو من ألين التمر وألذه.
قال: والتمر في الاصل من أكثر الثمار تغذية لما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق ي*** الديدان لما فيه من القوة الترياقية، فإذا أديم أكله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه أو ***ه انتهى.
وفي كلامه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السم وهو ما ينشأ عن الديدان التي في البطن لا كل السموم، لكن سياق الخبر يقتضي التعميم لانه نكرة في سياق النفي، وعلى تقدير التسليم في السم فماذا يصنع في السحر.

محمد رافع 52 26-05-2012 06:39 PM


محمد رافع 52 26-05-2012 06:40 PM


محمد رافع 52 30-05-2012 07:30 PM

الدواء بالعسل
" واختصر من هذه الطريق أيضا قوله: " توافق الداء " وقد تقدم بيانها هناك.
الحديث:
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ قِيلَ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الْأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ
الشرح:
قوله: (عمران بن ميسرة) بفتح الميم وسكون التحتانية بعدها مهملة.
قوله: (حصين) بالتصغير هو ابن عبد الرحمن الواسطي، وعامر هو الشعبي.
قوله: (عن عمران بن حصين قال: لا رقية إلا من عين أو حمة) كذا رواه محمد بن فضيل عن حصين موقوفا، ووافقه هشيم وشعبة عن حصين على وقفه، ورواية هشيم عند أحمد ومسلم، ورواية شعبة عند الترمذي تعليقا، ووصلها ابنا أبي شيبة ولكن قالا " عن بريدة " بدل عمران بن حصين، وخالف الجميع مالك بن مغول عن حصين فرواه مرفوعا وقال: " عن عمران بن حصين " أخرجه أحمد وأبو داود، وكذا قال ابن عيينة " عن حصين " أخرجه الترمذي، وكذا قال إسحاق بن سليمان " عن حصين " أخرجه ابن ماجه.
واختلف فيه على الشعبي اختلافا آخر فأخرجه أبو داود من طريق العباس بن ذريح بمعجمة وراء وآخره مهملة بوزن عظيم فقال: " عن الشعبي عن أنس " ورفعه، وشذ العباس بذلك، والمحفوظ رواية حصين مع الاختلاف عليه في رفعه ووقفه، وهل هو عن عمران أو بريدة، والتحقيق أنه عنده عن عمران وعن بريدة جميعا.
ووقع لبعض الرواة عن البخاري قال: حديث الشعبي مرسل، والمسند حديث ابن عباس، فأشار بذلك إلى أنه أورد حديث الشعبي استطرادا ولم يقصد إلى تصحيحه، ولعل هذا هو السر في حذف الحميدي له من " الجمع بين الصحيحين " فإنه لم يذكره أصلا.
ثم وجدت في نسخة الصغاني " قال أبو عبد الله هو المصنف: إنما أردنا من هذا حديث ابن عباس، والشعبي عن عمران مرسل " وهذا يؤيد ما ذكرته.
قوله: (لا رقية إلا من عين أو حمة) بضم المهملة وتخفيف الميم، قال ثعلب وغيره: هي سم العقرب.
وقال القزاز: قيل: هي شوكة العقرب، وكذا قال ابن سيده إنها الإبرة التي تضرب بها العقرب والزنبور.
وقال الخطابي: الحمة كل هامة ذات سم من حية أو عقرب.
وقد أخرج أبو داود من حديث سهل بن حنيف مرفوعا " لا رقية إلا من نفس، أو حمة، أو لدغة " فغاير بينهما، فيحتمل أن يخرج على أن الحمة خاصة بالعقرب، فيكون ذكر اللدغة بعدها من العام بعد الخاص.
وسيأتي بيان حكم الرقية في " باب رقية الحية والعقرب " بعد أبواب، وكذلك ذكر حكم العين في باب مفرد.
قوله: (فذكرته لسعيد بن جبير) القائل ذلك حصين بن عبد الرحمن، وقد بين ذلك هشيم عن حصين بن عبد الرحمن قال: " كنت عند سعيد بن جبير فقال: حدثني ابن عباس " وسيأتي ذلك في كتاب الرقاق.
وأخرجه أحمد عن هشيم ومسلم من وجه آخر عنه بزيادة قصة قال: " كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قلت: أنا.
ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكن لدغت.
قال: وكيف فعلت؟ قلت: استرقيت.
قال: وما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي عن بريدة أنه قال لا رقية إلا من عين أو حمة.
فقال سعيد قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ثم قال: حدثنا ابن عباس " فذكر الحديث.
قوله: (عرضت علي الأمم) سيأتي شرحه في كتاب الرقاق، وقوله في هذه الرواية " حتى وقع في سواد " كذا للأكثر بواو وقاف، وبلفظ " في"، وللكشميهني " حتى رفع " براء وفاء، وبلفظ " لي " وهو المحفوظ في جميع طرق هذا الحديث.
قوله: (فقال هم الذي لا يسترقون ولا يتطيرون) سيأتي الكلام على الرقية بعد قليل، وكذلك يأتي القول في الطيرة بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

محمد رافع 52 30-05-2012 07:32 PM


محمد رافع 52 30-05-2012 07:36 PM

الْإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنْ الرَّمَدِ
فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
الشرح:
قوله: (باب الإثمد والكحل من الرمد) أي بسب الرمد، والرمد بفتح الراء والميم: ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر، وسببه انصباب أحد الأخلاط أو أبخرة تصعد من المعدة إلى الدماغ فإن اندفع إلى الخياشيم أحدث الزكام، أو إلى العين أحدث الرمد، أو إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخنان بالخاء المعجمة والنون، أو إلى الصدر أحدث النزلة، أو إلى القلب أحدث الشوصة، وإن لم ينحدر وطلب نفاذا فلم يجد أحدث الصداع كما تقدم.
قوله: (فيه عن أم عطية) يشير إلى حديث أم عطية مرفوعا " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد فوق ثلاث إلا على زوج " فإنها لا تكتحل، وقد تقدم في أبواب العدة، لكن لم أر في شيء من طرقه ذكر الإثمد، فكأنه ذكره لكون العرب غالبا إنما تكتحل به، وقد ورد التنصيص عليه في حديث ابن عباس رفعه " اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر " أخرجه الترمذي وحسنه واللفظ له، وابن ماجه وصححه ابن حبان، وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس في " الشمائل " وفي الباب عن جابر عند الترمذي في " الشمائل " وابن ماجه وابن عدي من ثلاث طرق عن ابن المنكدر عنه بلفظ " عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر " وعن علي عند ابن أبي عاصم والطبراني ولفظه " عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر " وسنده حسن، وعن ابن عمر بنحوه عند الترمذي في " الشمائل " وعن أنس في " غريب مالك " للدار قطني بلفظ " كان يأمرنا بالإثمد " وعن سعيد بن هوذة عند أحمد بلفظ " اكتحلوا بالإثمد فإنه " الحديث، وهو عند أبي داود من حديثه بلفظ " إنه أمر بالإثمد المروح عند النوم " وعن أبي هريرة بلفظ " خير أكحالكم الإثمد فإنه " الحديث أخرجه البزار وفي سنده مقال، وعن أبي رافع " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد " أخرجه البيهقي وفي سنده مقال، وعن عائشة " كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إثمد يكحل به عند منامه في كل عين ثلاثا " أخرجه أبو الشيخ في كتاب " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " بسند ضعيف، والإثمد بكسر الهمزة والميم بينهما ثاء مثلثة ساكنة وحكي فيه ضم الهمزة: حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون في بلاد الحجاز وأجوده يؤتى به من أصبهان، واختلف هل هو اسم الحجر الذي يتخذ منه الكحل أو هو نفس الكحل؟ ذكره ابن سيده وأشار إليه الجوهري، وفي هذه الأحاديث استحباب الاكتحال بالإثمد ووقع الأمر بالاكتحال وترا من حديث أبي هريرة في " سنن أبي داود " ووقع في بعض الأحاديث التي أشرت إليها كبقية الاكتحال، وحاصله ثلاثا في كل عين، فيكون الوتر في كل واحدة على حدة، أو اثنتين في كل عين وواحدة بينهما، أو في اليمين ثلاثا وفي اليسرى ثنتين فيكون الوتر بالنسبة لهما جميعا وأرجحها الأول والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَذَكَرُوهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرُوا لَهُ الْكُحْلَ وَأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى عَيْنِهَا فَقَالَ لَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي بَيْتِهَا فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا أَوْ فِي أَحْلَاسِهَا فِي شَرِّ بَيْتِهَا فَإِذَا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بَعْرَةً فَهَلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً
الشرح:
ذكر المصنف حديث أم سلمة من رواية زينب وهي بنتها عنها " أن امرأة توفي زوجها فاشتكت عينها، فذكروها للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له الكحل وأنه يخاف على عينها " الحديث، وقد مرت مباحثه في أبواب الإحداد.
وأما قوله في آخره: " فلا، أربعة أشهر وعشرا " كذا للأكثر وعند الكشميهني " فهلا أربعة أشهر وعشرا "؟ وهي واضحة، وأما الاقتصار على حرف النهي فالمنفي مقدر كأنه قال: فلا تكتحل، ثم قال: تمكث أربعة أشهر وعشرا.

محمد رافع 52 30-05-2012 07:37 PM


محمد رافع 52 30-05-2012 07:47 PM

الْجُذَامِ
وَقَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ
الشرح:
قوله: (باب الجذام) بضم الجيم وتخفيف المعجمة، هو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله فتفسد مزاج الأعضاء، وربما أفسد في آخره إيصالها حتى يتأكل.
قال ابن سيده: سمي بذلك لتجذم الأصابع وتقطعها.
قوله: (وقال عفان) هو ابن مسلم الصفار.
وهو من شيوخ البخاري لكن أكثر ما يخرج عنه بواسطة، وهو من المعلقات التي لم يصلها في موضع آخر، وقد جزم أبو نعيم أنه أخرجه عنه بلا رواية، وعلى طريقة ابن الصلاح يكون موصولا.
وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي داود الطيالسي وأبي قتيبة مسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان فيه، وأخرجه أيضا من طريق عمرو بن مرزوق عن سليم لكن موقوفا ولم يستخرجه الإسماعيلي.
وقد وصله ابن خزيمة أيضا.
وسليم بفتح أوله وكسر ثانيه، وحيان بمهملة ثم تحتانية ثقيلة.
قوله: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) كذا جمع الأربعة في هذه الرواية، ويأتي مثله سواء بعد عدة أبواب في " باب لا هامة " من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، ويأتي بعد خمسة أبواب من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مثله لكن بدون قوله: " ولا طيرة " وأعاده بعد أبواب كثيرة بزيادة قصة، وبعد عدة أبواب في " باب لا طيرة " من طريق عبيد الله بن عتبة عن أبي هريرة " لا طيرة " حسب، وفي " باب لا عدوى " من طريق سنان بن أبي سنان عن أبي هريرة بلفظ " لا عدوى " حسب، ولمسلم من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ " لا عدوى ولا هامة ولا طيرة".
وأخرج مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثل رواية أبي سلمة وزاد " ولا نوء " ويأتي في " باب لا عدوى " من حديث ابن عمر، ومن حديث أنس " لا عدوى ولا طيرة"، ولمسلم وابن حيان من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا بلفظ " لا عدوى ولا صفر ولا غول " وأخرج ابن حبان من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس مثل رواية سعيد بن ميناء وأبي صالح عن أبي هريرة وزاد فيه القصة التي في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهو في ابن ماجه باختصار.
فالحاصل من ذلك ستة أشياء: العدوى والطيرة والهامة والصفر والغول والنوء، والأربعة الأول قد أفرد البخاري لكل واحد منها ترجمة فنذكر شرحها فيه وأما الغول فقال الجمهور: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات، وهي *** من الشياطين تتراءى للناس وتتغول لهم تغولا أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، وقد كثر في كلامهم " غالته الغول " أي أهلكته أو أضلته، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك.
وقيل: ليس المراد إبطال وجود الغيلان، وإنما معناه إبطال ما كانت العرب تزعمه من تلون الغول بالصور المختلفة، قالوا: والمعني لا يستطيع الغول أن يضل أحدا.
ويؤيده حديث " إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان " أي ادفعوا شرها بذكر الله.
وفي حديث أبي أيوب عند قوله: " كانت لي سهوة فيها تمر، فكانت الغول تجيء فتأكل منه " الحديث، وأما النوء فقد تقدم القول فيه في كتاب الاستسقاء، وكانوا يقولون " مطرنا بنوء كذا " فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك بأن المطر إنما يقع بإذن الله لا بفعل الكواكب، وإن كانت العادة جرت بوقوع المطر في ذلك الوقت، لكن بإرادة الله تعالى وتقديره، لا صنع للكواكب في ذلك، والله أعلم.
قوله (وفر من المجذوم كما تفر من الأسد) لم أقف عليه من حديث أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ومن وجه آخر عند أبي نعيم في الطب، لكنه معلول.
وأخرج ابن خزيمة في " كتاب التوكل " له شاهدا من حديث عائشة ولفظه " لا عدوى، وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد " وأخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد الثقفي عن أبيه قال: " كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قد بايعناك، فارجع " قال عياض: اختلفت الآثار في المجذوم، فجاء ما تقدم عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم وقال: ثقة بالله وتوكلا عليه " قال فذهب عمر وجماعة من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ.
وممن قال بذلك عيسى بن دينار من المالكية، قال: والصحيح الذي عليه الأكثر ويتعين المصير إليه أن لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط، والأكل معه على بيان الجواز ا ه.
هكذا اقتصر القاضي ومن تبعه على حكاية هذين القولين، وحكى غيره قولا ثالثا وهو الترجيح، وقد سلكه فريقان: أحدهما سلك ترجيح الأخبار الدالة على نفي العدوى وتزييف الأخبار الدالة على عكس ذلك مثل حديث الباب فأعلوه بالشذوذ، وبأن عائشة أنكرت ذلك، فأخرج الطبري عنها " أن امرأة سألتها عنه فقالت: ما قال ذلك، ولكنه قال: لا عدوى.
وقال: فمن أعدى الأول؟ قالت: وكان لي مولى به هذا الداء فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي " وبأن أبا هريرة تردد في هذا الحكم كما سيأتي بيانه فيؤخذ الحكم من رواية غيره، وبأن الأخبار الواردة من رواية غيره في نفي العدوى كثيرة شهيرة بخلاف الأخبار المرخصة في ذلك، ومثل حديث " لا تديموا النظر إلى المجذومين " وقد أخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف، ومثل حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه " كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمحين " أخرجه أبو نعيم في الطب بسند واه، ومثل ما أخرجه الطبري من طريق معمر عن الزهري " أن عمر قال لمعيقيب: اجلس مني قيد رمح " ومن طريق خارجة بن زيد كان عمر يقول نحوه، وهما أثران منقطعان، وأما حديث الشريد الذي أخرجه مسلم فليس صريحا في أن ذلك بسبب الجذام، والجواب عن ذلك أن طريق الترجيح لا يصار إليها إلا مع تعذر الجمع، وهو ممكن، فهو أولى.
الفريق الثاني سلكوا في الترجيح عكس هذا المسلك، فردوا حديث لا عدوى بأن أبا هريرة رجع عنه إما لشكه فيه وإما لثبوت عكسه عنده كما سيأتي إيضاحه في " باب لا عدوى " قالوا: والأخبار الدالة على الاجتناب أكثر مخارج وأكثر طوقا فالمصير إليها أولى، قالوا: وأما حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة وقال: كل ثقة بالله وتوكلا عليه " ففيه نظر، وقد أخرجه الترمذي وبين الاختلاف فيه على راويه ورجح وقفه على عمر، وعلى تقدير ثبوته فليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم أكل معه، وإنما فيه أنه وضع يده في القصعة، قاله الكلاباذي في " معاني الأخبار".
والجواب أن طريق الجمع أولى كما تقدم، وأيضا فحديث لا عدوى ثبت من غير طريق أبي هريرة فصح عن عائشة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وجابر وغيرهم، فلا معنى لدعوى كونه معلولا، والله أعلم.
وفي طريق الجمع مسالك أخرى: أحدها: نفي العدوى جملة وحمل الأمر بالفرار من المجذوم على رعاية خاطر المجذوم، لأنه إذا رأى الصحيح البدن السليم من الآفة تعظم مصيبته وتزداد حسرته، ونحوه حديث " لا تديموا النظر إلى المجذومين " فإنه محمول على هذا المعنى.
ثانيها: حمل الخطاب بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين، فحيث جاء " لا عدوى " كان المخاطب بذلك من قوي يقينه وصح توكله بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى، كما يستطيع أن يدفع التطير الذي يقع في نفس كل أحد، لكن القوي اليقين لا يتأثر به، وهذا مثل ما تدفع قوة الطبيعة العلة فتبطلها، وعلى هذا يحمل حديث جابر في أكل المجذوم من القصعة وسائر ما ورد من ***ه، وحيث جاء " فر من المجذوم " كان المخاطب بذلك من ضعف يقينه، ولم يتمكن من تمام التوكل فلا يكون له قوة على دفع اعتقاد العدوى، فأريد بذلك سد باب اعتقاد العدوى عنه بأن لا يباشر ما يكون سببا لإثباتها.
وقريب من هذا كراهيته صلى الله عليه وسلم الكي مع إذنه فيه كما تقدم تقريره، وقد فعل هو صلى الله عليه وسلم كلا من الأمرين ليتأسى به كل من الطائفتين.
ثالث المسالك: قال القاضي أبو بكر الباقلاني: إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، قال: فيكون معني قوله: " لا عدوى " أي إلا من الجذام والبرص والجرب مثلا، قال: فكأنه قال لا يعدي شيء شيئا إلا ما تقدم تبييني له أن فيه العدوى.
وقد حكى ذلك ابن بطال.
رابعها: أن الأمر بالفرار من المجذوم ليس من باب العدوى في شيء، بل هو لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد لجسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة، ولذلك يقع في كثير من الأمراض في العادة انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة، وهذه طريقة ابن قتيبة فقال: المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ومضاجعته، وكذا يقع كثيرا بالمرأة من الرجل وعكسه، وينزع الولد إليه، ولهذا يأمر الأطباء بترك مخالطة المجذوم لا على طريق العدوى بل على طريق التأثر بالرائحة لأنها تسقم من واظب اشتمامها، قال: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يورد ممرض على مصح " لأن الجرب الرطب قد يكون بالبعير، فإذا خالط الإبل أو حككها وأوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه، وكذا بالنظر نحو ما به.
قال: وأما قوله: " لا عدوى " فله معنى آخر، وهو أن يقع المرض بمكان كالطاعون فيفر منه مخافة أن يصيبه، لأن فيه نوعا من الفرار من قدر الله.
المسلك الخامس: أن المراد ينفي العدوى أن شيئا لا يعدي بطبعه نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئا، وإن شاء أبقاها فأثرت، ويحتمل أيضا أن يكون أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم أنه كان به أمر يسير لا يعدي مثله في العادة، إذا ليس الجذمي كلهم سواء، ولا تحصل العدوى من جميعهم بل لا يحصل منه في العادة عدوى أصلا كالذي أصابه شيء من ذلك ووقف فلم يعد بقية جسمه فلا يعدي.
وعلى الاحتمال الأول جرى أكثر الشافعية، قال البيهقي بعد أن أورد قول الشافعي ما نصه: الجذام والبرص يزعم أهل العلم بالطب والتجارب أنه يعدي الزوج كثيرا، وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد تطيب بمجامعة من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به، وأما الولد فبين أنه إذا كان من ولده أجذم أو أبرص أنه قلما يسلم، وإن سلم أدرك نسله.
قال البيهقي: وأما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا عدوى " فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى.
وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من هذه العيوب سببا لحدوث ذلك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " وقال: " لا يورد ممرض على مصح " وقال في الطاعون " من سمع به بأرض فلا يقدم عليه " وكل ذلك بتقدير الله تعالى.
وتبعه على ذلك ابن الصلاح في الجمع بين الحديثين ومن بعده وطائفة ممن قبله.
المسلك السادس: العمل بنفي العدوى أصلا ورأسا، وحمل الأمر بالمجانبة على حسم المادة وسد الذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها الشارع، وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد وتبعه جماعة فقال أبو عبيد: ليس في قوله: " لا يورد ممرض على مصح " إثبات العدوى، بل لأن الصحاح لو مرضت بتقدير الله تعالى ربما وقع في نفس صاحبها أن ذلك من العدوى فيفتتن ويتشكك في ذلك، فأمر باجتنابه.
قال: وكان بعض الناس يذهب إلى أن الأمر بالاجتناب إنما هو للمخافة على الصحيح من ذوات العاهة، قال: وهذا شر ما حمل عليه الحديث، لأن فيه إثبات العدوى التي نفاها الشارع، ولكن وجه الحديث عندي ما ذكرته.
وأطنب ابن خزيمة في هذا في " كتاب التوكل " فإنه أورد حديث " لا عدوى " عن عدة من الصحابة وحديث " لا يورد ممرض على مصح " من حديث أبي هريرة وترجم للأول " التوكل على الله في نفي العدوى " وللثاني " ذكر خبر غلط في معناه بعض العلماء، وأثبت العدوى التي نفاها النبي صلى الله عليه وسلم " ثم ترجم " الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد إثبات العدوى بهذا القول " فساق حديث أبي هريرة " لا عدوى، فقال أعرابي: فما بال الإبل يخالطها الأجرب فتجرب؟ قال: فمن أعدى الأول " ثم ذكر طرقه عن أبي هريرة، ثم أخرجه من حديث ابن مسعود، ثم ترجم " ذكر خبر روي في الأمر بالفرار من المجذوم قد يخطر لبعض الناس أن فيه إثبات العدوى وليس كذلك " وساق حديث " فر من المجذوم فرارك من الأسد " من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة، وحديث عمرو بن الشريد عن أبيه في أمر المجذوم بالرجوع، وحديث ابن عباس " لا تديموا النظر إلى المجذومين " ثم قال: إنما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم كما نهاهم أن يورد الممرض على المصح شفقة عليهم، وخشية أن يصيب بعض من يخالطه المجذوم الجذام، والصحيح من الماشية الجرب فيسبق إلى بعض المسلمين أن ذلك من العدوى فيثبت العدوى التي نفاها صلى الله عليه وسلم فأمرهم بتجنب ذلك شفقة منه ورحمة ليسلموا من التصديق بإثبات العدوى، وبين لهم أنه لا يعدي شيء شيئا.
قال: ويؤيد هذا أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم ثقة بالله وتوكلا عليه، وساق حديث جابر في ذلك ثم قال: وأما نهيه عن إدامة النظر إلى المجذوم فيحتمل أن يكون لأن المجذوم يغتم ويكره إدمان الصحيح نظره إليه، لأنه قل من يكون به داء إلا وهو يكره أن يطلع عليه ا ه.

وهذا الذي ذكره احتمالا سبقه إليه مالك، فإنه سئل عن هذا الحديث فقال: ما سمعت فيه بكراهية، وما أدري ما جاء من ذلك إلا مخافة أن يقع في نفس المؤمن شيء.
وقال الطبري: الصواب عندنا القول بما صح به الخبر، وأن لا عدوى، وأنه لا يصيب نفسا إلا ما كتب عليها.
وأما دنو عليل من صحيح فغير موجب انتقال العلة للصحيح، إلا أنه لا ينبغي لذي صحة الدنو من صاحب العاهة التي يكرهها الناس، لا لتحريم ذلك، بل لخشية أن يظن الصحيح أنه لو نزل به ذلك الداء أنه من جهة دنوه من العليل فيقع فيما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم من العدوى.
قال: وليس في أمره بالفرار من المجذوم معارضة لأكله معه، لأنه كان يأمر بالأمر على سبيل الإرشاد أحيانا وعلى سبيل الإباحة أخرى، وإن كان أكثر الأوامر على الإلزام، إنما كان يفعل ما نهى عنه أحيانا لبيان أن ذلك ليس حراما.
وقد سلك الطحاوي في " معاني الآثار " مسلك ابن خزيمة فيما ذكره فأورد حديث " لا يورد ممرض على مصح " ثم قال: معناه أن المصح قد يصيبه ذلك المرض فيقول الذي أورده لو أني ما أوردته عليه لم يصبه من هذا المرض شيء، والواقع أنه لو لم يورده لأصابه لكون الله تعالى قدره، فنهى عن إيراده لهذه العلة التي لا يؤمن غالبا من وقوعها في قلب المرء ثم ساق الأحاديث في ذلك فأطنب، وجمع بينها بنحو ما جمع به ابن خزيمة.
ولذلك قال القرطبي في " المفهم ": إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيراد الممرض على المصح مخافة الوقوع فيما وقع فيه أهل الجاهلية من اعتقاد العدوى، أو مخافة تشويش النفوس وتأثير الأوهام، وهو نحو قوله: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي، لكنا نجد في أنفسنا نفرة وكراهية لمخالطته، حتى لو أكره إنسان نفسه على القرب منه وعلى مجالسته لتأذت نفسه بذلك، فحينئذ فالأولى للمؤمن أن لا يتعرض إلى ما يحتاج فيه إلى مجاهدة، فيجتنب طرق الأوهام، ويباعد أسباب الآلام، مع أنه يعتقد أنه لا ينحي حذر من قدر، والله أعلم.
قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: الأمر بالفرار من الأسد ليس للوجوب، بل للشفقة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى أمته عن كل ما فيه ضرر بأي وجه كان، ويدلهم على كل ما فيه خير.
وقد ذكر بعض أهل الطب أن الروائح تحدث في الأبدان خللا فكان هذا وجه الأمر بالمجانبة، وقد أكل هو مع المجذوم، فلو كان الأمر بمجانبته على الوجوب لما فعله.
قال: ويمكن الجمع بين فعله وقوله بأن القول هو المشروع من أجل ضعف المخاطبين، وفعله حقيقة الإيمان، فمن فعل الأول أصاب السنة وهي أثر الحكمة، ومن فعل الثاني كان أقوى يقينا لأن الأشياء كلها لا تأثير لها إلا بمقتضى إرادة الله تعالى وتقديره، كما قال تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) فمن كان قوي اليقين فله أن يتابعه صلى الله عليه وسلم في فعله ولا يضره شيء، ومن وجد في نفسه ضعفا فليتبع أمره في الفرار لئلا يدخل بفعله في إلقاء نفسه إلى التهلكة.
فالحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر وقد أباحت الحكمة الربانية الحذر منها فلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها وأما أصحاب الصدق واليقين فهم في ذلك بالخيار.
قال: وفي الحديث أن الحكم للأكثر لأن الغالب من الناس هو الضعف، فجاء الأمر بالفرار بحسب ذلك.
واستدل بالأمر بالفرار من المجذوم لإثبات الخيار للزوجين في فسخ النكاح إذا وجده أحدهما بالآخر، وهو قول جمهور العلماء.
وأجاب فيه من لم يقل بالفسخ بأنه لو أخذ بعمومه لثبت الفسخ إذا حدث الجذام ولا قائل به، ورد بأن الخلاف ثابت، بل هو الراجح عند الشافعية، وقد تقدم في النكاح الإلمام بشيء من هذا.
واختلف في أمة الأجذم: هل يجوز لها أن تمنع نفسها من استمتاعه إذا أرادها؟ واختلف العلماء في المجذومين إذا كثروا هل يمنعون من المساجد والمجامع؟ وهل يتخذ لهم مكان منفرد عن الأصحاء؟ ولم يختلفوا في النادر أنه لا يمنع ولا في شهود الجمعة.

محمد رافع 52 30-05-2012 07:51 PM

دَوَاءِ الْمَبْطُونِ
الشرح:
قوله: (باب دواء المبطون) المراد بالمبطون من اشتكى بطنه لافراط الاسهال، وأسباب ذلك متعددة.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلا فَسَقَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقاً فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ تَابَعَهُ النَّضْرُ عَنْ شُعْبَةَ
الشرح:
قوله: (قتادة عن أبي المتوكل) كذا لشعبة وسعيد بن أبي عروبة.
وخالفهما شيبان فقال: " عن قتادة عن أبي بكر الصديق عن أبي سعيد " أخرجه النسائي ولم يرجح، والذي يظهر ترجيح طريق أبي المتوكل لاتفاق الشيخين عليها شعبة وسعيد أولا ثم البخاري ومسلم ثانيا، ووقع في رواية أحمد عن حجاج عن شعبة " عن قتادة سمعت أبا المتوكل".
قوله: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي) لم أقف على اسم واحد منهما.
قوله: (استطلق بطنه) بضم المثناة وسكون الطاء المهملة وكسر اللام بعدها قاف، أي كثر خروج ما فيه، يريد الاسهال.
ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة في رابع باب من كتاب الطب " هذا ابن أخي يشتكي بطنه " ولمسلم من طريقه " قد عرب بطنه " وهي بالعين المهملة والراء المكسورة ثم الموحدة أي فسد هضمه لاعتلال المعدة، ومثله ذرب بالذال المعجمة بدل العين وزنا ومعنى.
قوله: (فقال اسقه عسلا) وعند الاسماعيلي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة " اسقه العسل " واللام عهدية، والمراد عسل النحل، وهو مشهور عندهم، وظاهره الامر بسقيه صرفا، ويحتمل أن يكون ممزوجا.
قوله: (فسقاه فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا) كذا فيه، وفي السياق حذف تقديره.
فسقاه فلم يبرأ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سقيته، ووقع في رواية مسلم " فسقاه ثم جاء فقال: إني سقيته فلم يزدد إلا استطلاقا " أخرجه عن محمد بن بشار الذي أخرجه البخاري عنه ولكن قرنه بمحمد بن المثنى وقال: إن اللفظ لمحمد بن المثنى.
نعم أخرجه الترمذي عن محمد بن بشار وحده بلفظ " ثم حاء فقال: يا رسول الله، إني قد سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا".
قوله: (فقال صدق الله) كذا اختصره.
وفي رواية الترمذي " فقال اسقه عسلا، فسقاه، ثم جاء " فذكر مثله فقال: " صدق الله " وفي رواية مسلم " فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلا فقال سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال صدق الله " وعند أحمد عن يزيد بن هارون عن شعبة " فذهب ثم جاء فقال: قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال: اسقه عسلا فسقاه " كذلك ثلاثا وفيه " فقال في الرابعة اسقه عسلا " وعند الاسماعيلي من رواية خالد بن الحارث ثلاث مرات يقول فيهن ما قال في الاولى.
وتقدم في رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ " ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلا ثم أتاه الثالثة".
قوله: (فقال صدق الله وكذب بطن أخيك) زاد مسلم في روايته " فسقا فبرأ " وكذا للترمذي.
وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون، فقال في الرابعة اسقه عسلا، قال: فأظنه قال فسقاه فبرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرابعة: صدق الله وكذب بطن أخيك " كذا وقع ليزيد بالشك وفي رواية خالد بن الحارث " فقال في الرابعة صدق الله وكذب بطن أخيك " والذي اتفق عليه محمد بن جعفر ومن تابعه أرجح، وهو أن هذا القول وقع منه صلى الله عليه وسلم بعد الثالثة، وأمره أن يسقيه عسلا فسقاه في الرابعة فبرأ.
وقد وقع في رواية سعيد بن أبي عروبة " ثم أتاه الثالثة فقال اسقه عسلا، ثم أتاه فقال: قد فعلت، فسقاه فبرأ".
قوله: (تابعه النضر) يعني ابن شميل بالمعجمة مصغر (عن شعبة) وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر، قال الاسماعيلي: وتابعه أيضا يحيى بن سعيد وخالد بن الحارث ويزيد بن هارون.
قلت: رواية يحيى عند النسائي في " الكبرى " ورواية خالد عند الاسماعيلي عن أبي يعلى، ورواية يزيد عند أحمد وتابعهم أيضا حجاج بن محمد وروح بن عبادة وروايتهما عند أحمد أيضا، قال الخطابي وغيره: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال كذب سمعك أي زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له، فمعنى كذب بطنه أي لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه، وقد اعترض بعض الملاحدة فقال: العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الاسهال؟ والجواب أن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) فقد اتفق الاطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة، وعلى أن الاسهال يحدث من أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته فوصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والامعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الاخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها، فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الاخلاط، ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة لان الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء، إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أوهى القوة وأحدث ضررا آخر فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله تعالى.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " وكذب بطن أخيك " إشارة إلى أن هذا الدواء نافع، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكثرة المادة الفاسدة، فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها، فكان كذلك، وبرأ بإذن الله.
قال الخطابي: والطب نوعان، طب اليونان وهو قياسي، وطب العرب والهند وهو تجاربي، وكان أكثر ما يصفه النبي صلى الله عليه وسلم لمن يكون عليلا على طريقة طب العرب، ومنه ما يكون مما اطلع عليه بالوحي.
وقد قال صاحب " كتاب المائة في الطب " إن العسل تارة يجري سريعا إلى العروق وينفذ معه جل الغذاء ويدر البول فيكون قابضا، وتارة يبقى في المعدة فيهيجها بلذعها حتى يدفع الطعام ويسهل البطن فيكون مسهلا.
فإنكار وصفه للمسهل مطلقا قصور من المنكر.
وقال غيره: طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن البرء لصدوره عن الوحي، وطب غيره أكثره حدس أو تجرية، وقد يتخلف الشفاء عن بعض من يستعمل طب النبوة، وذلك لمانع قام بالمستعمل من ضعف اعتقاد الشفاء به وتلقيه بالقبول، وأظهر الامثلة في ذلك القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور، ومع ذلك فقد لا يحصل لبعض الناس شفاء صدره لقصوره في الاعتقاد والتلقي بالقبول، بل لا يزيد المنافق إلا رجسا إلى رجسه ومرضا إلى مرضه، فطب النبوة لا يناسب إلا الابدان الطيبة، كما أن شقاء القرآن لا يناسب إلا القلوب الطيبة؛ والله أعلم.
وقال ابن الجوزي: في وصفه صلى الله عليه وسلم العسل لهذا المنسهل أربعة أقوال: أحدها أنه حمل الاية على عمومها في الشفاء، وإلى ذلك أشار بقوله: " صدق الله " أي في قوله: (فيه شفاء للناس) فلما نبهه على هذه الحكمة تلقاها بالقبول، فشفي بإذن الله.
الثاني: أن الوصف المذكور على المألوف من عادتهم من التداوي بالعسل في الامراض كلها.
الثالث: أن الموصوف له ذلك كانت به هيضة كما تقدم تقريره.
الرابع: يحتمل أن يكون أمره بطبخ العسل قبل شربه فإنه يعقد البلغم، فلعله شربه أولا بغير طبخ انتهى.
والثاني والرابع ضعيفان وفي كلام الخطابي احتمال آخر، وهو أن يكون الشفاء يحصل للمذكور ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وبركه وصفه ودعائه؛ فيكون خاصا بذلك الرجل دون غيره، وهو ضعيف أيضا.
ويؤيد الاول حديث ابن مسعود " عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن " أخرجه ابن ماجه والحاكم مرفوعا، وأخرجه ابن أبي شيبة والحاكم موقوفا، ورجاله رجال الصحيح.
وأثر علي " إذا اشتكى أحدكم فليستوهب من امرأته من صداقها فليشتر به عسلا، ثم يأخذ ماء السماء فيجمع هنيئا مريئا شفاء مباركا " أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير بسند حسن، قال ابن بطال: يؤخذ من قوله: " صدق الله وكذب بطن أخيك " أن الالفاظ لا تحمل على ظاهرها، إذ لو كان كذلك لبريء العليل من أول شربة، فلما لم يبرأ إلا بعد التكرار دل على أن الالفاظ تقتصر على معانيها.
قلت: ولا يخفى تكلف هذا الانتزاع.
وقال أيضا: فيه أن الذي يجعل الله فيه الشفاء قد يتخلف لتتم المدة التي قدر الله تعالى فيها الداء.
وقال غيره: في قوله في رواية سعيد بن أبي عروبة " فسقاه فبرأ " بفتح الراء والهمز بوزن قرأ وهي لغة أهل الحجاز، وغيرهم يقولها بكسر الراء بوزن علم، وقد وقع في رواية أبي الصديق الناجي في آخره " فسقاه فعافاه الله " والله أعلم.

محمد رافع 52 30-05-2012 07:53 PM


محمد رافع 52 30-05-2012 07:55 PM


محمد رافع 52 30-05-2012 07:56 PM


محمد رافع 52 30-05-2012 08:02 PM

الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ
الشرح:
قوله: (باب الحمى من فيح جهنم) بفتح الفاء وسكون التحتانية بعدها مهملة، وسيأتي في حديث رافع آخر الباب " من فوح " بالواو، وتقدم من حديثه في صفة النار بلفظ " فور " بالراء بدل الحاء وكلها بمعنى، والمراد سطوع حرها ووهجه.
والحمى أنواع كما سأذكره.
واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل حقيقة، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة، أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة.
وقد جاء في حديث أخرجه البزار من حديث عائشة بسند حسن، وفي الباب عن أبي أمامة عند أحمد، وعن أبي ريحانة عند الطبراني، وعن ابن مسعود في مسند الشهاب " الحمى حظ المؤمن من النار " وهذا كما تقدم في حديث الامر بالابراد أن شدة الحر من فيح جهنم وأن الله أذن لها بنفسين، وقيل: بل الخبر ورد مورد التشبيه، والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار، وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها كما قيل بذلك في حديث الابراد، والاول أولى، والله أعلم.
ويؤيده قول ابن عمر في آخر الباب.
الحديث:
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ
الشرح:
حديث ابن عمر أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن مالك، وكذا مسلم.
وأخرجه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك، قال الدار قطني في " الموطئات ": لم يروه من أصحاب مالك في " الموطأ " إلا ابن وهب وابن القاسم وتابعهما الشافعي وسعيد بن عفير وسعيد بن داود، قال: ولم يأت به معن ولا القعنبي ولا أبو مصعب ولا ابن بكير انتهى.

وكذا قال ابن عبد البر في التقصي.
وقد أخرجه شيخنا في تقريبه من رواية أبي مصعب عن مالك، وهو ذهول منه، لانه اعتمد فيه على الملخص للقابسي، والقابسي إنما أخرج الملخص من طريق ابن القاسم عن مالك، وهذا ثاني حديث عثرت عليه في تقريب الاسانيد لشيخنا عفا الله تعالى عنه من هذا ال***، وقد نبهت عليه نصيحة لله تعالى والله أعلم، وقد أخرجه الدار قطني والاسماعيلي من رواية حرملة عن الشافعي، وأخرجه الدار قطني من طريق سعيد بن عفير، ومن طريق سعيد بن داود، ولم يخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " لانه ليس في رواية يحيى بن يحيى الليثي، والله أعلم.
قوله: (فأطفئوها) بهمزة قطع ثم طاء مهملة وفاء مكسورة ثم همزة أمر بالاطفاء، وتقدم في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في صفة النار من بدء الخلق بلفظ " فأبردوها " والمشهور في ضبطها بهمزة وصل والراء مضمومة، وحكي كسرها، يقال بردت الحمى أبردها بردا بوزن ***تها أ***ها ***ا أي أسكنت حرارتها، قال شاعر الحماسة: إذا وجدت لهيب الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد هبني بردت ببرد المـاء ظاهره فمن لنار على الاحشاء تتقد وحكى عياض رواية بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء، من أبرد الشيء إذا عالجه فصيره باردا، مثل أسحنه إذا صيره سخنا، وقد أشار إليها الخطابي.
وقال الجوهري: إنها لغة رديئة.
قوله: (بالماء) في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه " بالماء البارد " ومثله في حديث سمرة عند أحمد، ووقع في حديث ابن عباس " بماء زمزم " كما مضى في صفة النار من رواية أبي جمرة بالجيم قال: " كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى " وفي رواية أحمد " كنت أدفع للناس عن ابن عباس فاحتبست أياما فقال: ما حبسك؟ قلت الحمى، قال: أبردها بماء زمزم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو بماء زمزم " شك همام.
كذا في راوية البخاري من طريق أبي عامر العقدي عن همام.
وقد تعلق به من قال بأن ذكر ماء زمزم ليس قيدا لشك راوية فيه.
وممن ذهب إلى ذلك ابن القيم.
وتعقب بأنه وقع في رواية أحمد عن عفان عن همام " فأبردوها بماء زمزم " ولم يشك، وكذا أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم من رواية عفان، وإن كان الحاكم وهم في استدراكه.
وترجم له ابن حبان بعد إيراده حديث ابن عمر فقال: ذكر الخبر المفسر للماء المجمل في الحديث الذي قبله، وهو أن شدة الحمى تبرد بماء زمزم دون غيره من المياه، وساق حديث ابن عباس، وقد تعقب - على تقدير أن لا شك في ذكر ماء زمزم فيه - بأن الخطاب لاهل مكة خاصة لتيسر ماء زمزم عندهم، كما خص الخطاب بأصل الامر بأهل البلاد الحارة.
وحفي ذلك على بعض الناس.
قال الخطابي ومن تبعه: اعترض بعض سخفاء الاطباء على هذا الحديث بأن قال: اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك، لانه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون ذلك سببا للتلف، قال الخطابي: غلط بعض من ينسب إلى العلم فانغمس في الماء لما أصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه فأصابته علة صعبة كادت تهلكه، فلما خرج من علته قال قولا سيئا لا يحسن ذكره، وإنما أوقعه في ذلك جهله بمعنى الحديث، والجواب أن هذا الاشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر، فيقال له أولا من أين حملت الامر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية فضلا عن اختصاصها بالغسل، وإنما في الحديث الارشاد إلى تبريد الحمى بالماء فإن أظهر الوجود أو اقتضت صناعة الطب أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه إياه على جميع بدنه يضره فليس هو المراد، وإنما قصد صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه ينفع، فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به، وهو كما وقع في أمره العائن بالاغتسال وأطلق، وقد ظهر من الحديث الاخر أنه لم يرد مطلق الاغتسال، وإنما أراد الاغتسال على كيفية مخصوصة، وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق، فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها، والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالمراد من غيرها، ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري لحديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، وهذا من بديع ترتيبه.
وقال المازري: ولا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل، حتى أن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها، لعارض يعرض له من غضب يحمي مزاجه مثلا فيتغير علاجه، ومثل ذلك كثير، فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء في حالة ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو بغيره في سائر الاحوال، والاطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء المتقدم والتأثير المألوف وقوة الطباع.
ثم ذكر نحو ما تقدم.
قالوا: وعلى تقدير أن يريد التصريح بالاغتسال في جميع الجسد، فيجاب بأنه يحتمل أن يكون أراد أنه يقع بعد إقلاع الحمى، وهو بعيد.
ويحتمل أن يكون في وقت مخصوص بعدد مخصوص فيكون من الخواص التي اطلع صلى الله عليه وسلم عليها بالوحي، ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب.
وقد أخرج الترمذي من حديث ثوبان مرفوعا " إذا أصاب أحدكم الحمى - وهي قطعة من النار - فليطفئها عنه بالماء، يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل: بسم الله، اللهم اشف عبدك وصدق رسولك، بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ فخمس، وإلا فسبع، وإلا فتسع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله " قال الترمذي غريب.
قلت: وفي سنده سعيد بن زرعة مختلف فيه.
قال: ويحتمل أن يكون لبعض الحميات دون بعض، في بعض الاماكن دون بعض، لبعض الاشخاص دون بعض.
وهذا أوجه.
فإن خطابه صلى الله عليه وسلم قد يكون عاما وهو الاكثر، وقد يكون خاصا كما قال: " لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا " فقوله " شرقوا أو غربوا " ليس عاما لجميع أهل الارض بل هو خاص لمن كان بالمدينة النبوية وعلى سمتها كما تقدم تقريره في كتاب الطهارة، فكذلك هذا يحتمل أن يكون مخصوصا بأهل الحجاز وما والاهم إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة، وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا، لان الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن، وهي قسمان: عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القيظ الشديد ونحو ذلك، ومرضية وهي ثلاثة أنواع، وتكون عن مادة، ثم منها ما يسخن جميع البدن، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لانها تقع غالبا في يوم ونهايتها إلى ثلاثة، وإن كان تعلقها بالاعضاء الاصلية فهي حمى دق وهي أخطرها، وإن كان تعلقها بالاخلاط سميت عفنية وهي بعدد الاخلاط الاربعة، وتحت هذه الانواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الافراد والتركيب.
وإذا تقرر هذا فيجوز أن يكون المراد النوع الاول فإنها تسكن بالانغماس في الماء البارد وشرب الماء المبرد بالثلج وبغيره ولا يحتاج صاحبها إلى علاج آخر، وقد قال جالينوس في كتاب حيلة البرء لو أن شابا حسن اللحم خصب البدن ليس في أحشائه ورم استحم بماء بارد أو سبح فيه وقت القيظ عند منتهى الحمى لا ينتفع بذلك.
وقال أبو بكر الرازي: إذا كانت القوى قوية والحمى حادة والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق فإن الماء البارد ينفع شربه، فإن كان العليل خصب البدن والزمان حارا وكان معتادا باستعمال الماء البارد اغتسالا فليؤدن له فيه.
وقد نزل ابن القيم حديث ثوبان على هذه القيود فقال: هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية أو الغب الخالصة التي لا ورم معها ولا شيء من الاعراض الرديئة، والمراد الفاسدة، فيطفئها بإذن الله، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس، ووفور القوي في ذلك الوقت لكونه عقب النور والسكون وبرد الهواء، قال: والايام التي أشار إليها هي التي يقع فيها بحرارة الامراض الحادة غالبا ولا سيما في البلاد الحارة.
والله أعلم.

محمد رافع 52 30-05-2012 08:05 PM

قالوا: وقد تكرر في الحديث استعماله صلى الله عليه وسلم الماء البارد في علته كما قال " صبوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن " وقد تقدم شرحه.
وقال سمرة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل " أخرجه البزار وصححه الحاكم، ولكن في سنده راو ضعيف.
وقال أنس: " إذا حم أحدكم فليشن عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال " أخرجه الطحاوي وأبو نعيم في الطب والطبراني في " الاوسط " وصححه الحاكم وسنده قوي، وله شاهد من حديث أم خالد بنت سعيد أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده وأبو نعيم في الطب من طريقه.
وقال عبد الرحمن بن المرقع رفعه " الحمى رائد الموت، وهي سجن الله في الارض فبردوا لها الماء في الشنان، وصبوه عليكم فيما بين الاذانين المغرب والعشاء.
قال ففعلوا فذهب عنهم " أخرجه الطبراني.
وهذه الاحاديث كلها ترد التأويل الذي نقله الخطابي عن ابن الانباري أنه قال: المراد بقوله فأبردوها الصدقة به، قال ابن القيم: أظن الذي حمل قائل هذا أنه أشكل عليه استعمال الماء في الحمى فعدل إلى هذا، وله وجه حسن لان الجزاء من *** العمل، فكأنه لما أخمد لهيب العطشان بالماء أخمد الله لهيب الحمى عنه، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأما المراد به بالاصل فهو استعماله في البدن حقيقة كما تقدم، والله أعلم.
قوله: (قال نافع وكان عبد الله) أي ابن عمر (يقول اكشف عنا الرجز) أي العذاب، وهذا موصول بالسند الذي قبله، وكأن ابن عمر فهم من كون أصل الحمى من جهنم أن من أصابته عذب بها، وهذا ال***** يختلف باختلاف محله: فيكون للمؤمن تكفيرا لذنوبه وزيادة في أجوره كما سبق، وللكافر عقوبة وانتقاما.
وإنما طلب ابن عمر كشفه مع ما فيه من الثواب لمشروعية طلب العافية من الله سبحانه، إذ هو قادر على أن يكفر سيئات عبده ويعظم ثوابه، من غير أن يصيبه شيء يشق عليه، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتْ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ
الشرح:
قوله: (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير، وفاطمة بنت المنذر أي ابن الزبير هي بنت عمه وزوجته، وأسماء بنت أبي بكر جدتهما لابويهما معا.
قوله: (بينها وبين جيبها) بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها موحدة: هو ما يكون مفرجا من الثوب كالكم والطوق.
وفي رواية عبدة عن هشام عند مسلم " فتصبه في جيبها".
قوله: (أن نبردها) بفتح أوله وضم الراء الخفيفة.
وفي رواية لابي ذر بضم أوله وفتح الموحدة وتشديد الراء من التبريد، وهو بمعنى رواية أبرد بهمزة مقطوعة، زاد عبدة في روايته " وقال إنها من فيح جهنم".
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ
الشرح:
قوله: (يحيى) هو القطان، وهشام هو ابن عروة أيضا.
وأشار بإيراد روايته هذه عقب الاولى إلى أنه ليس اختلافا على هشام، بل له في هذا المتن إسنادان، بقرينة مغايرة السياقين.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الاحْوَصِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحُمَّى مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ
الشرح:
قوله: (من فيح جهنم) في رواية السرخسي " من فوح " بالواو، وتقدم في صفة النار من بدء الخلق من هذا الوجه بلفظ " من فور " وكلها بمعنى، وتقدم هناك بلفظ " فأبردوها عنكم " بزيادة " عنكم " وكذا زادها مسلم في روايته عن هناد بن السري عن أبي الاحوص بالسند المذكور هنا.
باب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لا تُلايِمُهُ
الشرح:
قوله: (باب من خرج من أرض لا تلايمه) بتحتانية مكسورة، وأصله بالهمز ثم كثر استعماله فسهل، وهو من الملاءمة بالمد أي الموافقة وزنا ومعنى.
وذكر فيه قصة العرنيين، وقد تقدمت الاشارة إليها قريبا، وكأنه أشار إلى أن الحديث الذي أورده بعده في النهي عن الخروج من الارض التي وقع فيها الطاعون ليس على عمومه.
وإنما هو مخصوص بمن خرج فرارا منه كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى.

محمد رافع 52 30-05-2012 08:09 PM

الرُّقَى بِالْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَاتِ
الشرح:
قوله: (باب الرقى) بضم الراء وبالقاف مقصور: جمع رقية بسكون القاف، يقال رقي بالفتح في الماضي يرقى بالكسر في المستقبل، ورقيت فلانا بكسر القاف أرقيه، واسترقى طلب الرقية، والجمع بغير همز، وهو بمعنى التعويذ بالذال المعجمة.
قوله: (بالقرآن والمعوذات) هو من عطف الخاص على العام، لان المراد بالمعوذات سورة الفلق والناس والاخلاص كما تقدم في أواخر التفسير، فيكون من باب التغليب.
أو المراد الفلق والناس وكل ما ورد من التعويذ في القرآن كقوله تعالى: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) ، (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وغير ذلك، والاول أولى، فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من رواية عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال " فذكر فيها الرقى إلا بالمعوذات، وعبد الرحمن بن حرملة قال البخاري لا يصح حديثه.
وقال الطبري لا يحتج بهذا الخبر لجهالة راويه، وعلى تقدير صحته فهو منسوخ بالاذن في الرقبة بفاتحة الكتاب، وأشار المهلب إلى الجواب عن ذلك بأن في الفاتحة معنى الاستعاذة وهو الاستعانة فعلى هذا يختص الجواز بما يشتمل على هذا المعنى، وقد أخرج الترمذي وحسنه والنسائي من حديث أبي سعيد " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الانسان حتى نزلت المعودات فأحذ بها وترك ما سواها".
وهذا لا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين، بل يدل على الاولوية، ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما، وإنما اجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا، وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى.
واختلفوا في كونها شرطا، والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة، ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال: " كنا نرقى في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " وله من حديث جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، قال: فعرضوا عليه فقال: ما أرى بأسا، من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه " وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه مهما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك يمنع، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمتنع احتياطا، والشرط الاخر لا بد منه.
وقال قوم لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة كما تقدم في " باب من اكتوى " من حديث عمران بن حصين " لا رقية إلا من عين أو حمة"، وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصلا كل ما يحتاج إلى الرقية، فيلتحق بالعين جواز رقية من به خبل أو مس ونحو ذلك لاشتراكها في كونها تنشأ عن أحوال شيطانية من إنسي أو جني، ويلتحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية.
وقد وقع عند أبي داود في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد " أو دم " وفي مسلم من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أنس قال: " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقى من العين والحمة والنملة " وفي حديث آخر " والاذن " ولابي داود من حديث الشفاء بنت عيد الله " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ألا تعلمين هذه - يعني حفصة - رقية النملة " والنملة قروح تخرج في الجنب وغيره من الجسد، وقيل المراد بالحصر معنى الافضل، أي لا رقية أنفع كما قيل: لا سيف إلا ذو الفقار.
وقال قوم: المنهي عنه من الرقى ما يكون قبل وقوع البلاء، والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه، ذكره ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما، وفيه نظر، وكأنه مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقى، فأخرج أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم من طريق ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عنها عن ابن مسعود رفعه " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " وفي الحديث قصة، والتمائم جمع تميمة وهي خرز أو قلادة تعلق في الرأس، كانوا في الجاهلية يعتقدون أن دلك يدفع الافات، والتولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر، وإنما كان ذلك من الشرك لانهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله، ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه، فقد ثبت في الاحاديث استعمال ذلك قبل وقوعه كما سيأتي قريبا في " باب المرأة ترقى الرجل " من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم " كان إذا أوى إلى فراشه ينفث بالمعوذات ويمسح بهما وجهه " الحديث، ومضى في أحاديث الانبياء حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم " كان يعوذ الحسن والحسين بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة " الحديث، وصحح الترمذي من حديث خولة بنت حكيم مرفوعا " من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يتحول " وعند أبي داود والنسائي بسند صحيح عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن رجل من أسلم " جاء رجل فقال: لدغت الليلة فلم أنم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك " والاحاديث في هذا المعنى موجودة، لكن يحتمل أن يقال: إن الرقى أخص من التعوذ، وإلا فالخلاف في الرقى مشهور، ولا خلافه في مشروعية الفزع إلى الله تعالى والالتجاء إليه في كل ما وقع وما يتوقع.
وقال ابن التين: الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني، إذا كان على لسان الابرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى، فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم، ويقال: إن الحية لعداوتها للانسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها، وكذا اللديغ إذا رقى بتلك الاسماء سالت سمومها من بدن الانسان، فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئا من الشرك، وعلى كراهة الرقى بغير كتاب الله علماء الامة.
وقال القرطبي: الرقى ثلاثة أقسام، أحدها ما كان يرقى به في الجاهلية مما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك.
الثاني: ما كان بكلام الله أو بأسمائه فيجوز، فإن كان مأثورا فيستحب.
الثالث: ما كان بأسماء غير الله من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش، قال: فهذا ليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى، إلا أن يتضمن تعظيم المرقى به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير الله تعالى.
قلت: ويأتي بسط ذلك في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى.
وقال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله، قلت: أيرقى أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله ا هـ.
وفي " الموطأ " أن أبا بكر قال لليهودية التي كانت ترقى عائشة: ارقيها بكتاب الله.
وروى ابن وهب عن مالك كراهة الرقية بالحديدة والملح وعقد الخيط والذي يكتب خاتم سليمان وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم.
وقال المازري: اختلف في استرقاء أهل الكتاب فأجازها قوم وكرهها مالك لئلا يكون مما بدلوه.
وأجاب من أجاز بأن مثل هذا يبعد أن يقولوه، وهو كالطب سواء كان غير الحاذق لا يحسن أن يقول والحاذق يأنف أن يبدل حرصا على استمرار وصفه بالحذق لترويح صناعته.
والحق أنه يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال.
وسئل ابن عبد السلام عن الحروف المقطعة فمنع منها ما لا يعرف لئلا يكون فيها كفر.
وسيأتي الكلام على من منع الرقى أصلا في " باب من لم يرق " بعد خمسة أبواب إن شاء الله تعالى.
الحديث:
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ كَيْفَ يَنْفِثُ قَالَ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ
الشرح:
قوله: (هشام) هو ابن يوسف الصنعاني.
قوله: (كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات) دلالته على المعطوف في الترجمة ظاهرة، وفي دلالته على المعطوف عليه نظر، لانه لا يلزم من مشروعية الرقى بالمعوذات أن يشرع بغيرها من القرآن لاحتمال أن يكون في المعوذات سر ليس في غيرها.
وقد ذكرنا من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم ترك ما عدا المعوذات، لكن ثبتت الرقية بفاتحة الكتاب فدل على أن لا اختصاص للمعوذات، ولعل هذا هو السر في تعقيب المصنف هذه الترجمة بباب الرقى بفاتحة الكتاب، وفي الفاتحة من معنى الاستعاذة بالله الاستعانة به، فمهما كان فيه استعاذة أو استعانة بالله وحده أو ما يعطي معنى ذلك فالاسترقاء به مشروع.
ويجاب عن حديث أبي سعيد بأن المراد أنه ترك ما كان يتعوذ به من الكلام غير القرآن، ويحتمل أن يكون المراد بقوله في الترجمة " الرقى بالقرآن " بعضه فإنه اسم *** يصدق على بعضه، والمراد ما كان فيه التجاء إلى الله سبحانه، ومن ذلك المعوذات، وقد ثبت الاستعاذة بكلمات الله في عدة أحاديث كما مضى.
قال ابن بطال: في المعوذات جوامع من الدعاء.
نعم أكثر المكروهات من السحر والحسد وشر الشيطان ووسوسته وغير ذلك، فلهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بها.
قلت: وسيأتي في " باب السحر " شيء من هذا، وقوله "في المرض الذي مات فيه " ليس قيدا في ذلك وإنما أشارت عائشة إلى أن ذلك وقع في آخر حياته وأن ذلك لم ينسخ.
قوله: (أنفث عنه) في رواية الكشميهني " عليه " وسيأتي باب مفرد في النفث في الرقية.
قوله: (وأمسح بيده نفسه) بالنصب على المفعولية أي أمسح جسده بيده، وبالكسر على البدل.
وفي رواية الكشميهني " بيد نفسه " وهو يؤيد الاحتمال الثاني.
قال عياض: فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر، وقد يكون على سبيل التفاؤل بزوال ذلك الالم عن المريض كانفصال ذلك عن الراقي انتهى.
وليس بين قوله في هذه الرواية " كان ينفث على نفسه " وبين الرواية الاخرى " كان يأمرني أن أفعل ذلك " معارضة لانه محمول على أنه في ابتداء المرض كان يفعله بنفسه وفي اشتداده كان يأمرها به وتفعله هي من قبل نفسها.
قوله: (فسألت الزهري) القائل معمر، وهو موصول بالاسناد المذكور، وفي الحديث التبرك بالرجل الصالح وسائر أعضائه وخصوصا اليد اليمنى.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:23 AM

الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (باب الرقى بفاتحة الكتاب، ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا ذكره بصيغة التمريض، وهو يعكر على ما تقرر بين أهل الحديث أن الذي يورده البخاري بصيغة التمريض لا يكون على شرطه، مع أنه أخرج حديث ابن عباس في الرقية بفاتحة الكتاب عقب هذا الباب.
وأجاب شيخنا في كلامه على علوم الحديث بأنه قد يصنع ذلك إذا ذكر الخبر بالمعنى، ولا شك أن خبر ابن عباس ليس فيه التصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرقبة بفاتحة الكتاب وإنما فيه تقريره على ذلك فنسبة ذلك إليه صريحا تكون نسبة معنوية، وقد علق البخاري بعض هذا الحديث بلفظه فأتى به مجزوما كما تقدم في الاجارة في " باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب " وقال ابن عباس " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " ثم قال شيخنا: لعل لابن عباس حديثا آخر صريحا في الرقية بفاتحة الكتاب ليس على شرطه فلذلك أتى به بصيغة التمريض.
قلت: ولم يقع لي ذلك بعد التتبع.
وقال ابن القيم: إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب، فقد اشتملت على ذكر أصول أسماء الله ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الاعانة به والهداية منه، وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه، ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به، ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته، وضال لعدم معرفته له، مع ما تضمنته من إثبات القدر والشرع والاسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع، وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء، والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ فَقَالُوا هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ فَقَالُوا إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا وَلا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلا فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعاً مِنْ الشَّاءِ فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ فَقَالُوا لا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقَالَ وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ
الشرح:
حديث أبي سعيد في قصة الذين أتوا على الحي فلم يقروهم، فلدغ سيد الحي فرقاه أبو سعيد بفاتحة الكتاب، وقد تقدم شرحه في كتاب الاجارة مستوفى.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:25 AM


محمد رافع 52 12-06-2012 08:26 AM

رُقْيَةِ الْعَيْنِ
الشرح:
قوله: ( رقية العين) أي رقية الذي يصاب بالعين، تقول عنت الرجل أصبته بعينك فهو معين ومعيون ورحل عائن ومعيان وعيون.
والعين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر، وقد وقع عند أحمد - من وجه آخر - عن أبي هريرة رفعه " العين حق، ويحضرها الشيطان، وحسد ابن آدم".
وقد أشكل ذلك على بعض الناس فقال: كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون؟ والجواب أن طبائع الناس تختلف، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال: إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني.
ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها، ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد، ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو، أشار إلى ذلك ابن بطال.
وقال الخطابي: في الحديث أن للعين تأثيرا في النفوس، وإبطال قول الطبائعيين أنه لا شيء إلا ما تدرك الحواس الخمس وما عدا ذلك لا حقيقة له.
وقال المازري: زعم بعض الطبائعيين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد، وهو كإصابة السم من نظر الافاعي.
وأشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه.
وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لاخر، وهل ثم جواهر خفية أو لا؟ هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه، ومن قال ممن ينتمي إلى الاسلام من أصحاب الطبائع بأن جواهر لطيفة غير مرئية تنبعث من العائن فتتصل أخطأ بدعوى القطع، ولكن جائز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة ا هـ.
وهو كلام سديد وقد بالغ ابن العربي في إنكاره قال: ذهبت الفلاسفة إلى أن الاصابة بالعين صادرة عن تأثير النفس بقوتها فيه، فأول ما تؤثر في نفسها ثم تؤثر في غيرها.
وقيل: إنما هو سم في عين العائن يصيب بلفحه عند التحديق إليه كما يصيب لفح سم الافعى من يتصل به، ثم رد الاول بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الاصابة في كل حال، والواقع خلافه.
والثاني: بأن سم الافعى جزء منها وكلها قاتل، والعائن ليس ي*** منه شيء في قولهم إلا نظره وهو معني خارج عن ذلك، قال: والحق أن الله يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة، وقد يصرف قبل وقوعه إما بالاستعاذة أو بغيرها، وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقبة أو بالاغتسال أو بغير ذلك.ا هـ.

كلامه، وفيه بعض ما يتعقب، فإن الذي مثل بالافعى لم يرد أنها تلامس المصاب حتى يتصل به من سمها، وإنما أراد أن ***ا من الافاعي اشتهر أنها إذا وقع بصرها على الانسان هلك فكذلك العائن وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث أبي لبابه الماضي في بدء الخلق عند ذكر الابتر وذي الطفيتين قال: فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل، وليس مراد الخطابي بالتأثير المعنى الذي يذهب إليه الفلاسفة، بل ما أجرى الله به العادة من حصول الضرر للمعيون، وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه " أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس " قال الراوي: يعني بالعين، وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوي والخواص في الاجسام والارواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك، وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه، وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعف قواه، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الارواح من التأثيرات ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين، وليست هي المؤثرة وإنما التأثير للروح، والارواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها: فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة.

والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسماني، بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة، وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجه الروح كالذي يحدث من الادعية والرقى والالتجاء إلى الله، وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيل، فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن لا وقاية له أثر فيه، وإلا لم ينفذ السهم، بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسي سواء.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنْ الْعَيْنِ
الشرح:
قوله: (سفيان) هو الثوري.
قوله: (حدثني معبد بن خالد) هو الجدلي الكوفي تابعي، وشيخه عبد الله بن شداد هو المعروف بابن الهاد له رؤية وأبوه صحابي.
قوله: (عن عائشة) كذا للاكثر.
وكذا لمسلم من طريق مسعر عن معبد بن خالد، ووقع عند الاسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي مثله، لكن شك فيه فقال: " أو قال عن عبد الله بن شداد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة".
قوله: (قالت أمرني النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر أن يسترقى من العين) أي يطلب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين، كذا وقع بالشك هل قالت " أمر " بغير إضافة أو " أمرني " وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن الطبراني عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فقال: " أمرني " جزما وكذا أخرجه النسائي والاسماعيلي من طريق أبي نعيم عن سفيان الثوري، ولمسلم من طريق عبد الله بن نمير عن سفيان " كان يأمرني أن أسترقي " وعنده من طريق مسعر عن معبد بن خالد " كان يأمرها " ولابن ماجه من طريق وكيع عن سفيان " أمرها أن تسترقي " وهو للاسماعيلي في رواية عبد الرحمن بن مهدي.
وفي هذا الحديث مشروعية الرقية لمن أصابه العين، وقد أخرج الترمذي وصححه والنسائي من طريق عبيد بن رفاعة " عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم؟ قال: نعم " الحديث، وله شاهد من حديث جابر أخرجه مسلم قال: " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لال حزم في الرقية.
وقال لاسماء: ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ أتصيبهم الحاجة؟ قال: لا، ولكن العين تسرع إليهم، قال: ارقيهم، فعرضت عليه فقال: ارقيهم " وقوله: " ضارعة " بمعجمة أوله أي نحيفة، وورد في مداواة المعيون أيضا ما أخرجه أبو داود من رواية الاسود عن عائشة أيضا قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين " وسأذكر كيفية اغتساله في شرح حديث الباب الذي بعد هذا.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد بن خالد) قال الحاكم والجوزقي والكلاباذي وأبو مسعود ومن تبعهم، هو الذهلي نسب إلى جد أبيه فإنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، وقد كان أبو داود يروي عن محمد بن يحيى فينسب أباه إلى جد أبيه أيضا فيقول: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قالوا وقد حدث أبو محمد بن الجارود بحديث الباب عن محمد بن يحيى الذهلي، وهي قرينة في أنه المراد، وقد وقع في رواية الاصيلي هنا " حدثنا محمد بن خالد الذهلي " فانتفى أن يظن أنه محمد بن خالد بن جبلة الرافعي الذي ذكره ابن عدي في شيوخ البخاري، وقد أخرج الاسماعيلي وأبو نعيم أيضا حديث الباب من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب بن عطية المذكور، وكذا هو في " كتاب الزهريات " جمع الذهلي، وهذا الاسناد مما نزل فيه البخاري في حديث عروة بن الزبير ثلاث درجات، فإنه أخرج في صحيحه حديثا عن عبد الله بن موسى عن هشام بن عروة عن أبيه وهو في العتق فكان بينه وبين عروة رجلان، وهنا بينه وبينه فيه خمسة أنفس، ومحمد بن وهب بن عطية سلمي قد أدركه البخاري وما أدري لقيه أم لا، وهو من أقران الطبقة الوسطى من شيوخه، وما له عنده إلا هذا الحديث، وقد أخرجه مسلم عاليا بالنسبة لرواية البخاري هذه قال: حدثنا أبو الربيع حدثنا محمد بن حرب فذكره، ومحمد بن حرب شيخه خولاني حمصي كان كاتبا للزبيدي شيخه في هذا الحديث وهو ثقة عند الجميع.
(تنبيه) : اجتمع في هدا السند من البخاري إلى الزهري ستة أنفس في نسق كل منهم اسمه محمد، وإذا روينا الصحيح من طريق الفراوي عن الحفص عن الكشميهني عن الفربري كانوا عشرة.
قوله: (رأى في بيتها جارية) لم أقف على اسمها، ووقع في مسلم قال لجارية في بيت أم سلمة.
قوله: (في وجهها سفعة) بفتح المهملة ويجور ضمها وسكون الفاء بعدها عين مهملة وحكى عياض ضم أوله، قال إبراهيم الحربي: هو سواد في الوجه ومنه سفعة الفرس سواد ناصيته، وعن الاصمعي: حمرة يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر.
وقال ابن قتيبة: لون يخالف لون الوجه، وكلها متقاربة، وحاصلها أن بوجهها موضعا على غير لونه الاصلي، وكأن الاختلاف بحسب اللون الاصلي، فإن كان أحمر فالسفعة سواد صرف، وإن كان أبيض فالسفعة صفرة وإن كان أسمر فلسفعة حمرة يعلوها سواد.
وذكر صاحب " البارع " في اللغة أن السفع سواد الخدين من المرأة الشاحبة، والشحوب بمعجمة ثم مهملة: تغير اللون بهزال أو غيره، ومنه سفعاء الخدين، وتطلق السفعة على العلامة، ومنه بوجهها سفعة غضب.
وهو راجع إلى تغير اللون، وأصل السفع الاخذ بقهر، ومنه قوله تعالى (لنسفعا بالناصية) ويقال أن أصل السفع الاخذ بالناصية ثم استعمل في غيرها، وقيل في تفسيرها: لنعلمنه بعلامة أهل النار من سواد الوجه ونحوه، وقيل: معناه لنذلنه، ممكن رد الجميع إلى معنى واحد فإنه إذا أخذ بناصيته بطريق القهر أذله وأحدث له تغير لونه فظهرت قيه تلك العلامة ومنه قوله في حديث الشفاعة " قوم أصابهم سفع من النار".
قوله: (استرقوا لها) بسكون الراء.
قوله: (فإن بها النظرة) بسكون الظاء المعجمة.
وفي رواية مسلم " فقال إن بها نظرة فاسترقوا لها " يعني بوجهها صفرة، وهدا التفسير ما عرفت قائله إلا أنه يغلب على ظني أنه الزهري، وقد أنكره عياض من حيث اللغة، وتوجيهه ما قدمته واختلف في المراد بالنظرة فقيل: عين من نظر الجن، وقيل من الانس وبه جزم أبو عبيد الهروي، والاولى أنه أعم من ذلك وأنها أصيبت بالعين فلذلك أذن صلى الله عليه وسلم في الاسترقاء لها، وهو دال على مشروعية الرقية من العين على وفق الترجمة.
قوله: (تابعه عبد الله بن سالم) يعني الحمصي، وكنيته أبو يوسف (عن الزبيدي) أي على وصل الحديث.

" وقال عقيل عن الزهري أخبرني عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم " يعني لم يذكر في إسناده زينب ولا أم سلمه، فأما رواية عبد الله بن سالم فوصلها الذهلي في " الزهريات " والطبراني في " مسند الشاميين " من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي عن عمرو بن الحارث الحمصي عن عبد الله بن سالم به سندا ومتنا، وأما رواية عقيل فرواها ابن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل ولفظه " أن جارية دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة فقال " كأن بها سفعة أو خطرت بنار " هكذا وقع لنا مسموعا في جزء من " فوائد أبي الفضل بن طاهر " بسنده إلى ابن وهب، ورواه الليث عن عقيل أيضا، ووجدته في " مستدرك الحاكم " من حديثه لكن زاد فيه عائشة بعد عروة، وهو وهم فيما أحسب، ووجدته في " جامع ابن وهب " عن يونس عن الزهري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجارية " فذكر الحديث، واعتمد الشيخان في هذا الحديث على رواية الزبيدي لسلامتها من الاضطراب ولم يلتفتا إلى تقصير يونس فيه، وقد روى الترمذي من طريق الوليد بن مسلم أنه سمع الاوزاعي يفضل الزبيدي على جميع أصحاب الزهري، يعني في الضبط، وذلك أنه كان يلازمه كثيرا حضرا وسفرا، وقد تمسك بهذا من زعم أن العمدة لمن وصل على من أرسل لاتفاق الشيخين على تصحيح الموصول هنا على المرسل، والتحقيق أنهما ليس لهما في تقديم الوصل عمل مطرد بل هو دائر مع القرينة، فمهما ترجح بها اعتمداه، وإلا فكم حديث أعرضا عن تصحيحه للاختلاف في وصله وإرساله، وقد جاء حديث عروة هذا من غير رواية الزهري أخرجه البزار من رواية أبي معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة عن أم سلمة، فسقط من روايته ذكر زينب بنت أم سلمة.
وقال الدار قطني: رواه مالك وابن عيينة وسمي جماعة كلهم عن يحيى بن سعيد فلم يجاوزا به عروة، وتفرد أبو معاوية بذكر أم سلمة فيه ولا يصح، وإنما قال ذلك بالنسبة لهذه الطريق لانفراد الواحد عن العدد الجم، وإذا انضمت هذه الطريق إلى رواية الزبيدي قويت جدا، والله أعلم.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:30 AM

الشرح:
قوله: ( العين حق) أي الاصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه.
قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى، لان كل شيء ليس محالا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لانكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الاخرة.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ
الشرح:
قوله: (العين حق، ونهى عن الوشم) لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين، فكأنهما حديثان مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق الذي أخرجه البخاري من جهته، ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الاصلي، والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر، وسيأتي بيان حكمه في " باب المستوشمة " من أواخر كتاب اللباس إن شاء الله تعالى.
وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها، وهي أن من جملة الباعث على عمل الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين، فنهى عن الوشم مع إثبات العين، وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا، وأن الذي قدره الله سيقع وأخرج مسلم من حديث ابن عباس رفعه " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " فأما الزيادة الاولى ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات، وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله: " العين حق " يريد به القدر أي العين التي تجري منها الاحكام، فإن عين الشيء حقيقته، والمعني أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور.
ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لامره، أشار إلى ذلك القرطبي.
وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين.
لكنها لا تسبق، فكيف غيرها؟ وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالانقس " قال الراوي: يعني بالعين.
وقال النووي: في الحديث إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر، وأما الزيادة الثانية وهي أمر العاين بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك، وظاهر الامر الوجوب.
وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال: متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى، ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الاغتسال، وقد وقعت في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف " أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف - وكان أبيض حسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط - أي صرع وزنا ومعنى - سهل.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تتهمون به من أحد؟ قالوا.
عامر بن ربيعة.
فدعا عامرا فتغيظ علمه فقال: علام ي*** أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت.
ثم قال: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلقه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح؛ ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس " لفظ أحمد من رواية أبي أويس عن الزهري، ولفظ النسائي من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري بهذا السند أنه يصب صبة على وجهه بيده اليمنى، وكذلك سائر أعضائه صبة صبة في القدح.
وقال في آخره " ثم يكفأ القدح وراءه على الارض " ووقع في رواية ابن ماجه من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فذكر الحديث وفيه " فليدع بالبركة.
ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره، وأمره أن يصب عليه " قال سفيان قال معمر عن الزهري: " وأمر أن يكفأ الاناء من خلفه " قال المازري: المراد بداخلة الازار الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الايمن، قال فظن بعضهم أنه كناية عن الفرج انتهى.
وزاد عياض أن المراد ما يلي جسده من الازار، وقيل: أراد موضع الازار من الجسد، وقيل: أراد وركه لانه معقد الازار.
والحديث في " الموطأ " وفيه عن مالك " حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أباه يقول، اغتسل سهل - فذكر نحوه وفيه - فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فوعك سهل مكانه واشتد وعكه - وفيه - إلا بركت؟ إن العين حق، توضأ له، فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس".
(تنبيهات) : الاول: اقتصر النووي في " الاذكار " على قوله: الاستغسال أن يقال للعائن: اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد، فإذا فعل صبه على المنظور إليه.
وهذا يوهم الاقتصار على ذلك، وهو عجيب، ولا سيما وقد نقل في " شرح مسلم " كلام عياض بطوله.
الثاني: قال المازري هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه.
وقال ابن العربي: إن توقف فيه متشرع قلنا له: قل الله ورسوله أعلم، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة.
أو متفلسف فالرد عليه أظهر لان عنده أن الادوية تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص.
وقال ابن القيم: هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد، وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الاطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما تفعل بالخاصية فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية؟ هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة، فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها، وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن، فكان أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد، ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة.
ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها، ولا شيء أرق من المغابن، فكان في غسلها إبطال لعملها، ولا سيما أن للارواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصا.
وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا، فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء.
الثالث: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الاصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة مسهل بن حنيف المذكورة كما مضى " ألا بركت عليه " وفي رواية ابن ماجه " فليدع بالبركة " ومثله عند ابن السني من حديث عامر بن ربيعة.
وأخرج البزار وابن السني من حديث أنس رفعه " من رأى شيئا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لم يضره".
وفي الحديث من الفوائد أيضا أن العائن إذا عرف يقضي عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الاعجاب ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح، وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء، وأن الاصابة بالعين قد ت***.
وقد اختلف في جريان القصاص بذلك فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئا ضمنه، ولو *** فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو في ذلك كالساحر عند من لا ي***ه كفرا، انتهى.
ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك، بل منعوه وقالوا: إنه لا ي*** غالبا ولا يعد مهلكا.
وقال النووي في " الروضة: ولا دية فيه ولا كفارة.
لان الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الاحوال مما لا انضباط له، كيف ولم يقع منه فعل أصلا، وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة.
وأيضا فالذي ينشأ عن الاصابة بالعين حصول مكروه لذلك الشخص، ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة، فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين ا هـ.
ولا يعكر على ذلك إلا الحكم ب*** الساحر فإنه في معناه، والفرق بينهما فيه عسر.
ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم فإنه ينبغي للامام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته، فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به، فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس كما تقدم واضحا في بابه، وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة.
قال النووي: وهذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:35 AM

رُقْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (رقية النبي صلى الله عليه وسلم) أي التي كان يرقي بها.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ فَقَالَ أَنَسٌ أَلا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَلَى قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لا شَافِيَ إِلا أَنْتَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَماً
الشرح:
قوله: (عبد الوارث) هو ابن سعيد، وعبد العزيز هو ابن صهيب، والاسناد بصريون.
قوله: (فقال ثابت) هو البناني (يا أبا حمزة) هي كنية أنس.
قوله: (اشتكيت) بضم التاء أي مرضت، ووقع في رواية الاسماعيلي " إني اشتكيت".
قوله: (ألا) بتخفيف اللام و " أرقيك " بفتح الهمزة.
قوله: (مذهب الباس) بغير همز للمؤاخاة فإن أصله الهمزة.
قوله: (أنت الشافي) يؤخذ منه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن بشرطين: أحدهما أن لا يكون في ذلك ما يوهم نقصا، والثاني أن يكون له أصل في القرآن وهذا من ذاك، فإن في القرآن " وإذا مرضت فهو يشفين".
قوله: (لا شافي إلا أنت) إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف تقدير الله تعالى وإلا فلا ينجع.
قوله: (شفاء) مصدر منصوب بقوله " اشف " ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ أي هو.
قوله: (لا يغادر) بالغين المعجمة أي لا يترك، وقد تقدم بيانه والحكمة فيه في أواخر كتاب المرضى، وقوله "سقما " بضم ثم سكون، وبفتحتين أيضاء.
ويؤخذ من هذا الحديث أن الاضافة في الترجمة للفاعل، وقد ورد ما يدل على أنها للمفعول، وذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد " أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم.
قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك " وله شاهد عنده بمعناه من حديث عائشة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ :اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَماً قَالَ سُفْيَانُ حَدَّثْتُ بِهِ مَنْصُوراً فَحَدَّثَنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ
الشرح:
قوله: (يحيى) هو القطان، وسفيان هو الثوري، وسليمان هو الاعمش ومسلم هو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وجوز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران لكونه يروي عن مسروق ويروي الاعمش عنه، وهو تجويز عقلي محض يمجه سمع المحدث، على أنني لم أر لمسلم بن عمران البطين رواية عن مسروق وإن كانت ممكنة، وهذا الحديث إنما هو من رواية الاعمش عن أبي الضحى عن مسروق، وقد أخرجه مسلم من رواية جرير عن الاعمش عن أبي الضحى عن مسروق به، ثم أخرجه من رواية هشيم ومن رواية شعبة ومن رواية يحيى القطان عن الثوري كلهم عن الاعمش قال بإسناد جرير، فوضح أن مسلما المذكور في رواية البخاري هو أبو الضحى، فإنه أخرجه من رواية يحيى القطان، وغايته أن بعض الرواة عن يحيى سماه وبعضهم كناه والله أعلم.
قوله: (كان يعوذ بعض أهله) لم أقف على تعيينه.
قوله: (يمسح بيده اليمني) أي على الوجع قال الطبري: هو على طريق التفاؤل لزوال ذلك، الوجع.
قوله: (واشفه وأنت الشافي) في رواية الكشميهني بحذف الواو، والضمير في اشفه للعليل، أو هي هاء السكت.
قوله: (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف والتقدير لنا أو له.
قوله: (إلا شفاؤك) بالرفع على أنه بدل من موضع لا شفاء.
قوله: (قال سفيان) هو موصول بالاسناد المذكور.
قوله: (حدثت به منصورا) هو ابن المعتمر، وصار بذلك في هذا الحديث إلى مسروق طريقان، وإذا ضم الطريق الذي بعده إليه صار إلى عائشة طريقان، وإذا ضم إلى حديث أنس صار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه طريقان.
قوله: (نحوه) تقدم سياقه في أواخر كتاب المرضى مع بيان الاختلاف على الاعمش ومنصور في الواسطة بينهما وبين مسروق، ومن أفرد ومن جمع وتحرير ذلك واضحا.
الحديث:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْقِي يَقُولُ امْسَحْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لا كَاشِفَ لَهُ إِلا أَنْتَ
الشرح:
(النضر) هو ابن شميل.
قوله: (كان يرقي) بكسر القاف، وهو بمعنى قوله في الرواية التي قبلها " كان يعوذ " ولعل هذا هو السر أيضا في إيراد طريق عروة وإن كان سياق مسروق أتم، لكن عروة صرح بكون ذلك رقية فيوافق حديث أنس في أنها رقية النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (امسح) هو بمعنى قوله في الرواية الاخرى " أذهب " والمراد الازالة.
قوله: (بيدك الشفاء لا كاشف له) أي للمرض (إلا أنت) وهو بمعنى قوله.
" اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت".
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ بِسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا
الشرح:
قوله: (سفيان) هو ابن عيينة كما صرح به في الطريق الثانية، وقدم الاولى لتصريح سفيان بالتحديث، وصدقة شيخه في الثانية هو ابن الفضل المروزي.
الحديث:
حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الرُّقْيَةِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا وَرِيقَةُ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا
الشرح:
قوله: (عبد ربه بن سعيد) هو الانصاري أخو يحيى بن سعيد، هو ثقة، ويحيى أشهر منه وأكثر حديثا.
قوله: (كان يقول للمريض بسم الله) في رواية صدقة " كان يقول في الرقية " وفي رواية مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان زيادة في أوله ولفظه " كان إذا اشتكى الانسان أو كانت به قرحة أو جرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه هكذا - ووضع سفيان سبابته بالارض ثم رفعها - بسم الله".
قوله: (تربة أرضنا) خبر مبتدأ محذوف أي هذه تربة، وقوله "بريقة بعضنا " يدل على أنه كان يتفل عند الرقية، قال النووي: معنى الحديث أنه أخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه ثم مسح به الموضع العليل أو الجريح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح، قال القرطبي: فيه دلالة على جواز الرقى من كل الالام، وأن ذلك كأن أمرا فاشيا معلوما بينهم، قال: ووضع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته بالارض ووضعها عليه يدل على استحباب ذلك عند الرقية.
ثم قال: وزعم بعض علمائنا أن السر فيه أن تراب الارض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الذي به الالم ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجراح واندمالها.
قال وقال في الريق: إنه يختص بالتحليل والانضاج وإبراء الجرح والورم لا سيما من الصائم الجائع، وتعقبه القرطبي أن ذلك إنما يتم إذا وقعت المعالجة على قوانينها من مراعاة مقدار التراب والريق وملازمة ذلك في أوقاته، وإلا فالنفث ووضع السبابة على الارض إنما يتعلق بها ما ليس له بال ولا أثر، وإنما هذا من باب التبرك بأسماء الله تعالى وآثار رسوله، وأما وضع الاصبع بالارض فلعله لخاصية في ذلك، أو لحكمة إخفاء آثار القدرة بمباشرة الاسباب المعتادة.
وقال البيضاوي: قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلا في النضج وتعديل المزاج، وتراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر، فقد ذكروا أنه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئا منه في سقائه ليأمن مضرة ذلك.
ثم أن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها.
وقال التوربشتي: كأن المراد بالتربة الاشارة إلى قطرة آدم، والريقة الاشارة إلى النطفة، كأنه تضرع بلسان الحال أنك اخترعت الاصل من التراب ثم أبدعته مته من ماء مهين فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته.
وقال النووي: قيل المراد بأرضنا أرض المدينة خاصة لبركتها، وبعضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرف ريقه، فيكون ذلك مخصوصا.
وفيه نظر.
قوله: (يشفى سقيمنا) ضبط بالوجهين بضم أوله على البناء للمجهول، وسقيمنا بالرفع وبفتح أوله على أن الفاعل مقدر، وسقيمنا بالنصب على المفعولية.
(تنبيه) : أخرج أبو داود والنسائي ما يفسر به الشخص المرقى، وذلك في حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ثابت بن قيس بن شماس وهو مريض فقال: اكشف الباس، رب الناس.
ثم أخذ من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه، ثم صبه عليه".

محمد رافع 52 12-06-2012 08:36 AM


محمد رافع 52 12-06-2012 08:43 AM

مَسْحِ الرَّاقِي الْوَجَعَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى
الشرح:
قوله: ( مسح الراقي الوجع بيده اليمنى) ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه قريبا، والقائل " فذكرته لمنصور " هو سفيان الثوري كما تقدم التصريح به في " باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم".

فِي الْمَرْأَةِ تَرْقِي الرَّجُلَ
الشرح:
قوله: ( المرأة ترقي الرجل) ذكر فيه حديث عائشة، وفيه قولها " كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه " وقد تقدم قبل رواية يونس عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك، وزاد في رواية معمر هنا كيفية ذلك فقال " ينفث على يديه، ثم يمسح بهما وجهه".

مَنْ لَمْ يَرْقِ
الشرح:
قوله: ( من لم يرق) هو بفتح أوله وكسر القاف مبنيا للفاعل، وبضم أوله وفتح القاف مبنيا للمفعول.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ تميز عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خبير عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الامَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلانِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الافُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الافُقَ فَقِيلَ لِي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الافُقَ فَقِيلَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ هَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ لا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ
الشرح:
قوله: (حصين بن نمير) بنون مصغر هو الواسطي، ما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد تقدم بهذا الاسناد في أحاديث الانبياء لكن باختصار، وتقدم الحديث بعينه من وجه آخر عن حصين بن عبد الرحمن في " من اكتوى " وذكرت من زاد في أوله قصة وأن شرحه سيأتي في كتاب الرقاق، والغرض منه هنا قوله " هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون " فأما الطيرة فسيأتي ذكرها بعد هذا، وأما الكي فتقدم ذكرها فيه هناك، وأما الرقية فتمسك بهذا الحديث من كره الرقى والكي من بين سائر الادوية وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما، وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة: أحدها قاله الطبري والمازري وطائفة أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الادوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون.
وقال غيره: الرقى التي يحمد تركها ما كان من كلام الجاهلية وما الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفرا، بخلاف الرقى بالذكر ونحوه.
وتعقبه عياض وغيره بأن الحديث يدل على أن للسبعين ألفا مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة، ومن كان يعتقد أن الادوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقى الجاهلية ونحوها فليس مسلما فلم يسلم هذا الجواب.
ثانيها قال الداودي وطائفة إن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء، وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا، وقد قدمت هذا عن ابن قتيبة وغيره في " باب من اكتوى"، وهذا اختيار ابن عبد البر، غير أنه معترض بما قدمته من ثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء.
ثالثها قال الحليمي: يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الاسباب المعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طب الاطباء ورقى الرقاة ولا يحسنون من ذلك شيئا، والله أعلم.
رابعها أن المراد بترك الرقى والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره، لا القدح في جواز ذلك لثبوت وقوعه في الاحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الاسباب، وإلى هذا نحا الخطابي ومن تبعه.
قال ابن الاثير: هذا من صفة الاولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها، وهؤلاء هم خواص الاولياء.
ولا يرد على هذا وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا، لانه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز، ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله، لانه كان كامل التوكل يقينا فلا يؤثر فيه تعاطي الاسباب شيئا، بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل، لكن من ترك الاسباب وفوض وأخلص في ذلك كان أرفع مقاما.
قال الطبري: قيل لا يستحق التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي، ولا من لم يسع في طلب رزق ولا في مداواة ألم، والحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الاسباب اتباعا لسنته وسنة رسوله، فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم في الحرب بين درعين، ولبس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر هو، وتعاطى أسباب الاكل والشرب، وادخر لاهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك.
وقال الذي سأله: أعقل ناقتي أو أدعها؟ قال: " اعقلها وتوكل " فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل، والله أعلم.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:46 AM

الطِّيَرَةِ
الشرح:
قوله ( الطيرة) بكسر المهملة وفتح التحتانية وقد تسكن، هي التشاؤم بالشين، وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة.
قال بعض أهل اللغة لم يجيء من المصادر هكذا غير هاتين، وتعقب بأنه سمع طيبة، وأورد بعضهم التولة وفيه نظر، وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لامر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك، وكانوا يسمونه السانح بمهملة ثم نون ثم حاء مهملة، والبارح بموحدة وآخره مهملة، بالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس.
وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح، لانه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه، وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له، إذ لا نطق للطير ولا تمييز فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله، وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويتمدح بتركه، قال شاعر منهم: ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واق وحاتم فإذا الاشائم كالايامن والايامن كالاشائم وقال آخر: الزجر والطير والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال وقال آخر: وما عاجلات الطير تدني من الفتى نجاحا، ولا عن ريثهن قصور وقال آخر: لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرت الطير ما الله صانع وقال آخر: تخير طيرة فيها زياد لتخبره، وما فيها خبير تعلم أنه لا طير إلا على متطير، وهو الثبور بلى شيء يوافق بعض شيء أحايينا، وباطله كثير وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين.
وقد أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أنس رفعه " لا طيرة، والطيرة على من تطير " وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والظن، والحسد.
فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق " وهذا مرسل أو معضل، لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في " الشعب " وأخرج ابن عدي بسند لين عن أبي هريرة رفعه " إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا " وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رفعه " لن ينال الدرجات العلا من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيرا " ورجاله ثقات، إلا أنني أظن أن فيه انقطاعا وله شاهد عن عمران بن حصين وأخرجه البزار في أثناء حديث بسند جيد.
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان عن ابن مسعود رفعه " الطيرة شرك، وما منا إلا تطير، ولكن الله يذهبه بالتوكل " وقوله " وما منا إلا " من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر، وقد بينه سليمان بن حرب شيخ البخاري فيما حكاه الترمذي عن البخاري عنه، وإنما جعل ذلك شركا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفع ضرا، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى، وقوله "ولكن الله يذهبه بالتوكل " إشارة إلى أن من وقع له فسلم لله ولم يعبأ بالطيرة أنه لا يؤاخذ بما عرض له من ذلك.
وأخرج البيهقي في " الشعب " من حديث عبد الله بن عمرو موقوفا " من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك".
الحديث:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَالشُّؤْمُ فِي ثَلاثٍ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ
الشرح:
قوله: (لا عدوى، ولا طيرة، والشؤم في ثلاث) قد تقدم شرح هذا الحديث وبيان اختلاف الرواة في سياقه في كتاب الجهاد، والتطير والتشاؤم بمعني واحد، فنفى أولا بطريق العموم كما نفى العدوى، ثم اثبت الشؤم في الثلاثة المذكورة، وقد ذكرت ما قيل في ذلك هناك.
وقد وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود بلفظ " وإن كانت الطيرة في شيء " الحديث.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ
الشرح:
قوله (لا طيرة، وخيرها الفأل) يأتي شرحه في الباب الذي بعده، وكأنه أشار بذلك إلى أن النفي في الطيرة على ظاهره لكن في الشر، ويستثنى من ذلك ما يقع فيه من الخير كما سأذكره.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:50 AM

الْفَأْلِ
الشرح:
قوله: ( الفأل) بفاء ثم همزة وقد تسهل، والجمع فئول بالهمزة جزما.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ قَالَ وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ
الشرح:
قوله: (عن عبيد الله بن عبد الله) أي ابن عتبة بن مسعود، وقد صرح في رواية شعيب التي قبل هذه فيه بالاخبار.
قوله: (قال وما الفأل) ؟ كذا للاكثر بالافراد، وللكشميهني " قالوا " كرواية شعيب.
قوله: (الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) وقال في حديث أنس ثاني حديثي الباب " ويعجبني الفأل الصالح، الكلمة الحسنة".
وفي حديث عروة بن عامر الذي أخرجه أبو داود قال " ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خيرها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله " وقوله " وخيرها الفأل " قال الكرماني تبعا لغيره: هذه الاضافة تشعر بأن الفأل من جملة الطيرة، وليس كذلك بل هي إضافة توضيح، ثم قال: وأيضا فإن من جملة الطيرة كما تقدم تقريره التيامن، فبين بهذا الحديث أنه ليس كل التيامن مردودا كالتشاؤم، بل بعض التيامن مقبول.
قلت: وفي جواب الاول دفع في صدر السؤال، وفي الثاني تسليم السؤال ودعوى التخصيص وهو أقرب وقد أخرج ابن ماجه بسند حسن عن أبي هريرة رفعه " كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة " وأخرج الترمذي من حديث حابس التميمي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " العين حق، وأصدق الطيرة الفأل " ففي هذا التصريح أن الفأل من جملة الطيرة لكنه مستثنى.
وقال الطيبي: الضمير المؤنث في قوله " وخيرها " راجع إلى الطيرة، وقد علم أن الطيرة كلها لا خير فيها، فهو كقوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) وهو مبني على زعمهم، وهو من إرخاء العنان في المخادعة بأن يجري الكلام على زعم الخصم حتى لا يشمئز عن التفكر فيه، فإذا تفكر فأنصف من نفسه قبل الحق، فقوله " خيرها الفأل " إطماع للسامع في الاستماع والقبول، لا أن في الطيرة خيرا حقيقة، أو هو من نحو قولهم " الصيف أحر من الشتاء " أي الفأل في بابه أبلغ من الطيرة في بابها.
والحاصل أن أفعل التفضيل في ذلك إنما هو بين القدر المشترك بين الشيئين، والقدر المشترك بين الطيرة والفأل تأثير كل منهما فيما هو فيه، والفأل في ذلك أبلغ.
قال الخطابي: وإنما كان ذلك لان مصدر الفأل عن نطق وبيان، فكأنه خبر جاء عن غيب، بخلاف غيره فإنه مستند إلى حركة الطائر أو نطقه وليس فيه بيان أصلا، وإنما هو تكلف ممن يتعاطاه.
وقد أخرج الطبري عن عكرمة قال: كنت عند ابن عباس فمر طائر فصاح، فقال رجل: خير خير، فقال ابن عباس: ما عند هذا لا خير ولا شر.
وقال أيضا الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل من طريق حسن الظن بالله، والطيرة لا تكون إلا في السوء فلذلك كرهت.
وقال النووي: الفأل يستعمل فيما يسوء وفيما يسر، وأكثره في السرور.
والطيرة لا تكون إلا في الشؤم، وقد تستعمل مجازا في السرور ا ه.
وكأن ذلك بحسب الواقع، وأما الشرع فخص الطيرة بما يسوء والفأل بما يسر، ومن شرطه أن لا يقصد إليه فيصير من الطيرة.
قال ابن بطال: جعل الله في فطر الناس محبة الكلمة الطيبة والانس بها كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الانيق والماء الصافي وإن كان لا يملكه ولا يشربه.
وأخرج الترمذي وصححه من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع: يا نجيح يا راشد " وأخرج أبو داود بسند حسن عن بريدة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا يسأل عن اسمه، فإذا أعجبه فرح به، وإن كره اسمه رؤي كراهة ذلك في وجهه " وذكر البيهقي في " الشعب " عن الحليمي ما ملخصه: كان التطير في الجاهلية في العرب إزعاج الطير عند إرادة الخروج للحاجة، فذكر نحو ما تقدم ثم قال.
وهكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب وبمرور الظباء فسموا الكل تطيرا، لان أصله الاول.
وقال.
وكان التشاؤم في العجم إذا رأى الصبي ذاهبا إلى المعلم تشاءم أو راجعا تيمن، وكذا إذا رأى الجمل موقرا حملا تشاؤم فإن رآه واضعا حمله تيمن، ونحو ذلك، فجاء الشرع برفع ذلك كله.
وقال "من تكهن أورده عن سفر تطير فليس منا " ونحو ذلك من الاحاديث.
وذلك إذا اعتقد أن الذي يشاهده من حال الطير موجبا ما ظنه ولم يضف التدبير إلى الله تعالى، فأما إن علم أن الله هو المدبر ولكنه اشفق من الشر لان التجارب قضت بأن صوتا من أصواتها معلوما أو حالا من أحوالها معلومة يردفها مكروه فإن وطن نفسه على ذلك أساء، وإن سأل الله الخير واستعاذ به من الشر ومضى متوكلا لم يضره ما وجد في نفسه من ذلك، وإلا فيؤاخذ به، وربما وقع به ذلك المكروه بعينه الذي اعتقده عقوبة له كما كان يقع كثيرا لاهل الجاهلية.
والله أعلم.
قال الحليمي: وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل لان التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال.
وقال الطيبي: معنى الترخص في الفأل والمنع من الطيرة هو أن الشخص لو رأى شيئا فظنه حسنا محرضا على طلب حاجته فليفعل ذلك.
وإن رآه بضد ذلك فلا يقبله بل يمضي لسبيله.
فلو قبل وانتهى عن المضي فهو الطيرة التي اختصت بأن تستعمل في الشؤم.
والله أعلم.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:53 AM


محمد رافع 52 12-06-2012 08:55 AM

لا هَامَةَ
الشرح:
قوله ( لا هامة) كذا للجميع، وذكر فيه حديث أبي هريرة " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " ثم ترجم بعد سبعة أبواب " باب لا هامة " وذكر فيه الحديث المذكور مطولا وليس فيه " ولا طيرة " وهذا من توارد ما اتفق له أن يترجم للحديث في موضعين بلفظ واحد، وسأذكر شرح الهامة في الموضع الثاني إن شاء الله تعالى، ثم ظهر لي أنه أشار بتكرار هذه الترجمة إلى الخلاف في تفسير الهامة كما سيأتي بيانه.

محمد رافع 52 12-06-2012 08:59 AM

لا هَامَةَ

الشرح:
قوله: ( لا هامة) قال أبو زيد: هي بالتشديد، وخالفه الجميع فخففوها، وهو المحفوظ في الرواية، وكأن من شددها ذهب إلى واحدة الهوام وهي ذوات السموم، وقيل: دواب الارض التي تهم بأذى الناس، وهذا لا يصح فيه إلا إن أريد أنها لا تضر لذواتها وإنما تضر إذا أراد الله إيقاع الضرر بمن أصابته.
وقد ذكر الزبير بن بكار في " الموفقيات " أن العرب كانت في الجاهلية تقول: إذا *** الرجل ولم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة - وهي دودة - فتدور حول قبره فتقول: اسقوني اسقوني، فإن أدرك بثأره ذهبت وإلا بقيت، وفي ذلك يقول شاعرهم: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني وكانت اليهود تزعم أنها تدور حول قبره سبعة أيام ثم تذهب.
وذكر ابن فارس وغيره من اللغويين نحو الاول، إلا أنهم لم يعينوا كونها دودة، بل قال القزاز: الهامة طائر من طير الليل، كأنه يعني البومة.
وقال ابن الاعرابي: كانوا يتشاءمون بها، إذا وقعت على بيت أحدهم يقول: نعت إلي نفسي أو أحدا من أهل داري.
وقال أبو عبيد: كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير، ويسمون ذلك الطائر الصدى.
فعلى هذا فالمعني في الحديث لا حياة لهامة الميت، وعلى الاول لا شؤم بالبومة ونحوها، ولعل المؤلف ترجم " لا هامة " مرتين بالنظر لهذين التفسيرين والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الابِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الاجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَعْدَى الاوَّلَ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الاوَّلِ قُلْنَا أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لا عَدْوَى فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثاً غَيْرَهُ
الشرح:
قوله: (عن أبي سلمة) في رواية شعيب عن الزهري " حدثني أبو سلمة " وهي في الباب الذي بعده.
قوله: (لا عدوى) تقدم شرحه مستوفى في " باب الجذام " وكيفية الجمع بين قوله: " لا عدوى " وبين قوله " لا يورد ممرض على مصح " وكذا تقدم شرح قوله: " ولا صفر ولا هامة".
قوله: (فقال أعرابي) لم أقف على اسمه.
قوله (تكون في الرمل كأنها الظباء) في رواية شعيب عن الزهري في الباب الذي يليه " أمثال الظباء " بكسر المعجمة بعدها موحدة وبالمد جمع ظبي، شبهها بها في النشاط والقوة والسلامة من الداء.
قوله: (فيجربها) في رواية مسلم " فيدخل فيها ويجربها " بضم أوله، وهو بناء على ما كانوا يعتقدون من العدوى، أي يكون سببا لوقوع الحرب بها، وهذا من أوهام الجهال، كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل في الاصحاء أمرضهم فنفى الشارع ذلك وأبطله، فلما أورد الاعرابي الشبهة رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " فمن أعدى الاول "؟ وهو جواب في غاية البلاغة والرشاقة.
وحاصله من أين الجرب للذي أعدى بزعمهم؟ فإن أجيب من بعير آخر لزم التسلسل أو سبب آخر فليفصح به، فإن أجيب بأن الذي فعله في الاول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعي، وهو أن الذي فعل بالجميع ذلك هو الخالق القادر على كل شيء وهو الله سبحانه وتعالى.
قوله: (وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يوردن ممرض على مصح) كذا فيه بتأكيد النهي عن الايراد.
ولمسلم من رواية يونس عن الزهري " لا يورد " بلفظ النفي، وكذا تقدم من رواية صالح وغيره، وهو خبر بمعنى النهي بدليل رواية الباب.
والممرض بضم أوله وسكون ثانيه وكسر الراء بعدها ضاد معجمة هو الذي له إبل مرضى، والمصح بضم الميم وكسر الصاد المهملة بعدها مهملة من له إبل صحاح، نهى صاحب الابل المريضة أن يوردها على الابل الصحيحة.
قال أهل اللغة: الممرض اسم فاعل من أمرض الرجل إذا أصاب ماشيته مرض، والمصح اسم فاعل من أصح إذا أصاب ماشيته عاهة ثم ذهب عنها وصحت.
قوله: (وأنكر أبو هريرة الحديث الاول) وقع في رواية المستملي والسرخسي " حديث الاول " وهو كقولهم مسجد الجامع.
وفي رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة " كان أبو هريرة يحدثهما كليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى".
قوله: (وقلنا ألم تحدث أنه لا عدوى) في رواية يونس " فقال الحارث بن أبي ذئاب " بضم المعجمة وموحدتين وهو ابن عم أبي هريرة " قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديث لا عدوى، فأبى أن يعرف ذلك " ووقع عند الاسماعيلي من رواية شعيب " فقال الحارث: إنك حدثتنا " فذكره " قال فأنكر أبو هريرة وغضب وقال: لم أحدثك ما تقول".
قوله: (فرطن بالحبشية) في رواية يونس " فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة حتى رطن بالحبشية فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا.
قال: إني قلت أبيت".
قوله: (فما رأيته) في رواية الكشميهني " فما رأيناه " (نسي حديثا غيره) في رواية يونس " قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان يحدثنا به فما أدري أنسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين للاخر"، وهذا الذي قاله أبو سلمة ظاهر في أنه كان يعتقد أن بين الحديثين تمام التعارض، وقد تقدم وجه الجمع بينهما في " باب الجذام " وحاصله أن قوله: " لا عدوى " نهي عن اعتقادها وقوله: " لا يورد " سبب النهي عن الايراد خشية الوقوع في اعتقاد العدوى، أو خشية تأثير الاوهام، كما تقدم نظيره في حديث " فر من المجذوم " لان الذي لا يعتقد أن الجذام يعدي يجد في نفسه نفرة، حتى لو أكرهها على القرب منه لتألمت بذلك، فالاولى بالعاقل أن لا يتعرض لمثل ذلك بل يباعد أسباب الالام ويجانب طرق الاوهام والله أعلم.
قال ابن التين: لعل أبا هريرة كان يسمع هذا الحديث قبل أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديث " من بسط رداءه ثم ضمه إليه لم ينس شيئا سمعه من مقالتي " وقد قيل في الحديث المذكور إن المراد أنه لا ينسى تلك المقالة التي قالها ذلك اليوم لا أنه ينتفي عنه النسيان أصلا.
وقيل: كان الحديث الثاني ناسخا للاول فسكت عن المنسوخ، وقيل: معنى قوله: " لا عدوى " النهي عن الاعتداء، ولعل بعض من أجلب عليه إبلا جرباء أراد تضمينه فاحتج عليه في إسقاط الضمان بأنه إنما أصابها ما قدر عليها وما لم تكن تنجو منه، لان العجماء جبار، ويحتمل أن يكون قال هذا على ظنه ثم تبين له خلاف ذلك انتهى.
فأما دعوى نسيان أبي هريرة للحديث فهو بحسب ما ظن أبو سلمة، وقد بينت ذلك رواية يونس التي أشرت إليها، وأما دعوى النسخ فمردودة لان النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، ولا سيما مع إمكان الجمع، وأما الاحتمال الثالث فبعيد من مساق الحديث، والذي بعده أبعد منه، ويحتمل.
أيضا أنهما لما كانا خبرين متغايرين عن حكمين مختلفين لا ملازمة بينهما جاز عنده أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الاخر حسبما تدعو إليه الحاجة، قاله القرطبي في " المفهم".
قال: ويحتمل أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين فسكت عن أحدهما، وكان إذا أمن ذلك حدث بهما جميعا.
قال القرطبي: وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلم للاعرابي جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقلي إذا كان السائل أهلا لفهمه، وأما من كان قاصرا فيخاطب بما يحتمله عقله من الاقناعيات.
قال: وهذه الشبهة التي وقعت للاعرابي هي التي وقعت للطبائعيين أولا وللمعتزلة ثانيا، فقال الطبائعيون بتأثير الاشياء بعضها في بعض وإيجادها إياها، وسموا المؤثر طبيعة.
وقال المعتزلة بنحو ذلك في الحيوانات والمتولدات وأن قدرهم مؤثرة فيها بالايجاد، وأنهم خالقون لافعالهم مستقلون باختراعها، واستند الطائفتان إلى المشاهدة الحسية، ونسبوا من أنكر ذلك إلى إنكار البديهة، وغلط من قال ذلك منهم غلطا فاحشا لالتباس إدراك الحس بإدراك العقل، فإن المشاهد إنما هو تأثير شيء عند شيء آخر، وهذا حظ الحس، فأما تأثيره فهو فيه حظ العقل، فالحس أدرك وجود شيء عند وجود شيء وارتفاعه عند ارتفاعه، أما إيجاده به فليس للحس فيه مدخل، فالعقل هو الذي يفرق فيحكم بتلازمهما عقلا أو عادة مع جواز التبدل عقلا والله أعلم.
وفيه وقوع تشبيه الشيء بالشيء إذا جمعهما وصف خاص ولو تباينا في الصورة.
وفيه شدة ورع أبي هريرة لانه مع كون الحارث أغضبه حتى تكلم بغير العربية خشي أن يظن الحارث أنه قال فيه شيئا يكرهه ففسر له في الحال ما قال، والله أعلم.

محمد رافع 52 12-06-2012 09:03 AM

لا عَدْوَى
الشرح:
قوله: ( لا عدوى) تقدم تفسيرها.
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمْزَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاثٍ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ
الشرح:
قوله: (أخبرني سالم بن عبد الله) أي ابن عمر.
قوله: (وحمزة) هو أخو سالم.
قوله: (أن عبد الله بن عمر) قال في رواية مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب بهذا السند عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم في أوائل النكاح من طريق مالك عن الزهري عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر، وفي تصريح الزهري بالاخبار فيه في هذه الرواية دفع لتوهم انقطاعه بسبب ما رواه ابن أبي ذئب عن الزهري فأدخل بين الزهري وسالم رجلا وهو محمد بن زيد بن قنفذ، ويحمل إن كان محفوظا على أن الزهري حمله عن محمد بن زيد عن سالم ثم سمعه من سالم.
قوله: (لا عدوى ولا طيرة، إنما الشؤم في ثلاث.
الحديث) تقدم الكلام على حديث " الشؤم في ثلاث " في النكاح، وجمع ابن عمر بين الحديثين يدل على أنه قوى عنده أحد الاحتمالات في المراد بالشؤم، وذكر مسلم أنه لم يقل أحد من أصحاب الزهري عنه في أول هذا الحديث " لا عدوى ولا طيرة " إلا يونس بن يزيد.
قلت: وقد أخرجه النسائي من رواية القاسم بن مبرور عن يونس بدونها.
فكان المنفرد بالزيادة عبد الله بن وهب.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لا عَدْوَى قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا عَدْوَى فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ أَرَأَيْتَ الابِلَ تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ فَيَأْتِيهَا الْبَعِيرُ الاجْرَبُ فَتَجْرَبُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَعْدَى الاوَّلَ
الشرح:
قوله: (أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى) قال أبو سلمة بن عبد الرحمن " سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا توردوا الممرض على المصح " وعن الزهري قال أخبرني سنان بن أبي سنان أن أبا هريرة قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى، فقام أعرابي) فذكر القصة الماضية في الباب قبله، هكذا أورده من رواية شعيب عن الزهري، وقد أخرجه مسلم من روايته عن الزهري عن أبي سلمة بالحديثين، لكن لم يسق لفظه، أحال به على رواية صالح بن كيسان ولفظه " لا عدوى " ويحدث مع ذلك " لا يورد الممرض على المصح " قاله بمثل حديث يونس، وقد بينت ما في رواية يونس من فائدة زائدة في الباب الذي قبله، وأورد أيضا رواية شعيب عن الزهري عن سنان بن أبي سنان بالقصة وأحال بسياقه على رواية يونس، فظهر بذلك أنها كلها موصولة.
وسنان بن أبي سنان مدني ثقة واسم أبيه يزيد بن أمية وليس له في البخاري عن أبي هريرة سوى هذا الحديث الواحد، وله آخر عن جابر قرنه في كل منهما بأبي سلمة بن عبد الرحمن والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ
الشرح:
حديث أنس بلفظ " لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل " وفيه تفسيره، وقد تقدم شرحه مستوفى في باب مفرد.

محمد رافع 52 12-06-2012 09:08 AM

إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الانَاءِ
الشرح:
قوله: ( إذا وقع الذباب في الاناء) الذباب بضم المعجمة وموحدتين وتخفيف، قال أبو هلال العسكري: الذباب واحد والجمع ذبان كغربان، والعامة تقول ذباب للجمع وللواحد ذبابة بوزن قرادة، وهو خطأ، وكذا قال أبو حاتم السجستاني إنه خطأ.
وقال الجوهري: الذباب واحدة ذبابة ولا تقل ذبانة، ونقل في " المحكم " عن أبي عبيدة عن خلف الاحمر تجويز ما زعم العسكري أنه خطأ، وحكى سيبويه في الجمع ذب.
وقرأته بخط البحتري مضبوطا بضم أوله والتشديد.
الحديث:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الاخَرِ دَاءً
الشرح:
قوله: (عن عتبة بن مسلم مولى بني تميم) هو مدني، وأبوه يكنى أبا عتبة، وما لعتبة في البخاري سوى هذا الموضع.
قوله: (عن عبيد بن حنين) مضى في بدء الخلق من طريق سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم " أخبرني عبيد بن حنين " وهو بالمهملة والنونين مصغر وكنيته أبو عبد الله.
قوله: (مولى بني زريق) بزاي ثم راء ثم قاف مصغر، وحكى الكلاباذي أنه مولى زيد بن الخطاب؛ وعن ابن عيينة أنه مولى العباس، وهو خطأ كأنه ظن أنه أخو عبد الله بن حنين وليس كذلك، وما لعبيد أيضا في البخاري سوى هذا الحديث أورده في موضعين.
قوله: (إذا وقع الذباب) قيل سمي ذبابا لكثرة حركته واضطرابه، وقد أخرج أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا " عمر الذباب أربعون ليلة، والذباب كله في النار إلا النحل " وسنده لا بأس به، وأخرجه ابن عدي دون أوله من وجه آخر ضعيف، قال الجاحظ: كونه في النار ليس *****ا له، بل ليعذب أهل النار به.
قال الجوهري: يقال إنه ليس شيء من الطيور يلغ إلا الذباب.
وقال أفلاطون: الذباب أحرص الاشياء، حتى إنه يلقي نفسه في كل شيء ولو كان فيه هلاكه.
ويتولد من العفونة.
ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة، فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عينيها.
ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثوب الاسود أبيض وبالعكس.
وأكثر ما يظهر في أماكن العفونة، ومبدأ خلقه منها ثم من التوالد.
وهو من أكثر الطيور سفادا، ربما بقي عامة اليوم على الانثى.
ويحكى أن بعض الخلفاء سأل الشافعي: لاي علة خلق الذباب؟ فقال: مذلة للملوك.
وكانت ألحت عليه ذبابة، فقال الشافعي: سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطته من الهيئة الحاصلة.
وقال أبو محمد المالقي: ذباب الناس يتولد من الزبل.
وإن أخذ الذباب الكبير فقطعت رأسها وحك بجسدها الشعرة التي في الجفن حكا شديدا أبرأته وكذا داء الثعلب.
وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن الوجع.
قوله: (في إناء أحدكم) تقدم في بدء الخلق بلفظ " شراب " ووقع في حديث أبي سعيد عند النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان إذا وقع في الطعام " والتعبير بالاناء أشمل، وكذا وقع في حديث أنس عند البزار.
قوله: (فليغمسه كله) أمر إرشاد لمقابلة الداء بالدواء.
وفي قوله: " كله " رفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه.
قوله: (ثم ليطرحه) في رواية سليمان بن بلال " ثم لينزعه " وقد وقع في رواية عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة أنه حدثه قال: " كنا عند أنس، فوقع ذباب في إناء فقال أنس بإصبعه فغمسه في ذلك الاناء ثلاثا ثم قال: بسم الله.
وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يفعلوا ذلك " أخرجه البزار ورجاله ثقات، ورواه حماد بن سلمة عن ثمامة فقال: " عن أبي هريرة " ورجحها أبو حاتم، وأما الدار قطني فقال: الطريقان محتملان.
قوله: (فإن في إحدى جناحيه) في رواية أبي داود " فإن في أحد " والجناح يذكر ويؤنث وقيل: أنث باعتبار اليد، وجزم الصغاني بأنه لا يؤنث وصوب رواية " أحد " وحقيقته للطائر، ويقال لغيره على سبيل المجاز كما في قوله: (واخفض لهما جناح الذل) ووقع في رواية أبي داود وصححه ابن حبان من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة، وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، ولم يقع لي في شيء من الطرق تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره، لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الايسر فعرف أن الايمن هو الذي فيه الشفاء، والمناسبة في ذلك ظاهرة.
وفي حديث أبي سعيد المذكور أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء.
ويستفاد من هذه الرواية تفسير الداء الواقع في حديث الباب وأن المراد به السم فيستغنى عن التخريج الذي تكلفه بعض الشراح فقال: إن في اللفظ مجازا وهو كون الداء في أحد الجناحين، فهو إما من مجاز الحذف والتقدير فإن في جناحيه سبب داء، إما مبالغة بأن يجعل كل الداء في أحد جناحيه لما كان سببا له.
وقال آخر يحتمل أن يكون الداء ما يعرض في نفس المرء من التكبر عن أكله حتى ربما كان سببا لترك ذلك الطعام وإتلافه، والدواء ما يحصل من قمع النفس وحملها على التواضع.
قوله: (وفي الاخر شفاء) في رواية أبي ذر " وفي الاخرى " وفي نسخة " والاخرى " بحذف حرف الجر، وكذا وقع في رواية سليمان بن بلال " في إحدى جناحيه داء والاخر شقاء " واستدل به لمن يجيز العطف على معمولي عاملين كالاخفش، وعلى هذا فيقرأ بخفض الاخر وبنصب شفاء فعطف الاخر على الاحد وعطف شفاء على داء، والعامل في إحدى حرف في، والعامل في داء إن، وهما عاملان في الاخر وشفاء، وسيبويه لا يجيز ذلك ويقول: إن حرف الجر حذف وبقي العمل وقد وقع صريحا في الرواية الاخرى " وفي الاخرى شفاء " ويحوز رفع شفاء على الاستئناف.
واستدل بهذا الحديث على أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه ووجه الاستدلال - كما رواه البيهقي عن الشافعي - أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بغمس ما ينجس الماء إذا مات فيه لان ذلك إفساد.
وقال بعض من خالف في ذلك: لا يلزم من غمس الذباب موته فقد يغمسه برفق فلا يموت، والحي لا ينجس ما يقع فيه كما صرح البغوي باستنباطه من هذا الحديث.
وقال أبو الطيب الطبري: لم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث بيان النجاسة والطهارة، وإنما قصد بيان التداوي من ضرر الذباب، وكذا لم يقصد بالنهي عن الصلاة في معاطن الابل والاذن في مراح الغنم طهارة ولا نجاسة وإنما أشار إلى أن الخشوع لا يوجد مع الابل دون الغنم.
قلت: وهو كلام صحيح، إلا أنه لا يمنع أن يستنبط منه حكم آخر، فإن الامر بغمسه يتناول صورا منها أن يغمسه محترزا عن موته كما هو المدعى هنا، وأن لا يحترز بل يغمسه سواء مات أو لم يمت.
ويتناول ما لو كان الطعام حارا فإن الغالب أنه في هذه الصورة يموت بخلاف الطعام البارد، فلما لم يقع التقييد حمل على العموم، لكن فيه نظر لانه مطلق يصدق بصورة فإذا قام الدليل على صورة معينة حمل عليها.
واستشكل ابن دقيق العيد إلحاق غير الذباب به في الحكم المذكور بطريق أخر فقال: ورد النص في الذباب فعدوه إلى كل ما لا نفس له سائلة، وفيه نظر، لجواز أن تكون العلة في الذباب قاصرة وهي عموم البلوى، وهذه مستنبطة.
أو التعليل بأن في أحد جناحيه داء وفي الاخر شفاء، وهذه منصوصة، وهذان المعنيان لا يوجدان في غيره فيبعد كون العلة مجرد كونه لا دم له سائل، بل الذي يظهر أنه جزء علة لا علة كاملة انتهى.
وقد رجح جماعة من المتأخرين أن ما يعم وقوعه في الماء كالذباب والبعوض لا ينجس الماء، وما لا يعم كالعقارب ينجس، وهو قوي.
وقال الخطابي: تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له فقال: كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب، وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الشفاء، وما ألجأه إلى ذلك؟ قال: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، فإن كثيرا من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة.
وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوى الحيوان، وإن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها أوان حاجتها، وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت، لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحا وتؤخر آخر.
وقال ابن الجوزي: ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب، فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من أسفلها، والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الترياق الذي يعالج به السم، والذبابة تسحق مع الاثمد لجلاء البصر.
وذكر بعض حذاق الاطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه، وهي بمنزلة السلاح له، فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه، فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الاخر من الشفاء فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله تعالى.
واستدل بقوله: " ثم لينزعه " على أنها تنجس بالموت كما هو أصح القولين للشافعي، والقول الاخر كقول أبي حنيفة، أنها لا تنجس، والله أعلم.
(خاتمة) : اشتمل كتاب الطب من الاحاديث المرفوعة على مائة حديث وثمانية عشر حديثا، المعلق منها ثمانية عشر طريقا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثمانون طريقا والخالص ثلاثة وثلاثون، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة في نزول الداء والشفاء، وحديث ابن عباس الشفاء في ثلاث، وحديث عائشة في الحبة السوداء، وحديث أبي هريرة " فر من المجذوم " وحديث أنس " رخصن لاهل بيت في الرقية " وحديثه أن أبا طلحة كواه، وحديث عائشة في الصبر على الطاعون، وحديث أنس " اشف وأنت الشافي " وفيـه من الاثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة عشر أثرا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

مسلمة متفائلة 12-06-2012 01:34 PM

جـزاكم الله خيراً


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:08 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.