بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=79)
-   -   تحليلات سياسية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=455672)

aymaan noor 16-08-2012 07:49 AM

سيناريوهات ما بعد انفراد مرسي بالسلطة في مصر
 
إنهاء الإزدواجية
سيناريوهات ما بعد انفراد مرسي بالسلطة في مصر

محمد عبد الله يونس
مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة
لم تشهد الثورة المصرية على امتداد المرحلة الانتقالية احتدامًا للصراع السياسي وتشابكًا في أبعاده مثلما شهدته المرحلة الراهنة قبيل الانتهاء من صياغة الدستور الجديد، وطرحه للاستفتاء الشعبي. فالتناقضات بين القوى السياسية والأطراف الفاعلة في إدارة المرحلة الانتقالية وصلت حدًّا فاصلًا ومحكًّا عصيبًا في مسار المرحلة الانتقالية، وباتت السيناريوهات المطروحة تحكمها ثنائية حدية ، طرفاها ثورة جديدة وانهيار كافة ترتيبات المرحلة الانتقالية، أو تأسيس جمهورية جديدة وتدعيم أركانها بإقرار الدستور وإجراء الانتخابات التشريعية.
حيث اتخذ صراع السلطة منحى تصاعديًّا في الآونة الأخيرة قبيل حسم الرئيس محمد مرسي للمحور الأكثر تعقيدًا في الصراع على السلطة بقرارات متتابعة استغلالًا للسخط الشعبي الذي تبع هجمات رفح الإرهابية، واستباقًا لدعواتٍ بتأجيج ثورة ثانية مناوئة لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس، والتي تم تتويجها بإلغاء الرئيس مرسي للإعلان الدستوري المكمل، واقتناصه كافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والرقابية، وإحالته قيادات المجلس العسكري للتقاعد، لا سيما المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، والتي سبقها إحالة اللواء مراد موافي مدير المخابرات وعدد من القيادات العسكرية والأمنية للتقاعد، وهو ما يثير تساؤلاتٍ متعددة حول تحولات خريطة الصراع على السلطة والاستقطاب السياسي كنتاج ٍلتلك التغييرات الحاسمة في مسار الصراع على السلطة.

أولًا: مؤشرات التحول في خريطة الصراع على السلطة:

شهدت خريطة القوى والأطراف المنخرطة في صراع السلطة تحولات مهمة منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية، في ظل ما تبعها من تصاعد للتناقضات السياسية بين التيارات الدينية والعلمانية "المدنية" من جانب، والتدافع المؤسسي بين الرئيس المنتخب المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ومؤسسات الدولة لا سيما المؤسسة القضائية والمؤسسة العسكرية في ظل المخاوف المتصاعدة بين المنتمين للنخبة من نزعة إحلالية إقصائية قد تتبعها الجماعة في التعامل مع المعارضة السياسية ومصالح المؤسسات في تجنب تسييس عملها من خلال قواعد جديدة لتجنيد واختيار قياداتها، وتفكيك شبكات المصالح الحالية، واستبدالها بأخرى تحقق أهداف مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين وفي هذا الصدد تتمثل مؤشرات التحول في خريطة الصراع على السلطة فيما يلي:

1- تصفية دور المجلس العسكري في صراع السلطة:

لم تكن قرارات الرئيس مرسي بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل واستبعاد عدد من القيادات العسكرية مستبعدة تماما، على الرغم من أن أحدًا لم يتوقع أن يقوم الرئيس بما يمثل انقلابًا مدنيًّا على معادلات السلطة التي قبل بها بعد توليه مهام منصبه بإشادته المتكررة بدور المجلس العسكري، ودعوته إياه الاستمرار في أداء دوره في إدارة المرحلة الانتقالية، وتأمين الجبهة الداخلية.
فالمراجعةُ المتأنية لقرارات الرئيس مرسي منذ توليه الرئاسة تكشف عن نزعة صدامية بدأت بقراره بإعادة مجلس الشعب على الرغم من حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان تشكيله، مما أدى إلى صدامٍ مع المؤسسة القضائية انتهى بامتثال الرئيس لأحكام القضاء، وتجلت مرارًا خلال تشكيل الحكومة في ظل التجاذبات مع المجلس العسكري حول اختيار من يتولون الوزارات السيادية.

وعقب أحداث رفح؛ بات من المؤكد أن الرئيس استغل السخط الشعبي لإقالة اللواء مراد موافي مدير جهاز المخابرات، وقائد الشرطة العسكرية اللواء حمدي بدين، وهو أحد أعضاء المجلس العسكري، فضلًا عن إقالته قائدَ الحرس الجمهوري ومحافظ شمال سيناء ومدير أمن القاهرة ومدير أمن شمال سيناء بما مثل تأسيسًا لاتجاه الرئيس مرسي لاستغلال مهام منصبه كرئيس للجمهورية وقائد أعلى للقوات المسلحة ولمؤسسة الشرطة.

ويمكن اعتبار حيثيات تلك القرارات بمثابة استرضاء للقيادات العسكرية بما قد يؤيد السيناريو القائل بوجود توافقات بين مؤسستي الرئاسة والمجلس العسكري -أو على الأقل بعض قياداته ممن تم الاستعانة بهم في إدارة المؤسسة العسكرية- حيال تلك التحولات، لا سيما في ظل منح قلادة النيل للمشير طنطاوي، ومنح الفريق سامي عنان قلادة الجمهورية، وتعيينهما مستشارين لرئيس الجمهورية، وتعيين الفريق رضا حافظ وزير دولة للإنتاج الحربي، وتعيين الفريق مهاب مميش رئيسًا وعضوًا منتدبًا لمجلس إدارة هيئة قناة السويس، وتعيين الفريق عبد العزيز سيف الدين رئيسًا لمجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع، بما يمثل استرضاء لكافة القيادات العسكرية التي تمت إحالتها للتقاعد.

2- تحكم مؤسسة الرئاسة في مسار المرحلة الانتقالية:

تكمن الدلالةُ الأهم في قرارات مرسي في مستوى السيطرة التي حققها الرئيس على المؤسسة العسكرية التي كانت تعتبر الأكثر ممانعة للتغير الراديكالي النابع من القناعات الأيديولوجية لتيار سياسي أو آخر؛ إذ تمثل تلك القرارات تصفية كاملة لدور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، وتأكيدًا للسيادة المطلقة للرئيس على المؤسسة العسكرية بما يتيح المجال لتوقع تحولات جديدة في مؤسسات أخرى لا سيما المؤسسة القضائية بعدما شملت الصحف القومية.

وفي السياق ذاته؛ يُمثل إلغاء الإعلان الدستوري المكمل بُعدًا غاية في الخطورة في قرارات مرسي لما ينطوي عليه من انفراد الرئيس بصلاحيات التشريع والتنفيذ والرقابة دون أي توازن سياسي أو مساءلة مؤسسية، وفي غياب إطار دستوري يحدد نطاق دوره باستثناء الإعلان الدستوري، بما يعني إجمالا أن إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية ستتسم بسيطرة تامة من الرئيس وحكومته على كافة مفاصل الدولة بما قد يؤثر على مسار الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستتم بعد الاستفتاء على الدستور.

انطوت التحولات الأخيرةُ أيضًا على استئثار مؤسسة الرئاسة بصلاحيات مركزية في إدارة الدولة، أهمها السيطرة منفردًا على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور في حال حلها قضائيًّا، والاختصاص المنفرد بصياغة وإصدار كافة القوانين والتشريعات، وتعجيل القوانين واللوائح، والانفراد بإدارة شئون القوات المسلحة، وإعلان الحرب، وهي صلاحيات لا يحوزها أي رئيس في نظام ديمقراطي، وهو ما يمثل إعادة إنتاج للسلطوية بصورة أكثر حدة من النظام السابق، على الأقل حتى الانتهاء من صياغة الدستور، وإجراء الانتخابات التشريعية، وهو ما قد يستغرق فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر على الأقل.

3- صعود دور جماعة الإخوان المسلمين:

يتمثل أحد أهم تحولات خريطة الصراع على السلطة في مصر والتدافع بين التيارات السياسية في تصاعد دور جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من حل مجلس الشعب الذي تمتعت فيه بأغلبية المقاعد بمساندة حزب النور السلفي؛ حيث تمكنت الجماعة من توظيف سيطرتها على مجلس الشورى، وتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، ثم مؤسسة الرئاسة في ترسيخ مكانتها في النظام السياسي كفاعل مركزي لديه مصالح في تغيير منظومة التفاعلات الحالية، وإعادة تفكيك شبكة التحالفات الحاكمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع، وبناء شبكة بديلة أكثر رسوخًا تحقق غايات أيديولوجية مرتبطة ببرنامج النهضة الرئاسي عبر مسارٍ تدريجي يضمن تحييد مخاوف المعارضة السياسية، ودمج بعض قواها في بناء الجمهورية الثانية حتى يحقق حدًّا أدنى من التوافق الوطني لضمان بقائها.

ويمكن القول في هذا الصدد إن الجماعة نجحت في تحقيق قدر كبير من السيطرة السياسية من خلال توظيف صلاحيات مجلس الشورى في استبدال قيادات الصحف القومية، وضبط أدائها تحت لواء تطهير الإعلام، وعبر توظيف مكانتها المركزية في الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور التي يغلب على تشكيلها المنتمون للتيارات الإسلامية بعد انسحاب عدد كبير من رموز الأحزاب والتيارات الأخرى.
كما تسيطر الجماعةُ أيضًا على مؤسسة الرئاسة عبر كوادرها، فالمتحدث باسم الرئاسة د. ياسر علي هو منسق مشروع النهضة الخاص بحزب الحرية والعدالة والفريق المعاون لمرسي يضم د. مراد علي منسق الحملة الانتخابية لخيرت الشاطر القيادي بالجماعة قبل استبعاده من جانب اللجنة العليا للانتخابات، بالإضافة إلى د. عصام حداد عضو مكتب الإرشاد، فضلًا عن استناد مرسي على قواعد الجماعة في حشد الدعم والتأييد لدعمه في خضم الصراع السياسي المحتدم حول صلاحياته بداية من الصدام مع المحكمة الدستورية العليا، وانتهاء بقراراته الحاسمة بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، واستبعاد المجلس العسكري من معادلات السلطة.

ثانيًا: المسارات الملحقة بصراع السلطة:

لم ينقضِ صراعُ السلطة في مصر بإنهاء دور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية وانفراد الرئيس بالصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية بالنظر إلى وجود مسارات فرعية متعددة لإحكام سيطرة الرئيس على مؤسسات الدولة ومجمل منظومة التفاعلات السياسية، وتوجيهها بما يحقق أهداف برنامجه الانتخابي، ويضمن لحزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إليه فرصا أكبر في المنافسة في الانتخابات التشريعية التالية لصياغة الدستور، ومن أهم تلك المسارات التالية:

1- ضبط دور الإعلام في مواجهة السلطة:

لا يمكن اعتبار الإعلام طرفًا دخيلًا في معادلات الصراع على السلطة والحكم في مصر، فشبكات المصالح والتجاذبات تشكل توجهات الإعلام بصورة أساسية، وتضعه في خضم الاصطفافات السياسية المتقاطعة، وهو ما وضعه بطبيعة الحال في دائرة الاستهداف من جانب شاغلي السلطة السياسية.

وبدت معالم ذلك الاستهداف بداية من قيام مجلس الشورى بتشكيل لجنة لاستبدال قيادات الصحف القومية لاستيفاء استحقاق "تطهير الإعلام" وما تبعه من وقف بث قناة الفراعين الممثلة للنظام السابق، وإحالة مالكها رجل الأعمال توفيق عكاشة إلى محكمة الجنايات بتهمة التحريض على قتل رئيس الجمهورية، فضلًا عن مصادرة بعض أعداد صحيفة "الدستور" بأمر قضائي لاستهدافها الرئيس وتحريضها على التظاهر ضد جماعة الإخوان المسلمين، وكان حصار بعض مريدي الجماعة لمدينة الإنتاج الإعلامي والاعتداء على بعض الصحفيين مؤشرا آخر على نهج أكثر صرامة في مواجهة الإعلام.

2- الاتجاه لإعادة هيكلة المؤسسة القضائية:

تُعتبر المؤسسة القضائية أحد أهم كوابح صلاحيات الرئيس خلال الفترة السابقة على صياغة الدستور، بالنظر إلى دور المحكمة الدستورية العليا في إلغاء قراره السابق بإعادة مجلس الشعب باعتباره انتهاكا لحجية أحكامها ونفاذها في مواجهة كافة سلطات الدولة، بل ويمكن تفسير أحد أبعاد قرار الرئيس بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل في سعيه للاستئثار بحق إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور أو تحصين التشكيل الحالي في حال صدور حكم قضائي ببطلانه من القضاء الإداري.

فيما يتعلق بالسعي لإعادة هيكلة دور المؤسسة القضائية فإن مؤشرات متعددة تؤكد هذا التوجه، أهمها تعيين المستشار أحمد مكي وزيرًا للعدل، باعتباره أحد أقطاب جبهة استقلال القضاء، وأحد رموز الجناح الإصلاحي بالمؤسسة القضائية، بما يعد محاولة لترجيح كفة هذه الجبهة في مواجهة التيار المحافظ الساعي للإبقاء على بنيان المؤسسة ودورها المركزي في إطار معادلات السلطة، ثم تبع ذلك تعيين المستشار محمود مكي من ذات الجبهة الإصلاحية نائبًا للرئيس، بما يثبت التركيز الرئاسي على إعادة هيكلة تلك المؤسسة، وتبع ذلك جدل محتدمٌ في لجنة صياغة الدستور حول دور المحكمة الدستورية العليا في النظام السياسي، وتصاعد دعوات قوية لإلغاء دور المحكمة أو تحصين قرارات المجالس التشريعية والرئيس المنتخبين من رقابتها.

3- إعادة هيكلة خريطة القوى السياسية:

ينطوي المشهد الحالي لخريطة القوى السياسية على قدر كبير من الضبابية قبيل الانتهاء من صياغة الدستور في ظل افتقاد جماعة الإخوان المسلمين لمنافس قوي، باستثناء التيار السلفي الذي يميل في المرحلة الراهنة لدعم الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من استبعاد كافة ترشيحاتهم للتشكيل الوزاري بما فيهم د. محمد يسري إبراهيم، المرشح لوزارة الأوقاف، وتكشف المؤشرات الأولية عن اتجاه لتشكيل تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة يضم أحزابا متقاربة أيديولوجيا، مصر القوية بزعامة المرشح الرئاسي السابق د. عبد المنعم أبو الفتوح وحزب الوسط، ومن غير المستبعد أن تشكل أحزاب التيار السلفي تحالفا يتزعمه حزب الأمة الذي قد يرأسه المرشح الرئاسي المستبعد حازم صلاح أبو إسماعيل.

ويتمثل الهدفُ الرئيسي لتشكيل تلك الجبهات المتماسكة أيديولوجيًّا في مواجهة الأحزاب القيادية الناشئة لا سيما حزب الدستور بزعامة د. محمد البرادعي والتحالفات المناوئة للتيارات الاسلامية وأهمها جبهة التيار الثالث التي تضم أحزابا ليبرالية واشتراكية أهمها المصريون الأحرار، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب التجمع، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب مصر الحرية، وجبهة التيار الشعبي الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وحزب الكرامة ذو التوجه الناصري.

ثالثا: سيناريوهات ما بعد انفراد الرئيس بالسلطة:

انتهت مرحلةُ ازدواج السلطة التي امتدت منذ تولي الرئيس محمد مرسي صلاحياته حتى قراره إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وتحقق بذلك أحد الاستحقاقات الثورية المرتبطة بمدنية الدولة وعودة الجيش للثكنات وإخضاعه للسيطرة المدنية، بيد أن الجدل لم ينقطع حول تداعيات انفراد الرئيس بالسلطة دون توازن سياسي يكبح جماح استخدامه لصلاحياته، أو يراقب إدارته لمؤسسات الدولة. وفي هذا الإطار تبلور اتجاهان رئيسيان حول مستقبل دور الرئيس بعد تصفية دور المجلس العسكري:

1- الاتجاه الأول: يتبنى أنصاره أن الصراع على السلطة تمت تسويته وحسمه لصالح الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين على الأقل حتى إقرار الدستور الجديد، والانتهاء من ترتيبات إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويستدلون على ذلك بضعف مختلف القوى السياسية المعارضة، وانزواء المؤسسة العسكرية، وتركيزها على العمليات العسكرية الدائرة في سيناء لمواجهة الإرهابيين، وتحكم الرئيس بصلاحياته التشريعية والتنفيذية والرقابية في مختلف مفاصل الدولة ومؤسساتها.

2- الاتجاه الثاني: يؤكد مؤيدو هذا الاتجاه أن الصراع على السلطة لم يُحسم بعد، وأن انفرادَ الرئيس بإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية لا يعدو كونه أحد حلقات الصراع الممتد على السلطة، وذلك للاعتبارات التالية:

أ- يفتقد الرئيس إلى الآن شرعية الإنجاز لحشد الدعم الشعبي لصالحه ولصالح حزبه لا سيما في ضوء استمرار أزمات الطاقة والمواصلات والمرور والنظافة، وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين، على الرغم من مرور ما يقارب 40 يوما على تولي الرئيس مهام منصبه بما يؤدي لامتلاك المعارضة مسوغات انتقاده بحدة لا سيما في ظل عدم اهتمام المواطنين بمآلات الصراع على السلطة قدر اهتمامهم بالقضايا الأكثر أولوية المرتبطة بتحقيق التنمية ورفع الأعباء المعيشية عن كاهلهم.

ب- انفراد الرئيس مرسي بالسلطة سيدفع المعارضين وخاصة المنتمين للتيارات المدنية للتكتل ضد صعود جماعة الإخوان المسلمين وعرقلة انفرادها بالسلطة، بما يعني استمرار الصراع على السلطة بنفس مستوي الاحتدام، وخاصة ما يتعلق بصياغة الدستور وتعبيره عن التوافق الوطني.

ج- استبعادُ المجلس العسكري من معادلة الصراع على السلطة لا يعني إنهاء دور المؤسسة العسكرية في النظام السياسي تماما بالنظر إلى مصالحها الراسخة في الحفاظ على تماسكها ومواردها الاقتصادية، وعدم تسييس عملية تداول السلطة في إطارها، ويكشف استعانة الرئيس مرسي بالفريق عبد الفتاح السيسي قائدا عاما للقوات المسلحة والفريق صدقي صبحي كرئيسا للأركان عن تدوير للمناصب داخل المجلس العسكري ذاته، مع استبعاد القيادات المركزية بما يعكس احتمالية استمرار دور كامن للمجلس العسكري لا سيما فيما يتعلق بمصالح المؤسسة العسكرية.

د- مركزية دور البيروقراطية في إدارة الدولة التي تتمتع حتى الآن بقدر من الحياد السياسي وبمقدورها أن تعرقل تنفيذ برنامج النهضة لا سيما في ظل استمرارها لعقود تحت سيطرة الحزب الوطني المنحل، وتغلغل قيادات متعددة من المنتمين للنظام السابق في هيكلها مترامي الأطراف المتحكم في كافة شئون الدولة.

الخلاصةُ أن إنهاء ازدواجية السلطة وانفراد الرئيس مرسي بالسلطة يؤسس بالفعل للجمهورية الثانية في ظل دور مركزي لجماعة الإخوان المسلمين، وضعف هيكلي يعتري التيارات المعارضة، وإن كان الصراع على السلطة قد يشهد إعادة إنتاج بصعود قوى جديدة تحقق التوازن السياسي لا سيما خلال عملية صياغة الدستور وقبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يمكن اعتبارها محكًّا عصيبًا لمختلف القوى السياسية ودورها في تشكيل مستقبل النظام السياسي.

راغب السيد رويه 16-08-2012 07:59 AM

تكمن الدلالةُ الأهم في قرارات مرسي في مستوى السيطرة التي حققها الرئيس على المؤسسة العسكرية التي كانت تعتبر الأكثر ممانعة للتغير الراديكالي النابع من القناعات الأيديولوجية لتيار سياسي أو آخر؛ إذ تمثل تلك القرارات تصفية كاملة لدور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، وتأكيدًا للسيادة المطلقة للرئيس على المؤسسة العسكرية بما يتيح المجال لتوقع تحولات جديدة في مؤسسات أخرى لا سيما المؤسسة القضائية بعدما شملت الصحف القومية.

الخلاصةُ أن إنهاء ازدواجية السلطة وانفراد الرئيس مرسي بالسلطة يؤسس بالفعل للجمهورية الثانية في ظل دور مركزي لجماعة الإخوان المسلمين، وضعف هيكلي يعتري التيارات المعارضة، وإن كان الصراع على السلطة قد يشهد إعادة إنتاج بصعود قوى جديدة تحقق التوازن السياسي لا سيما خلال عملية صياغة الدستور وقبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يمكن اعتبارها محكًّا عصيبًا لمختلف القوى السياسية ودورها في تشكيل مستقبل النظام السياسي.


جزاك الله خيرا وبارك فيك

simsim elmasry 16-08-2012 10:22 AM

نتمنى أن يكون
العمل من الجميع
لصالح مصر
لصالح الجمهورية الثانية
التى نحلم بها جميعا
مللنا من دولة
الحزب الواحد
والفرد الواحد
لانريد تكرارها
حتى ولو كان من قبل
التيار الاسلامى
وفقه الله لمافيه
خير البلاد

http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:A...rF1_ak9_w6&t=1

darch_99 16-08-2012 12:34 PM

اجمالا مقال جيد ويشرح الخريطة الحالية للصراع علي السلطة والحمد لله متفائل بالقادم وجزاكم الله خيرا

love ur life 16-08-2012 04:40 PM

مشكور ع التوبيك أستاذي العزيز

aymaan noor 16-08-2012 08:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو لميس (المشاركة 4755982)
تكمن الدلالةُ الأهم في قرارات مرسي في مستوى السيطرة التي حققها الرئيس على المؤسسة العسكرية التي كانت تعتبر الأكثر ممانعة للتغير الراديكالي النابع من القناعات الأيديولوجية لتيار سياسي أو آخر؛ إذ تمثل تلك القرارات تصفية كاملة لدور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، وتأكيدًا للسيادة المطلقة للرئيس على المؤسسة العسكرية بما يتيح المجال لتوقع تحولات جديدة في مؤسسات أخرى لا سيما المؤسسة القضائية بعدما شملت الصحف القومية.

الخلاصةُ أن إنهاء ازدواجية السلطة وانفراد الرئيس مرسي بالسلطة يؤسس بالفعل للجمهورية الثانية في ظل دور مركزي لجماعة الإخوان المسلمين، وضعف هيكلي يعتري التيارات المعارضة، وإن كان الصراع على السلطة قد يشهد إعادة إنتاج بصعود قوى جديدة تحقق التوازن السياسي لا سيما خلال عملية صياغة الدستور وقبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يمكن اعتبارها محكًّا عصيبًا لمختلف القوى السياسية ودورها في تشكيل مستقبل النظام السياسي.


جزاك الله خيرا وبارك فيك

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wasim gaballa (المشاركة 4756102)
نتمنى أن يكون
العمل من الجميع
لصالح مصر
لصالح الجمهورية الثانية
التى نحلم بها جميعا
مللنا من دولة
الحزب الواحد
والفرد الواحد
لانريد تكرارها
حتى ولو كان من قبل
التيار الاسلامى
وفقه الله لمافيه
خير البلاد

http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:a...rf1_ak9_w6&t=1

أتفق تماما مع رأيك أستاذى الفاضل
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4756321)
اجمالا مقال جيد ويشرح الخريطة الحالية للصراع علي السلطة والحمد لله متفائل بالقادم وجزاكم الله خيرا

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة love ur life (المشاركة 4757140)
مشكور ع التوبيك أستاذي العزيز

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

aymaan noor 16-08-2012 11:05 PM

خريطة التنظيمات الجهادية المسلحة في سيناء
 
خريطة التنظيمات الجهادية المسلحة في سيناء
علي بكر
باحث في شئون الجماعات الإٍسلامية


أثار الهجوم المسلح الذي وقع على قوات حرس الحدود المصرية في سيناء مساء الأحد، وأسفر عن استشهاد 16 جنديا، وإصابة 6 آخرين، العديد من التساؤلات حول هوية التنظيم الذي قام بالحادث، وأهدافه من هذه العملية وكان الهجوم وقع على نقطة مؤخرة حرس الحدود التي تبعد عن معبر كرم أبو سالم بنحو 2 كلم، وتردد أن منفذي العملية الإرهابية من منطقة المهدية برفح الفلسطينية..

، وقد استولوا على مدرعتين من قوات حرس الحدود المصرية، بعد أن قصفوا نقطة مؤخرة حرس الحدود بصاروخ آر بي جي، ثم أطلقوا وابلًا من الرصاص على باقي القوة المصرية

وبعد أن استولى منفذو الهجوم المسلح على مدرعتين؛ عبرت إحداهما إلى الحدود الإسرائيلية، وتعامل معها سلاح الطيران الإسرائيلي وقصفها، وهربت المدرعة الثانية إلى منطقة المهدية. وتعاني سيناء عقب الثورة المصرية من تدهور أمني، وكان أحدُ تداعيات ذلك الوضع ظهورُ بعض التنظيمات الجهادية في سيناء، والتي أصبحت لها معسكرات تدريب وقواعد آمنة تنطلق منها لتنفيذ عملياتها.
السطورُ التالية تسعى لوصف خريطة الجماعات الجهادية الرئيسية في سيناء، وأي من هذه الجماعات الأكثر نشاطا؟، وتداعيات الهجمات الأخيرة على الوضع الأمني في سيناء ومصر بشكل عام.

أبرز الجماعات الجهادية في سيناء

يوجد في سيناء عدد من الجماعات الجهادية المختلفة، والتي يجمع بينها قاسم مشترك، وهو الإطاحة بالنظام المصري والهجوم على إسرائيل، عن طريق إستخدام ال*** المسلح، ورغم أن التيارات الجهادية في سيناء ليست كثيرة؛ إلا أنها في الوقت نفسه مؤثرة في مجريات الأحداث، وتستطيع أن توجه عددا من الضربات المؤلمة لكل من مصر وإسرائيل. ومن أبرز الجماعات الجهادية المسلحة في سيناء، ما يلي:

1- تنظيم التوحيد والجهاد:

وهو تنظيم جهادي متطرف شديد ال***، يقترب إلى الفكر التكفيري أكثر من اقترابه من الفكر السلفي الذي تعتقده معظم التيارات الجهادية الموجودة على الساحة، وهذا التنظيم هو الذي قام بتفجيرات سيناء الشهيرة، والمعروفة إعلاميًّا باسم تفجيرات طابا وشرم الشيخ في 2004 و2006، كما أن كل أفراد التنظيم ينتمون إلى سيناء.
وارتبط هذا التنظيم ارتباطًا كبيرًا بعدد من الفصائل الفلسطينية؛ حيث إن عناصره تعبر الأنفاق لكي تتدرب على السلاح والمتفجرات في قطاع غزة، كما أن هناك عددًا قليلًا من الفلسطينيين كانوا ينضمون إلى التنظيم وهم الذين قاموا بتدريب أفراده على استخدام المتفجرات. وانحسر نشاط التنظيم إلى درجة كبيرة بعد الضربات الأمنية التي وجهت له من قبل الأمن المصري عقب تفجيرات سيناء.

2- تنظيم أنصار بيت المقدس:

وهو تنظيم جهادي سلفي، يسعى في المقام الأول إلى تهديد إسرائيل بعدد من الوسائل، منها تفجير خطوط الغاز المتجهة من مصر إلى إسرائيل، وإطلاق العديد من الصواريخ على إسرائيل من داخل سيناء، ويتكون هذا التنظيمُ من مصريين وفلسطينيين، وينتمي غالبية أعضائه إلى فكر القاعدة، ويركز التنظيم عملياته على تفجير خطوط الغاز بين مصر وإسرائيل.

وثمة تقاريرُ تُشير إلى أن بعض المنظمات الفلسطينية تدعم تنظيم بيت المقدس، وتمدُّ له يدَ العون بالمال والسلاح، إضافة إلى الخبرة والمشورة والتدريب على العمليات العسكرية، وما شابه ذلك. ويُعد بيت المقدس تنظيمًا حديثًا إذا ما قورن بتنظيم التوحيد والجهاد، كما أن هناك عناصر أخرى تنضم إلى هذا التنظيم بخلاف العناصر المصرية والفلسطينية.

3- تنظيم أنصار الجهاد:

هو أحد نماذج "القاعدة" المنتشرة في العالم، وتمثل الظهور الإعلامي الرسمي لهذا التنظيم عقب بيان مبايعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وقد ظهر التنظيم على السطح عقب ثورة 25 يناير 2011، وما تبعها من تدهور أمني أصبح معه يطلق على سيناء أنها خارج نطاق السيطرة الأمنية المصرية.

ويتكون التنظيمُ في معظمه من المصريين من أبناء سيناء وغيرهم من المحافظات المصرية، إضافة إلى وجود بعض العناصر السابقة من تنظيم الجهاد الذين خرجوا من السجون في أحداث ثورة يناير مع التنظيم، كما تُشير بعض التقارير.

وقام "أنصار الجهاد في سيناء" بالعديد من العمليات المؤثرة، منها التفجيرات المتتالية لخط الغاز المؤدي إلى إسرائيل عبر محافظة شمال سيناء، وكذلك تفجير إيلات الأخير في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي *** فيها 8 جنود إسرائيليين في أغسطس الماضي.

كما حاول التنظيمُ تدمير وحرق قسم شرطة ثاني العريش، وذلك عندما قامت مجموعة من "الملثمين" قُدر عددها بنحو 200 فرد بالسيطرة على قسم شرطة العريش، واستخدموا في ذلك أسلحة متطورة (آر بي جيه - وقنابل وأسلحة آلية)، وتصدت لهم قوات من الشرطة والجيش، وأسفرت الاشتباكات عن م*** خمسة أشخاص، بينهم ضابطان أحدهما من الشرطة والآخر من القوات المسلحة، إضافة إلى إصابة 19 شخصا بجروح خطرة، وكذلك قام التنظيم ب*** ضابط شرطة بالسياحة، وشرطي آخر أمام مسجد الإسكندرية بالعريش. وقد ألقت أجهزة الأمن المصرية القبضَ على العديد من أعضاء التنظيم بعد اشتباكات ضارية معهم في سيناء في الشهور الأخيرة.

ويسعى "أنصار الجهاد في سيناء" إلى إقامة إمارة إسلامية في سيناء، وأن يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، وذلك عن طريق طرد الجيش والشرطة من سيناء، والاستيلاء على جميع المقار الأمنية، وكذلك الضغط على الحكومة المصرية من أجل إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، والتدخل لفك الحصار عن غزة.

لذا، يعتبر تنظم "أنصار الجهاد هو أكبر التنظيمات الجهادية الموجودة في سيناء، وهو الأقدر على القيام بالعملية التي تمت في رفح وسقط فيها 16 شهيدا من الجيش المصري في عملية نوعية لم تشهدها سيناء من قبل، وتبعث برسالة للأمن المصري بأن التنظيم مصمم على المضي في تحقيق أهدافه في سيناء.

تداعيات التنظيمات الجهادية في سيناء

ثمة تداعيات محتملة على مصر وأمنها القومي جراء تصاعد عمليات الجماعات الجهادية في سيناء، ومن أبرزها ما يلي:

- إن انتشار هذه الجماعات الجهادية في سيناء يؤكد المقولة التي تقول: إن هذه المنطقة خارج نطاق السيطرة الأمنية، وبالتالي فهي أصبحت تمثل تهديدًا للأمن المصري، وأمن دول الجوار، وعلى رأسها إسرائيل.

- إن عدم القضاء على مثل هذه التنظيمات المسلحة قد يفتح الباب لعودة التيارات الجهادية من جديد في مصر.

- ثمة مخاوف من أن يكون هنالك تنسيق بين التنظيمات الجهادية في سيناء، ومثيلاتها الأخرى في المنطقة مثل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من أجل الإطاحة بالأنظمة الموجودة في المنطقة، وخاصة الأنظمة الإسلامية التي قامت عقب الثورات العربية في كل من مصر وليبيا وتونس؛ لأنها من وجهة نظرهم "أنظمة تقدم صورة مضللة للإسلام، وهي أخطر على الإسلام من الأنظمة العلمانية" كما تقول هذه التنظيمات.

- لا بديل أمام جماعة الإخوان المسلمين التي اعتلت مشهد السلطة بعد الثورة عن اختيار الأداة الأمنية للتعامل مع الجماعات الأمنية المسلحة، وهو ما بدا من تصريحات الرئيس محمد مرسي التي أكد فيها أن من اقترفوا جريمة رفح سيتم عقابهم، إلا أن ذلك الأمر قد يضعف من شعبية الإخوان لدى التيارات الإسلامية الجهادية بشكل عام.

مصر فوق الجميع 17-08-2012 12:56 AM

عشنا عهودا فى أمان

يكفى هذا

فهنيئا ياشعب بكل جديد

يمكن يكون هذا هو التغيير المطلوب


aymaan noor 17-08-2012 06:02 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصر فوق الجميع (المشاركة 4758596)
عشنا عهودا فى أمان

يكفى هذا

فهنيئا ياشعب بكل جديد

يمكن يكون هذا هو التغيير المطلوب


هذه التنظيمات ليست وليدة اللحظة أستاذى الفاضل و لكنها متواجدة منذ زمن
و مع الغياب الأمنى و انتشار تهريب الأسلحة بدأ نشاطها يطفو على السطح
و حقيقة تصريح الرئيس مرسى كان واضحا وحاسما للجميع أن من اقترفوا جريمة رفح سيتم عقابهم

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

aymaan noor 17-08-2012 07:20 AM

تحليلات سياسية
 
تقييم قدرات تنظيم " القاعدة" بعد الربيع العربي
بريان مايكل جنكينز
عرض: نسرين جاويش - باحثة في العلوم السياسية.
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...c03d7dff_L.jpg
أدت ثورات الربيع العربي إلى صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم في معظم دولها، ويأتي على رأسها مصر وتونس؛ وهو ما يمثل عهدًا جديدًا على مستوى الشرق الأوسط بأكمله وعلى السياسات الخارجية لهذه الدول التي شهدت تنافسًا شديدًا ما بين الأحزاب الليبرالية والإسلامية على الوصول للحكم بها، وأدى إلى نجاح الثانية في السيطرة على مقاليد الأمور، وتحول الإسلاميين من المواجهة في ظل النظم الاستبدادية السابقة إلى المشاركة وقيادة النظم الحالية.


ويترتب على تزايد نفوذ الإسلاميين ووصولهم إلى سدة الحكم في هذه الدول إجبار واشنطن على إعادة تقييم المعتقدات السائدة منذ عقود بشأن من هو صديق ومن هو عدو الولايات المتحدة؛ وخاصة مع تزايد حالة التخوف والترقب لدى الأمريكيين من أن تزايد نفوذ الإسلاميين قد يؤدي إلى فتح الطريق أمام الحركات المتطرفة الإسلامية والجهادية، ويُعد أخطرها على الإطلاق هو تنظيم القاعدة الذي يبسط نفوذه على أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية والعراق.

وهو ما ينبغي معه تقديم تقييم أكثر دقة عن تأثير الحركات الإسلامية على سياسات دولها تجاه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة. وهو ما يُثير حقيقةً مَفادها "ليس كل الإسلاميين حلفاء لتنظيم القاعدة"؛ وبالتالي يجب على الولايات المتحدة محاولة دراسة الوضع بتأنٍّ وبنظرة استشرافية لمستقبل علاقاتها الخارجية مع دول الربيع العربي، وكذلك مع الأنظمة الداعمة للتنظيم.

ومن هنا تنبعُ أهمية الدراسة المقدمة من مؤسسة راند عن تنظيم القاعدة في العقد الثالث، والتي ينبغي قراءتها بشكلٍ جيد للوقوف على حقيقة تقييم قدرات تنظيم القاعدة في الوقت الحالي، وفي ظل سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور في دولهم؛ وما قد يستتبعه من زيادة نفوذ الجماعات الإرهابية المتطرفة من عدمه؛ وبخاصة في ظل الأحداث المرتبكة على الساحة السياسية الحالية في دول الربيع العربي من تزايد الاحتجاجات في تونس والمواجهات مع الجماعات الإسلامية المتشددة هناك؛ مرورا بالأوضاع الأمنية المتردية في سيناء على الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة وتزايد نفوذ الإسلاميين في هذه المنطقة الحيوية لأمن الدولة المصرية؛ إلى تزايد العنف والمواجهات ما بين قوات النظام السوري وقوات الجيش السوري الحر.

تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الأمريكية

تأسس تنظيم القاعدة رسميًّا في بيشاور بباكستان في عام 1988؛ وبشكل أكثر تحديدًا في أغسطس 1988. وهي منظمة وحركة متعددة ال***يات سنية إسلامية أصولية، تدعو إلى الجهاد الدولي. وقد هاجمت القاعدة أهدافًا مدنية وعسكرية في مختلف الدول، وتم الإعلان عن وجود صلة لها بالهجمات على القوات الأمريكية في الصومال، وكذا في المملكة العربية السعودية في أوائل التسعينيات من القرن المُنصرم. ولكن التنظيم أعلن الحرب رسميًّا على الولايات المتحدة الأمريكية في 1996؛ وأطلق حملته الجادة في 1998.

وفي الحادى عشر من سبتمبر 2001 كانت هجمات سبتمبر التي مثلت ذروة الصراع بين التنظيم والولايات المتحدة ليدخل الصراع بذلك عقده الثاني. وقد تبع هذه الهجمات إعلان الحكومة الأمريكية الحرب على الإرهاب. هذا وتشمل التقنيات التي تستخدمها القاعدة الهجمات الانتحارية والتفجيرات المتزامنة في أهداف مختلفة، والتي يقوم بها أحد أعضاء التنظيم الذين تعهّدوا بالولاء لأسامة بن لادن أو بعض الأفراد الذين خضعوا للتدريب في أحد المخيمات في أفغانستان أو السودان.

ولا يزال تنظيم القاعدة وهجماته يحتل المرتبة الأولى في الأهمية لدى المواطن الأمريكي العادي؛ وكذا معظم المؤسسات البحثية في الولايات المتحدة، فحالة الحرب المستمرة تستنفر كل الجهود. هذا ويريد معظم الأمريكيين معرفة بداية ونهاية هذه الحرب؛ ويريدون إجابات مُحددة لعددٍ من الأسئلة منها: أين موقع الولايات المتحدة في هذه المواجهة مع تنظيم القاعدة؟ من الفائز؟ وما هي النتيجة؟ متي ستنتهي أطول حرب في تاريخ أمريكا رسميًّا؟.

وتتزامن هذه الأسئلة مع عدم وجود توافق في الآراء بين تقديرات المُحللين لحالة تنظيم القاعدة الحالية سوى اتفاقهم على أمر واحد فقط مفاده: أنه يجب النظر إلى حقيقة تنظيم القاعدة باعتباره قضية متشابكة ومحورية يجب تحليلها على مختلف الأصعدة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال طرح كل القضايا للمناقشة، ومنها: هل ربحت أمريكا القضايا العملية وخسرت في المقابل القضايا الأيديولوجية؟ وهل يشكل انسحاب القوات الأمريكية من العراق خطرًا على الولايات المتحدة؟ وهل الحفاظ على القوات الأمريكية في أفغانستان أمر ضروري؟

وتحاول الورقة البحثية الإجابة على القضايا سابقة الطرح في ضوء التطورات الأخيرة من وفاة أسامة بن لادن؛ مرورا بالربيع العربي؛ وانتهاءً بالانسحاب الأمريكي من العراق؛ ليؤكد بريان أن هذه الورقة البحثية لا تعبر في النهاية إلا عن وجهة النظر الشخصية له.

تنظيم القاعدة ما بين التواري وتشكيل تهديد قائم

تُشير الدراسةُ إلى تعدد تقديرات المحللين لوضع التنظيم وقدرته الحالية، لكنها تركز على وجهتي النظر الطاغيتين على التحليلات، وهما:

الأولى: التنظيم أضعف مما كان عليه إبان هجمات 11 سبتمبر، ويتفق مع هذه المقولة المحللون المسئولون في واشنطن الذين يؤكدون قدرة الولايات المتحدة على القضاء على التنظيم؛ وخاصة مع تأكيدهم أنه سوف يُستنزف اقتصاديًّا في نهاية المطاف.

الثانية: التنظيم لا يزال يُشكل تهديدًا خطيرًا؛ وربما يكون أكثر خطورة مما كان عليه إبان هجمات 11 سبتمبر، ومرجعيتهم في ذلك أن التنظيم يعتمد على اللا مركزية في تنفيذ هجماته، بالإضافة إلى أن محيطه ما زال قويًّا، ويستمد قوته من حلفائه على مستوى العالم، والذين ينتهجون نفس الأيديولوجية في النضال العالمي.

وجديرٌ بالذكر أن المخاوف الأساسية من قدرة التنظيم حاليًّا تتمثل في قدرته على امتلاك قنبلة نووية من عدمه. ففي الوقت الذي تؤكد فيه بعض التحليلات أن التنظيم قادر على امتلاك الأسلحة النووية؛ تذهب التحليلات الأخرى إلى قدرته على امتلاك السلاح البيولوجي، ومن ثم قدرته على شن هجوم بيولوجي وهو الاحتمال الأقوى، والذي يلقي قبولا لدى المحللين السياسيين والعسكريين على حد سواء. ويعضد من هذا الاحتمال ظهور مادتي (البوتولينوم والريسين) السامتين في عدة هجمات إرهابية في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر؛ هذا وتدفع بعض التحليلات باستخدام التنظيم مجموعة بكتيريا الجمرة الخبيثة.

هذا وتؤكد التحليلات أن الخطر الأكبر للتنظيم حاليًّا يأتي من شبه الجزيرة العربية بعد أن تم إضعاف التنظيم في باكستان؛ في حين أن الفروعَ الإقليمية له في العراق وشمال إفريقيا -ولا سيما اليمن- ما زالت في أوج قوتها وبخاصة في العراق؛ حيث تواصل القاعدة حملتها الإرهابية ضد مسئولي الحكومة العراقية، وزعماء القبائل السنية، وأعضاء الطائفة الشيعية في محاولة لإثارة حرب أهلية طائفية بين المسلمين السنة والطائفة الشيعية.

هذا ويسترشد بريان بالعديد من التقارير الأمريكية التي تُشير إلى أن قادة أساسيين من التنظيم ما زالوا على قيد الحياة ويتنقلون ما بين الصومال واليمن والعراق، وهو ما يؤكد قدرة الجهاديين على التنقل بين البلدان الثلاثة؛ وكذا مسئوليتهم عن العديد من المحاولات الإرهابية الأخيرة في الغرب وكذا في إفريقيا.

ويُنهي بريان تحليله لقوة التنظيم حاليًّا بالتأكيد على أن القاعدة لديها العزم على مواصلة حملاتها الإرهابية على الغرب وعلى دول أخرى مثل العراق؛ إضافة إلى توسيع نفوذها في إفريقيا، وهو ما قد يصعب معه مُستقبلًا تمييزُ الجماعات الإرهابية المحلية عن فروع التنظيم بالاستناد إلى أن التنظيم اليوم أصبح يعتمد على اللا مركزية أكثر مما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات.

ومع زيادة حلفائها فقد انتقلت القاعدة من توجيه الضربات الإرهابية الإستراتيجية الموجهة مركزيًّا والتي بلغت ذروتها في هجمات 11 سبتمبر نحو الجهادية الفردية والمؤامرات التي غالبا ما يصعب الكشف عنها.

"التنظيم" ما بين اغتيال بن لادن والربيع العربي

مَثَّل اغتيال أسامة بن لادن في أوائل مايو من العام الماضي ضربة قوية للتنظيم كادت أن تضعفه؛ في وقت تعصف فيه الثورات بالعالم العربي ليختلف هدف هذه الثورات مع الأهداف التي يسعي لها التنظيم. ففي الوقت الذي يسعي فيه إلى شن حرب لا تنتهي على الغرب واستعادة الخلافة الإسلامية؛ طالبت الثورات العربية بقدر أكبر من الحرية السياسية والاقتصادية؛ وإن كانت الاضطرابات الناجمة عن هذه الثورات في المنطقة أعطت للتنظيم الفرصة في القدرة على توجيه ضربات تكتيكية.

ويؤكد بريان على أن وفاة أسامة بن لادن لا تعد بأي حال من الأحوال نهاية الحملة الإرهابية للقاعدة، وإن كانت ذات تأثير عميق على مستقبل المشروع الجهادي، نظرا لقيامه بتوفير التوجيه الإستراتيجي للتنظيم؛ وكذا تقديم المشورة التنظيمية على مستوى العمليات.

ومن ثمَّ فإن وفاته كانت بمثابة ضربة نفسية لأعضاء المنظمة بصفته القيادة الأساسية، وكذا بمثابة إضعاف لمصادر المنظمة المالية؛ فليس من المؤكد أن مؤيدي التنظيم من الأثرياء سوف يواصلون الإسهام في التمويل في مرحلة ما بعد بن لادن.

هذا وقد كان بن لادن القائد بلا منازع للتنظيم؛ حتى إن الجهاديين أنفسهم اعتبروا أيمن الظواهري أكثر ملاءمة للعب دور المفوض السياسي بدلًا من القائد الفارس، إضافة إلى أنه يتم التعامل معه من قِبل أعضاء التنظيم كمواطن مصري؛ على العكس من بن لادن الذي تخطى هويته كمواطن سعودي، وتعدى تحديد الأشخاص بالرجوع للهوية الوطنية؛ حيث علت إستراتيجية بن لادن على الانتماءات الوطنية من خلال الإنجازات البطولية التي استطاع تحقيقها. ويستشهد بعض المحللين بأن مرور كل هذا الوقت بعد وفاة بن لادن دون حدوث أي حادث جلل في الغرب يؤكد ضعف القاعدة التشغيلية للتنظيم.

لينتقل بريان بعد ذلك إلى استعراض تأثير الربيع العربي على الساحة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ مُشيرًا إلى أنه لم يستبين حتى الآن كيف ستؤثر ثورات الربيع العربي على التنظيم وكذا على جهود الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.

وأكد بريان أن كل التقييمات الحالية ما هي إلا تقييمات مؤقتة، فما زالت الأمور لم تتضح بعد بالشكل الكافي للوصول إلى نتائج وتقييمات بشأن الأوضاع الحالية؛ فهناك بعض الاضطرابات السياسية التي بدأت في مصر وتونس، واشتعال القتال بين الميليشيات المحلية التي نجحت في هزيمة قوات القذافي في ليبيا، وتواصل الاحتجاجات في سوريا، وكذا عدم وضوح الرؤية الخاصة بمستقبل اليمن في أعقاب تخلي علي عبد الله صالح عن السلطة، واستمرار الانقسام ما بين السنة والشيعة في العراق، واستمرار التوترات الطائفية والاحتجاجات السياسية في البحرين.

ويرى بريان أن الحقائق المؤكدة بالفعل على أرض الواقع في هذه الدول هي: مواجهة قوات الأمن في هذه الدول لمزيد من التحديات وأعمال الشغب والعنف الطائفي واستمرار الصراع القبلي، واستمرار الأعمال التخريبية من المؤيدين للنظم القديمة، وهو ما يمثل بيئة صالحة في تحليل بريان لاستغلاله من جانب الإرهابيين لإدخال المنطقة في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار لعدة سنوات قادمة.

وقياسًا على ما سبق فإن هذه الثورات وما صاحبها من احتجاجات وانتفاضات أثبتت تراجع شعبية تنظيم القاعدة مع ما أنتجته من توقعات لدى مواطنيها ذات أسقف عالية من التقدم السياسي والاقتصادي لهذه الدول. ولكن الانتقال من الأنظمة الاستبدادية المصحوبة بضيق مشاركة المواطنين إلى الديمقراطيات التي تتيح مساحة أكبر للمشاركة سوف تمر بطريق طويل وصعب، وسوف يصاحب ذلك حالة من الإحباطات ما بين الفينة والأخرى؛ وهو ما سوف يستغله التنظيم لصالحه في محاولة منه لإعادة نشر فكر الخلافة الإسلامية، ومحاولة تقويض إرادة الشعوب، وتجنيد العديد من الأفراد لصالحه.

قادة التنظيم: النصر بات وشيكًا

"انتصار تنظيم القاعدة بات وشيكًا".. يؤكد هذه المقولةَ منظرو تنظيم القاعدة الذين يقفون على الجانب المقابل للمنظرين الغربيين المدافعين عن ضعف التنظيم وقرب انتهاء قوته. فمن وجهة نظر الفريق الأول أن التنظيم في حالة صراع دائم بدأ منذ عقود وسوف يستمر إلى ما بعد حياة قادة التنظيم الحاليين لإيمانهم بأنه واجب ديني؛ وأن المشاركة في النضال سوف يُنقذهم من الضلال.

ويعضد أصحاب هذه النظرية بالعديد من الأمثلة الحية والظروف الراهنة، فبعد أن عانت أمريكا من هجمات 11 سبتمبر تخبطت في قدرتها على تحديد الهدف وهو ما أدى بها إلى التورط في العراق وأفغانستان؛ إضافة إلى فقدانها حلفاءها من الأنظمة السلطوية بعد سقوطها في أعقاب قيام ثورات الربيع العربي، ومن ثم فإن ما يحتاجه التنظيم في الوقت الحالي هو توجيه ضربات صغيرة تؤدي إلى سيادة حالة من الذعر بين المواطنين الأمريكيين، ومن ثم إضعاف عزيمتهم.

ويؤكدون كذلك على أن "القاعدة" ترى نفسها تخوض غمار صراع وجودي مع الكفار الغربيين الذين يريدون هدم الإسلام؛ على النقيض من ذلك الأمريكيون الذين يرون أنفسهم يخوضون حربًا محدودة بوقت.

هذا ويعترف زعماء القاعدة بالتفاوت العسكري الهائل بين قواتهم والقوات العسكرية للعالم الغربي وعلى رأسه أمريكا، ومع ذلك يؤكدون أن التزامهم الروحي والإيماني سوف يُحقق لهم التفوق في نهاية المطاف فهم "يقاتلون في سبيل الله"، في حين أن الأمريكيين يقاتلون دون عقيدة.

بالإضافة إلى أن أفراد القاعدة لا يقاتلون في سبيل الحصول على مكافآت مادية أو غيرها، وإنما يقاتلون في سبيل الحصول على الجنة، فالموت بالنسبة لهم (إنجاز) لنصرة الإسلام ونيل الجنة وبهدف توحيد العالم العربي والإسلامي بأكمله تحت راية واحدة (الأمة الإسلامية)، فالوحدة أمرٌ ضروري ولازم لتحقيق وجود هذه الأمة، أما الانقسام فلن يجلب سوى الضعف في مواجهة أعداء الإسلام من الغرب.

ويؤكدون انتصارهم الوشيك في ظل التكلفة المادية والبشرية التي تتكبدها الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب؛ في الوقت الذي تعاني فيه من العديد من الأزمات الاقتصادية، إضافة إلى زيادة الأصوات الرافضة للحرب وبدء سحب القوات الأمريكية من أماكن عديدة للتوترات، وهو ما يؤكد قوة التنظيم وقرب انتصاره.

أبوبسملة ياسر خليفة الطحاوى 17-08-2012 07:25 AM

استاذ ايمن

موضوع اكثر من رائع

وتحليلات جميلة جدااااااااااااا

بارك الله فيك

وسلمت يداك

خالص تقديرى

aymaan noor 18-08-2012 05:25 AM

دوافع نقل الأزمة السورية إلى دول الجوار الإقليمي
 
تصدير الفوضى
دوافع نقل الأزمة السورية إلى دول الجوار الإقليمي

محمد ناجي / باحث متخصص في شئون الخليج
http://rcssmideast.org/media/k2/item...2ed189c9_L.jpg

دفعت الضربات المتتالية والعقوبات الدولية التي يتعرض لها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، منذ بدء الاحتجاجات السورية في مارس 2011، الأخير إلى انتهاج سياسة " نقل الأزمة السورية إلي دول الجوار"، بدءا من تركيا مرورا بالأردن وانتهاءً بلبنان، مع استثناء العراق من ذلك، لكونه أحد أهم حلفاء دمشق، ليس فقط لأنه يمثل "جسر التواصل"

الأساسي لنقل المساعدات الإيرانية، المالية واللوجستية، إلى سوريا، بعد أن قيدت العقوبات الدولية، خصوصا الصادرة عن مجلس الأمن، من قدرة إيران على إيجاد بدائل للإيفاء بالتزاماتها تجاه حليفها السوري.

كما أن العراق يتنبى سياسة مؤيدة للنظام السوري في مواجهة الاحتجاجات، وهو ما انعكس في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في 13 أغسطس الجاري، والتي قال فيها إن "الدول التي تتدخل في شئون دول أخرى في المنطقة ستحترق"، وأن "الفترة المقبلة ستشهد تهاوي دول"، وهو ما يتماشى مع السياسة الإيرانية التي بدأت في التحذير من أن سقوط نظام الأسد سوف ينتج تداعيات سلبية ،على قوى عديدة في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل.

ويتمثل الهدف الأساسي للنظام السوري، ومعه إيران والعراق، من تصدير الأزمة لدول الجوار، في دفع الأطراف المعنية بتطورات الأزمة السورية إلى مراجعة خياراتها التصعيدية تجاهه، وربما إعادة التفكير في "الحل السياسي" للأزمة، باعتباره البديل الذي يمكن أن يجنب الإقليم خطر مواجهة "فوضى غير خلاقة" سوف تؤثر بشكل مباشر ،على التوزانات الاستراتيجية، خصوصا في ظل حالة "الفسيسفائية" التي يتسم بها المجتمع السوري، والتي تجعل من مسألة نقل التوتر الطائفي القائم في سوريا إلى دول الجوار لا تواجه صعوبات كبيرة، وفي ضوء عدم تبلور موقف دولي واضح تجاه الخطوات القادمة التي يجب اتخاذها في مواجهة النظام السوري، وظهور اتجاه داخل الدول الغربية يرى أن سقوطا سريعا لنظام الأسد يمكن أن يكون أشد خطورة من بقاءه، لأن ذلك معناه فتح الباب ،على مصراعيه أمام صراع مذهبي، ربما يكون أكثر ضراوة مما شهده العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، بشكل يمكن أن يهدد المصالح الغربية، وبالتحديد الأمريكية، ويزيد من حدة المخاطر التي تواجهها إسرائيل، ،على ضوء المفاعيل السياسية والاستراتيجية التي أنتجتها الثورات والاحتجاجات العربية.

تصعيد متعمد مع تركيا

اتخذ التصعيد السوري مع تركيا أشكالا ومراحل عدة، بدءا من قيام القوات السورية بإطلاق نار بشكل متكرر،على مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية، مرورا بإسقاط الطائرة الحربية التركية التي دخلت لفترة وجيزة المجال الجوي السوري، وانتهاءً بسحب قوات الجيش النظامي من بعض المناطق الشمالية مثل القمشلي وعامودا والدرباسية وعفرين، والسماح لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني"، وهو الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني" بالسيطرة ،على هذه المناطق.

ويرجع تعمد النظام السوري التصعيد مع تركيا في هذه اللحظة تحديدا لاعتبارين: أولهما، التأييد القوي الذي أبدته تركيا للاحتجاجات السورية، والذي حولها إلى رقم مهم في الضغوط الدولية التي يتعرض لها الأول، ونقطة انطلاق لجماعات المعارضة المسلحة التي بدأت في السيطرة ،على مناطق عديدة من سوريا، خصوصا مع توارد تقارير عن تأسيس شبكة، بتمويل قطري سعودي وبرعاية أمريكية، لتزويد المعارضة السورية بالسلاح في أضنة، حيث مقر قاعدة "انجرليك" الجوية الأمريكية التركية المشتركة.

وثانيهما، التوتر الملحوظ في علاقات تركيا مع حليفي النظام السوري: إيران والعراق، بسبب دخول تركيا ،على خط الجهود التي تبذلها العديد من القوى العراقية، خصوصا التحالف الكردستاني و"القائمة العراقية"، لإسقاط حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وقد أثار هذا التطور الجديد قلقا واضحا من جانب تركيا، لاسيما أن انسحاب الجيش السوري يمكن أن يحفز حزب "العمال الكردستاني"،على السعي لملء الفراغ وتحويل شمال سوريا إلى "نقطة وثب" يستطيع من خلالها تنفيذ هجمات في الداخل التركي خصوصا مع حلول الذكري الثامنة والعشرين لبدء مواجهاته المسلحة مع أنقرة.
ومن هنا اندفعت تركيا إلى تصعيد لهجتها تجاه النظام السوري باتهامه بتسليم الحدود إلى منظمات إرهابية، وحشد قوات عسكرية كبيرة وإجراء مناورات ،على الحدود استعدادا للرد ،على أية هجمات قد يقوم بها حزب "العمال الكردستاني" عبر الحدود.

لكن حدود الرد التركي تبقي ضيقة، لاسيما لجهة حرص تركيا ،على عدم التحرك منفردة للتصعيد مع النظام السوري، في ظل عدم نضوج موقف أمريكي واضح لاتخاذ خطوات أكثر شدة ضد النظام السوري، ،على غرار فرض منطقة حظر جوي ،على شمال سوريا للسماح بإنشاء ممرات أرضية لإغاثة اللاجئين وحمايتهم من بطش النظام السوري. فضلا عن أن الضغوط الداخلية التي تتعرض لها حكومة رجب طيب أردوغان بسبب سياسته إزاء الأزمة السورية تقلص إلى حد ما من قدرته ،على اتخاذ قرار استراتيجي بالتصعيد مع سوريا. وقد عبر الرئيس التركي عبد الله جل عن هذا الموقف التركي بقوله أنه "لا يمكن لتركيا الانفراد بقرارات إقامة منطقة عازلة أو آمنة".

اشتباكات مع الأردن

فضلا عن ذلك، وقعت اشتباكات عديدة بين الجيشين السوري والأردني، كان آخرها بالأسلحة الثقيلة، ،على خلفية قيام قوات سورية بقصف مناطق أردنية حدودية بقذائف دبابات خصوصا خلال تدفق اللاجئين، ونصب قناصات متحركة على طول الحدود مع الأردن الذي أعلن حالة التأهب للدفاع عن أراضيه.

ويعود هذا التصعيد السوري في الأساس إلى اعتبارين: أولهما، ظهور مؤشرات عديدة ،على انتقال الموقف الأردني من الأزمة السورية تدريجيا من "المنطقة الرمادية"، التي تقوم ،على التماهي مع الاتجاه العام للمواقف الدولية إزاء الأزمة السورية، الذي يتمثل في عدم استعجال إسقاط النظام السوري تجنبا لوقوع فوضي يمكن أن تنتج تداعيات سلبية ،على حالة الاستقرار والأمن الإقليمي، باتجاه الدعوة إلى فرض مزيد من الضغوط ،على النظام السوري من أجل التوقف عن سياسته القمعية تجاه الاحتجاجات، وهو ما بدا جليا في تصريح رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة الذي قال فيه أن "الحوار لم يعد مجديا في سوريا، وأنه لا بد من دور أكثر فاعلية للمجتمع الدولي".

وثانيهما، حرص السلطات الأردنية ،على التنسيق مع "الجيش السوري الحر" فيما يتعلق بأوضاع اللاجئين وحمايتهم من عنف النظام، حيث تحول الأردن إلى نقطة التقاء لعدد كبير من ضباط الجيش ومسئولي النظام المنشقين وكان آخرهم رئيس الوزراء رياض حجاب، الذي سوف ينتقل إلى قطر.

إسقاطات طائفية خطيرة على لبنان

ورغم أنه لم تقع اشتباكات بين الجيشين السوري واللبناني، فإن أصداء الأزمة السورية انعكست بشكل مباشر ،على لبنان، وخصوصا في الشمال، حيث نشبت مواجهة بين مجموعة سنية وأخرى علوية في مدينة طرابلس شمال لبنان، في 28 يوليو الفائت، ويرجع ذلك إلى أن شمال لبنان يقع فيما يسمي بـ"المثلث العلوي" الذي يضم مناطق سورية وأخري لبنانية، بما يعني أن ثمة قواسم ديموجرافية تربط بين شمال لبنان وبعض المناطق في سوريا.

لكن الحدث الأهم الذي ربما يؤدي إلى تفاقم التوتر المذهبي في لبنان تمثل في توقيف الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، واتهامه، إلى جانب رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء ،على مملوك وعقيد في الجيش السوري، بالتخطيط لأعمال إرهابية وتفجيرات في لبنان، الأمر الذي استثمرته قوى "14 آذار" للدعوة إلى وقف فوري للاتفاقية الأمنية مع سوريا ونزع أسلحة الميليشيات المسلحة في إشارة إلى "حزب الله" تحديدا.

وقد دفعت التداعيات المباشرة للكشف عن محاولة إدخال متفجرات إلى داخل لبنان، رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إلى توجيه انتقادات قوية للنظام السوري، حيث رفض تحويل لبنان إلى ساحة لتصدير الأزمات الخارجية وتعريض أمن اللبنانيين للخطر، مضيفا: "انتهجنا سياسة النأي بالنفس لقناعتنا بعدم التدخل في شئون الآخرين، ولذلك فإننا لن نسمح لأحد بالتدخل في شئوننا أو بتحويل لبنان مجددا لساحة لتصفية الحسابات وتصدير الأزمات الخارجية إليه".

صعوبات متعددة

لكن المشكلة أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" يمكن أن تفرض تداعيات سلبية ،على النظام السوري وحلفاءه وذلك لجهتين: أولاهما، أن السماح للأكراد بالسيطرة ،على مدن في الشمال السوري يمكن أن يشجعهم ،على المطالبة بحكم ذاتي ،على غرار كردستان العراق، وهو خيار لن يسمح به النظام في هذه اللحظة، إلا في حالة إقدامه ،على تفتيت الدولة إلى جيوب مذهبية وعرقية مع تضاؤل فرصه في البقاء.

وثانيتهما، أن امتداد الصراع إلى داخل لبنان يضيق من حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام "حزب الله" الذي يبدو مرتبكا بانتظار ما سوف تؤول إليه الأزمة في سوريا، خصوصا أن قوى "14 آذار" استغلت الأزمة لتفعيل دعوتها لنزع سلاح الميليشيات، وهو ما يؤشر في النهاية إلى أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" أو "نشر الفوضي غير الخلاقة" ربما تكون سلاحا ذي حدين بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

راغب السيد رويه 18-08-2012 07:18 AM

صعوبات متعددة

لكن المشكلة أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" يمكن أن تفرض تداعيات سلبية ،على النظام السوري وحلفاءه وذلك لجهتين: أولاهما، أن السماح للأكراد بالسيطرة ،على مدن في الشمال السوري يمكن أن يشجعهم ،على المطالبة بحكم ذاتي ،على غرار كردستان العراق، وهو خيار لن يسمح به النظام في هذه اللحظة، إلا في حالة إقدامه ،على تفتيت الدولة إلى جيوب مذهبية وعرقية مع تضاؤل فرصه في البقاء.

وثانيتهما، أن امتداد الصراع إلى داخل لبنان يضيق من حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام "حزب الله" الذي يبدو مرتبكا بانتظار ما سوف تؤول إليه الأزمة في سوريا، خصوصا أن قوى "14 آذار" استغلت الأزمة لتفعيل دعوتها لنزع سلاح الميليشيات، وهو ما يؤشر في النهاية إلى أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" أو "نشر الفوضي غير الخلاقة" ربما تكون سلاحا ذي حدين بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

جزاك الله خيرا وبارك فيك

aymaan noor 20-08-2012 07:18 AM

الممارسة السياسية لحزبي " العدالة" في مصر وتركيا
 
رؤية مقارنة
الممارسة السياسية لحزبي " العدالة" في مصر وتركيا

محمد عبد القادر خليل - متخصص في شئون تركيا والمشرق العربي
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...29a3eb42_L.jpg
ثمة تشابه ظرفي وسياقي بين صعود حزب الحرية والعدالة FJP في مصر إلى سدة السلطة في يونيو 2012 ووصول حزب العدالة والتنمية AKP إلى قمة السلطة في تركيا في نوفمبر 2002. ذلك التشابه تخطى حدود مسمى الحزب المصري المقتبس من نظيره التركي، في ظاهرة امتدت للعديد من الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية على الساحة المصرية، وتختطها إلى ساحات العديد من دول "الربيع العربي".

وقد بات يستدعي ذلك دراسة أسباب وسياق الصعود السياسي في الحالتين، ومقارنة نتائج هذا الصعود سواء أكان على صعيد طبيعة الخطاب والممارسة أو الرؤية والتكوين السياسي أو التوجه الاقتصادي، وذلك بغية رصد أوجه التشابه وتحديد أنماط الاختلاف بين حزبي "العدالة" الحاكمين في كل من مصر وتركيا.

تشابه المقدمات:

عوامل التشابه بين الحزبين متنوعة، منها أن كلا منهما ذو مرجعية دينية، كما أن كلا منهما وصل إلى السلطة بعد عام واحد من تأسيسه، في ظاهرة لم تتكرر عالميًّا إلا في الحالتين، هذا بالإضافة إلى أن كلا الحزبين يسعيان إلى السيطرة على مختلف مؤسسات الدولة.

بيد أن التماثل الأبرز تمثل في أن رئيسي كلا الحزبين سجن لأسباب سياسية، ليصعد بعد ذلك وفق سياق محليٍّ مختلف إلى أعلى منصب سياسي في البلدين، في حدث تخطى سياقه المحلي ليأخذ طابعه الإقليمي والدولي، انطلاقًا من كثافة المتابعة، وطبيعة التأثير، وأنماط التأثر. وفي هذا الإطار يمكن رصد أبرز عناصر التشابه بين الحزبين على النحو التالي:

1- المرجعية الدينية:

الخلفية الدينية مركزية في الحالتين المصرية والتركية. ذلك أن الحزبين مدنيان بمرجعية إسلامية، كما أن كلًّا منهما يشكل تيارًا مُعتدلًا نسبيًّا يوجد على يمينه العديد من الأحزاب الإسلامية الأكثر تشددًا وانشغالًا بقضايا الدين والشريعة. كما أن الطرفين لديهما نظرة إيجابية حيال الخلافة العثمانية، وثمة من في داخلهما ممن لا يزال ينادي بهذه الخلافة، ويعتبرها هدفًا منشودًا. كما أن كلا الحزبين يعتمدان على حركة اجتماعية إسلامية لديها قاعدة شعبية كبيرة يستمدان منها الكثير من الشعبية، وتوفر لهما غطاءً في المواقف الصعبة والأزمات الطارئة. في تركيا حركة فتح الله كولن الداعمة لحزب العدالة والتنمية، وفي مصر جماعة الإخوان المسلمين.

ورغم وجود فوارق ضخمة بين توجهات الحركتين الاجتماعيتين، من حيث أنماط التفكير والتوجهات وطبيعة السياسات والأهداف؛ إلا أن كلا منهما يسعى للتغلغل في مؤسسات الدولة، والوصول إلى مواقع مفصلية داخل بيروقراطيتها. ومع ذلك يبقى تأكيد آخر على أنه في حين تنفصل حركة فتح الله كولن إجرائيا وتنظيميا عن حزب العدالة والتنمية، فإن حزب الحرية والعدالة يعد الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، ومعظم قرارات الحزب تتبلور أولا داخل مكتب شورى الجماعة، وليس داخل أروقة الحزب.

2- القاعدة الشعبية:

استطاع الحزبان أن يحققا نجاحًا ساحقًا في أول انتخابات برلمانية يخوضانها بعد تأسيسيهما مباشرة. ففي الحالة التركية حصل حزب العدالة على 34,2 في المائة من أصوات الناخبين في انتخابات نوفمبر 2002، ثم حصل على 47 في المائة في انتخابات 2007. وفي 12 يونيو 2011، فاز الحزب بالانتخابات التشريعية، وذلك بعد حصوله على 50.4% من الأصوات متقدمًا على حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية؛ إذ حصد الحزب 326 مقعدا من أصل 550 مقعدا في البرلمان.

هذا في حين حصل حزب الحرية والعدالة في مصر على 40.7 في المائة في أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، ليحصل بذلك على الأكثرية في مجلس الشعب المصري. ثم فاز بانتخابات الرئاسة بعد حصول مرشحه محمد مرسي على زهاء 51.7 في المائة من أصوات الناخبين.

ولعل السمة المشتركة بين الحزبين أن كلا منهما استطاع أن يحصل على أصوات أغلب المحافظات الكبرى، كما حصل على أصوات الفقراء الذين يشكلون في مصر زهاء 40 في المائة من إجمالي السكان، وبلغوا في تركيا قبيل انتخاب حزب العدالة والتنمية زهاء 38 في المائة من السكان. ومن السمات المشتركة أيضا بين الحزبين أن قاعدتهما الشعبية لا تنحصر في الأوساط المحافظة، فهناك مؤيدون من كافة التيارات السياسية التي تدعم الحزبين، إما لضعف المنافسين، أو لحسن التنظيم، أو لتنامي الدور الاجتماعي، أو لأسباب عقائدية وأيديولوجية.ومع ذلك فإن هذا التنوع يبدو جليًّا وموضوعيًّا أكثر في حالة حزب العدالة والتنمية، مقارنة بحزب الحرية والعدالة سواء على مستوى الحزب أو على مستوى القاعدة الشعبية.

3- البيئة المواتية:

لعبت البيئة المحلية في الحالتين المصرية والتركية دورًا رئيسيًّا في صعود الحزبين إلى السلطة. فقد عانت تركيا قبيل صعود حزب العدالة إلى السلطة من انقسام المعارضة ومن حكومات ائتلافية هشة اتهم رموزها بالفساد السياسي والمالي، وتسببت سياساتها في أزمة اقتصادية تمثلت في انهيار سعر الصرف، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة إلى نسب غير مسبوقة، كما بلغت فاتورة الأزمة الاقتصادية أكثر من 20 مليار دولار.
هذا في حين عانت مصر قبيل ثورة 25 يناير من أزمات اقتصادية طاحنة تمثلت في تهميش فئات كبيرة من المجتمع، وتنامي حالة من التذمر وعدم الاستقرار في كافة المجالات، وغياب العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الدخل القومي.

وقد أفضت الأحداثُ السياسية والأمنيةُ التي تلت الثورة المصرية إلى مشكلات اقتصادية كتلك التي شهدتها تركيا قبيل وصول حزب العدالة إلى السلطة؛ حيث انخفض الاحتياطي النقدي إلى أكثر من النصف، وتراجع التصنيف الائتماني لمصر، وازدادت معدلات البطالة، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية.

وعلى الرغم من أن هذه العوامل شكلت في الحالتين "بيئة ضاغطة"؛ إلا أنها ساهمت في شحذ الدعم والمساندة للحزبين من قبل قطاعات عريضة من المواطنين التي حملت النخب والأحزاب القديمة مسئولية تردي الأوضاع الاقتصادية، وكان نمط تصويتها أقرب إلى "التصويت العقابي" ضد أغلب الأحزاب التقليدية و"النخب القديمة".

4- "الدولة العميقة":

يُشير مصطلح "الدولة العميقة" أو "الدولة الحارسة" إلى شبكة من الأفراد والجماعات المترابطة مع بعضها بعضًا بتحالفات تقوم على وجود مصالح متداخلة ومتشابكة. وهذه الشبكات تمتد في مختلف مؤسسات الدولة سواء كانت عسكرية أو أمنية أو اقتصادية. وقد أطلق هذا المصطلح في تركيا واستعارته بعض الأدبيات المصرية وأطلقته على مؤسسة الجيش والقضاء والإدارة والمؤسسات البيروقراطية القوية، والتي تدير شئون البلاد، بصرف النظر عن الحزب أو الرئيس الذى يحكم. وهذه المؤسسات غير المنتخبة قيادتها هي الأعلى سلطة والأكثر قدرة على رسم وصوغ السياسات مقارنة بالنخب المنتخبة في تركيا ما قبل العدالة ومصر ما بعد الثورة.

وقد استطاع حزب العدالة والتنمية من خلال سياساته البراجماتية أن يُسيطر على هذه المؤسسات، وأن يحيِّد بعضها، كما استطاع ترويض جانب من هذه "الدولة العميقة" حين قدم تجربة مدنية وديمقراطية خرجت من رحم المرجعية الحضارية الإسلامية، وتجاوزت الاستقطاب الإسلامي العلماني الذى استنفر الدولة التركية العميقة على مدار عقود.

هذا فيما تبدو المشكلة في مصر أعمق، وذلك لارتفاع حدة الانقسامات والصراعات السياسية، واستدعاء بعض القطاعات الشعبية إلى الميادين العامة وذلك في إطار المواجهات التي تندلع بين حين وآخر بين قادة حزب الحرية والعدالة ومؤسسات الدولة المختلفة مثل المحكمة الدستورية أو اللجنة العليا للانتخابات أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهي مشكلات تثمر عن انقسامات مجتمعية خطيرة يمكن أن تفضي إلى فوضى عامة ما لم تضبط إداراتها.

5- المؤسسة العسكرية:

اضطلعت المؤسسةُ العسكرية في الدولتين بأدوار بارزة، واحتلت مكانة مرموقة ارتبطت بالدور المركزي الذي لعبته المؤسستان، سواء في عملية التحرير والاستقلال أو في عملية حفظ الأمن والسلامة الإقليمية للبلدين.
ففي الحالة التركية لعبت المؤسسة العسكرية دورًا رئيسيًّا في صوغ سياسات تركيا المحلية إزاء العديد من القضايا، وكذلك شكلت ملامح السياسة الخارجية التركية خلال العديد من العقود الخالية من عمر الجمهورية التركية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923.

وقد لعب الجيش التركي منذ ذلك التاريخ دورًا رئيسيًّا في الحياة السياسية التركية؛ حيث اعتبر نفسه حارس الوطن والجمهورية معًا، فغدا مؤسسة مستقلة عن الدولة لها ميزانيتها الخاصة التي تعدها رئاسة الأركان وليس وزارة الدفاع، وترسل للبرلمان للموافقة وليس للمناقشة، استنادا لذلك تدخل الجيش بالانقلاب خلال السنوات 1960 و1971 و1980، وخلال عام 1997 بانقلاب ناعم على حكومة نجم الدين أربكان، حيث رأى أن سياساتها من شأنها أن تهدد العلمانية الكمالية، فالجيش في تركيا يتدخل في الشئون السياسية من منطلق أيديولوجي. وذلك على العكس من مصر التي لعبت فيها المؤسسة العسكرية أدوارًا بارزة قبل وبعد ثورة 25 يناير، وفق حسابات المصلحة الوطنية، وليس وفق الدوافع الأيديولوجية.

وقد ظلت المؤسسةُ العسكرية المصرية منذ ثورة 1952 هي المؤسسة الأقوى للسلطة في العهود الثلاثة المصرية لناصر والسادات ومبارك. وفي الوقت الذي لعب فيه الجيش التركي دورًا أساسيًّا في الحياة السياسية من خلال مجلس الأمن القومي الذي غلبت عليه الصفة العسكرية قبل وصول حزب العدالة، فإن الجيش المصري اضطلع بدور أساسي في الحياة السياسية والاقتصادية المصرية عبر تولي عناصره عددًا من المناصب المفصلية داخل هيكل الدولة، ومن خلال سيطرته على مؤسسات اقتصادية ضخمة.

واحتل موقع الصدارة بعد ثورة 25 يناير بانتقال سلطة رئيس الجمهورية إليه. ورغم انتقال السلطة إجرائيًّا إلى الرئيس المصري المنتخب فإن المجلسَ الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطني الذي أعلن عن تأسيسه وفق " لإعلان الدستوري المكمل"، سيظل لهما دورٌ بارزٌ في الحياة السياسية المصرية، كما الحال في تركيا في مرحلة ما قبل حزب العدالة.

6- الوضع الخارجي:

اضطلع المحدد الخارجي بدور أساسيٍّ في وصول الحزبين إلى السلطة، ففي الحالة التركية جاء صعود حزب العدالة والتنمية على خلفية الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والاستعداد لغزو العراق، وفي ظل تعهدات الحزب باتباع نهج براجماتي يحقق المصالح الوطنية، ويؤكد على ثوابت العلاقات مع القوى الغربية.

هذه العوامل لعبت دورًا مهمًّا في ترحيب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بنجاح الحزب الساحق في الانتخابات؛ بل وسعت هذه القوى إلى الترويج له باعتباره حزبا ذا مرجعية إسلامية، ويحترم قواعد العملية الديمقراطية.

هذا في حين ارتبط صعود الإخوان المسلمين ووصول محمد مرسي إلى سدة الرئاسة في مصر بسياقٍ محلي وإقليمي يتعلق بثورات "الربيع العربي"، وما أفرزته من تحديات أمنية وسياسية واقتصادية، ومن تهديدات للمصالح الغربية في المنطقة، لا سيما مع صعود أحزاب وتيارات الإسلام السياسي، وهو ما دفع الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية بمساندة جماعة الإخوان المسلمين والمطالبة بنقل السلطة كاملة إلى الرئيس المنتخب، وربط المساعدات السياسية والاقتصادية بتحول ديمقراطي حقيقي يُفضي إلى دمج تيارات الإسلام السياسي في العملية السياسية، ويترتب عليه انتقالٌ حقيقي للحكم إلى سلطة مدنية منتخبة. والولايات المتحدة حين أقدمت على ذلك فإنها هدفت من ناحية إلى دفع حركة الإخوان إلى الاعتدال في محاولة منها تهدف إلى تعميم النموذج التركي الأردوغاني في العالم العربي، وخصوصا في القاهرة ودمشق.

كما هدفت الولايات المتحدة من ناحية أخرى إلى وضع تجربة حزب الحرية والعدالة في مصر داخل "المختبر"، وخصوصا فيما يخص ثلاث قضايا أساسية هي حقوق الإنسان والديمقراطية والعلاقة مع إسرائيل.
إن التزام سياسات الحزب بالبراجماتية والتعبير عن المصالح الوطنية الثابتة، يدفع الدور الأمريكي ليكون محددًا أساسيًّا في تحديد نمط العلاقات المدنية العسكرية في مصر كما حدث في تركيا بعد فوز حزب العدالة، على نحو قد يحد كثيرًا من قدرة المؤسسة العسكرية على الحركة والمناورة.

اختلاف النتائج:

بدا من المقدمات أن ثمة تشابها كبيرا بين حزب العدالة والتنمية في تركيا وحزب الحرية والعدالة في مصر. أوجه التشابه تعلقت بطبيعة السياق الزمني والوضع المحلي والإقليمي والدولي، أكثر مما ارتبطت بتقارب الأفكار والتوجهات والسياسات. وقد اتضح ذلك في نتائج الممارسة السياسية لكلا الحزبين، وذلك على النحو التالي:

1- الخطاب السياسي:

اتبع حزبُ العدالة نهجًا تصالحيًّا مرنًا مع كافة القوى السياسية، فالخطاب السياسي للحزب ركز على ما يمكن أن يكون محل اتفاق، واستبعد كلَّ ما يثير الخلاف والافتراق مع مؤسسات الدولة والقوى الحزبية والتيارات السياسية، كما بعث الحزب بخطاب تطميني حيال توجهات السياسات التركية، سواء أكانت على الساحة الداخلية أم على مسرح العمليات الخارجي.

وقد اتسقت سياسات الحزب إلى حد بعيد مع تصريحات نخبته ومع ما نصت عليه أدبياته السياسية، فلم يدخل الحزب في صدام حادٍّ مع أي من القوى السياسية المركزية في الدولة، وركز على الأهداف العامة، واستطاع أن يتحول إلى مؤسسة اندماجية تشمل مختلف ألوان الطيف السياسي.

وأعلن الحزب أنه ليس حزبا إسلاميا، وإنما حزب "ديمقراطي محافظ" على النمط الغربي. وفي هذا الإطار كان زعيم الحزب - بعد نجاحه في الانتخابات - قد ألقى محاضرة في مركز دراسات American Enterprise Institute حول "الديمقراطية المحافظة" ومشروع حزب العدالة في تركيا، وقد جاء فيها أن الديمقراطية المحافظة: هي نظام سياسي واجتماعي توفيقي تنسجم فيه الحداثة والتراث من جانب، والقيم الإنسانية والعقلانية من جانب ثانٍ. فهي تقبل الجديد والوافد ولا ترفض القديم والمحلي، وتحترم الآخر وتؤمن بخصوصية الذات.

وترفض الديمقراطية المحافظة الخطاب السياسي والبناء التنظيمي القائم على الثنائيات التي تفرض رؤية سياسية أو أيديولوجية أو عرقية أو دينية واحدة تلغي ما سواها، كما تؤكد أن الدولة يجب أن يتوقف دورها عند تيسير الأمور من خلال الحد من التناقض عبر التوافق بين مختلف التوجهات بتحقيق التفاعل الإيجابي في المجتمع، بما يساهم في إيجاد بيئة يتعايش فيها الجميع دون استقطاب أو استئثار.

في المقابل من هذا فرغم حداثة تجربة حزب الحرية والعدالة؛ إلا أن الحزب لم يستطع حتى الآن أن يطرح خطابا توفيقيا يضم إليه كافة القوى السياسية، ويُنهي حدة الانقسام المجتمعي حول مشروعه السياسي، فقضية بناء الثقة ما زالت تشكل معضلة بين الحزب ومختلف القوى والتيارات السياسية من جانب وبين الحزب وبعض مؤسسات الدولة كالمؤسسة العسكرية ومؤسسة القضاء من جانب آخر.

وفيما يتعلق برؤية الحزب للسياسات التي اتبعها رؤساء مصر الثلاثة السابقون، نجد أنه قد يحمل رؤية تصادمية حيال مؤسسات الدولة في "العصور الثلاثة"، وفي هذا الإطار ندد الرئيس محمد مرسي بما تعرض له الإخوان خلال مراحل تاريخية سابقة، لا سيما خلال فترة الرئيس جمال عبد الناصر.

وفيما يتصالح حزب العدالة والتنمية مع تاريخ تركيا ولا تخلو مكاتب مسئوليه داخل مقرات الحزب أو مؤسسات الدولة من صور مصطفى كمال أتاتورك، تعبيرا عن احترام مؤسس الدولة ومبادئ هذه الدولة العلمانية والقيم الديمقراطية وتداول السلطة؛ فإن إسلاميي حزب الحرية والعدالة يتبنون خيار "دولة مدنية بمرجعية دينية"، وهو ما تعتبره بعض القطاعات تمويها لما يعتقد بشأن عدم تخلي أعضاء جماعة الإخوان عن دعوة إقامة "الدولة الدينية" وإحياء الخلافة الإسلامية، وتطبيق الشريعة حسب فهمهم، ويشار في هذا الإطار إلى أنه على العكس من نظيرهم التركي يعتبر حزب الحرية والعدالة جناحا سياسيا لحركة دينية تعتبر الأهداف الاقتصادية والسياسية والثقافية أهدافًا ثانوية مقارنة بالإرشاد الديني.

وفي حين تراوحت خبرة حزب الحرية والعدالة منذ تأسيسه ومن قبله حركة الإخوان بين الاعتدال والتشدد؛ فإن الخبرة التركية تنامت في اعتدالها، بما يكشف أن تجربة الحرية والعدالة ليست أقرب إلى تجربة حزب العدالة والتنمية وإنما إلى تجربة حزب الرفاه الذي فاز بنحو 20 في المائة من مقاعد البرلمان عام 1996. ذلك أن التشابه بين الحزبين الحاكمين حاليا في كل من مصر وتركيا لا يزال تشابها على صعيد التمثيل العددي، ولا يعكس تشابها مماثلا وموازيا على صعيد التمثيل القيمي والتكوين السياسي.

2- الخبرات السياسية:

ثمة اختلاف كبير بين الخبرة السياسية التي يتمتع بها أعضاء حزب العدالة والتنمية في تركيا وحزب الحرية والعدالة في مصر. فالأول راكم الخبرات السياسية من خلال انضوائه في عدد من الأحزاب التي قادها الزعيم التاريخي للإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان. فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على سبيل المثال كان عمدة إسطنبول، واستطاع أن يحقق خلال ولايته نجاحات كبرى أهلته لرئاسة الوزراء، وما ينطبق عليه انطبق على العديد من أعضاء حزبه الذين ينتمي أغلبهم إلى تيار التجديد داخل الأحزاب السياسية ذات المرجعيات الدينية في تركيا.

هذا في حين قضى العدد الأكبر من أعضاء حزب الحرية والعدالة أغلب فترات عمرهم على ضفاف المعارضة، وخارج الإطار الرسمي للدولة هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى فإن السجل التاريخي لأعضاء حزب الحرية خالٍ من الخبرات التي ورثها حزب العدالة التركي، والتي جعلته يمثل المرحلة الثالثة في صيرورة إحياء إسلامي عميق قامت على خليط مركب من التجريب العملي والنقد الذاتي. لذلك ففيما يملك الإسلاميون في تركيا خبرات الوصول للحكم مرات عديدة؛ فإن قادة حزب الحرية والعدالة يفتقدون تلك الخبرات. ذلك أنها المرة الأولى التي يقف فيها "قيادي إخواني" على قمة الهرم السياسي في مصر.

3- التكوين السياسي:

بينما لا تحظى جماعة الإخوان المسلمين حتى اللحظة بوضع قانوني رسمي، ويأتي أغلب أعضائها من خلفيات مهن كالتدريس والمحاماة والطب والتجارة، فإن حزب العدالة والتنمية يغلب على أعضائه فئات المهندسين ورجال الأعمال والبرجوازية الصناعية. وفيما انضم عدد كبير من أعضاء حركة الإخوان إلى حزب الحرية والعدالة، وأصبح كل من يتبع الحركة تنظيما أو فكرا مؤيدا للحزب؛ فإن هذا ترافق مع نبذ الحزب والحركة عددا من التيارات الإصلاحية سواء على مستوى القيادات التاريخية كمحمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح وكمال الهلباوي، أو على مستوى القطاعات الشبابية التي انفصل بعضها عن الجماعة وأسس بدوره حزب التيار المصري، الذي يوصف بالاعتدال والوسطية.

ذلك بالمقارنة بحزب العدالة والتنمية في تركيا الذي يمثل التيار الإصلاحي ضمن تيار الإسلام السياسي في تركيا، والذي دفعته خبرات التعاطي مع الوضع السياسي التركي الشائك إلى القبول بالإطار القانوني العلماني-الديمقراطي للدولة التركية، إلى درجةٍ دفعت الإسلاميين المتشددين إلى اتهام أردوغان بأنه "متواطئ مع العلمانية". وقد ارتبط ذلك بعملية "الانتقال النيوليبرالي" الذي عرفته تركيا خلال ثمانينيات القرن العشرين، والذي أدى في نهاية المطاف إلى ظهور طبقة جديدة وسط الناخبين تحولت إلى قوة اعتدالٍ أيديولوجي نادت بتعزيز البراجماتية السياسية والاستقرار السياسي، ثم انفصلت -باعتبارها قوة تمثل الإسلاميين المعتدلين
الذين يتشكلون من طبقة من رجال الأعمال النافذين- عن البرجوازية الأكثر تدينا لتشكل حزب العدالة والتنمية.

4- التوجه الاقتصادي:

استطاعت تُركيا أن تحقق أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم في وقت تعاني فيه أغلب دول العالم من مشكلات اقتصادية وتجارية بسبب الأزمة المالية العالمية التي تفاعلت منذ أواخر عام 2007. فقد أصبح الاقتصاد التركي سادس أكبر اقتصاد في أوروبا وسادس عشر أكبر اقتصاد في العالم. وتهدف تركيا إلى بلوغ المرتبة الحادية عشرة خلال العام المقبل. وخلال الفترة ما بين عام 1923 وعام 2003 بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية في تركيا خمسة مليارات دولار، وخلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية بلغت هذه النسبة سبعة عشر ضعف ما تحقق خلال ثمانين عاما.

وقد اعتمدت تركيا في تحقيق ذلك على إنجاز إصلاح سياسي واقتصادي مستمر، وتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع أوروبا عام 1996، ثم توقيع اتفاقيات مماثلة مع أكثر من ستين دولة عبر العالم. كما عمد الحزب التركي إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد، معتبرا أن سيطرة الدولة على الاقتصاد فكرة بائدة.

وعلى العكس من ذلك فإن عددا قليلا داخل حزب الحرية والعدالة يطالب بإجراء إصلاحات اقتصادية ليبرالية، وعدم تدخل الدولة في كل الشئون الاقتصادية، ذلك أن الغلبة لمن يفضلون قيام دولة قوية موسعة تكون مصدرا للتوظيف والضمان الاجتماعي. وعلى الرغم من دعوة برنامج الحرية والعدالة إلى دعم المشروعات الخاصة؛ فإنه يدعو في الوقت ذاته إلى احتفاظ الدولة بدور أكبر في مجال الإنتاج والتخطيط وتنظيم الأسعار. وترتبط الرؤية الاقتصادية بما يمكن أن يطلق عليه "الفكر التجاري الموجه" الذي يستهدف استبدال الواردات والترويج للصادرات، وليس الاقتصاد الليبرالي القائم على حرية انتقال السلع والأفكار والأفراد.

مسارات المستقبل:

إن دعم حزب العدالة والتنمية لحزب الحرية والعدالة وتوجه الأخير إلى تكثيف العلاقات السياسية والتجارية مع تركيا، لا يرتبط فحسب لتشابه المشروعين وتقارب التوجه الأيديولوجي رغم التباينات، وإنما يرتبط كذلك برغبة الحزب التركي في الاضطلاع بدور إقليمي مركزي، والتمدد في ساحات الشرق الأوسط الشاسعة، كما يتعلق ذلك برغبة الحزب المصري في وجود أكثر من "ظهير إقليمي" يدعمه على الصعيد السياسي والاقتصادي، ويضطلع بدور الوسيط بينه وبين القوى الدولية التي ما زالت تنظر إليه بترقب وقلق.

كما أن ذلك يعكس تشابه وليس تماثل بعض السياسات المحلية التي تهدف إلى تحقيق ما يسمى بـ"الهندسة الاجتماعية" أي تعديل "التركيبات الاجتماعية" بوصول نخب أكثر ولاء واتفاقا فكريا وسياسيا مع توجهات الحزبين إلى المواقع المفصلية في الدولة، وذلك عبر مواجهات محدودة ومحسوبة مع النخب التقليدية التي سيطرت على هذه المراكز تاريخيًّا.

كما أن متابعة السياسات والإجراءات والتصريحات التي تخرج من قادة الحزبين توضح أن هناك توجهًا شبه عام لـ"تديين" المجال العام من خلال التركيز على قضايا التدين، وإثارة قضايا تتعلق بحقوق المرآة والأقليات، والدخول في أزمات مع المؤسسات الصحفية، ورجال الفن والثقافة، وهو الأمر الذي يثير هواجس قوى داخلية مختلفة ويتسبب في قلق قوى دولية معنية بالتطورات الحاصلة على الساحتين الداخليتين في البلدين.
هذا في حين تكشف المقارنة بين الحالة المصرية والحالة التركية أن الأولى قد تقع في أخطاء تسرع الرغبة في الوصول إلى ما حققته الحالة الثانية. فسعي الإخوان إلى تحجيم المؤسسة العسكرية لا يأخذ في الاعتبار أن ذلك استغرق سنوات في تركيا، ليتحول مجلس الأمن القومي على سبيل المثال من الصبغة العسكرية حيث كان يضم اثني عشر عضوا بينهم سبعة من العسكريين، إلى الصيغة المدنية حيث الغلبة للوزراء والمسئولين المدنيين. هذا في حين يقع العسكر في مصر في نفس أخطاء التجربة التركية حيث أسسوا مجلس الدفاع الوطني يضم ستة عشر عضوا بينهم اثنا عشر عضوا من خلفيات عسكرية، بما يجعل الإشكالية مركبة.

يرتبط بذلك أيضا اختلاف وضعية الجيشين في النظام السياسي لكل دولة، ففي الحالة التركية يُعتبر الجيش "أيديولوجيا" يتبنى ويحرس العلمانية الكمالية، ويعمل على حمايتها وأحيانا فرضها على المجتمع، أما الجيش المصري فمن غير المعروف عنه أنه جيش "أيديولوجي" ولا يسعى لصبغ المجتمع بصبغة معينة، ومع ذلك فالعامل المشترك بينهما يتعلق بأن كلا المؤسستين في البلدين لديها شكوك كبرى في توجهات تيارات الإسلام السياسي، وما زالت تحتفظ معها بتاريخ من العلاقات الشائكة والمضطربة.

لذلك يبقى تأكيد أنه في الوقت الذي يبدو فيه أن قوة وزخم التيار المناصر لتجربة أردوغان في تركيا تتصاعد مقارنة بكل التجارب السابقة بما فيها تجربة أتاتورك ذاته؛ فإن مصر تعاني في الوقت نفسه من ذات الإشكالية، فلكلا التيارين (الأتاتوركي والأردوغاني) مناصروه ومواقعه التي يمكن أن تتبدل وفق السياقات المحلية والإقليمية والدولية المتغيرة. لذلك فالمعركة التي لم تحسم في تركيا عبر قرابة تسعين عاما؛ ليس من المتوقع حسمها في مصر خلال بضعة شهور.

أ/رضا عطيه 21-08-2012 01:32 AM

الدولة العميقة

الفرق بين مصر وتركيا مفهوم الدولة العميقة

ياريت كان عندنا دولة عميقة كان يسهل التغيير وتداول السلطة

ولكن حقيقة مالدينا دولة متحولة متنقلة

عقود تجدها فى اليمين ثم فجأة تجدها تحولت للعكس تماما

وزى مابيقولوا (اللى يحكم مصر يبقى عمى )

شكرا جزيلا أستاذنا

راغب السيد رويه 21-08-2012 04:43 AM

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

love ur life 21-08-2012 07:04 AM

مشــــكور ع التوبيك

aymaan noor 21-08-2012 11:22 AM

حين يصبح النصر أخطر من الهزيمة
 
حين يصبح النصر أخطر من الهزيمة
فهمي هويدي
حين يتقدم الإخوان ويصبحون فى صدارة المشهد السياسى فإن ذلك يعد انتصارا لهم لا ريب، لكنه يظل انتصارا أخطر من الهزيمة.

(1)

إلى ما قبل أيام قليلة، قبل أن يصدر الرئيس محمد مرسى قرارات إقالة وزير الدفاع ورئيس الأركان ويعفى بعض القادة من مناصبهم وينقل آخرين إلى مواقع أخرى، كانت أهم قوتين منظمتين وفاعلتين على الأرض هما المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان المسلمون. وبصدور القرارات سابقة الذكر انتهى الدور السياسى للمجلس العسكرى، حيث يفترض أن يعود إلى سابق عهده معنيا بشئون القوات المسلحة ولا شأن له بإدارة البلد وحراكه السياسى، ولا ينتظر له أن يعود إلى القيام بذلك الدور، فى الأجل المنظور على الأقل.

هذه الخطوة كان لها وقع خاص فى تركيا، لأن إخراج العسكر من المشهد السياسى هناك لم يتم إلا بعد صراع مرير استغرق أكثر من أربعين عاما، قام خلالها العسكر بثلاثة انقلابات هزت البلاد (الرابع كان ناعما ووصف بأنه نصف انقلاب). وفى حوار أخير مع بعض خبرائهم المعنيين بالأمر قلت إن المشهد المصرى يختلف عن نظيره التركى فى أمرين جوهريين، أولهما أن عسكر تركيا تصدروا المشهد السياسى عن جدارة واستحقاق. فهم الذين أنقذوا بلادهم من الانهيار بعد الهزيمة القاسية التى لحقت بها فى الحرب العالمية الأولى، وانتهت باحتلال اسطنبول ذاتها. وهم الذين أسسوا الجمهورية، الأمر الذى سوغ لهم الادعاء بأنهم أصحاب فضل على البلد. أما فى مصر فالوضع مختلف، لأن المجلس العسكرى كان مشاركا فى حراسة الثورة ولم يكن صانعا لها، ثم إن رصيده الشعبى تراجع بسبب سوء إدارته للمرحلة الانتقالية، فضلا عن أن قرارات إخراجه من المشهد السياسى جاءت فى أعقاب حدث كشف عن تراخى دور القوات المسلحة وقصور أدائها. الأمر الثانى المهم أن عسكر تركيا نصبوا أنفسهم مدافعين عن العلمانية، أى أنهم كانت لهم رؤيتهم الأيديولوجية التى اعتبروها أساسا للجمهورية، فى حين أن المجلس العسكرى فى مصر انطلق من موقف وطنى فى الأساس وليس موقفا أيديولوجيا، صحيح أن بعض أعضائه كانت لهم تحفظات رافضة للإخوان، لكن تلك كانت رؤى فردية، ولم تعبر عن موقف للمجلس الذى تباينت فيه الآراء بهذا الخصوص.

هناك فرقان آخران يمكن الإشارة إليهما فى هذا السياق. الأول تمثل فى اختلاف الظرف التاريخى الذى أحاط بالتجربتين، فأجواء ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى التى احتملت قيام العسكر بالدور السياسى مختلفة عن أجواء الألفية الثانية التى لم تعد ترحب بذلك الدور، حتى أصبح الحد من نفوذ العسكر فى تركيا أحد شروط الاتحاد الأوروبى لتأهيلها لعضويته.

الفرق الثانى أن عسكر تركيا ظلوا لعدة عقود فى قلب السياسة، بل كانوا صناعها فى حقيقة الأمر، أما فى مصر فإن الجيش ظل محترفا وخارج السياسة طول الوقت، ولأن دخوله فيها كان طارئا وعارضا، فإن إعادته إلى ثكناته كانت أمرا ميسورا، ولم يكن بحاجة إلى «جراحة» من أى نوع.

(2)

إذا قال قائل إنه من غير الإنصاف تجاهل القوى والجماعات السياسية الأخرى فى مصر فلن أختلف معه. وألفت النظر هنا إلى أننى تحدثت عن المجلس العسكرى والإخوان بوصفهما أهم قوتين منظمتين وفاعلتين على الأرض، وقصدت إطلاق ذلك الوصف حتى لا ألغى القوى الأخرى غير المنظمة أو غير الفاعلة، التى لا أعرف لها حصرا، وقيل لى إنها ناهزت العشرات. وإذا لاحظت أن نظام مبارك أصاب الحياة السياسية بالجدب والعقم. وأن الأحزاب التى تشكلت فى عهده أو أنها اندثرت وإما تحولت إلى كيانات لا حضور لها إلا فى وسائل الإعلام، فسوف تعذر أحزاب ما بعد الثورة لأنها بدأت من الصفر. ولأنها فى طور التشكيل ولم يتبلور مشروعها بعد، فإن التقييم الموضوعى للحالة السياسية يخرجها تلقائيا من عداد القوى الفاعلة والمنظمة. بالتالى فإن غاية ما يمكن أن توصف به أنها أحزاب محتملة، قد تتحول إلى قوى سياسية فى المستقبل، لكنها فى الوقت الراهن تخرج من ذلك التصنيف. علما بأن استيفاءها لعناصر القوة ضرورى لعافية المجتمع ولإنجاح الديمقراطية. وهو ما يسوغ لى أن أقول إن انفراد الإخوان بصدارة المشهد السياسى لا يكفى لوحده لإنجاح التجربة، لأنه يعنى فى أحسن فروضه أن النظام الجديد يمشى بساق واحدة، ولن تتوافر له الساق الثانية إلا إذا استقام عود الأحزاب السياسية الأخرى، وصار للإخوان من ينافسهم ويراقبهم ويتداول السلطة معهم ويقدم نفسه بديلا عنهم.

(3)

حين انفرد الإخوان بصدارة المشهد فإنهم أصبحوا فى موقف لا يحسدون عليه، لأنهم يتعاملون مع وضع تحيط به الأزمات من كل صوب. ذلك فضلا عن الأزمات التى تعانى منها الجماعة من داخلها.

لن أقف طويلا عند أزمة الأوضاع العامة فى مصر التى باتت عناوينها معلومة للجميع، لأن التحديات التى تواجه الجماعة من الداخل هى التى استدعت إلى ذهنى فكرة النصر الذى قد يكون أخطر من الهزيمة، فى مقدمة التحديات التى أعنيها ما يلى:

•إنه من الناحية النظرية لا تخلو العملية من مغامرة. أن تظل الجماعة ــ أى جماعة ــ طول الوقت خارج منظومة جهاز الدولة، ثم تصبح فجأة ودون أية مقدمات فى قلب المنظومة أو على رأسها.

•إن سنوات الحظر والإقصاء أفرزت قيادات مشغولة بالتنظيم والدفاع عن الذات، استجابة للظرف التاريخى المفروض، الأمر الذى جعل القدرة التنظيمية لدى الجماعة أقوى من قدرتها الفكرية والإبداعية. ولأن مرحلة الدفاع عن الذات والانتقال بالدعوة لابد أن تختلف عن مرحلة الانفتاح على الآخر والانشغال بالدولة، فإن ذلك يطرح سؤالا هو: هل العناصر التى قادت المرحلة الأولى يمكن أن تكون قادرة على مواجهة متطلبات المرحلة التالية؟

•ان الإخوان لم يختبروا فى العمل من خلال أجهزة الدولة وأدواتها، وقد صوت الناس لصالحهم انطلاقا من حسن الظن ليس اعتمادا على حسن الأداء، واستنادا إلى الأقوال وليس الإنجازات والأفعال، والاختلاف كبير من هذه الزاوية بينهم وبين حزب العدالة والتنمية فى تركيا مثلا، الذى كان أعضاؤه قد حققوا إنجازات كبيرة فى البلديات قبل أن يخوضوا الانتخابات التشريعية ويفوزوا بأغلبية مقاعد البرلمان.

•ان مشروع الجماعة الذى تبناه الدكتور محمد مرسى وانتخب على أساسه يعانى من ثغرات جوهرية، سبق أن نبهت إلى اثنتين منها هما: أنه افتقر إلى الحلول المبتكرة. وتبنى أفكارا إصلاحية مقتبسة من خبرات التجربة الغربية. ولم نجد فيها ما هو نابع من صميم الخصوصية والتربة المصرية، حتى قلت فيما كتبت أنه لم يكن ليختلف كثيرا إذا ما قدمه الرئيس السابق بعد تنظيف الطاولة، كما يقولون. الثغرة الثانية أن المشروع لم يول قضية العدالة الاجتماعية ما تستحقه من أهمية وأولوية. حتى خشيت أن يكون المستفيد منه هم الأثرياء والقادرون وليس الفقراء والمستضعفين.

(4)

لدى حيثيات أخرى تسلط الضوء على جوانب المسئولية التى يتحملها الإخوان، وتدلل على أنها ليست أكبر منهم فقط، ولكنهم أيضا ليسوا على استعداد كاف لحملها والوفاء باستحقاقاتها. وهو ما يسوغ لى أن أقول بأن صدراتهم للمشهد السياسى سوف تكشف بالضرورة عن كل تلك الثغرات والعيوب. وفى هذه الحالة فإن الصدارة تصبح مصدرا للحرج وكاشفة لحقيقة القدرات وحدودها، والوقوع فى ذلك الحرج وتعرضهم للانكشاف هو ما عنيته باستخدام وصف النصر الذى هو أخطر من الهزيمة. إذ يصبح عبئا على صاحبه وسحبا من رصيده وليس إضافة ترفع من رصيده وتعزز الثقة فيه.

أدرى أن هناك من تمنى هذه النتيجة أو سعى لحدوثها، الأمر الذى يصنف ضمن أساليب الكيد السياسى. التى تعنى بهزيمة الخصم بأكثر من عنايتها بمستقبل الوطن، وتقدم الأولى على الثانية لذلك فإن سؤال الساعة الذى ينبغى أن تعنى الجماعة الوطنية بالإجابة عنه هو: كيف ينجح الوطن؟ وليس: كيف يفشل الإخوان؟.

كنت من أوائل من تمنوا على الإخوان أن يكتفوا بدورهم فى المجلس التشريعى، وأن يكون إسهامهم فى السلطة التنفيذية محدودا فى الظروف الراهنة، إلى أن يصبح المجتمع والطبقة السياسية على استعداد أكبر لاستقبالهم والتفاعل معهم، بعد أن يبددوا هواجس الناس ويطمئنوا الجميع. لكن الرياح أتت بما لم أشته ووقع الفأس فى الرأس كما يقال، الأمر الذى أبقى على الهواجس ولم تفلح الجهود التى بذلت لتبديدها بسبب عمق أزمة الثقة خصوصا بين الإخوان وبين القوى السياسية الأخرى. وقد باتت تلك الأزمة إحدى العقد التى فشل الطرفان فى حلها.

أدرى أن الإخوان بذلوا جهدا فى التقليل من تمثيلهم فى مواقع السلطة التنفيذية. خصوصا فى الحكومة، إلا أن تهمة أخونة النظام مازالت تلاحقهم، حتى تعالت فى الآونة الأخيرة بعض الأصوات الداعية إلى إقصائهم مرة أخرى، وللأسف فإن من تلك الأصوات من حاول إثارة الأقباط وإقحامهم بصفتهم تلك فى الصراع الدائر. ويتضاعف الأسف حين نعلم أن نفرا من غلاة الأقباط تورطوا فى تلك الحملة.

لايزال الأمل معقودا على عقلاء الجانبين لكى يتوافقوا على ضرورة إنجاح التجربة، لكنى أزعم أن مسئولية الإخوان تظل أكبر فى السعى إلى ذلك التوافق، خصوصا بعدما أصبحوا وحدهم فى الواجهة بعد طى صفحة المجلس العسكرى، الأمر الذى حملهم مسئولية مضاعفة. وإذا لم يقدموا من خلال حزب الحرية والعدالة مبادرات جادة فى هذا الصدد، فإن ذلك سيعد برهانا على أن انتصارهم جاء مكلفا لهم كثيرا، حتى غدا أخطر من الهزيمة.

love ur life 23-08-2012 02:58 PM

شكراً ع التوبيك ;)

الآمبراطور المصرى 23-08-2012 04:47 PM

ملام حضرتك
استاز ايمن نور واقعى جدا

فالآخوان اصابهم سعار الآنتخابات
وغرور القوة المدمر الذى ادى الى خفض شعبيتهم بصورة واضحة

amrmosa 23-08-2012 05:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الآمبراطور المصرى (المشاركة 4774677)
ملام حضرتك
استاز ايمن نور واقعى جدا

فالآخوان اصابهم سعار الآنتخابات
وغرور القوة المدمر الذى ادى الى خفض شعبيتهم بصورة واضحة

http://a8.sphotos.ak.fbcdn.net/hphot...23784226_n.jpg

modym2020 23-08-2012 09:33 PM

المقال طويل
لكن
فعلا الان يجب ان نعمل على وجود سلطة رقابية على آداء الحكومة
من خلال الاستفتاء على الدستور
يجب ان يحدد مدة الرئاسة & صلاحيات الرئيس
انتخابات مجلس الشعب من غير الاخوان حتى تتحقق الرقابة

aymaan noor 24-08-2012 12:32 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو لميس (المشاركة 4761833)
صعوبات متعددة

لكن المشكلة أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" يمكن أن تفرض تداعيات سلبية ،على النظام السوري وحلفاءه وذلك لجهتين: أولاهما، أن السماح للأكراد بالسيطرة ،على مدن في الشمال السوري يمكن أن يشجعهم ،على المطالبة بحكم ذاتي ،على غرار كردستان العراق، وهو خيار لن يسمح به النظام في هذه اللحظة، إلا في حالة إقدامه ،على تفتيت الدولة إلى جيوب مذهبية وعرقية مع تضاؤل فرصه في البقاء.

وثانيتهما، أن امتداد الصراع إلى داخل لبنان يضيق من حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام "حزب الله" الذي يبدو مرتبكا بانتظار ما سوف تؤول إليه الأزمة في سوريا، خصوصا أن قوى "14 آذار" استغلت الأزمة لتفعيل دعوتها لنزع سلاح الميليشيات، وهو ما يؤشر في النهاية إلى أن سياسة "تصدير الأزمة إلى الجوار" أو "نشر الفوضي غير الخلاقة" ربما تكون سلاحا ذي حدين بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

جزاك الله خيرا وبارك فيك

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 24-08-2012 12:44 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بركان الغضب2 (المشاركة 4767682)
الدولة العميقة

الفرق بين مصر وتركيا مفهوم الدولة العميقة

ياريت كان عندنا دولة عميقة كان يسهل التغيير وتداول السلطة

ولكن حقيقة مالدينا دولة متحولة متنقلة

عقود تجدها فى اليمين ثم فجأة تجدها تحولت للعكس تماما

وزى مابيقولوا (اللى يحكم مصر يبقى عمى )

شكرا جزيلا أستاذنا

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو لميس (المشاركة 4767956)
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة love ur life (المشاركة 4768115)
مشــــكور ع التوبيك

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

aymaan noor 24-08-2012 10:56 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوبسملة ياسر خليفة الطحاوى (المشاركة 4759409)
استاذ ايمن

موضوع اكثر من رائع

وتحليلات جميلة جدااااااااااااا

بارك الله فيك

وسلمت يداك

خالص تقديرى

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

aymaan noor 25-08-2012 11:40 AM

المعذبون عند المعبر
 
المعذبون عند المعبر
فهمي هويدي
حين تلقت عائلة الحتو فى غزة نبأ وفاة ابنها فادى فى ماليزيا، سافر الأب والأم وشقيق له إلى هناك، لكى يصحبوا جثته ويدفنوه فى تراب بلده. تكلفت الرحلة 16 ألف دولار، قيمة السفر بالطائرة والإقامة وتحنيط الجثة قبل نقلها من كوالالمبور إلى القاهرة للوصول إلى القطاع. بعدما أتموا كل الإجراءات رفضت السفارة المصرية ان تعطيهم تأشيرة دخول للجثة. لأن قرارا كان قد صدر وقتذاك بمنع الفلسطينيين من دخول مطار القاهرة وإغلاق معبر رفح، ضمن الإجراءات التى اتخذت عقب قتل الستة عشر جنديا وضابطا مصريا فى رفح، انتظرت الأسرة يومين وثلاثة وأربعة على أمل أن يسمح لهم بالمرور من القاهرة، وظلت الجثة المحنطة محفوظة فى إحدى الثلاجات، وحين يئسوا من تحقيق مرادهم قرروا ان يدفنوا ابنهم البالغ من العمر 22 عاما فى ماليزيا، وبعد أيام قليلة سمح لهم بالعودة إلى القاهرة لكى يواصلوا رحلتهم إلى غزة. لكن تلك لم تكن نهاية عذاباتهم، لأن الابن احتجز فى المطار لمدة أربعة أيام، فى حين سمح للأبوين بمواصلة السفر برا إلى غزة عن طريق معبر رفح.

لم يجد الأب والأم تفسيرا لمنعهما من دفن ابنهما فى غزة، ولم يفهما لماذا احتجز الابن فى مطار القاهرة. لكنهما اعتبرا أن ما صادفاه كان حلقة فى مسلسل العذاب المفروض على الفلسطينيين، الذى كانت «النكبة» بدايته، أما نهايته فهى مفتوحة إلى أجل لا يعلمه إلا الله. أما تساؤلاتهما فلم ينتظرا لها جوابا، لكنهما ضماها إلى آلاف أسئلة المصير الحائرة التى تملأ الفضاء الفلسطينى، كأنما كتب على الفلسطينى أن يقضى حياته أسير ثلاثية التشرد والعذاب والحيرة.

ما أصاب عائلة الحتو لم يكن حادثا استثنائيا، ولكنه نموذج لمعاناة الفلسطينيين الذين شاء حظهم أن يتكدسوا فى القطاع، وأصبح معبر رفح أحد مصادر تعاستهم. ذلك أنهم فهموا لماذا صاروا لاجئين ولماذا يحاصرهم الإسرائيليون ولماذا هم تحت الاحتلال، لكنهم لم يفهموا سياسة مصر إزاء القطاع، سواء فى الظروف العادية أو الاستثنائية.

بعد قتل الجنود والضابط المصريين فى رفح أغلقت إسرائيل معبر كرم أبوسالم الذى يفترض أن تمر منه البضائع لمدة 24 ساعة فقط، ثم أعادت فتحه قبل ذلك. وتفهم المسئولون فى غزة قرار السلطات المصرية إغلاق معبر رفح لاستيعاب الحدث وملاحقة الجناة. وقيل لهم وقتذاك إن المعبر سيغلق لمدة 48 ساعة فقط. رغم انهم لم يفهموا سبب منع الفلسطينيين القادمين عبر مطار القاهرة من دخول البلاد، وإلزامهم بالعودة على الطائرات التى حملتهم إلى البلدان التى جاءوا منها. وكان بوسع السلطات المصرية أن تسمح لهم بالبقاء فى القاهرة لعدة أيام إلى حين فتح المعبر، بدلا من إعادة تسفيرهم إلى الخارج.

الـ48 ساعة استمرت خمسة أيام، تكدس خلالها المعتمرون الفلسطينيون فى المطارات السعودية، ومنع المرضى من العلاج خارج القطاع، وتعطلت مصالح آلاف العاملين والدارسين الذين لهم ارتباطاتهم بالخارج، ولم يفهم أحد لماذا تقرر بعد ذلك فتح المعبر من جانب واحد، بحيث يسمح بالدخول إلى القطاع دون الخروج منه. إلا أن العذاب تكرر مع دخول العيد، حيث أغلق المعبر تماما، ولم يعد يسمح لأحد لا بالدخول إليه أو الخروج منه، الأمر الذى أربك الجميع وأهدر مصالح ألوف البشر. وبعد انتهاء عطلة العيد، التى لم يغلق خلالها أى معبر جوى أو برى آخر على الحدود المصرية، أعلن مرة أخرى أن المعبر سيفتح من جانب واحد، بحيث يسمح بالدخول إلى القطاع ويغلق الأبواب فى وجوه أصحاب المصالح الذين يريدون الخروج منه.

المحير فى الأمر أن التحقيقات والتحريات الجارية لم تثبت أن لغزة علاقة بما جرى فى رفح. بمعنى أنه لم يكن هناك مبرر لاتخاذ إجراءات العقاب الجماعى بحق أهالى القطاع. وتتضاعف الحيرة حين تلتزم السلطات المصرية بالصمت إزاء هذه المسألة. ورغم أن ثمة اتصالات يومية بين الطرفين الفلسطينى والمصرى، إلا أن المسئولين فى غزة لم يتلقوا أى ايضاح أو تفسير يبرر تلك الإجراءات.

لقد توقعنا أن موقف مصر تجاه قطاع غزة بعد الثورة سوف يختلف عما كان عليه فى عهد مبارك (كنز إسرائىل الاستراتيجى). وهذا التصور تحول إلى يقين حين تولى الدكتور محمد مرسى رئاسة الجمورية واستقبل فى مكتبه رئيس حكومة غزة السيد إسماعيل هنية، ورئيس المكتب السياسى لحركة حماس السيد خالد مشعل. وبعدما تردد عن تفاهمات تمت وصفحة جديدة من الثقة وإحسان الظن فتحت، أصبحنا شبه متأكدين من أن مشكلة معبر رفح بسبيلها إلى الحل، على الأقل من حيث إنه لن يظل مصدرا لتعذيب الفلسطينيين أو إذلالهم. لكن هذا الذى يحدث على الأرض يكاد يغير الصورة تماما، من حيث إنه يثير الشكوك حول صدقية ما قيل عن التفاهمات والصفحة الجديدة مع السلطة فى مصر. ذلك أنه يعطى انطباعا بأن العقلية التى كانت تدير المعبر فى عهد مبارك، هى ذاتها التى تديره الآن.

لا أعرف ما إذا كان الرئيس مرسى الذى استقبل هنية ومشعل، على علم بما حدث عند المعبر أم لا. لكننى لا أتردد فى القول بأنه إذا لم يكن يعلم فتلك خطيئة، أما إذا كان يعلم فإن الخطيئة تغدو أكبر وأعظم.

aymaan noor 25-08-2012 12:21 PM

خريطة التوترات الطائفية في دول الربيع العربي
 
معضلة الثورات
خريطة التوترات الطائفية في دول الربيع العربي

د. عصام عبد الشافي - باحث في العلوم السياسية
http://rcssmideast.org/media/k2/item...8e39e998_L.jpg
تتعدد المخاطر المرتبطة بأوضاع التعددية الدينية والمذهبية والعرقية والطائفية في الدول العربية في ظل ارتباطها بعدد من الأبعاد والاعتبارات، من بينها: العنف المصاحب لعملية الانتقال السياسي التي تشهدها بعض هذه الدول، من ناحية، وغياب الحد الأدنى من التوافقات والتفاهمات حول القيم السياسية الرئيسة التي يمكن الاعتماد عليها لتأسيس نُظُم ما بعد الانتقال،

من ناحية ثانية، ونزوع بعض القوى السياسية إلى محاولة إقصاء بعض القوى الأخرى، واستخدام آليات من شأنها ترسيخ التوترات والانقسامات وليس تسويتها، من ناحية ثالثة.وفي ظل هذه الاعتبارات تأتي أهمية البحث في التوترات الطائفية في المنطقة بعد الربيع العربي، سواء من حيث طبيعتها وسماتها ودوافعها وخرائطها وسيناريوهاتها المحتملة.

أولًا: طبيعة التوترات وسماتها الأساسية:

كان التحليل السائد قبل 2011 أن 70% من الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية تتركز في عدة بؤر رئيسة مثل العراق، والسودان، ولبنان، والصومال، لكن بعد عام 2011 امتدت الصراعات لتشمل كل دول المنطقة، وإذا كانت الصراعات الداخلية تمثل 32% من حجم الصراعات في المنطقة قبل 2011؛ فإنه بعد 2011 أصبحت هذه الصراعات تمثل نحو 84% في مجمل الصراعات في الإقليم
وقد ساهمت سياسات النخب الحاكمة قبل 2011 في ترسيخ القمع الشديد لكل أشكال الاختلاف الإثني والطائفي غير الموالي للنظام، وتعزيز كل ما هو موالٍ للنظام، وهو ما ترتب عليه أن كل الولاءات القبلية والطائفية والإثنية والجهوية التي كانت سائدة قبل قيام الدولة المستقلة بقيت على حالها، ولم يتم صهرها في بوتقة دولة القانون والمواطنة، وأجبرت تلك الولاءات على العمل تحت الأرض، لكنها ظلت حادة ومشتعلة وخطيرة، وساهمت ثورات 2011 في كشف الكثير من الاختلالات القبلية والطائفية التي تنهش في جسد هذه الدول وتنال من مقدراتها

ثانيًا: دوافع التوترات الطائفية بعد الثورات الشعبية:

وبعد ثورات 2011 لم تعد المشكلات الطائفية مجرد ظاهرة دينية، مضمونها الاختلاف في الاعتقاد؛ وإنما تحولت إلى معضلة اجتماعية، فلم تعد أحد عوامل الصراعات الاجتماعية فقط، وإنما تطورت للدرجة التي أصبح رموزها من الفاعلين الأساسيين في الحراك السياسي والاجتماعي، سواء لمعارضة سياسات النظام، أو من خلال استخدام النظام لبعض هذه الرموز للالتفاف على المشكلات التي تعانيها تلك الأنظمة في تعاملها مع الأقليات والطوائف الدينية والعرقية والاجتماعية، وهنا تبرز عدة مؤشرات:

1- أفرزت ثورات 2011 العديدَ من الانعكاسات الإيجابية التي طالت المسيحيين العرب، فالنظرة العميقة لدور المسيحيين في دول الربيع العربي أكبر دليل على دحض المغالطات المتعلقة بعلاقة مسيحيي الشرق بالقوى الخارجية، واتهامات التخوين والتشكيك في ولائهم. ويعد التحول الكبير في موقف المسيحيين في المنطقة تجاه فكرة التغيير انقلابًا على التوجهات التي تبنوها في الماضي القريب؛ إلا أنها في الوقت نفسه تعكس تخوفاتٍ كبيرةً لدى قطاع كبير منهم في ظل حالة الانفلات الأمني غير المسبوق.

فالمسيحيون في المنطقة تحــولوا نحو دعم الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تحكم بلادهم لعقود طويلة من الزمان، لأنهم يرون أن القادم، في ظل المتغيرات الجديدة، سيكون أسوأ بكثير؛ إلا أن الخيارات أمامهم صارت محدودة للغاية، فلم يعد هناك بديل آخر سوى المشاركة بفاعلية على الساحة السياسية والمجتمعية خلال المرحلة المقبلة، حتى يتمكنوا من أداء واجباتهم الوطنية، وكذلك الحصول على حقوقهم كاملة

2- كشفت التحولاتُ السياسية في دول الثورات العربية عن أن قوى العنف والاضطرابات الثورية والقوى المضادة لها، تميل إلى التعبئة والحشد على أساس الانتماء الديني والخلفية الأيديولوجية، وهو ما يؤدي إلى تمدد ثقافة الكراهية والتمييز والخوف بين مكونات المجتمعات العربية، ومحاولة نفي التعددية الدينية والمذهبية، وقد أنتج عنف بعض الجماعات، واستهداف دور العبادة، وتنامي المشكلات الطائفية؛ ثقافةً تمييزية متصاعدة على نحو أدى إلى انقسامات رأسية على أساس الانتماء الديني، مما دفع عددا من الأقليات إلى العزلة أو التفكير في الهجرة إلى الخارج

3- كان التفسير الأرجح لطول مدة بقاء الأنظمة في حالات ليبيا واليمن والبحرين وسوريا، هو أن تكوين تلك الدول هو تكوين قبلي في المقام الأول، أو قبلي طائفي كما في حالة البحرين، وهي حالات مرشحة لصراع ممتد أكثر من كونها دولا تحسم فيها الثورة تغيير النظام. فتغيير النظام في الدول ذات البنى التقليدية يستغرق وقتا أطول، وقد يؤدي إلى تفكيك الدولة وقد لا يؤدي إلى تغيير النظام. فانشطار الدولة يكون أسهل من تغيير النظام، فهو أقل تكلفة وضحايا بدلًا من أن يدخل المجتمع القبلي أو الطائفي في حرب أهلية لتغيير نظامه

4- تمثل الثورتان الليبية واليمنية بيئة خصبة تتصاعد فيها قوة التنظيمات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي أو في القرن الإفريقي، يدعم ذلك فرار أعداد كبيرة من السلفيين الجهاديين من سجون ليبيا وتونس، وتسرب أسلحة من ليبيا باتجاه النيجر ثم شمال مالي، وهو ما يصب في تقوية الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء.

وفي اليمن هناك تبادل للدعم بين حركة شباب المجاهدين في الصومال وتنظيم القاعدة في اليمن الذي استفاد من إضعاف الثورة للنظام اليمني بسيطرته على بعض المناطق كزنجبار وأبين، وتزايد الحديث عن نقل مقاتلين من الصومال إلى اليمن مما يزيد من حدة التوترات الطائفية في الدولتين


5- كشفت التحولات السياسية في دول الثورات العربية عن ظهور فاعلين جدد من غير الدول على ساحات هذه الدول، فهناك 15 قوة تقريبا تتنازع في العراق، و8 فصائل رئيسية في السودان، وعدة أطراف في فلسطين، ولبنان، وعدد لا يحصى من الفاعلين في الصومال ، بجانب عشرات القوى في سوريا واليمن وليبيا، وكذلك في مصر، وهو ما أكدته أحداث شبه جزيرة سيناء، والتي دفعت بالقوات المسلحة للتدخل لحسمها، كما تمثل حركة تحرير "كوش" التي تطالب بحق تقرير المصير للنوبة خطرا كامنا على مصر من جهة الجنوب، لا سيما وأن تلك الحركة ترى في الوجود المصري في النوبة استعمارا واضطهادا عرقيًّا.

6- دور العامل الخارجي في تأجيج الطائفية: يقول إيمريك شوبراد، الخبير الإستراتيجي الفرنسي: إن القوى الأجنبية وخصوصا الولايات المتحدة تسعى في ظل الأوضاع العربية الحالية إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: إشاعة الفوضى، وتقويض الأمن والاستقرار في الدول العربية، وتمزيق وحدة المجتمعات العربية، وإثارة الصراعات الداخلية بين مختلف قوى المجتمع، وخصوصا على أسس طائفية، وإضعاف استقلال الدول العربية، وقدرتها على التحكم بمقاديرها.

واعتبر أن أمريكا تسعى إلى استغلال الخلافات الطائفية وتأجيجها في المنطقة لأن ذلك يحقق لها هدف إثارة الفوضى وتقويض الاستقرار ويحقق مصالحها الإستراتيجية، وأنه من مصلحة أمريكا أن يبقى هذا الصراع قائما ومستمرا؛ حيث يتيح لأمريكا التدخل باستمرار في المنطقة، واستغلال هذا الصراع لصالح أهدافها الإستراتيجية.

ثالثًا: خرائط التوترات الطائفية بعد الثورات الشعبية:

من واقع دول الثورات العربية، تبرز أخطار التوترات الطائفية في كل من مصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين.

1- مصر:

يُشكل الأقباط (وفق عدة تقديرات) نحو 9% من السكان، ويشكل النوبيون (بمن فيهم الكنوز وجماعات أخرى) 2%، ثم الأرمن والأوروبيون واليهود ويشكلون أقل من 1%، كما توجد عدة قبائل كالبجا والبربر والأفارقة والغجر وهؤلاء جميعا يشكلون نحو 3% من السكان. أي أن مجموع الأقليات والطوائف في مصر لا يتعدى 15% من جملة عدد سكانها البالغ (83) مليونا في نهاية يونيو 2012، وعلى الرغم من تعدد الطوائف في إطار هذه النسبة؛ إلا أن أهم الأحداث الطائفية ارتبطت في معظمها بالأقباط، وكان للنظام السابق دور كبيرٌ في إشعالها، تؤكد ذلك العديد من التقارير حول دور بعض الأجهزة الأمنية في إثارة واستغلال مثل هذه الأحداث لضمان السيطرة على الأوضاع في البلاد.

2- سورية:

تتسم التركيبة الديموغرافية في سوريا بالتنوع، فمن ناحية التوزيع الديني، يشكل المسلمون السنة 77% ، و10% من العلويين، و8% من السكان مسيحيون من طوائف مختلفة، و3% دروز و1% إسماعيليون و0.5% شيعة اثنا عشرية، وتوجد أيضا أقلية يزيدية في منطقة جبل سنجار على الحدود مع العراق. ومن الناحية العرقية، يشكل العرب 93% من سكان سوريا، والأكراد 5% ويقطنون في شمال محافظة الحسكة. وهناك أقليات أخرى مثل الأرمن ويتركزون في حلب، والأشوريون والشركس والتركمان وبعض الأقليات الأخرى.

ويكشف التقسيم النوعي للسكان عن أن 82.5% يتحدثون العربية و68.7% مسلمون سنيون. والمسلمون السنيون الذين يتحدثون العربية يشكِّلون أغلبية عددية قوامها 57.4% من مجموع السكان من حيث اللغة والدين، أما المجموعات المتبقية فهم العلويون 11.5%، والدروز 3%، والإسماعيليون 1.5%، فيما يشكل المسيحيون الروم الأرثوذكس 4.6% وهم أهم الجاليات المسيحية في سوريا التي تبلغ نسبتها 14.1%.

أما الأقليات العرقية الرئيسة فهم الأكراد 8.5% والأرمن 4%، والتركمان 3% وأيضًا هناك الشراكسة. ومعظم الأكراد والتركمان والشراكسة مسلمون سنيون، والأرمن مسيحيون، وبالتالي يمثلون أقلية عرقية ودينية في آن واحد، ومن الأقليات العرقية أيضًا السريان ومنهم الأشوريون والكلدان، ويقدَّر عددهم بنحو 200 ألف نسمة في سوريا، وأغلبهم يتركز في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا، والشركس يُقدَّر عددهم بحوالي 100 ألف نسمة. وفيما يتركز الدروز السوريون في محافظة السويداء وبعض قرى الجولان وفي ريف دمشق، فإن الأرمن يتركزون في مدينة حلب ومدينة القامشلي شمال شرق سوريا

3- ليبيا:

مع نجاح الثورة الليبية ضد نظام القذافي، وقبل استقرار الأوضاع للمجلس الانتقالي الحاكم أعلن عدد من الشخصيات الليبية منطقة "برقة" بشرق ليبيا إقليما اتحاديا فيدراليا، يتمتع بحكم ذاتي، وبرغم أن الموقعين على إعلان برقة أكدوا تمسكهم بوحدة الدولة، إلا أنهم اعتمدوا دستور الاستقلال الصادر في 1951 عندما كانت ليبيا مملكة اتحادية تتألف من ثلاث ولايات هي طرابلس وبرقة وفزان ويتمتع كل منها بالحكم الذاتي، وهو ما طرح احتمالات تقسيم ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي.

يدعم هذه الاحتمالات عدة اعتبارات منها: تقوية نفوذ التكوينات الإثنية والقبلية (الطوارق، الأمازيغ) في مواجهة دولها، من ناحية، وزيادة قوة التنظيمات الدينية العابرة للحدود (كالقاعدة) من ناحية ثانية، وتغير طبيعة التدخل الدولي في دول ما بعد الثورات، خاصة في الحالة الليبية، من ناحية ثالثة، ومن ناحية رابعة وجود فجوات تنموية وسياسية وقبلية بين الأقاليم الليبية قد تعرقل من قدرة أي حكومة على لم شملها، فالجنوب الليبي الذي تسيطر عليه قبائل (التبو والطوارق والفزازنة) شهد اشتباكات مع بعض القبائل العربية. كما أن الفجوات بين برقة في الشرق وطرابلس في الغرب، والتي حظيت بالنصيب الأكبر من عوائد النفط تسبب في علاقة صراع بين الطرفين حتى بعد الثورة الليبية.

4- اليمن:

تتميز اليمن بتجانس عرقي وديني أكبر، والأقليات فيها قليلة النسبة لا تتعدى 5% من إجمالي السكان. فالطائفة الإسماعيلية تشكل نحو 2% من عدد السكان، أما اليهود والإيرانيون والهنود والصوماليون فيشكلون معا نحو 3%. ورغم هذه النسبة فإن البلاد معرضة لخطر التقسيم والتشرذم بمعدلات كبيرة في ظل وجود خطر التنظيمات المسلحة، ووجود بعض التيارات الداعية لانفصال الجنوب، وقوة الحركة الحوثية، والتي دخلت في عدة مواجهات مسلحة مع النظام السابق قبل الثورة الشعبية 2011، وتعقد أزمة الحوثيين مع تورط قوى إقليمية في إدارة الأزمة وتحريك أطرافها.

5- البحرين:

يتمثل جوهر المشكلة في البحرين في أن الانقسام الطائفي (السنة والشيعة) أصبح حقيقة مجتمعية، وهو ما انعكس في التخوف من معارضة النظام، لأن معارضة النظام تعني الاصطفاف مع الشيعة، وتأييد أي من سياساته يعني الاصطفاف مع السنة، وأصبح السائد أن 90% من الموالاة سُنة، و90% من المعارضة شيعة. ولم تعد المعارضة للموالاة مرتبطة بنظام سياسي فقط، وإنما امتدت إلى نظام اجتماعي واقتصادي. فالتجار الذين أيدوا المعتصمين يدفعون اليوم ثمن ذلك، كما أن هناك حملة موازية من قبل الشيعة لمقاطعة المحال السنية.

ونظرا لكون المظاهرات تنظم في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، فإنها جعلت هذه المناطق مغلقة أمام أبناء الطائفة السنية، مع ملاحظة أن هناك بعض المناطق التي يشعر أبناء الطائفة الشيعية تجاهها بذات المشاعر ويزيد من خطورة التحدي الداخلي في البحرين الدور الخارجي، وخاصة من جانب بعض القوي الإقليمية التي تصطف خلف طرفي الصراع الداخلي دعما لمصالحها ونفوذها الإقليميين.

رابعًا: ملاحظات ختامية:

من واقع هذا الرصد يمكن الوقوف على عدة ملاحظات:

1ـ إن قضية التوترات الطائفية هي أداة تستخدمها بعض القوى التقليدية المتمسكة بمصالحها لتبرير سلبيتها وصمتها في مواجهة هذه التوترات، ويستخدمها المجتمع الدولي لتبرير تخاذله في عدد من الحالات، وهو ما برز واضحًا في سوريا، وتستخدمها بعض النظم السياسية القائمة لتحقيق مزيد من الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب وثرواته، وترسيخ فزاعة الحروب الأهلية وتفتت الدولة لضمان الاستمرار والبقاء.

2ـ إن مشاركة الأقليات والطوائف المختلفة في الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية كانت أحد أهم العوامل التي أسرعت في إسقاط النظم المستبدة، ومن هنا يجب ترسيخ وتعزيز حقوق الجميع في وطنهم الجديد حتى يكونوا شركاء حقيقيين في بناء حاضر وتقرير مستقبل هذا الوطن.

3- ليست جميع التيارات الثورية استئصالية وإقصائية، ولكنها تتفاوت فيما بينها من حيث نظرتها لحقوق بعض الطوائف والجماعات، الأمر الذي يتطلب بذل جهود مكثفة لتطوير خطاب مدني ديمقراطي بمرجعية حضارية عربية إسلامية ينظم عمل هذه التيارات، ويرشد توجهاتها وسياساتها وأدواتها في بناء الوطن الواحد.

hragaey 25-08-2012 12:28 PM

استاذ ايمن
تحليل جميل ولكن
الم تسمع المثل القائل
اتقى شر من احسنت اليه

ماذا كانت نتيجة فتح المعابر
دماء الجنود المصريين فى رقابهم

هل تتذكر مقالك عن من وراء حادث قتل الجنود
وحضرتك اتهمت اسرائيل
وتذكر نقاشى معك ان ليس لاسرائيل مصلحة
وانهم جماعات جهادية دخلت عن طريق فلسطين

ماذا اثبتت التحريات
اثبتت صدق كلامى
وان المعابر والانفاق خطر شديد على مصر
دم مصرى بدم حماس كلها

hragaey 25-08-2012 12:44 PM

قالت صحيفة «الحياة» اللندنية، السبت إنها علمت أن أجهزة الأمن المصرية توصلت إلى تحديد هوية ثلاثة عناصر شاركت في تنفيذ الهجوم الذي استهدف نقطة الماسورة العسكرية في مدينة رفح المصرية في مطلع الشهر الجاري وقُتل خلاله 16 جندياً، فيما دعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مصر إلى إبقاء الاتصالات مفتوحة مع إسرائيل بعدما نشرت الحكومة الجديدة في القاهرة قوات في شبه جزيرة سيناء. وقالت مصادر أمنية مصرية لـ «الحياة»، إن 3 من المتورطين في الهجوم اختبأوا في قطاع غزة، وأن اتفاقاً جرى بين الأجهزة المعنية في مصر مع حركة «حماس» المسيطرة على القطاع لتسليمهم، مشيرة إلى أن المطلوبين ينتمون لـ «جيش الإسلام» وجماعات تكفيرية في القطاع. وأكدت المصادر أن الحملات الأمنية التي تنفذها قوات الجيش والشرطة ضد المسلحين مستمرة في كافة مناطق شمال سيناء، للقضاء على البؤر الإجرامية، واعتقال أعضائها للتوصل إلى التنظيمات والجهات الممولة لها. وأضافت المصادر أنه من خلال الطلعات الجوية تم مسح جميع المناطق التي استهدفتها الحملة والمناطق المجاورة لها، وتم تحديد العناصر الإجرامية والبؤر الموجودة بها، وأماكن تخزين الأسلحة والألغام بكل دقة، مشيرة إلى أنه تم تحديد 15 بؤرة إجرامية متمركزة في مناطق مختلفة بصحراء سيناء، تأوي عناصر تخريبية تمتلك سيارات حديثة ذات دفع رباعي. واستبعدت المصادر أن تكون العناصر الإجرامية متمركزة في منطقة جبل الحلال فقط، مشيرة إلى أن معظم أماكن تجمعاتهم واجتماعاتهم أصبحت معروفة ومحددة، وأن استهدافهم بالعمليات العسكرية والحملات يكون من خلال تكتيك معين يستهدف مداهمتهم وإلقاء القبض عليهم أحياء، للوصول إلى مموليهم. وأوضحت المصادر للصحيفة، أن تحتمي بعض العناصر داخل الكتل السكنية في رفح والعريش وبعض المناطق الأخرى، مؤكدة أن ملاحقتهم مستمرة، لافتة إلى أن هناك تعاوناً كبيراً من كافة أبناء قبائل بدو سيناء.

المصري اليوم

love ur life 25-08-2012 06:57 PM

ميرسي ع التوبيك أستاذي ^_^

aymaan noor 27-08-2012 02:05 PM

هل تحقق مبادرة مرسي اختراقا في أزمة سوريا؟
 
هل تحقق مبادرة مرسي اختراقا في أزمة سوريا؟
http://rcssmideast.org/media/k2/item...9477dfed_L.jpg
إيمان رجب - باحثة متخصصة في الخليج
طرح الرئيس محمد مرسي أثناء مشاركته في قمة مكة التي عقدت في 15 أغسطس 2012، مقترحا خاصا بالصراع في سوريا، يقوم على فكرة تشكيل "رباعية إقليمية" تضم كل من مصر والسعودية وايران وتركيا، يكون هدفها تحقيق التسوية السلمية للصراع هناك. بحيث تقوم كل من مصر والسعودية بدور"المراقب"، و"الوسيط"، إذا تطلب الأمر ذلك،

في حين تقوم تركيا بممارسة الضغوط على المعارضة، من أجل تقديم تنازلات بهدف التقريب بينها والنظام السوري، وتقوم إيران بالضغط على الأسد من أجل تقديم تنازلات من جانبه من أجل التقريب بينه والمعارضة. وبالتالي يتبنى المقترح المصري، الحل الإقليمي، القائم على الحوار كمدخل لتسوية الصراع في سوريا، تسهله وترعاه وساطة إقليمية تقودها الدول الأربع الرئيسية في الإقليم، على نحو يقترب من السيناريو اليمني.

-دلالات طرح المبادرة:

- طرحت مصر هذه المبادرة في الوقت الذي لم يتضمن فيه بيان قمة مكة، أي إشارة إلى الصراع في سوريا، باستثناء ما توصل إليه اجتماع وزراء الخارجية في اجتماعهم الذي سبق القمة، والخاص بتعليق عضوية سوريا في المنظمة. في حين كانت عدة مصادر سعودية، قد أشارت قبل عقد القمة، إلى وجود مبادرة سعودية سيتم طرحها في القمة، تضمن تحقيق الانتقال السلمي للسلطة في سوريا، من خلال تنحي بشار الأسد وخروجه من سوريا، إلى جانب ضمان حقوق الأقليات في سوريا، وتنظيم انتخابات حرة، ودخول قوات دولية، تشارك فيها قوات من دول إسلامية، تشرف على الأمن.

- يبدو أن إيران لم تؤيد هذا المنحى، خاصة وأنها لم توافق على تعليق عضوية سوريا، وهذا يعني استمرار الخلاف السعودي-الإيراني حول الصراع في سوريا. وبالتالي، يمكن القول بأن هذا المقترح هو محاولة للالتفاف على فشل القمة في طرح وتبني المبادرة السعودية التي تم الترويج لها قبل القمة.

- يعكس هذا المقترح نوعا من التنسيق ما بين السعودية ومصر حول الموقف من الصراع في سوريا، خاصة وأنه لم يطرح إلا بعد لقاء الرئيس مرسي بالملك عبدالله بن عبد العزيز، كما أنه يعكس توافق هاتين الدولتين على أهمية مشاركة إيران وتركيا في أي تسوية للصراع في سوريا، وهو توافق "واقعي" بالنظر إلى تعقيدات الصراع السوري، وذلك على عكس الموقف الأمريكي الرافض لمشاركة إيران في أي مؤتمرات خاصة بسوريا.

- يضمن هذا المقترح دورا ما لمصر في الصراع في سوريا، لا يتعارض مع ما استقرت عليه السياسة المصرية طوال الفترة الماضية، والقائمة على أولوية الحل السلمي، ورفض التدخل الدولي. ولكن تشير ردود فعل قوى الإسلام السياسي في مصر، إلى وجود ضغوط من أجل تغيير هذه السياسة، باتجاه تبني الدعوة القطرية القائمة على تسليح المعارضة. حيث إن هناك رفضا سلفيا لمشاركة إيران في هذه المجموعة، نظرا لموقفها الداعم لبشار الأسد، حيث طالب هشام كمال، المسئول الإعلامى للجبهة السلفية باستبعاد إيران من المجموعة، ودعم المعارضة والجيش الحر بالسلاح.

-هل تنجح المبادرة؟

من غير الواضح مدى جدية الرئيس مرسي في تفعيل هذه المبادرة، ولكن من المتوقع أن تترجم إلى تشكيل مجموعة اتصال مصغرة حول سوريا، تلتقي بانتظام لمناقشة الوضع هناك، في صيغة أقرب لمجموعة الاتصال الخاصة بسوريا والمشكلة في إطار الجامعة العربية، وتلك الخاصة بعملية السلام والمشكلة في إطار الأمم المتحدة، وبالتالي قد لا تحقق مبادرة مرسي اختراقا في الصراع السوري، وذلك لعدة عوامل :

- أنه من غير الواضح حجم التأييد الذي حظي به المقترح في قمة مكة، خاصة من قبل الأطراف المشاركين في المجموعة، حيث عرض أثناء الجلسة المغلقة في القمة.

- رغم أن هذا النوع من المقترحات، لم يشكل مشكلة كبيرة لإيران، منذ بدء الصراع في سوريا، خاصة وأنه لا يحمل نظام الأسد مسئولية تسوية الصراع، كما أنه لا يدعو إلى تدخل دولي، وهي من المحظورات بالنسبة لإيران. إلا أن تصريحات القيادات الإيرانية بعد القمة، تشير إلى اتجاه إيران لتبني استراتيجيات "الملفات الإقليمية"، حيث تحدث رامن مهناباراست المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن ترحيب إيران بأن تشمل مهام هذه المجموعة كافة القضايا الإقليمية الساخنة، وليس سوريا فقط.

- لم تعلن تركيا حتى الآن عن تأييدها لهذا المقترح، وما إذا كانت متمسكة بالحلول الإقليمية للصراع، خاصة وأنها حاليا تتجه للتنسيق مع فرنسا من أجل إنشاء مناطق عازلة، يتم فيها إيواء اللاجئين السوريين، في حال تخطى عددهم 100 ألف لاجيء.

- لا يزال موقف القوى الدولية من هذا المقترح، وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا "حذرا"، فعلى سبيل المثال، رحبت فرنسا بالمقترح المصري، ولكنها أكدت ضرورة تحديد علاقته بالمبادرة المطروحة من قبل الجامعة العربية، وتلك المطروحة من قبل الأمم المتحدة، وبمجموعة عمل "أصدقاء سوريا"، ومجموعة "العمل من أجل سوريا"، خاصة وان هذه المجموعات تشارك فيها الدول المقترحة باستثناء إيران.

- من غير الواضح حجم "الاستياء" القطري من عدم ضمها في الرباعية الإقليمية، حيث لم يتضمن المقترح أي إشارة لقطر، التي تعتبر أكثر الدول الخليجية نشاطا في القضية السورية، كما أنها تحتفظ بعلاقات خاصة مع الأخوان في مصر وغيرها من دول الربيع العربي. وبالتالي، لم يكن متوقعا استبعادها. كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت قطر ستتجه للضغط من أجل إفشال هذا المقترح أم لا.

تعبر المبادرة المصرية عن إعادة تشكل الموقف المصري من القضية السورية، وغيرها من القضايا الإقليمية، ونزوعها للتنسيق مع القوى الرئيسية الكبرى في الإقليم، وهذا التوجه سيضر بالدرجة الأولى الدول الأصغر التي استفادت من فراغ القوة الذي أحدثته الثورات العربية طوال الفترة الماضية، وتحديدا قطر، والتي قد يكون رد فعلها غير متوقع، ورغم الطابع الإقليمي لهذه المبادرة، إلا أن نجاحها يتطلب دعما دوليا، خاصة من قبل واشنطن وموسكو وفرنسا، وذلك في الوقت الذي لم تحسم فيه هذه الدول بعد موقفها من تسوية الصراع في سوريا.

aymaan noor 27-08-2012 02:18 PM

اهتزاز إقليمي
 
اهتزاز إقليمي
تحديات صعبة تواجه إثيوبيا بعد رحيل زيناوي

http://rcssmideast.org/media/k2/item...02fbfad5_L.jpg
صلاح خليل - باحث سوداني في الشئون الأفريقية
أثار نبأُ وفاة رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوى ردود فعل متباينة، كما لقي اهتمامًا إقليميًّا ودوليًّا واسعًا، وذلك بسبب المخاوف من نشوب صراع حادٍّ داخل الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية (PRDF) الحاكمة، بالرغم من التأكيدات من داخل الحزب بأن القائم بأعمال رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالجن سيظل على رأس الحكومة حتى الانتخابات المقررة في 2015،

وأنه لا توجد أزمة داخل الجبهة في اختياره.

بيد أن ثمة تحديات تواجه إثيوبيا في مرحلة ما بعد زيناوي، لن تقتصر على تفاعلات السياسة الداخلية؛ وإنما ستمتد إلى القرن الإفريقي، لا سيما في ظل التشابك الإثني الذي قد يفجر النزعات الانفصالية في المنطقة.

تحديات داخلية

داخليًّا، فإن غياب زيناوي قد يقود إلى تخفيف قبضة إثنية "التيجراي" وبالتالي الحكومة على السلطة؛ مما يغرى الإثنيات الأخرى خاصة الأورومو والأمهرة، فضلا عن سعي إقليم الأوجادين نحو المزيد من السلطات، أو الانفصال تمامًا عن الدولة الأم، خاصة وأن الدستور يُتيح له هذا الحق. كما أن الاشتباكات القبلية التي بدأت تطفو على السطح في جنوب البلاد والتي أدت إلى تدفق آلاف اللاجئين إلى كينيا؛ قد تتفاقم بسبب اضطراب الأوضاع في أديس أبابا، وقد تتمدد لتغطي مناطق أخرى في البلاد.

هذا بالإضافة إلى حالة التذمر التي بدأت تتزايد مظاهرها في أوساط المسلمين، لا سيما بعد أن شهدت العاصمةُ أديس أبابا في الأشهر الأخيرة مواكب ضخمة يطالب فيها المسلمون بالمزيد من الحقوق، ورفض تدخل الدولة. وهو ما تخشى الحكومة أن تمتد تلك الاحتجاجات إلى بقية الإثنيات والقوميات.

ومما يضاعف من مشاكل الحزب الحاكم في إثيوبيا بعد غياب زيناوي؛ أنه يواجهُ معارضة شديدة من جانب إثنيتي "الأرومو" و"الأمهرة" اللتين تملكان اتصالاتٍ مع المنظمات الحقوقية للضغط على الحكومة في أديس أبابا. فضلا عن أن تيارات انفصالية قوية تتحرك تحت السطح في عدد من الأقاليم الإثيوبية مثل: "الأرومو" و"الأجاودين" و"بني شنغول" بالإضافة إلى بعض القوميات في جنوب إثيوبيا.

وبالرغم من أن زيناوي قاد النمو الاقتصادي لبلاده بمعدلات في خانة العشرات؛ حيث تبنى سياسة تمزج بين الإنفاق الحكومي المرتفع والاستثمار الأجنبي الخاص، مع التركيز مؤخرا على مشروعات الطاقة والبنية التحتية؛ إلا أن الكثير من الإثيوبيين يشكون من أنه على الرغم من بناء علاقات اقتصادية قوية مع قوى اقتصادية مثل الصين؛ فلم يترجم ذلك إلى زيادة في فرص العمل للإثيوبيين، وعلى الرغم من ازدهار الطبقة الوسطى في المدن فإن نحو ثلاثة أرباع السكان ما زالوا يعيشون على أقل من دولارين يوميا.

تحديات خارجية

المخاوف الإقليمية والدولية تنبع من أن زيناوي الذي صعد إلى سدة الحكم في عام 1991 مثَّل حليفًا إستراتيجيا للولايات المتحدة، ولعب أدوارا في القضايا المختلفة في القرن الإفريقي سواء ما يتعلق منها بالصومال أو السودان أو أوغندا.

فالصومال يشكل تحديًا كبيرا للدور الإقليمي لإثيوبيا في القرن الإفريقي، خاصة وأن ثمة احتمالا لتغير المعادلة بعد رحيل زيناوي، فالقوات الإثيوبية تمثل العمود الفقري الداعم لحكومة شيخ شريف في مواجهة حركة شباب المجاهدين، وهو ما قد يدفع الجبهات المتقاتلة في الصومال إلى الاستفادة من فراغ السلطة في إثيوبيا، والضغط على الحكومة.

وبعد رحيل زيناوي؛ قد تستغل أوغندا الفرصة بحكم تحالف موسيفيني مع الولايات المتحدة، لأن تكون اللاعب القوي في القرن الإفريقي وخاصة في مواجهة الحركات المتطرفة كالقاعدة والجماعات في الصومال، حتى لا تتمدد داخل أوغندا، حسب ما أشار موسيفيني نفسه في بعض كتاباته.

وبالرغم من أن البعض يرجح تغير علاقات مصر بإثيوبيا بعد رحيل زيناوي على اعتبار أن رئيس الوزراء القائم بأعمال رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالجن له تصريحات هادئة تجاه مصر؛ إلا أن المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة أكثر صرامة فيما يتعلق بملف المياه أو سد النهضة الذي يمثل أحد مداخل الشرعية لرئيس الوزراء الجديد، فالالتزام الإثيوبي باللجنة الثلاثية المكونة من (مصر، والسودان، وإثيوبيا) والمختصة بالجوانب الفنية لسد النهضة، هو شفهي وليس مكتوبا، وهو ما يفرض على الجانب المصري إعادة تأسيس العلاقة مع أديس أبابا على أسس جديدة تضمن الاستقرار والمنفعة للجميع.

ولعل القاهرة يمكنها استثمار عودة الدفء للعلاقة بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والإثيوبية والتي ظهرت مؤخرا بعد الزيارات المتبادلة بين الراحلين البابا شنودة ونظيره الأنبا باولوس، والتي عززت توطيد العلاقات بين البلدين والشعبين، فضلا عن المشاركة المتبادلة لوفد الكنيستين في جنازتي شنودة وباولوس.

إضافةً إلى أن الدورَ الإثيوبي في السودان والذي تمدد على حساب الدور العربي والمصري بخاصة؛ سيتأثر كثيرا بغياب زيناوي الذي لعب دورا في المفاوضات بين السودان وجنوبه بعد انفصال الأخير، كما شاركت إثيوبيا بقوةٍ قوامها يفوق الأربعة آلاف جندي في منطقة أبيي، بالإضافة إلى ذلك؛ استضافت إثيوبيا محادثات سلام بين الحركات المسلحة في دارفور والحكومة السودانية، والقضايا العالقة بعد اتفاق نيفاشا بين كل من حكومتي الخرطوم وجوبا.

ولعلَّ العلاقات الإثيوبية – الأريترية التي شهدت مواجهات مسلحة وحروب هي الأكثر تأثرا؛ إذ ثمة توقع بتجدد التوتر بين البلدين بسبب الأزمة الحدودية في (بادمي وزالمبسا)، لا سيما في ظل غياب الرجل القوي زيناوي، بما قد يضرب الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.

إن هذه المخاوف والتحديات تواجه إثيوبيا في مرحلة ما بعد زيناوي.. فهل تستطيعُ القيادةُ الجديدة للبلاد مواجهة تلك التحديات؟، لا سيما وأن انفجار أي صراعات داخلية في إثيوبيا سيهز الاستقرار الهش
في منطقة القرن الإفريقي، فضلا عن المصالح الدولية المتغلغلة في المنطقة.

راغب السيد رويه 28-08-2012 05:18 AM

وبالرغم من أن البعض يرجح تغير علاقات مصر بإثيوبيا بعد رحيل زيناوي على اعتبار أن رئيس الوزراء القائم بأعمال رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالجن له تصريحات هادئة تجاه مصر؛ إلا أن المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة أكثر صرامة فيما يتعلق بملف المياه أو سد النهضة الذي يمثل أحد مداخل الشرعية لرئيس الوزراء الجديد، فالالتزام الإثيوبي باللجنة الثلاثية المكونة من (مصر، والسودان، وإثيوبيا) والمختصة بالجوانب الفنية لسد النهضة، هو شفهي وليس مكتوبا، وهو ما يفرض على الجانب المصري إعادة تأسيس العلاقة مع أديس أبابا على أسس جديدة تضمن الاستقرار والمنفعة للجميع.

جزاك الله خيرا وبارك فيك

راغب السيد رويه 28-08-2012 05:20 AM

تعبر المبادرة المصرية عن إعادة تشكل الموقف المصري من القضية السورية، وغيرها من القضايا الإقليمية، ونزوعها للتنسيق مع القوى الرئيسية الكبرى في الإقليم، وهذا التوجه سيضر بالدرجة الأولى الدول الأصغر التي استفادت من فراغ القوة الذي أحدثته الثورات العربية طوال الفترة الماضية، وتحديدا قطر، والتي قد يكون رد فعلها غير متوقع، ورغم الطابع الإقليمي لهذه المبادرة، إلا أن نجاحها يتطلب دعما دوليا، خاصة من قبل واشنطن وموسكو وفرنسا، وذلك في الوقت الذي لم تحسم فيه هذه الدول بعد موقفها من تسوية الصراع في سوريا.

جزاك الله خيرا وبارك فيك

love ur life 28-08-2012 12:22 PM

شكراً ع التوبيك ^_^

aymaan noor 29-08-2012 11:27 AM

كيف يديرُ الرئيس مرسي العلاقات مع طهران؟
 
كيف يديرُ الرئيس مرسي العلاقات مع طهران؟
http://rcssmideast.org/media/k2/item...c718abb3_L.jpg
رضوى عمار - باحثة سياسية
يتوجه الرئيس المصري محمد مرسي إلى إيران يوم 30 أغسطس الحالي للمشاركة في قمة عدم الانحياز، وذلك في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى إيران بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ أكثر من ثلاثين عاما. ومن المعلوم أن إيران التي أشادت بالثورة المصرية واعتبرتها مناهضة للغرب ومستلهمة ثورتها الإسلامية في عام 1979 تضع آمالا عريضةً

بشأن مستقبل علاقاتها مع مصر، خاصة وأن الرئيس المصري ذو خلفية إسلامية. وهو ما تعتبره إيران يحقق تغيرات رئيسة في معادلات القوة القديمة، وبداية نموذج سلوك جديد new behavior modelفي الإقليم.

ويرى البعض أن حضور الرئيس محمد مرسي يعني بشكل أو آخر إيذانا بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وهو ما يثير التساؤل حول ماهية هذه العلاقات في ظل ما تحمله من تناقضات ومعوقات بل ومخاوف من تأثير مثل هذه العلاقة على مسار التفاعلات في الإقليم، وخاصة تجاه إسرائيل.

العلاقات المصرية الإيرانية ما بين المد والجزر

بدأ التوتر والفتور في العلاقات المصرية الإيرانية مع قرار الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، والذي تم بالفعل عام 1979؛ حيث انتهت العلاقات الدبلوماسية رسميا في يونيو 1979. وازدادت العلاقات سوءا عندما عرض السادات حق اللجوء السياسي على شاه إيران محمد رضا بهلوي وعائلته.
إلا أنه وبعد موت آية الله الخميني، ونهاية الحرب الإيرانية العراقية؛ قللت النخب السياسية الإيرانية من حدة الخطاب الثوري، حيث عمدت إلى تحسين علاقاتها الخارجية في التسعينيات، وهو ما انعكس في استئناف البلدان العلاقات على مستوى بعثات رعاية المصالح في مارس عام 1991 .

وسعى رؤساء إيران هاشمي رافسنجاني، ومحمد خاتمي، والرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد إلى استعادة العلاقات مع الحكومة المصرية. فعلى سبيل المثال، إبان فترة رئاسة الرئيس محمد خاتمي؛ وافق مجلس بلدية طهران عام 2004، على تسمية الشارع الذي أطلق عليه اسم قاتل الرئيس المصري السادات "خالد الاسلامبولي" بـ"الانتفاضة" نسبة للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي ؛ إلا أن من اللافت للنظر أنه قد تم استخدام ورقة اسم الشارع مرة أخرى الذي أعلنت إيران عن زعمها بتغييره من "خالد الاسلامبولي" إلى "الشهداء" إشارة إلى تكريم شهداء ثورة 25 يناير!

أيضا سعى أحمدي نجاد إلى توطيد أواصر العلاقات مع الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وعبَّر إبان انعقاد إحدى القمم في الإمارات العربية المتحدة عام 2007 عن استعداد إيران لعودة العلاقات بين البلدين، وفتح السفارة الإيرانية في القاهرة" ؛ لكن نظام مبارك كان لا يثق في النظام الإيراني، ويراه عنصر تهديد للاستقرار الإقليمي .

ويُمكن القول إن التغير في ديناميكيات العلاقات بين البلدين قد جاء في فبراير 2011 بعد إعلان الرئيس السابق محمد حسني مبارك تخليه عن السلطة، عندما طلبت إيران التصريح بمرور سفينتين حربيتين عبر قناة السويس لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ووافقت السلطات المصرية الجديدة ، وهو ما عكس اختبارًا للقيادة المصرية الجديدة، ومحاولة لاستشراف موقفها من مسألة العلاقات مع إيران.

ولعل تصريحَ وزير الخارجية المصري السابق، نبيل العربي، في 29 مارس 2011 عن أن مصر تعتبر إيران "دولة من دول الجوار، ولنا معها علاقات تاريخية طويلة وممتدة في مختلف العصور، والحكومة المصرية لا تعتبرها دولة معادية"، ثم إعلانه خلال اجتماعه مع مجتبى أماني، رئيس البعثة الدبلوماسية الإيرانية في مصر، في أبريل 2011، أن القاهرة وطهران لا بد أن تكون لديهما علاقات تعكس الروابط الثقافية والحضارية بينهما، وأن مصر مستعدة لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع دول أخرى، تشمل إيران ؛ قد عبر عن تغير ما سوف تشهده العلاقات المصرية الإيرانية، وإن كان قد علق الأمر فيما بعد على قرار من مجلس الشعب. ورغم ذلك؛ فقد أعرب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي عن تمنيه "للتوسع في العلاقات" ؛ إلا أنه بعد أن ترك العربي منصبه كوزير للخارجية في مايو 2011 ليصبح أمين عام جامعة الدول العربية لم يطرح مسئول مصري هذه المسألة! وهو ما يُفسر وصف وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، سياسة مصر تجاه إيران بأنها "سياسة خجولة" ، وعلى أي حال فقد اعتبرت إيران أن علاقاتها مع مصر الجديدة سوف تتغير للأفضل مقارنة بما كان في عهد الرئيس السابق مبارك.

المسألة الإيرانية وسياسة الباب المفتوح لمرسي

يُلاحظ أن تصريحات الرئيس محمد مرسي، المرشح عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، خلال حملته الانتخابية لم تكن كلها إيجابية تجاه إيران؛ فقد تبنى سياسة الباب المفتوح open-door policyالتي ترحب بكافة أنواع التعاون الدولي التي تشمل إيران لكنها لا تعد بسياسات بعينها.

ففي حوار أجرته معه إحدى الصحف المحلية الكويتية، والذي تم ترجمة أجزاء منه ونشرت في صحيفة "عصر إيران" في 21 يونيو، وعند سؤاله عن علاقة الإخوان المسلمين بإيران وحزب الله؛ رد بأنها "أوهام، افتراءات، ولا أساس لها من الصحة". ورغم ذلك أبدت إيران تفاؤلها بالخطاب الانتخابي للرئيس محمد مرسي الذي أشار إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية والإستراتيجية بين مصر وجميع الدول الإسلامية في العالم بما في ذلك إيران ، كما رحبت بفوزه، واعتبرته المرحلة النهائية لحركة الشعب المصري الثورية للصحوة الإسلامية .

إلا أن العلاقات بين البلدين ما لبثت أن شهدت توترا فور إعلان فوز الرئيس محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية وحتى قبل تسلمه السلطة رسميا، وذلك بعد أن نشر مراسل وكالة أنباء فارس بالقاهرة حديثا منسوبا إلى مرسي تعهد فيه بإعادة العلاقات الطبيعية مع إيران، وتطوير التعاون المشترك المصري الإيراني لأن هذا "سيحقق التوازن الإستراتيجي في المنطقة، وهذا كان ضمن برنامجي.. برنامج النهضة". وذكرت الوكالة أن المقابلة أجريت مع مرسي قبل بضع ساعات من إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية ، وهو ما نفاه المتحدث باسم الرئيس محمد مرسي، مشيرا إلى أن مكتب الرئيس سيرفع دعوى قضائية ضد الوكالة والتي ردت عليه بإذاعة تسجيل صوتي تم التشكيك في نسبته إلى الرئيس محمد مرسي.

وبإمعان النظر في البرنامج الرئاسي للرئيس محمد مرسي؛ سنجد أنه تناول تطوير علاقات مصر مع الدول الإسلامية، لكن الدولتين اللتين ذكرتا بالاسم هما تركيا وماليزيا، ولا وجود لإيران أو الحديث عن التوازن الإستراتيجي في هذا السياق .

وبصفة عامة يمكن القول إن الرئيس محمد مرسي منذ بداية وصوله إلى سدة الحكم قد سعى إلى النأي بنفسه عن الاندفاع نحو العلاقات مع إيران. وهو ما بدا بشكل جلي في توقيت إعلانه عن قبول دعوة إيران بشأن حضور قمة عدم الانحياز والتي تُسلم فيها مصر رئاسة القمة إلى إيران.

فقد حرصت إيران على توجيه الدعوة خلال المكالمة الأولى للرئيس الإيراني أحمدي نجاد التي هنأ خلالها الرئيس محمد مرسي بفوزه في انتخابات الرئاسة، والتي أكد له خلالها أن إيران لن تضع أي قيود على تقوية العلاقات مع مصر ، ذلك إلى جانب الدعوة الرسمية التي قدمها نائب الرئيس الإيراني، حميد بغاني، إبان زيارته مصر في 7 أغسطس، تلك الزيارة التي أعقبت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون.

ثم يُلاحظ أن الإعلان عن حضور الرئيس محمد مرسي على رأس الوفد المصري جاء في 18 أغسطس أي بعد لقائه بالرئيس أحمدي نجاد في القمة الإسلامية الاستثنائية في 15 أغسطس، والتي انعقدت بمكة المكرمة تحت رعاية السعودية. وهو ما أعطى انطباعا بأن العلاقات المصرية الإيرانية إذا ما كانت سوف تكون بمباركة السعودية وليس على حساب العلاقات المصرية مع دول الخليج التي اعتبرها مرسي "خطا أحمر"، وهو ما يفسر اختيار السعودية لتكون الوجهة الأولى لزيارات مرسي الخارجية، وتردده بشأن قبول دعوة المسئولين الإيرانيين.

معوقات إدارة ملف العلاقات المصرية الإيرانية

لا شك أن هناك قيودا داخلية تعوق تحرك الرئيس مرسي نحو إيران، مرتبطة بتوجس المجتمع المصري من انخراط الشيعة في المجتمع، خوفا من المد الشيعي، واتساع نفوذه في مصر كما اتضح من ردة فعله على بناء الحسينيات ، ذلك إلى جانب معوقاتٍ أخرى لها بُعد خارجي مرتبط بالظروف الاقتصادية المتعثرة التي تمر بها مصر، والتي تحتاج فيها إلى دعم ومساعدات دول الخليج العربي للخروج منها، وهو ما يضع قيودا على مستوى التطبيع بين الدولتين، أخذا في الاعتبار مخاوف دول الخليج من تطور مثل هذه العلاقات. بالإضافة إلى موقف إيران تجاه الأزمة السورية وهو الموقف الذي يختلف عن الإخوان المسلمين الذين يدعمون الثورة. وفيما يلي نتناول الأبعاد الخارجية للقيود التي تعوق تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية:

أولًا: العلاقات المصرية مع دول الخليج

لا شك أن الظروف الاقتصادية ومكافحة الفقر كان أحد المطالب الرئيسة لثورة 25 يناير. وتفرض الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة المصرية والتشكك في تقديم مساعدات أو استثمارات من جانب دول الغرب وخاصة في ظل الأزمة المالية قيودا على التوجهات المصرية في هذا الصدد([17]).

وقد عمدت إيران إلى طرق الأبواب المصرية من خلال الأداة الاقتصادية بعد تعثر محاولاتها للتقارب السياسي في الشهور الأولى التي أعقبت الثورة المصرية؛ فقد صرح وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصري، محمود عيسى، أن نظيره الإيراني اقترح خلال فعاليات الاجتماع الوزاري الثاني لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية عقد تعاون ثلاثي بين القاهرة وطهران وأنقرة؛ لاستغلال الإمكانات البشرية والموارد الاقتصادية المتاحة لتلك الدول، وذلك خلال المرحلة المقبلة .

كما أعلن رئيس الوزراء المصري السابق، كمال الجنزوري، عن مفاوضات مصرية إيرانية لتنفيذ مشاريع استثمارية إيرانية تقدر بحوالي خمسة مليارات جنيه مصري في جنوب مصر. وطبقا للخريطة الاستثمارية القادمة التي ستشهدها مصر سوف تتدفق الاستثمارات الإيرانية بحوالي 5 مليارات دولار في صورة مشروعات صناعية وتجارية؛ حيث وافقت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة على إقامة 3 مشروعات في محافظات بني سويف والمنيا وسوهاج على مساحة 3 ملايين متر مربع وهي كالآتي: مجمع مصانع لتجميع وصناعة السيارات في بني سويف، ومطاحن للدقيق بطاقة مليون طن قمح سنويا في المنيا، وكذلك مشروع إنتاج وتعبئة أسطوانات البوتاجاز بطاقة لا تقل عن 10 ملايين عبوة شهريا في سوهاج .

من ناحيةٍ أخرى؛ أشار السفير الإيراني مجتبى أماني، إلى مكانة مصر المتميزة داخل إفريقيا، وأن "اتفاقية الكوميسا بين مصر ودول إفريقيا يمكن أن تشكل بوابة للاستثمارات الإيرانية بالاستفادة من الخبراء والإمكانيات المصرية وتصدير منتجات مشتركة من البلدين لإفريقيا" .
وقد كشف مساعدُ وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، حميد صافدل، عن نمو التبادل التجاري بين مصر وطهران. وأن حجم التبادل التجاري مع مصر سجل نموا بأربعة أضعاف؛ حيث قفز من 10 ملايين دولار إلى 51 مليون دولار، ومن 24 ألف طن إلى 58 ألف طن .

إلا أنه ومع كل الإغراءات المالية من إيران (الحوافز) فقد بدا واضحا أن مصر قد استخدمت ملف العلاقات مع إيران كأداة قصيرة الأجل لتنشيط التعاون الاقتصادي المصري الخليجي. فليس من قبيل المصادفة أن تكون السعودية محط أول زيارة خارجية للرئيس محمد مرسي. كما كانت أول جولة خارجية لأول رئيس وزراء مصري بعد الثورة إلى السعودية والكويت وقطر. الأمر الذي قد يرد في جانب منه إلى تخوف صانع القرار المصري من المد الشيعي الإيراني. وهو ما دلل عليه تصريح الرئيس محمد مرسي في أولى زياراته الخارجية إلى السعودية أن استقرار المنطقة يستلزم استقرار مصر والخليج. وأن "السعودية حاضنة الحرمين الشريفين، وراعية مشروع الإسلام الوسطي السني، وأن مصر حامية لهذا المشروع" .

ثانيًا: الأزمة السورية

يلعب الإخوان المسلمون في سوريا دورًا مهمًّا في الأزمة السورية، فهم قطاع فاعل في المعارضة السورية. في حين أن إيران تدعم نظام الأسد. وهو ما يُعتبر بُعدا خارجيا لمواقف الإخوان المسلمين بصفة عامة التي تدعم الثورات الشعبية. ورغم ذلك تحظى مصر الجديدة بقبول ولو كان على حد التصريحات؛ إذ لم يكن موضع اختبار حتى الآن. فقد أكد وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، أن إيران مستعدة للدخول في حوار مع أي دولة في المنطقة حول الشأن السوري، "وخاصة مصر التي تُعتبر دولة مهمة ومؤثرة في المنطقة"، وأعرب عن أمله في أن تجلس الدولتان لوضع أفكار للخروج من هذه الأزمة ، وقد لقي مقترحُ الرئيس المصري إبان انعقاد قمة مكة الاستثنائية حول تشكيل رباعية اتصال تضم مصر وتركيا والسعودية وإيران، للعمل على حل الأزمة في سوريا، قبولا لدى إيران، والتي طالما استُبعدت من حل الأزمة من قبل الغرب وبعض الدول الفاعلة على مسرح الأحداث في سوريا، وخاصة السعودية التي كانت راعية للمؤتمر.

ثالثًا: الولايات المتحدة الأمريكية

تأتي خطوة مرسي لزيارة إيران قبل توجهه إلى واشنطن سبتمبر المقبل. وترى إيران أن أي تحسن في العلاقات مع مصر سوف يؤثر على النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهو ما يفسر حرصها على حضور مرسي القمة، وهو ما أكده تعليق فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، والذي ذكرت فيه موقف الولايات المتحدة المعارض لزيارات دبلوماسيين مصريين رفيعي المستوى لإيران. مشيرةً إلى أن "إيران لا تستحق أن يزورها وفود رفيعة المستوى من مصر والأمم المتحدة، لأنها تحاول استغلال مؤتمر عدم الانحياز لدفع أجندتها الخاصة" .

وفي هذا الصدد؛ لا بد من الأخذ في الاعتبار أن المؤسسة العسكرية المصرية تلعب دورًا مهما في مسار تطور العلاقات المصرية الإيرانية في المستقبل. فالمساعدات العسكرية الأمريكية أفرزت علاقات قوية مع الحكومة الأمريكية وصناعة الأسلحة الأمريكية. وهو ما له تأثير على النخبة الحاكمة والدوائر العسكرية المصرية. بالإضافة إلى الدور الأمريكي في الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تنظر لها واشنطن كحجر زاوية للاستقرار في الشرق الأوسط. ويلاحظ أن مرسي قد حرص في العديد من المناسبات على التأكيد على التزام مصر بكافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الدولة المصرية في النظام السابق، ومنها معاهدة السلام مع إسرائيل؛ إلا أنه في نفس الوقت يحرص على إضافة عبارة "طالما لم ينتهكها الطرف الآخر".

وفي الأخير؛ يمكن القول إن إدارة الرئيس محمد مرسي لملف العلاقات المصرية الإيرانية تخضع لسياسة الباب المفتوح، التي تسعى بشكل أو آخر إلى تصفير المشاكل مع كافة القوى الإقليمية والعالمية، في إطار تغليب المصلحة المصرية.

أ/ محمد رجب 29-08-2012 02:10 PM

شكرا علي التحليل الرائع ولكن د / مرسي أذكي من ذلك وربنا هيوفقه لمصلحة مصر

aymaan noor 30-08-2012 12:52 AM

الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة
 
الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة
http://www.jadaliyya.com/content_ima...slmonkitab.png
يحوي كتاب "الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة" للباحث الراحل حسام تمام (دار الشروق 2012)، مجموعة من الدراسات المتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين المصرية وتحولاتها السياسة والاجتماعية قبيل ثورة يناير، ولا تُعنى هذه الدراسات التي تمثل خلاصة فكر حسام تمام ورؤيته في النظر إلى الحركة الإسلامية والإسلام السياسي، لا تعنى بتطور العلاقة بين الإخوان والنظام المصري خاصة في الفترة (2005-2011) والتي تشكل المرحلة الأخيرة لنظام مبارك، بل تهدف إلى رصد وتحليل تفاعلات الجماعة الداخلية والتحولات التي لحقت بها تنظيمياً وأيديولوجياً وتكوينياً، وتصلح النتائج التي خرج بها تمام من مجموع هذه الدراسات والمقالات التي تعكس بصيرته البحثية النافذة لأن تقدم لنا إطاًرا لفهم سلوك الجماعة السياسي في مرحلة ما بعد الثورة والتي انتهت بدخول الجماعة مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، ويبقى السؤال الهام الذي نحاول الإجابة عليه: هل ستنعكس هذه التحولات السياسية، وهي بمثابة انتصارات مدوية للجماعة في شكل تحولات بنيوية في داخلها، ربما سيساعدنا الإطار الذي قدمه تمام في كتابه ودراساته على الإجابة على هذا السؤال، ويجدر بالذكر أن منهج تمام في في هذه الدراسات يدمج بين التناول التاريخاني الذي يضع تطورات الظاهرة ضمن مسار تطورها التاريخي، والطرح السوسيولوجي الذي يهتم برصد الظاهرة في سياق تحولاتها الاجتماعية وعلاقتها بالمجتمع الذي تنمو من خلاله، وهو مغاير للاتجاه العام في دراسات الحركة الإسلامية المهتمة بالنصوصية، أي قراءة الحركات من خلال النصوص المعبرة عنها، أو تلك التي تهتم برصد التدافع والصراع بين هذه الحركات والدول، وأغلبها أعمال صحافية تتنازعها التحيزات السياسية.

الإخوان والإصلاح

تبدأ الورقة الأولى في الكتاب في تناول موقف الإخوان المسلمين من قضية الإصلاح الداخلي الذي كان عنوان الحالة السياسية في مصر في الفترة (2004-2007)، وفيها شهدت مصر ربيع الحركة السياسية التي تواكبت مع انفتاح النظام السياسي نحو الإصلاح بفعل ضغوط البيئة الدولية، وهو المناخ الذي شهد التيار الإصلاحي داخل الجماعة والذي قادها نحو التفاعل الإيجابي مع الانفراج الداخلي والضغط الخارجي، وهو ما أدى إلى مشاركتها بفاعلية في الانتخابات التشريعية للعام 2005 وحصولها على ربع مقاعد البرلمان، وقد أدى هذا إلى تصاعد أجواء الإصلاح داخل الجماعة نفسها الأمر الذي يملك أمامه التيار المحافظ إلا الرضوخ ما دام هذا لا يمس البنية الداخلية للجماعة التي يتحكم فيها، ومادام خطاب الإصلاح موجهاً للخارج، أي لبقية الأطراف السياسية والنظام والخارج الدولي، غير أن نكوص ربيع القاهرة، وانقلاب النظام وانحسار الضغوطات الخارجية عليه، أدى إلى نكوص داخل الجماعة نفسها، خاصة مع الضربات التي أخذ النظام يوجهها للجماعة وبدأت بإقصائها تشريعياً من خلال تعديلات 2007، ثم بتوجيه ضربات لها استهدفت قياداتها ومفاصلها عامي 2008، و2010، كل هذا أوحى بعزم النظام بعدم التحاور مع أي طرف واعتزامه عزل الجماعة دون استئصالها، وهو ما أدى إلى تزايد قوة التيار التنظيمي الذي أخذ في ممارسة حملة ممنهجة لنزع الشرعية عن كل الأفكار الإصلاحية التي تم بناؤها خلال النزول السياسي والإعلامي للإخوان إلى ساحة العمل العام، وانعكس هذا في صياغة برنامج الجماعة السياسي الذي تم تقديمه في 2007، وأثبت هيمنة هذا التيار على مفاصل البرنامج، غير أن النظام أفاد من هذا الانغلاق حيث أعطاه فرصة لضرب مزيد من العزلة حولها والتعامل معها داخليا وخارجياً باعتبارها تهديداً للمجال العام، ويرى تمام أن هذه الهيمنة المحافظة التي تتقاطع معها النزعتان السلفية والقطبية لم تظهر إلا في مزيد من الانغلاق التنظيمي دون أن ينال هذا من الخيارات الاستراتيجية التي رسمت مسار العمل العام للجماعة منذ إعادة تأسيسها في السبعينات وهو يقصد بهذه الخيارات تحديداً عدم ممارستها للعنف، وقبولها بالمشاركة السياسية السلمية المتدرجة داخل إطار الدولة.

ويستخلص تمام في هذه الدراسة أن علاقة الجماعة بقضية الإصلاح إنما هي رهينة للتدافع بين الجناحين المحافظ والإصلاحي داخل الحركة وهو الذي يحدد رؤيتها لمجريات الأمور على الساحة المصرية. وهو يتناول في الدراسة الثانية في الكتاب التي أصدرها على أثر الخلاف الذي واكب انتخابات مجلس شورى الجماعة في ديسمبر 2009 الأصول التاريخية لتكون هذين التيارين منذ تأسيس الجماعة حتى الأزمة المذكورة عامذاك. تجادل هذه الورقة بأن الجماعة هي الأقل بين الفواعل السياسية المصرية انشقاًقا، ورغم أن الأدبيات الإخوانية الدعائية تتحدث عن بعدٍ رباني ورسالي في هذا التماسك، غير أن تمام يبحث أسباًبا أخرى لهذا التماسك. والجماعة كغيرها من التنظيمات تعمل في إطار نظام سياسي بالمفهوم الواسع له وتتأثر بدواره من حيث الانفتاح والانغلاق، أي بقدرته على الاستيعاب والفاعل الإيجابي أو باتجاهه نحو الاضطهاد والتضييق، وثم إن الإخوان يضمون داخلهم أطيافاً فكرية وجيلية شاسعة يربط بينها حد أدنى من الأيديولوجية الإخوانية والأهم من هذا رابط تنظيمي قوي، ومع تآكل أيديولوجيا الجماعة اختصر مشروعها في التنظيم وفي دعمه والسعي نحو توسيعه ليسع المجتمع ويتغلغل في الدولة.

بدأ حسن البنا ببناء الجماعة التي اتخذت شكل نسق مفتوح أي حركة اجتماعية ودعوية منفتحة على المجتمع، ثم ما لبث أن ظهر لها تنظيم خاص مغلق وسري، وأودى صدامها بالدولة في عهدي الملكية ونظام يوليو إلى سحب الشرعية من الجماعة ثم السعي نحو استئصالها، وبالتالي لم يبق من الدعوة الأولى إلى التنظيم الصلب بعد أن نجح نظام يوليو في استيعاب المكون السياسي الحركي والدعوي لها في مشروعه الوطني العام، ولم يلبث التنظيم المغلق إلا أن وجد في أطروحات سيد قطب إلا جهازاً تبريريّاً مثل الدافع له للحركة تحت شعار الجيل القرآني الفريد، يقول تمام إن القطبية ميزة بنوية في الإسلام السياسي وبصورة ما استعادة لخطاب حسن البنا وذلك لاستهدافها إعادة إحياء إيمان المجتمع وإقامة الدولة الإسلامية، ثم إنها تقدم إطاراً شموليّاً يستوعب الفرد بكافة جوانب حياته ويربطه بالجماعة التي تتحول بهذا إلى طائفة، وعلى أثر أحداث 1965، عانت الجماعة انشقاقاً فكريّاً وتنظيمياً وهي حبيسة المعتقلات، خاصة مع تبرؤ قيادتها من أطروحات سيد قطب، ومع هذا تركت هذه الأطروحة أثرها على قطاع عريض من الجماعة الذي لم يقبل بها كلياً غير أنه أخذ يستبطنها في في الإعلاء من شأن الثقافة التنظيمية وتغليب مبدأ السمع والطاعة والجندية، وهو بهذا راكم خبرة التنظيم الخاص وخبرة المحنة القطبية. وفي السبعينيات، بدأ التكوين الثاني للجماعة وضخت دماء جديدة في تكوينها باستيعابها التيار الأوسع في الحركة الطلابية المنضوية تحت الجماعة الإسلامية، ورغم انفتاح النظام الساداتي، اختارت الجماعة العمل الدعوي وراحت شيئاً فشيئاً تستعيد وحدتها من خلال الدعوة، وقد تولت قيادات النظام الخاص التاريخية مهمة إعادة التكوين وبالتالي هيمنت أيديولوجية التنظيم ذات الروح القطبية على مفاصل الجماعة، رغم احتوائها على تيار إصلاحي. وفي الثمانينيات تحددت استراتيجية الإخوان بالمشاركة في النظام السياسي وفي إطار الدولة، وشهدت الثمانينيات والتسعينيات صعود الجماعة وامتدادها، ولم تؤثر الانشقاقات البسيطة على بنيتها، بل ظلت الأقل انشقاقاً والأكثر تماسكاً.

يفسر تمام هذه الحالة بعدة أسباب، أهمها مركزية العمل الجماعي ووحدة التنظيم وقوة التأسيس الديني والفكري لهذه الفكرة، حيث دائماً ما يتم استدعاء تراث ديني كامل يحض على الوحدة وعدم الفرقة، وتراث أخواني خاص يأثم الخارجين عليها ويرى فيهم خبثاً أولى بالجماعة أن تطرده، كما أن الجماعة باتساع التيارات الفكرية داخلها وتأرجها بين السلفية المتشددة إلى الليبرالية المتدينة تضمن مرونة فكرية تمنع المنضوين تحتها من الخروج، ويبقى أن التنظيم القوي الصارم الذي يسيطر عليه تيار واحد لا يتعرض للخلخلة والاهتزاز جراء النزاعات الفكرية. والأخطر من هذا هو الطبيعة الشمولية للجماعة التي تستوعب حياة أفرادها ويجد الأخ فيها نفسها وقد غزته الجماعة، "فهو يعيش ويتعلم ويصادق ويتزوج ويجد فرصة للعمل وينشط سياسياً ودعوياً في فضاء إخواني كامل" وهو بهذا يرى العالم من ثقب الجماعة التي دائماً ما تصور باعتبارها حاملة المظلومية الإسلامية التاريخية وهو ما يستدعي التماسك والتلاحم وتهميش الخلافات، ويبقى أن أكثر ما كان يحافظ على تماسك الجماعة هو سياسات النظام الذي كان حريصاً على إبقاء الجماعة كما هي، من قبيل المحافظة على تضخيم الخصم، وعدم الترحيب بأي محاولة انشقاقية، على النحو الذي تعامل به نظام مبارك مع حزب الوسط، وكذلك من قبيل المحافظة على القيادات التنظيمية التي يمكن التعامل والتفاوض معها.

الإخوان والحركات الاحتجاجية

ألقى هذا الانقسام الذي تشهده الجماعة بين التيار الإصلاحي، تيار العمل العام، والتيار المحافظ، تيار التنظيم بظله على موقف الجماعة من الحركات الاحتجاجية التي شهدتها مصر على سوء الحالة الاقتصادية وانسداد أفق العملية السياسية وتصاعد هذه الحركات التي يصعب تتبع "المستوى السياسي" فيها عام 2008، مع الدعوة إلى إضرابات عامة وصلت إلى حد التمرد على سلطة الدولة كما حدث في المحلة الكبرى. انفجرت الحركات الاحتجاجية في مصر في الوقت الذي كيلت فيه ضربات للتيار الإصلاحي داخل الجماعة، وتزايد قبضة التنظيميين، وبينما كان يرى الإصلاحيون إمكانية التلاحم مع هذه الحركات وربما ركوبها لممارسة مزيد من الضغط على النظام الذي سد أفق الحراك السياسي، ربط المحافظون المشاركة بإصلاح سياسي أوسع كلياني تحقق من ورائه الجماعة مكاسب حقيقة، وهو ما لم تكن توفره الحركات الاحتجاجية، وبالتالي لم تستطع الجماعة الالتحام مع مطالب الشارع ورغم قوتها وحضورها لم تكن جزءاً من التيار العام، وربما كان مبعث هذا استعلاء إخواني على مطالب بسيطة لا تراها الجماعة مطالب سياسية حقيقية، وربما جعلت المسحة اليسارية التي صبغت الحركات الاحتجاجية الجماعة تعف الاقتراب منها نظرًا لخصومة أيديولوجية. الأخطر من هذا أن هذا الموقف السلبي للجماعة قد عكس افتقادها لرؤية ميكانزمات التغيير الجديدة في المجتمع المصري والتي لا تخضع لحساب القوى التقليدية بل تتجاوزها، كما أن الجماعة كانت جزءاً من تكوين مشروع الدولة المصرية والتي لم يلق تحولها الاقتصادي والاجتماعي نحو النيوليبرالية إلا الترحيب من الجماعة التي أفادت من هذه التحولات، ويضرب تمام هنا مثالاً في تأييد الإخوان لقانون الإيجارات الزراعية الجديد الذي أتى على البقية الباقية من إرث الإصلاح الزراعي الذي دشنه جمال عبد الناصر.

يقول تمام إن الإرث المحافظ للجماعة قد حدد وجهة تعاملها مع الحركات الاحتجاجية الجديدة والتي لم تكن ثورة يناير إلا تتويجاً لها، ولهذا بقيت الجماعة في البداية بمنأى عن المشهد، ولم تلحق بركاب الثورة إلا متأخراً. والحال أن الثورة قد جاءت والجماعة قد سيطر عليها تيار التنظيم وتوارى التيار الإصلاحي (بعد هزائمه في انتخابات مجلس شورى الجماعة وأعضاء مكتب الإرشاد أعوام 2008، 2009، 2010)، ونظراً لغياب الرؤية الصحيحة لدى قادتها فيما يتعلق بطبيعة الحركة الجديدة في الشارع، فسرعان ما اختارت قيادتها سبل التوافقق مع النظام الذي شاركها أيضاً في عدم فهمه لطبيعة الحركة التي تغيب عنها القيادة والتنظيم وتحكمها العفوية، ولم يكن هذا موقف الجماعة وحدها بل أيضاً بقية القوى السياسية التقليدية التي سارعت أيضاً بالتفاوض مع النظام. ومع فشل التفاوض وانتصار الميدان ومطلبه بإسقاط رأس النظام، لم تتعامل القيادة المحافظة للجماعة مع الواقع بمنطق الثورة الذي تعافه نظراً لطبيعتها المحافظة، بل أخذت تبحث للجماعة عن مكان في النظام الذي خالته جديداً ولم تسع لتغيير أي من قواعده، وبالتالي أصبحت الجماعة أقرب إلى خط السلطة كما يمثله المجلس العسكري الحاكم، وهو ما أوحى بشهر عسل طويل الأمد بين الطرفين في مواجهات قوى الثورة. ورغم وجود انشقاقات في الجماعة كان أبرزها الخروج التاريخي لعبد المنعم أبو الفتوح الوجه الإصلاحي الأبرز، غير أن الجماعة حافظت على تماسكها، بل أن هذا التماسك عززه الشعور بالمهداوية والاقتراب من التمكين بعد رحلة ثمانين عاماً من النضال، لم تسع الجماعة إلى أي تغيير في بنية تكوينها أو فكرها، والأحرى بنا القول أنها لم تكن في حاجة لهذا بعدما انتشت بدوى الانتصارات بداية من الاستفتاء الموصوف الآن بالمشؤوم ونهاية بمعركة الرئاسيات، وبقيت الجماعة ترسخ من بنيتها التي تحيلها إلى طائفة ممتدة الأذرع وموازية للدولة وإن كانت أقل منها.

يتناول تمام ظاهرتين عززتا من "طائفية الإخوان" الأولى هي الترييف، والثانية هي التسلف.

ترييف الإخوان

"جماعة الإخوان المسلمين جماعة مدينية حضرية، وظل الريف عصيّاً عليها" هذه المقولة نالها كثير من التغيير بعدما أصبحت الجماعة أسيرة للترييف أي زيادة نفوذ المكون الريفي بداخلها وترصد هذه الدراسة أثر هذا التمدد على الثقافة التنظيمية والبنية المؤسسة التي قامت عليها الحركة. وقد مثلت الهجرة الريفية إلى المدن المعين الخصب للجماعة من حيث التعبئة والتجنيد والتنظيم، وظل الريف يمثل حالة القيم الأصيلة المعبرة الهوية الحقيقية للمجتمع الذي سعت الجماعة إلى إصلاحه، وكان ظهور الجماعة سعياً نحو إصلاح الخلل بين الحداثة والتقليد، واعتمدت الجماعة في تكوينها الأصيل على طبقة وسطى مدينة في مواجهة النخبة الأرستقراطية المسيطرة على الحياة السياسية. وشهدت الستينات تعثر مشروع التحديث الناصري وهو ما أدى إلى الدخول في أزمات التنمية التي كانت تزايد الهجرة الريفية إلى الحضر أحد عناوينها، وهي الفترة نفسها التي شهدت التأسيس الثاني للجماعية واتجاهها نحو التركيز على التنظيم ومده، فاستقطبت الجماعة هؤلاء القادمين من الريف، ووفرت لهم ملاذاً في مواجهة واقع حضري يسبب لهم حالة من الاغتراب على أثر التحديث السريع، وفي هذا الصدد يرى تمام أن أهم ما بقي دافعاً للالتحاق بالجماعة هو جاذبية كونها تصلح كإطار اجتماعي حاضن للفرد وحماية لهم في عالم يشعر فيه بالغربة، ومن ثم تحولت التركيبة الداخلية للإخوان لصالح المنحدرين من أصول ريفية، فيما جرى استبعاد رمز السبعينات الذين قادوا مرحلة العمل العام ، وقد ظهر هذا الترييف في انتخابات مكتب الإرشاد الذي أعطى وزناً أكبر للمحافظات الريفية على حساب محافظات مدينية، وقد فعلت القيادة الإخوانية هذا والتي يعبر عنها تيار التنظيم استجابة لما جرى من ترييف ويصب في مصلحة هذا التيار الذي يغلب السمع والطاعة.

هذا الترييف له انعكاسات في ثقافة الجماعة، حيث سادت ثقافة ريفية تتوسل قيم الأبوية والإذعان التنظيمي والطاعة المطلقة وانتشار ثقافة الثواب والعقاب والتخويف وأيضاً التماثل والتشابه لدرجة التنميط بين الأفراد المنتمين للجماعة، وارتبط بهذا ظهور شللية أقرب إلى العصبيات التقليدية وتهميش للقواعد واللوائح التي بني عليها التنظيم لصالح مجتمعات النميمة، ولم يعد من المهم أن تجرى الانتخابات عى أسس وقواعد بقدر أن تكون هناك احترام للقيادة ووجوب للثقة فيها، كما أن هذا الترييف قد ارتبط في أحد جوانبه بتغليب المكون السلفي للجماعة، وقد ولى عنها عصر أفندية البنا.

الإخوان وصعود السلفية

شهدت مرحلة ما قبل الثورة اتجاهاً لدى الإخوان نحو النظر في قضايا فقهية لم تكن مطروحة من قبل ضمن أطروحة الجماعة، ظهرت هذه القضايا في وضع البرنامج الإصلاحي وهي متعلقة بولاية المرأة والذمي والرقابة الشرعية على التشريع، وغيرها، يقول تمام إن مناقشة هذه القضايا لم تكن إلا دلالة على اتجاه لاجماعة نحو التسلف، وهو ما يعبر عن تآكل الأطروحة الأصلية للإخوان التي وضعها البنا. ويوضح أن هذا التسلف بدأ على مراحل، فبعد أن كانت الجماعة سلفية بالمفهوم الذي يعتبر امتداداً للسلفية المستنيرة التي عبر عنها الإمام محمد عبده ورشيد رضا، وقد سيطرت على الجماعة في البداية نزعة صوفية واضحة تناسبت مع أهداف الدعوة والتربية ولمست الحس الديني الشعبي، بدأت أولى مراحل التسلف بتأثير السلفية الوهابية على القيادات التي هاجرت إلى الخليج والعربية السعودية عقب الضربات الناصرية (1954-1965)، ثم تلاقى تسلف قواعد الجماعة مع اختراق الوهابية للتدين المصري، واتجاه المجتمع نحوم مزيد من التسلف مع فتح باب الهجرة إثر سياسات الانفتاح الساداتية ثم عودة العوائل التي هاجرت وتأثرت بالوهابية إلى مصر، وقد التقت السلفية آنذاك مع الفكرة القطبية لتخرج عنها سلفية جهادية استباحت العمل المسلح ضد الدولة، فيما استوعبت الجماعة النزوع السلفي واستجابت له ليسود في الثمانينيات جيل من الإخوان السلفيين، وبقيت هذه السلفية كامنة تخضع لحركة مد وجزر فرضتها طبيعة السياق المصري ثم طبيعة الإخوان الباحثين عن هوية تميزهم عن غيرهم، ومع تزايد تدين المجتمع وزيادة الطلب على الدين تماهت القاعدة الإخوانية مع الأطروحة السلفية وصارت أكثر ميلا للمحافظة، وحرصت الجماعة عى أن تضم بين جنباتها الممتدة أعلام للحركة السلفية، وأضحت السلفية رافدًا أصيلا إن لم يكن مهيمناً على الجماعة، كما أصبحت مصادر الدعوة والتثقيف تأتي من رموز سلفية وإخوانية مزدوجة.

وكما انعكس التسلف في تمظهرات ثقافية ودعوية للجماعة، انعكس أيضاً في عملية الفرز والترتيب الداخلي أي تنظيم الجماعة، وقد هيمن تيار التنظيم عليها وهذا التيار تتقاطع معه حالة عالية من التسلف وبقايا الأطروحة القطبية ، ومن هنا جاءت محاصرة الأفكار التي روجت للتيار الإصلاحي الداعي إلى الماركة في العمل العام والالتحام مع بقية القوى السياسية . ويؤكد تمام أن أهم ما تعبر عنه حالة التسلف الإخواني هو أن المنظمومة الإخوانية قد انتقلت عبر نصف قرن من الإطار التوفيقي الجامع إلى الإطار السلفي المهتم بالنقاء العقائدي وما يفرضه من حجاج وصدام، وهو ما يعني أن الإخوان الذين كانوا على تعايش مع الإرث الثقافي والديني للمجتمع أصبحوا على وشك القطيعة مع إرثهم هذا. ومن هنا شهدت الأطروحة الإخوانية عبر ثمانية عقود الانتقال من استعادة الهوية الإسلامية كما عبر عنها البنا، إلى الحديث عن الحاكمية في مواجهة الدولة والمجتمع كما عبرت عنها المرحلة القطبية إلى التركيز على الدفاع عن الأخلاق العامة من داخل مؤسسات النظام حتى انتهت إلى أرثوذكسية سلفية مفارقة للثقافة والمجتمع. وفيما اتجهت قيادة الجماعة منذ إعادة تأسيسها إلى تقوية التنظيم ونشرها داخل طبقات وشرائح اجتماعية مختلفة، أهملت أي تأسيس أيدلوجي، ووجدت في الأطروحات السلفية متكئاً لها يعوضها عن هذا الفقر في الاجتهاد الفكري.

الإخوان والجهاد

نشأت الحركة وداخلها ميول عسكريتارية جسدتها فرق الجوالة، ثم النظام الخاص الذي رغم مشاركتها في الجهاد في فلسطين عام 1948 تحت أعين الدولة، غير أنه سرعان ما أصبح خطراً عليها أدى إلى حل الجماعة للمرة الأولى ثم اغتيال مرشدها بعد تورطه في أعمال عنف واغتيالات سياسية في الداخل. ولم يكن نظام يوليو يقبل وجود مركز شرعي داخل الدولة يمارس العنف، فكان استئصال الجماعة التي ظلت جينات العنف بداخلها، ولم تكن الأطروحة القطبية إلا تنشيطاً لها وهو ما أدى إلى الحملة الثانية التي قادها نظام يوليو في 1965، ورغم نفي قادة التنظيم للأطروحة القطبية في رسالة "دعاة لا قضاة" غير أنها لم تنجح في القضاء على الجينات العنفية داخل الجماعة التي ظلت كامنة، ومع حماس التغيير المسلح الذي قادته الجماعات الجهادية التي قبلت الأطروحة القطبية كليّاً والذي تجسد في اعتيال السادات 1981، ثم تفجر المواجهة العنفية بين الدولة وهذه الجماعات حتى منتصف التسعينيات، فإن الجماعة قد اختارت أن تحسم رفضها لخيار العنف وأن تشارك في العملية السياسية السلمية وكانت المشاركة في انتخابات 1984 بالتحالف مع الوفد الليبرالي تدشيناً لها، وأطلق قيادي الجماعة صالح أبو دقيق في تلك الآونة تصريحاً شهيراً مفاده أن "الجماعة قد طلقت العنف بالتلاتة"، لتنحصر تأثيرات القطبية والنظام الخاص في هيمنة عقلية "التنظيم" على الجماعة التي طرحت نفسها كبديل إسلامي معتدل ورافض للعنف في مقابل الجهاديين، دون أن يعني هذا الطلاق مراجعة شاملة لموقف الجماعة من العنف وقضية الجهاد.

تتقاطع قضية الجهاد مع النزعة الأممية للجماعة، فهي تؤيد جهاد العدو الغازي لأرض الإسلام، دون أن يعني هذا مشاركتها في هذا الجهاد إلا بالدعم الخطابي وربما اللوجيستي الذي لم يكن في تجربة أفغانستان مثلا بعيداً عن أعين الدولة، دون أن تتورط فيه بشكل مباشر على نحو قد يدفعها إلى التورط مع الدولة كما حدث في قضايا "العائدين من أفغانستان" والعائدين من البوسنة. ويبدو اتساع الجماعة للتنوع الأيديولوجي بداخلها قادراً على امتصاص أي نزعة عنفيه، كما أن تمددها داخل المجتمع أفقيّاً ورأسيّاً ووجودها في بعض مؤسسات الدولة، مع قوة التنظيم والتماسك بداخلها، قادر على تحقيق هدفها الأساسي وهو البقاء والاستمرار، ويرتبط الموقف النهائي للجماعة من قضية الجهاد مرتبطاً بتطورات البيئة السياسية المحيطة وما تمنحه من فرص وإكرهات وكذلك بالتركيبة الداخلية التي تنتمي على تنوعها إلى طبقة وسطى تتسم بالحذر.

ربما ساهم انفتاح الأفق ما بعد الثوري أمام الإخوان في تكريس حالة السلمية أكثر ونبذ العنف كاستمرار لخيار الجماعة وتماشياً مع طبيعة الثورة السلمية، غير أن تغلغل الإخوان داخل مؤسسات الدولة قد يحدث انتقالا في السؤال المطروح فالدولة الأمنية الممارسة للعنف لازالت قائمة، فهل ستكون أداة الإخوان في ممارستهم للعنف باسم شرعية الدولة؟ قد يبدو هذا التساؤل غريباً ولكنه جائز خاصة أن الثورة لم تفلح في تغيير طبيعة الدولة أو لم تمتد إلى هذه المؤسسات التي كانت ممارستها السبب الرئيس في اشتعال الثورة، وهذه المؤسسات تتسم بالطبيعة الصماء فهي تعمل لصاحب السلطة، وربما إن حدث هذا ستكون مفارقة تاريخية أن تستخدم هذه الأجهزة لصالح من كانت تمارس عليهم قمعيتها.

الإخوان والدولة

جاءت ولادة الجماعة عقب إلغاء الخلافة باعتبارها الجامعة الأممية الإسلامية، وكثيراً ما بشر البنا بأستاذية العالم، وأخذ ينشئ فروعاً إقليمية للجماعة، ثم إنها كانت جزءاً من الحركة الوطنية المصرية المحلية، وهو ما جعلها تقف على الحافة بين الأممية والوطنية الدولتية. ورغم دخولها في صراع مع الدولة المصرية الملكية، غير أن تحالفها مع الضباط كان بداية المؤشر لدخولها في علاقة مع الدولة المصرية، ثم إن هذا التحالف انتهى إلى صراع كاد أن يستأصلها، نجح فيه نظام يوليو أن يستولى على المشروعية الدينية ويقضى على معارضة الجماعة، وأن يدمج المشروعية الدينة داخل المشروع التحديثي في الوقت الذي اختفى فيه الإخوان من على الساحة. وفي المرحلة القطبية للجماعة، قدم سيد قطب أطروحة أيديولوجية تنزع الشرعية لا المشروعية فقط عن الدولة، وتصمها بالجاهلية، وتضع مشروعاً موازيّاً لمشروع التحديث، يستهدف إقامة المجتمع الإسلامي ودولته الإسلامية، وكونت هذه الأطروحة ركناً راديكالياً داخل الجماعة يظل كامناً. ومع إعادة التنظيم في عهد السادات، عادت الجماعة لتتكامل مع الدولة من باب سد الفراغ الذي أخذت تتركه بانسحابها مع تطبيق الانفتاح والخصخصة، أفاد الإخوان من هذه الأجواء، ودخلت استثماراتهم في المجالات التي نفضت الدولة يدها عنها، بل راحت تدعم النزعة الاستهلاكية التي أحدثها الانفتاح، وعاد من هاجر منهم إلى الخليج ليساهم في بناء الجماعة اقتصادياً، غير أن إصرار الدولة على عدم إعطائها الحق القانوني في الوجودي رغم السماح لها بالتواجد، تركز أكثر على الحفاظ على البقاء، ودفعها الجيل الجديد المتكون من المنتمين إلى جيل السبيعنيات المنفتح على تجربة العمل الطلابي إلى المشاركة السياسية التي وضعتها في مواجهة مع النظام، ورغم هذا الانغماس الوطني ظلت النزعة الأممية كامنة وإن أخذت منحى أيديولوجيا وربما خطابيا، وظهر على السطح التنظيم الدولي للإخوان الذي تم تأسيسه عام 1982، ويجزم تمام أن جزءاً كبيراً من الإخوان لازالوا يفكرون بمنطق الخلافة الإسلامية ويتجاوزون حدود مصر حينما يتعلق الأمر بالقضايا الإسلامية خاصة فلسطين، ويستدعي هنا الإحراج الذي وقعت فيه الجماعة أثناء حرب 2008 على قطاع غزة في قضية حزب الله في مصر التي انحاز فيها الإخوان إلى حماس وحزب الله دون مراعاة لحساسية الأمن القومي المصري، وهو ما جعلها عرضة للتشكيك في وطنيتها.

ومع ذلك تبقى الجماعة وريث غير شرعي لتيار الدولتية المصرية الذي تشرب من القومية الناصرية، التي كان لها أبعادها وجذورها الدينية غير الخفية والمتقاطعة مع الجماعة، والمقصود بهذا الإرث هو مركزية الدولة في الفكرة الإخوانية التي يضعها ضمن الأيديولوجيات التحديثية التي تتصور الدولة باعتبارها أداة التحديث الكبرى التي إن تمت السيطرة على مفاصلها والتحكم بها، يمكن السيطرة على المجتمع وتحديثه، وهو ما جعل أولييفيه روا يقول إن الإخوان والإسلام السياسي عموماً قد تخلوا عن مشروع الدولة الإسلامية مقابلة أسلمة الدولة القائمة عبر الاستيلاء عليها. هذه المركزية الدولتية تتضح في الحجم الذي يوليه الإخوان للدولة برنامجهم الإصلاحي (2007) في الوقت الذي يضمر فيه حديث البرنامج نفسه عن حقوق الفرد، بل ويغيب عنه الحديث عن العقد الاجتماعي، وهو ما يعني أن الإخوان قد استبطنوا في تحالفهم وصراعهم مع الدولة ونظمها ميراث الممارسة السياسية القائم على الإقصاء.

الإخوان والنموذج

هناك مفارقات كبيرة تقف عند استدعاء النموذج التركي كأطروحة فعالة يمكن أن يحتذي بها الإخوان في علاقتهم بالدولة والنظام قبل وبعد الثورة، في الدراسة الأخيرة في الكتاب يرصد تمام هذه المفارقات التي تتسع كثيراً إذا ما قيست بأوجه الشبه بين الحالتين المصرية والتركية والتي لا تعدو الطبيعة السكانية المسلمة السنة الغالبة، والتحالف المؤقت الذي حدث بين الحركة التحررية (الكمالية في تركيا، والناصرية في مصر) وبين القوى الدينية. فبعد كيل النظام الناصري الضربات للإخوان، ثم عودتهم إلى العمل العام في السبعينيات مع الانفتاح والتعددية، بدأ الإخوان في التركيز على بناء التنظيم بعيداً عن الدولة ومن خلال التغلغل في المجتمع وسد الفراغات التي خلفتها الدول، وهو ما جعلهم يكونون شرعية موازية لشرعية وجودها، في الوقت الذي نمت فيه الحركة الإسلامية التركية وتحديداً المللي جورش ثم أحزاب أربكان المتتالية من خلال التعددية السياسية التي أقامها النظام العلماني، وبالتالي كانت شرعية وجود الإسلاميين الأتراك مرتبطة بالدولة التركية التي تبدو أولوية تتجاوز أولوية بقاء الحركة ووجودها أو أولوية الأممية الإسلامية التي لا تزال كامنة عند الإخوان على النحو الذي تم تبيانه في الدراسة السابقة، وفي الوقت الذي أفاد فيه الإسلاميون الأتراك من حرية التواجد في المجال الاقتصادي وقد استطاعوا المساهمة في إخراج تركيا من أزماتها الطاحنة أولا ثم المساهمة في بناء قاعدة اقتصادية قوية لها طبيعة إنتاجية، راح المال الإخواني المستفيد من الانفتاح في تغذية النزعة الاستهلاكية للمجتمع دون مساهمة حقيقة في حل أزماته الاقتصادية.

رغم كل هذه المفارقات وغيرها، يبدو الإخوان أقرب إلى نموذج الحركة الإسلامية التي قادها نجم الدين أربكان قبل خروجه من السلطة عقب الانقلاب الهادئ في 1997، ومع ذلك تبقى تجربة العدالة والتنمية هي محور الحديث ومناط الاستلهام في مصر. يؤكد تمام على أن العدالة والتنمية جاء إلى السلطة كتعبير عن توافق مصلحي اجتماعي واقتصادي يتجاوز "إسلامية الحزب" الغائمة، فمصالح رجال الأعمال والنافرين من الكمالية المتطرفة والمتضررين من الأزمة الاقتصادية، وأصحاب التوجه الأوروبي قد تجمعت مصالحهم عند عتبة الحزب. هذا في الوقت الذي نجح الإخوان في الولوج إلى البرلمان 2000، و2005، على خلفية إصابة القوى السياسية بالشلل وهو ما أدى إلى التشكك وهو ما أودى إلى علاقة شك ضمني وفقدانهم لأرصدة اجتماعية وسياسية وحقوقية، وبينما نأى الحزب عن أي مواجهة مع الدولة التركية، ووضع نفسه دون أي شبهة إسلاموية مع الأحزاب المحافظة وسعى للتوافق مع الأساس العلماني للدول ومن ثم فصل تمامًا بين الدعوي والسياسي، لا تبدو الجماعة قادرة على المساهمة في إصلاح النظام السياسي المصري لفشلها في هذا، وقد نقل الحزب معاركه مع الدولة الكمالية إلى الدائرة الحقوقية المتجاوزة للصراع بين النزعتين الإسلامية والعلمانية، في الوقت الذي يستدعي فيه الإخوان هذا الصراع الاستقطابي في كل صدام مع الدول. لا تستخلص هذه الورقة أي نتائج متعلقة بمدى صلاحية نموذج نجاح الحركة الإسلامية في تركيا لواقع الحركة الإسلامية في مصر خاصة الإخوان غير أنها ترصد المفارقات الضخمة بين النموذجين، من ثم تؤكد ضمناً أن النموذج التركي أبعد ما يكون عن إمكانية تنفيذه على يد الجماعة.

aymaan noor 30-08-2012 01:44 AM

أزمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان
 
أزمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان
http://www.jadaliyya.com/content_ima...ikkkkkkwan.jpg
عمرو عادلي
قد يكون من المبكر القطع بتوجه الإخوان الاقتصادي، وموقفهم النهائي من قضايا العدالة الاجتماعية والنمو والتوزيع ودور الدولة في الاقتصاد إذ أن البرلمان الذي حظيت فيه الجماعة بأكثرية نسبية كان قصير العمر كما أن الرئيس المنتخب محمد مرسي لم يقض أكثر من شهر فحسب في المنصب الجديد. بيد أنه بالإمكان الحديث عن الميول العامة والتصورات الحاضرة لدى جماعة الإخوان فيما يتعلق بالسياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية من واقع برنامج حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة ومشروع النهضة والبرنامج الانتخابي للرئيس مرسي. ولا شك فإن هذه الوثائق مضافاً إليها ما صدر من قرارات وقوانين ومشروعات قوانين عن البرلمان المنحل ومن الرئيس حديث الانتخاب تكشف لنا بشكل مبدئي ومبكر عن طبيعة الانحيازات الاجتماعية والسياسية التي تراهن عليها قيادات الإخوان في الوقت الحالي، كما تكشف عن التصورات الأولى للتحالف الاجتماعي المنتظر إنشاؤه في سنوات حكم الإخوان القادمة.

واستناداً لما سبق فإن التصورات الإخوانية الاقتصادية والاجتماعية تبدو محافظة بمعنى عدم قيامها على تغييرات جذرية لا في علاقات الملكية (غلبة القطاع الخاص ومد دوره الإنتاجي والتوزيعي) ولا في علاقة الدولة بالسوق ولا كذلك في علاقة مصر بالاقتصاد العالمي ممثلاً في التجارة وانتقالات رؤوس الأموال والالتزام بمشروطية المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية. وقد عبر خطاب القيادات الإخوانية عن رغبة في استمرار السياسات الاقتصادية على ما كانت عليه قبل الثورة مع التشديد على مكافحة الفساد والمحسوبية، وهو ما يعني استمرار الخط النيوليبرالي العام الذي سلكته الحكومات المصرية المتعاقبة منذ تبني برنامج الإصلاح الهيكلي في مطلع التسعينيات. ويطرح المقال تساؤلاً استشرافياً حول إمكانية إبقاء النخبة الإخوانية الجديدة على نموذج النمو النيوليبرالي ما بعد الثورة. وما هي العوائق التي قد تحول دون هذا الاستمرار مع انفتاح المجال السياسي، وانهيار النظام القمعي، والتمكين الانتخابي لشرائح عريضة من المصريين حديثي التسيس في خضم إلحاح القضايا الاجتماعية والاقتصادية؟

خيار الإخوان: النيوليبرالية كخيار عملي لا أيديولوجي

يحلو لبعض المحللين والمتابعين لمواقف الإخوان الاقتصادية القول بأن للجماعة مواقف تميل لليمين الاقتصادي المحافظ بمعنى الانحياز للمستثمرين ورجال الأعمال، وخاصة رأس المال الكبير والأجنبي، ومساواة التنمية الاقتصادية بمعدلات نمو مرتفعة دون النظر بشكل جدي لآليات التوزيع بجانب عدم النظر بعين العطف على مطالب الحريات النقابية وحقوق العمال. وكلها ملامح تشي بأن للإخوان أيديولوجية رأسمالية على غرار الحزب الجمهوري الأمريكي على حد قول زينب أبو المجد. وقد أرجع البعض هذا التوجه لطبيعة الجماعة المحافظة، والتي لا تتبنى تصورا واضحا عن حقوق المهمشين الاقتصادية والاجتماعية بقدر ما تملك برنامجاً هوياتياً يخص علاقة الإسلام بالمجال العام والدولة. وأبرز هؤلاء المحللون دور رجال الأعمال داخل جماعة الإخوان المسلمين، وخصوا بالذكر أناساً كخيرت الشاطر وحسن مالك باعتبارهما من رجال رأس المال الكبار الذين كونوا ثروات طائلة من خلال الانخراط في أنشطة التجارة والاستيراد من ناحية، والدخول في شراكة مع رؤوس الأموال الأجنبية وخاصة الخليجية من ناحية أخرى مما يخلق لهم مصالح خاصة لاستمرار ذات التحولات النيوليبرالية بل وزيادة اندماج الاقتصاد المصري في تقسيم العمل الدولي. وإذا مدت هذه التحليلات على استقامتها يصبح الإخوان في واقع الحال ورثة مشروع جمال مبارك مع كونهم أكثر قدرة منه على إنجاز المشروع بحكم تمتعهم بتنظيم حزبي قوي يضمن لهم الأغلبية الشرعية عبر الانتخاب واستنادهم للشرعية السياسية/الدينية.

فهل الإخوان تنظيم يميني محافظ بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي؟ هل هم النسخة المصرية من حزب المحافظين البريطاني أو الحزب الجمهوري الأمريكي؟ في تصوري أن الإجابة هي بالنفي. فمحافظة الإخوان المسلمين ليست أيديولوجية بقدر ما هي نابعة من حسابات عملية تتعلق بالأساس بمصالح الجماعة وبطبيعة المرحلة من حيث انتقال السلطة والصراعات المرتبطة بها منذ سقوط مبارك.

أولها تتعلق بوضع مصر كدولة ذات غالبية فقيرة في العالم النامي. فما من إمكانية لظهور حزب لرجال الأعمال يتبنى الأيديولوجية النيوليبرالية صراحة قولاً وعملاً ويحظى بأغلبية شعبية. فالأحزاب المحافظة بالمعنى الاقتصادي تقوم على تفكيك مؤسسات دولة الرفاه – وهو ما يغيب أصلاً عن الحالة المصرية وعن أغلب الدول النامية-. وتعتمد في هذا على تأييد واسع من الطبقات الوسطى –والتي لا تشكل الأغلبية إلا في بلدان الشمال الرأسمالية- في مقابل الطبقات العاملة. وفي هذه المجتمعات تحظى أيديولوجية السوق الحر بكثير من المصداقية باعتبارها أفضل سبل تخصيص الموارد الاقتصادية بكفاءة، وباعتبار أن الحرية الاقتصادية شرط أساسي للحرية السياسية.

ومثل هذه التصورات لا سبيل لقبولها شعبياً في بلد غالبية سكانه من الفقراء في الريف والمدن من ناحية، ويرتبط تقليدياً برباط أبوي مع حكامه من ناحية أخرى قوامه اضطلاع الدولة بتوفير سلع وخدمات أساسية تفي بالإعاشة (من عينة الخبز والزيت والكيروسين والسولار) من ناحية أخرى. ويضاف إلى هذا أن حزب الإخوان المسلمين قد وصل للسلطة في أعقاب انهيار نظام مستبد طبق سياسات نيوليبرالية على استحياء لعدة سنوات (2004-2008)، ومع محدودية الإصلاحات هذه فقد أدت إلى تفجير موجة عاتية من الاحتجاجات الجماهيرية التي انتهت بالإطاحة به، ولا تزال الاضرابات والاعتصامات والتظاهرات العمالية مشتعلة في ظل انهيار الدولة الأمنية على نحو يضع قيودا سياسية جمة على تصور نيوليبرالي واسع، وإلا عد من باب الانتحار السياسي لتنظيم يعتمد على نتائج الانتخابات في المقام الأول لتأمين موقعه في السلطة.

مأزق التبرير السياسي للنيوليبرالية

ليس بوسع حزب يسعى للهيمنة على المجال السياسي الجديد في مصر أن يعلن صراحة عن اتباعه أيديولوجية اقتصادية محافظة أو نيوليبرالية. وإنما سيتم دوما تبرير استمرار الإجراءات والسياسات النيوليبرالية ليس بذاتها وإنما بأثرها على الخير العام أي الحديث عن ضرورة استمرار عمل القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية بما يحقق معدلات للنمو وخلق فرص عمل ومن ثم تحسين مستويات المعيشة ورفع الدخول للغالبية من المصريين خاصة الطبقات الوسطى التقليدية في الريف والمدن، والتي لا تزال تملك خيالاً ناصرياً للغاية للعدالة الاجتماعية من حيث ملكية الدولة لوسائل الإنتاج (القطاع العام)، والتزام الدولة بتقديم خدمات عامة مجانية من قبيل العلاج والتعليم مع وضع حد أقصى وأدنى للأجور وهلم جرا.

ومن هنا فإن حزب الأغلبية الإخواني ببرلمانه المنحل ورئيسه المنتخب قد ورث في حقيقة الحال الحزب الوطني لا بشبكاته وفساده ومحاسيبه، ولا بتفككه وترهله واعتماده الكلي على الأجهزة الأمنية، وإنما بأزمته في إنتاج خطاب يبرر التحول الرأسمالي، وبالتالي تفكيك مكتسبات الطبقات الوسطى والعمالية من العهد الناصري، دون أن يفقده هيمنته السياسية. وهذه المفارقة الرئيسية هي التي قد تفسر كم التناقضات التي يحويها الموقف الإخواني المبدئي من مسائل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية. والتي تتجلى في برنامجه الحزبي وفي مشروع النهضة وفي العمل البرلماني الإخواني. وهي تناقضات لا تشبه سوى مواقف الحزب الوطني في جمعها لمكونات متضاربة للسياسات والقرارات تتأرجح من الالتزام بالتحرير الاقتصادي والخصخصة وحفز دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية وغيرها من ملامح الأحزاب اليمينية إلى بذل الوعود ووضع البرامج وتخصيص الموارد فعلياً لبرامج وسياسات توزيعية تقترب كثيرا من تصورات دولة الرفاه الخاصة بيسار الوسط مما يزيد من نطاق التناقضات الحاكمة للسياسات العامة.

2.1-الوعود التوزيعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية

بجانب تأكيد البرامج الإخوانية المختلفة على اقتصاد السوق الحر، وعلى استمرار العمل في إطار القطاع الخاص، وتبني نموذج تنموي يعلي من قيم النمو من خلال التصدير وجذب استثمارات أجنبية فإن ثمة ملامح توزيعية واضحة في البرامج نفسها تتمثل في التزامات على الدولة في مواجهة شرائح اجتماعية متعددة. فعلى سبيل المثال نجد في برنامج حزب الإخوان حديثاً عن إنشاء صندوق قومي لمنح إعانة بطالة للمتعطلين وتيسير إجراءات الحصول عليها، وذلك عن طريق تشريع قانون. وهو ملمح يدل وضعه في برنامج الحزب عن وعود توزيعية لفئة عريضة من الشباب العاطل الذي تصل نسبته لقوة العمل إلى ما بين 10 و20%. وبغض النظر عن جدية الطرح من عدمه –خاصة وأنه لم تتم مناقشة أي قانون بهذا الخصوص بعد- فإن ذكر الحزب لهذا الأمر في برنامجه يعني استهدافه لشرائح من الطبقات الوسطى والوسطى الدنيا خاصة في المدن بترتيبات تقترب به كثيراً من أطروحات أحزاب اليسار ويسار الوسط، وهو ما يعني أن قيادات الإخوان المسلمين لا تتبنى تصوراً نيوليبرالياً أو يمينياً محافظاً متسقاً من الاقتصاد ودور الدولة فيه ولا فيه قصر المواطنة على الحقوق السياسية دون الاقتصادية والاجتماعية.

وينطبق الأمر ذاته على بند "تحسين أوضاع العمال والفلاحين" من حيث التعهد بوضع حد أدنى للأجر يضمن حياة كريمة للأسرة المصرية مع "إقرار زيادة سنوية تكفي لمواجهة التضخم". وهو إجراء تماماً كإعانة البطالة لم تقره أي حكومة يوماً في تاريخ البلاد الحديث –بما في ذلك في العصر الناصري-. وهو إجراء يدفع بالحزب، على مستوى البرنامج على الأقل، إلى حكومة أحزاب يسار الوسط التي تراهن على الطبقة الوسطى من العاملين بأجر في القطاع الرسمي، والذين من المنتظر أن يستفيدوا من وضع حد أدنى للأجور علاوة على موظفي الحكومة. وينسحب الأمر نفسه على رفع الحد الأدنى للمعاشات وإقرار زيادات سنوية تكفي لمواجهة ارتفاع الأسعار. ويذهب البرنامج إلى الحديث عن توسيع مظلة التأمينات لتشمل كل المصريين، وهو اتجاه يتمشى مع وضع حد أدنى للأجور وربطه بالتضخم. وكلها ملامح لحزب عمالي وليست لحزب لرجال الأعمال. وهو ما صدر به قرار جمهوري بالفعل رفع المعاشات لكل من العاملين المدنيين والعسكريين بالدولة.

وتتكامل تصورات الرفاه هذه في جانب من برنامج حزب الحرية والعدالة بالتأكيد على "كفالة الدولة للتأمين الصحي كاملاً ودون أدنى أعباء" و"مد مظلة التأمين الطبي لتغطي كافة طبقات الشعب وفيها يدفع الفرد مايستطيع ويحصل على مايحتاج" .وهو بالطبع طرح طموح للغاية، وإن كان ينقصه جدول زمني وبرنامج وخطة يقتضي تطبيقها سنوات طويلة. ويقر البرنامج تصوراً للرعاية الصحية يقوم على زيادة المخصصات المالية للصحة بشكل تدريجي حتى تصل للمعدلات العالمية، وزيادة دخول الفرق الطبية.والمثير للانتباه أن التزام حزب الجماعة بالتأمين الصحي الشامل لم يقف عند ذكره في البرنامج فحسب بل امتد إلى أعمال مجلسي الشعب والشورى كذلك. فنجد أن رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى د. عبد الغفار صالحين النائب السابق عن حزب الحرية والعدالة يصرح بأن "جميع المصريين تحت مظلة التأمين الصحي خلال خمس سنوات فقط". ونجده وقد أفاض بالقول أن الحزب يسعى لوضع "نظام متكامل ما بين 4 إلى 8 سنوات"، وأنه يسعى لتوسيع العلاج على نفقة الدولة ليشتمل على أمراض أخرى بعد قصره على أربعة أمراض فقط. . .ويتعهد كذلك بحل "أزمة الريف الصحية" من خلال إعادة توزيع الموارد المادية والبشرية. ويخلص د.عبد الغفار إلى القول بـ""طبعا تحتاج {الخطة} إلى ميزانية كبيرة، ولكننا لسنا أقل من الدول الإفريقية الأضعف منا اقتصادياً ومواردها أقل...فسنعمل على إعادة توزيع ميزانية الصحة والتعليم، التي هي عصب نهضة الأمم ولا يمكن أن يستمر نفس التوزيع الذي يعظم من ميزانية الأمن على حساب الصحة والتعليم".

ونلمس الاضطراب ذاته في تصورات العلاقة الرابطة بين الدولة ودورها التدخلي في الاقتصاد ونظام السوق الحر فثمة ذكر واضح لدور الدولة في مواجهة الغلاء والقضاء على الفقر والبطالة وتقديم الخدمات العامة الأساسية من مرافق وتعليم ورعاية صحية ونقل ومواصلات. ويتناول البرنامج كذلك بالحديث مطولاً عن دور الدولة التنظيمي في ضبط علاقات السوق من خلال تفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار. وهو ما تمت مناقشته بالفعل في البرلمان والدفع باتجاهه بتخفيض الغرامات المفروضة على المبلغ عن الممارسة الاحتكارية، بل ويذهب البرنامج إلى الحديث عن "المراقبة الصارمة للأسواق لتحديد مدى الالتزام بالحدود المتفق عليها للسعر" وهو ما يوحي بفرض الدولة لنوع ما من التسعير الجبري، ربما للسلع والخدمات الأساسية.

2.2-الاقتصاد القومي في مواجهة الاقتصاد الرأسمالي

وأما الملمح الثاني للتناقض فيتمثل في تقديم تبريرات قومية لعمل الاقتصاد الرأسمالي. فالقطاع الخاص سواء أكان وطنياً أو أجنبياً لا يبرر على أرضية كفاءة استخدام الموارد أو تفوق نموذج السوق على ما عداه ولا يبرر بالطبع من زاوية حقوق الملكية الراسخة –لغياب مثل هذا التقليد في البلدان غير الرأسمالية بما فيها مصر-، وإنما يبرره العائد الذي يمكن أن يحققه من خلال رفع الدخول وتوليد فرص العمل وتحسين القدرة على الاستهلاك للغالبية من السكان، وخاصة الطبقات المتوسطة في المدن. وعمل الاقتصاد الخاص في إطار أهداف عامة يحمل منطقين متضاربين تمام التضارب بين إطلاق آليات السوق بمقتضى العولمة المتجاوزة للدولة القومية، وبين منطق إخضاع الاقتصاد للأهداف القومية التي تضعها الدولة. ومن هنا تبرز المشكلات فيما يتعلق بالمسلمات الخاصة باستمرار العلاقة بين مصر والعالم وباستمرار الإطار الرأسمالي ودور الدولة كما هو.

وللقارئ المدقق فإن برنامج الحزب ومشروع النهضة يتأرجحان بين مدخلين متضاربين لإدارة الاقتصاد الأول منهما قومي تدخلي "ناصري الهوى" يرى أن وحدة التفاعل الاقتصادي هو "الدولة". ويرى أن تخصيص الموارد يجب أن يخضع لأهداف تضعها الدولة سواء أكانت قومية "كالاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية كالقمح والسكر والزيت واللحوم والقطن" كما يرد في برنامج الحزب، والذي يذهب إلى "ترشيد سياسة الخصخصة وضبطها وفق سياسة واضحة، وخصوصاً بالنسبة للصناعات الإستراتيجية" في تجل واضح للإعلاء من منطق الاقتصاد القومي على اقتصاد السوق. ويتجلى ملمح ناصري آخر بالحديث عن "تشجيع الإنتاج المحلي وترشيد عمليات الاستيراد". وهو تصور يقترب من البرامج السابقة على الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، والتي كانت تعلي من شأن التنمية في مصر بالاعتماد على السوق المحلية ومن خلال التصنيع الذي يحل محل الواردات بديلا عن الاندماج في الاقتصاد العالمي. وحتى لو لم تترجم هذه الأهداف إلى برامج أو سياسات على أرض الواقع بحكم الالتزام الفعلي بآليات السوق وانفتاح الاقتصاد المصري على العالم إلا أن حضورها على مستوى الخطاب دليل وحده على قدر من الازدواجية من حيث الحاجة لسوق تبريرات تتناسب وتصورات قواعدهم المستهدفة.

ويحضرنا هنا بالطبع القول بأن ترتيبات الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والحدود الدنيا والقصوى للدخل هي أقرب لترتيبات الدولة الأبوية منها إلى دولة الرفاه، حيث إن التصور الأساسي هو قيام الدولة بتوفير هذه الخدمات دون الحاجة لإطلاق حرية تمثيل المصالح الاجتماعية المختلفة في صورة نقابات واتحادات وجمعيات كما هو الحال في دولة الرفاه، والتي تتداخل فيها الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعا باعتبارها مؤسسة للمواطنة. بيد أن حضور مثل هذه التعهدات في البرنامج وفي الخطاب وفي العمل البرلماني الإخواني دليل كاف كذلك على طبيعة ما يتوقعه جزء من القواعد التي صوتت للحرية والعدالة. وهو كما سبق الذكر مخيال ناصري عن العدالة الاجتماعية لم يتغير كثيرا رغم الاضمحلال الشديد الذي أصاب ترتيبات الناصرية منذ هزيمة 1967، وما تلاها من تغيرات كبيرة في السياسات العامة الداخلية وكذا الخارجية. وبما إن الجزء الأكبر من الطبقات الوسطى ذات الحظ من التعليم والتأهيل لم تكسب كثيرا من اندماج مصر في الاقتصاد العالمي منذ الانفتاح في السبعينيات ومروراً بتبني التحول الهيكلي في مطلع التسعينيات ثم إصلاحات نظيف النيوليبرالية منذ 2004. ومع تدهور نصيب هذه الطبقات من الدخل القومي، وتراجع مع تحصل عليه فعلياً من خدمات الدولة العامة من صحة وتعليم ومواصلات أخذت قواعد النظام المستبد للسادات ثم لمبارك في التآكل رويداً رويداً حتى أفضت لمشاهد انتخابية بالغة الدلالة على عزلة النظام المتصاعدة منذ 2000 ومرورا بـ2005 وختاما بـ2010 التي أفضت لانتفاضة يناير 2011.

3-أين تكمن جذور الإشكال؟ الأبوية في مواجهة النيوليبرالية

كانت رؤية السادات ومن بعده مبارك من وراء التحرير الاقتصادي والخصخصة والسماح بحرية حركة رأس المال هو زيادة الموارد المتاحة للنظام نتاجاً لأزمته المالية المستحكمة منذ منتصف السبعينيات. فإذا نظرنا لعهد مبارك (1981-2011) وجدنا أن التصور الغالب على النظام الحاكم كان إتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء اقتصاد سوق تنافسي قادر على توليد نمو اقتصادي مرتفع وخلق فرص عمل بما يعود على قواعد اجتماعية بالنفع تعوض النظام ما خسره من شرعية مع تردي القواعد الموروثة من العهد الناصري. بيد أن نظام مبارك وبعد عقدين من التحول الاقتصادي عجز عن التسويق لشرعيته على أسس غير ناصرية إذ ظل الأصل هو الحفاظ على ما تبقى من الدولة الأبوية ولو كان اسمياً بتعليم ورعاية صحية ومواصلات مجانية وفاتورة دعم للسلع الأساسية تنوء بها خزانة الدولة. وبرز هذا التناقض الشديد في سياسات حكومة نظيف نفسها (2004-2011)، والتي تعد ضمن الأكثر نيوليبرالية في مجالات كالخصخصة وتحرير التجارة واجتذاب رؤوس الأموال، ومع ذلك فإنها سجلت معدلات مرتفعة للعجز في الموازنة وفي نسبة الدين العام للناتج المحلي. وهي مؤشرات تدل على تضخم فاتورة الإنفاق العام باستمرار نتيجة لزيادة الدعم والأجور في محاولة لاحتواء الاحتجاج الاجتماعي الذي انتشر منذ 2005.

فلم فشل مبارك ومن قبله السادات في استخدام اقتصاد حر لدعم الشرعية الأبوية للدولة؟ تكمن الإجابة باختصار في عجز النظام عن إنشاء مؤسسات قادرة على إقامة نظام اقتصاد سوق حر تنافسي. وذلك لأن إنشاء مثل هذه المؤسسات كان يصطدم في مجمله وفي كثير من جوانبه مع ديناميات عمل النظام السياسي وشبكاته القائمة على المحسوبية والنفوذ والعلاقات غير الرسمية والباب الخلفي المفتوح بين السلطة والثروة. فانتهى التحول الاقتصادي في مصر إلى إنتاج نمط من رأسمالية المحاسيب المشوبة بالفساد وعدم المنافسة، والتي عجزت عن خرق ذات النمط السائد من الاعتماد على بيع المواد الخام وتقاسم الريع على أساس الولاءات السياسية. ولم تسهم هذه الصيغة في توليد معدلات نمو حقيقية تشترك فيها قواعد واسعة من السكان. ومن ناحية أخرى فشل النظام السابق في تطوير قواعده الضريبية بحيث ترتبط موارد الدولة بالاقتصاد النامي. ويرجع الفشل الضريبي هذا لظروف سياسية قبل أن تكون إدارية أو فنية مفادها عجز النظام -في ظل غياب أي ظهير شعبي حقيقي له- عن تحصيل الضرائب من الشرائح ذات الثراء النسبي، والتي كانت لتواجه هذه المحاولات بمقاومة ناجعة كونها الفئات الأكثر تعليما وقدرة على التنظيم في مواجهة الدولة. والضرائب كما يعرف الكثيرون تعتمد على تحالف اجتماعي لفئات مستفيدة من عائدها وفي الوقت نفسه قادرة على تأييد سياسات الدولة في تحصيل الضرائب من الأغنياء. وهو بالطبع ما كان غائبا في ظل انسداد شرايين الحياة السياسية وعجز الحزب الوطني عن أداء وظائف كونه حزبا سياسيا تعبويا كما كان مخططا لأسلافه في العهد الناصري. وكانت الخلاصة هي العجز عن صيانة أصول الدولة الأبوية، ومن ثم انحلال عرى التحالف الاجتماعي الذي نشأ في نهاية الخمسينيات كأساس للدولة الحديثة في مصر.

ومن ثم يمكن القول إن التحدي الذي فشل فيه نظام مبارك كان كيفية إطلاق آليات السوق الحر من ناحية، واستخدام عوائدها من أجل صيانة شرعية سياسية ذات طابع توزيعي أبوي من ناحية أخرى. ولا أرى أن هذا التناقض كان منحصرا في نظام مبارك بحكم كونه نظاماً مستبداً بقدر ما إنه تناقض يطال اليمين ويمين الوسط في البلدان النامية ذات الميراث الأبوي مثل مصر. ولا أعتقد أن إطلاق الحريات السياسية سيخفف من هذه التناقضات بل سيذكيها ويزيدها حدة لأن الضغوط التي ستضعها المنافسة السياسية عبر الانتخابات على صانعي القرار ستكون شديدة الوطأة، وإذا أضفنا إليها إطلاق الحريات الاحتجاجية في الإضراب والاعتصام والتظاهر وغيرها فإن وضع متقلدي السلطة يكون أشد سوءاً من عهد مبارك. ولنا في الحالة التركية أسوة. فبعد الإصلاحات النيوليبرالية التي اتخذها النظام العسكري المستبد في مطلع الثمانينيات (1980-1983) مع تعليق الآليات الديمقراطية، وفي ظل تصاعد للقمع السياسي، أعيدت الانتخابات الحرة في 1983 بصورة جزئية وفي 1987 بصورة كاملة. ومع عودة الانتخابات بدأت حكومة تورجوت أوزال المنتخبة في الحياد عن خط السياسات النيوليبرالية في شقها المالي فاتسع العجز في الموازنة وزاد الإنفاق الحكومي وارتفاع الدين العام. وكان ذلك كله لحاجة أوزال لإرضاء الجمهور الواسع خاصة في المدن من الشرائح الوسطى من خلال برامج دعم للإسكان وزيادات في الأجور والمعاشات للعاملين في الدولة. وكانت إستراتيجية أوزال بسيطة وهي الإقبال على مزيد من التحرير الاقتصادي لزيادة الصادرات وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوليد نمو مرتفع يولد موارد كفيلة لصيانة شبكات التوزيع لأن مصدر الشرعية لدى الغالبية من الأتراك ظل أبوياً استناداً للميراث الكمالي منذ الثلاثينيات. وحالة الهند في التسعينيات لا تختلف كثيراً كذلك في ظل حكم حزب المؤتمر.

وفي ظل غياب أي بديل قمعي واقعي في المدى المتوسط بمصر فإن النخبة الإخوانية الجديدة ستجد نفسها مضطرة للجمع بين نقيضي السياسات الشعبوية الاقتصادية القائمة على التوزيع لصالح الفئات المتضررة من التحرير الاقتصادي من ناحية، مع الإبقاء على الأطر لاقتصاد سوق حر من ناحية أخرى أي وضعية شبيهة بتركيا في الثمانينيات والتسعينيات. ولكن قدرة الإخوان على إدارة هذا التناقض دون خسائر سياسية واقتصادية باهظة، خاصة في ظل تفجر الوضع الاجتماعي في السنوات القليلة الماضية سترتهن بإيجاد علاج ما لأزمة مالية الدولة بحيث تستطيع دولة الإخوان الجديدة من الوفاء بتعهدات صيانة أبوية الدولة دون مزيد من الانهيارات الاجتماعية في صورة إضرابات واعتصامات وتظاهرات كما كان الحال في السنوات الخمس الأخيرة. خاصة وأن ثمة مؤشرات تفيد بأن وتيرة الإضرابات والاعتصامات العمالية قد تضاعفت بعد الثورة في ظل غياب القمع الأمني. وعلى الرغم من أن الأنشطة الاحتجاجية العمالية تفتقر لأي تنظيم نقابي مستقل وكبير قادر على تطوير سياسات عامة أو الضغط على صانع القرار لتبني اتجاه ما فإن استمرارها على هذا النحو المتسارع يعيق مجهودات التعافي الاقتصادي واجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية كما تمثل ضغطاً شديداً على الخزانة العامة، وهو ما ظهر بالفعل في القرارات الجمهورية الأخيرة التي اتخذها الدكتور مرسي بزيادة المعاشات ورفع البدلات والحوافز علاوة على الاستجابة لغالب مطالب العمال المعتصمين بما يعنيه هذا من زيادة الأعباء على مالية الدولة.

ولكن علاج أزمة ماليات الدولة مسألة ثورية في حد ذاتها من حيث أبعادها الاجتماعية، وتنطوي على إتخاذ تحيزات اجتماعية واضحة لفئات اجتماعية في مواجهة فئات أخرى. وهو ما يبدو أن الإخوان يتجنبونه في التوقيت الحالي حتى لا يوسعوا من نطاق صراعاتهم السياسية من ناحية، ولغياب أية رؤية واضحة عن الإخوان كحزب أغلبية وليس كجماعة فحسب من ناحية أخرى. فما يبدو واضحاً من تحركات القيادات الإخوانية أن الأولوية معطاة للتوصل لاتفاق ما مع العسكر والمصالح القديمة المرتبطة بهم يصوغ الملامح الرئيسية لنظام ما بعد مبارك فيما تغيب رؤية متكاملة عن إدارة الأزمة الاجتماعية في مصر، والتي كانت هي المصدر الرئيسي للحركة الاحتجاجية العارمة التي قضت على نظام مبارك الأمني، وفتحت المجال السياسي في المقام الأول. ولعل في استمرار الحراك الاحتجاجي ما يتناقض بالكامل مع الخيارات القليلة المتاحة للقيادات الإخوانية لإحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية في ضوء التزامهم باتفاقات وتعهدات مع العسكر والمصالح القديمة للأجهزة الأمنية والأوليجاركية الاقتصادية، وهو ما ظهر في تسريبات الدستور وفي تشكيل الحكومة الجديدة وتوزيع الحقائب الوزارية بها. والغالب أن النظام السياسي الجديد الجاري تخليقه ستسند إليه مهمة التوفيق بين المصالح القديمة والجديدة، وسيكون غير قادر على الاستجابة للضغوط الاجتماعية التي لا تزال تتعاظم عليه وإن ظلت غير منظمة، وغير مسيسة بعد، وخاضعة للمنطق الأبوي حتى الآن. بيد أنه ما من ضامن أن المجال السياسي الذي انفتح، ولن يكون بمقدور أحد غلقه بسهولة أو مصادرته لصالح القمع الأمني مرة أخرى إلا بتكلفة باخظة- ما من ضامن أن هذا المجال لن يشهد طرحاً للقضايا الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل. وقد يكون هذا الطرح شعبوياً على اليمين أو على اليسار، وهو ما تجلى بالفعل في صعود حازم صلاح أبو إسماعيل قبيل استبعاده من الانتخابات الرئاسية، ثم النتائج المبهرة التي حققها حمدين صباحي في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. والأول ممثل للشعبوية اليمينية فيما الآخر لتلك اليسارية. وبالتالي فإن صياغة نظام سياسي معزول عن إدارة المطالب الاقتصادية والاجتماعية هو بناء قلاع من رمال في متناول موج البحر.

aymaan noor 30-08-2012 02:39 PM

لا لقرض الصندوق... لا للاستدانة باسم الشعب
 
لا لقرض الصندوق... لا للاستدانة باسم الشعب
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/Dyoun.jpg
فتح عينك ...الدين من جيبك

تزور بعثة صندوق النقد الدولي حالياً مصر لإعادة التفاوض حول قرض جديد تنوي الحكومة الجديدة الحصول عليه. كانت حكومة الجنزوري قد شرعت في التفاوض على قرض قيمته 3،2 مليار دولار. وقد شاركت الحملة المصرية البرلمان وعدد من الحركات السياسية في المطالبة بوقف التفاوض مع الحكومة غير المنتخبة. اما اليوم فقد جاءت البعثة لتعيد فتح التفاوض ولكن على قرض اكبر تبلغ قيمته 4،8 مليار دولار.

ورغم أن الحكومة جاءت بعد تولي البلاد رئيس منتخب الا أن الحملة تجدد رفضها الاقتراض من صندوق النقد الدولي للأسباب التالية:

1- لا توجد أي معلومات عن مدى احتياج الاقتصاد المصري لهذا الحجم الهائل من الدولارات. ولم تناقش أي البدائل أفضل للحصول عليها. خاصة وأن الحكومة حصلت في العام الماضي على قروض خارجية تبلغ حوالي 6 مليار دولار، وذلك دون المرور بالقنوات الديمقراطية من مناقشته والتصديق على شروطه من خلال برلمان منتخب. ( كما اقترضت الحكومات المعينة من قبل العسكر من البنوك المصرية ايضا ارقاما قياسية لم يعرف فيم انفقت).

وفي هذا الاطار تحذر الحملة الشعبية لاسقاط ديون مصر أن تلك الديون الخارجية ينطبق عليها وصف “ديون الاستبداد” وتقع من ثم في دائرة الديون الكريهة التي ينبغي على مصر وقف سدادها.

2- أعلن أعضاء من حزب الحرية والعدالة أن برنامج الاجراءات الاقتصادية التي ستلتزم الحكومة باتخاذها أمام الصندوق سيكون مختلفاً عن البرنامج الذي قدمه اخر رئيس حكومة عينها المجلس العسكري. وتتحفظ الحملة على مايلي:

اولاً: يتناقض هذا مع تصريحات موازية لوزير المالية المعين من قبل الرئيس محمد مرسي والتي قال فيها إن الاتفاق مع الصندوق سيكون على مبادئ الجنزوري.

ثانياً: لم يوضح أي من مسؤولي الحزب أو الرئاسة طبيعة هذه الاجراءات ولا مدى اختلافها عن سياسات الافقار التي اتبعها مبارك باسم محدودي الدخل على مدى 30 عاماً.

وهنا تطالب الحملة الشعبية بالشفافية في كل ما يتعلق بالمفاوضات. كما تؤكد على أنه لا اقتراض بدون وجود برلمان منتخب لمناقشة البرنامج الاقتصادي الذي تقدمه الحكومة حيث أن ممثلي الشعب لابد أن يتأكدوا من أن تلك الإجراءات المقترحة لن تتسبب في المزيد من الإفقار ووقف الحال.

3- حتى الآن تم التشديد على أن الهدف الاساسي من القرض هو سد تقليص عجز الموازنة وليس العدالة الاجتماعية والتشغيل. ويعد هذا الهدف استمراراً لنفس منهج حكومات مبارك التي أدت إلى إفقار المصريين، بل والمزيد من عجز الموازنة. إذ كيف تستهدف الحكومة تقليص العجز وهي ترفع معدلات الاقتراض مما يرتب حملاً إضافياً لسداد الديون، ومن ثم ضغطاً على الموازنة؟

4- البرنامج ينص على تعديل الضرائب على الدخل بدون أي تفاصيل. عدم الشفافية هنا مثير للقلق، إذ أن اختيار من يدفع الضرائب هو في حد ذاته سياسة اجتماعية إما ضد الفقراء أو ضد الأغنياء.

وهذه نبذة عن التحيز ضد محدودي الدخل كما وضح في بعض ما اقترحه وزير المالية الحالي (وهو نفسه وزير مالية الجنزوري) في شهر فبراير الماضي:

اولاً : اللجوء إلى ضرائب المبيعات هو عين الظلم الضريبي. حيث ضريبة المبيعات يدفعها كل من يشتري أي سلعة وهي تساوي بين قدرة الغني والفقير على الدفع. وجدير بالذكر أن معدل الضريبة في مصر أعلى منه في الولايات المتحدة الأمريكية. كما جاء في البرنامج تعديل قانون ضريبة الدخل لتوسيع القاعدة الضريبية. وتعني هذه العبارة عادة المزيد من الاعفاءات الضريبية للمستثمرين والأغنياء بدعوى تشجيعهم على عدم التهرب وهي نفس منهج يوسف بطرس غالي بدلاً من فرض ضرائب تصاعدية الأكثر تحقيقاً للعدالة.

ثانياً : رفع ايجار الأراضي الزراعية: هي خطوة أدت إلى تركز الفقر في الريف (40 %) والقضاء على صغار المستأجرين، عندما طبقت لأول مرة في عهد يوسف والي عام 1996. أضف إلى ذلك ضعف الدعم الموجه إلى المزارعين (250 مليون جنيه) هو نفس المبلغ منذ أكثر من أربعة أعوام (مقابل 4 مليارات للمصدرين).

ثالثاً : رفع الدعم عن الطاقة جاء مبهما في الخطة المقدمة من الحكومة إلى الصندوق: حيث لم تتطرق إلى دعم بنزين 92، 95 كما لم تتطرق إلى بقية أنواع الدعم، ما عدا تحسين توزيع البوتاجاز. كما لم تتعهد الحكومة برفع الدعم عن المصانع كثيفة الاستخدام، حيث 40 مصنعاً فقط، كالاسمنت والحديد يحصلون على نفس المبلغ الموجه لأنابيب البوتاجاز التي تخدم الملايين.

ومرفق بهذا البيان المذكرة الي تقدمت بها الحملة لمجلس الشعب في مارس الماضي، والتي تشمل عدة بدائل لتمويل عجز الموازنة بطريقة تؤدي إلى تحسين توزيع الدخول.

وعليه،

تناشد حملة اسقاط ديون مصر الرئيس المنتخب وحزب الحرية والعدالة وبقية الأحزاب المصرية والحركات السياسية رفض هذا القرض، حيث لم يثبت على مدار التاريخ أن أدى الاعتماد على الصندوق وشقيقه البنك الدوليان إلى نهضة أمة او تقدمها.

أبو إسراء A 30-08-2012 03:11 PM

كنت أحلم كما يحلم الكثيرون مثلى بمشروع نهضةإقتصادى إسلامى ، تقوم خطوطه العريضة على إصلاح النظام المصرفى لكى يقوم على المضاربة الإسلامية ، أى وجود عائد حقيقى و ليس أرقام فى الهواء سواءا فى البورصة أو المصارف ، و هذا كان سبب الأزمة المالية العالمية و التى لم تتعرض لها البنوك الإسلامية .
و كنت أتمنى أن يتم إصلاح الأجور بتفعيل الحد الأقصى للأجور دون تمييز ، و وضع حد أدنى يتماشى مع مستويات الأسعار ، و عند ذلك يتم إلغاء الدعم على كل السلع ، لأن أغلب الدعم يضيع إما فى التهريب أو الذهاب إلى غير مستحقيه ، و هذا يؤدى إلى إهدار الموارد المحدودة للدولة .

و كنت أتمنى أن تكون النهضة بإمكاناتنا ، و ليست بالقروض التى تتحملها الأجيال القادمة ، و نحن نستطيع
أن نجعل مليارات الدولارات تتدفق إلى الخزانة العامة للدولة بفرض الزكاة ، و فتح ملفات المستشارين الوهميين و الأراضى المنهوبة فى العشرة سنوات الماضية ، و عرض أراضى الدولة للتملك للمصريين بالخارج و للأجانب مع حصولهم على ال***ية المصرية ، و فرض ضريبة تصاعدية على بعض الأنشطة التى تتحمل ذلك .

أما طريق صندوق النقد لكى ندفع أجور أو نشترى سلع فهو طريق محفوف بالمخاطر ، فهو يشبه من أراد أن يعيش مترفا ولكن بالدين ، و الأولى به أن ينفق حسب إستطاعته ، و نحن مع تحقيق العدالة فى توزيع الأجور على كل العاملين فى الدولة نقبل خفض الأجور بشرط أن يكون للجميع ، على يرافقه إصلاح شامل للإقتصاد لا تكرار سياسات إقتصادية فاشلة .

darch_99 30-08-2012 06:17 PM

شكرا جزيلا
 
ازمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان

تحليل رائع جدا ومعبر بصدق عما يجري واسمح لي السيد الفاضل / الاستاذ ايمن ان اعلق علي بعض ما جاء في هذا المقال وشكرا جزيلا

فإن التصورات الإخوانية الاقتصادية والاجتماعية تبدو محافظة بمعنى عدم قيامها على تغييرات جذرية لا في علاقات الملكية (غلبة القطاع الخاص ومد دوره الإنتاجي والتوزيعي) ولا في علاقة الدولة بالسوق ولا كذلك في علاقة مصر بالاقتصاد العالمي ممثلاً في التجارة وانتقالات رؤوس الأموال والالتزام بمشروطية المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية. وقد عبر خطاب القيادات الإخوانية عن رغبة في استمرار السياسات الاقتصادية على ما كانت عليه قبل الثورة مع التشديد على مكافحة الفساد والمحسوبية، وهو ما يعني استمرار الخط النيوليبرالي العام الذي سلكته الحكومات المصرية المتعاقبة منذ تبني برنامج الإصلاح الهيكلي في مطلع التسعينيات

ت نعم ان هذا واقع محسوس ولكنه بقدر الله وأظنه والظن غالب هي المرونه التامة في التحول من نظام شاخ في الفساد وتحول من فساد الدولة الي ادارة فساد الدولة واصبح متجذر في عمق الدولة والتاريخ ان التخلص من هذة الدولة تم بمشرط جراح ماهر عبقري دون اسالة نقطة دماء واحدة وهي حالة نادرة في التاريخ ولا اعلم لها مثيل وكذلك مواجهة الطغيان العالمي متمثل في امريكا واسرائيل وغيرهما كان يستلزم المرونه واثبات ان التغير ليس جذري وارسال رسالة طمأنه للجميع علي مصالحهم لانه بغير ذلك لا تأمن العواقب انني من اشد المعجبين بنموذج الشيح حازم صلاح ابو اسماعيل وكنت اتمناه رئيسا الا انه بقدر الله لم يكن والحمد لله علي ما اراد فلو كان الشيخ حازم تري كيف كانت النتائج مواجهة صارمة غير معلومة النتائج الي ابعد الحدود في الداخل والخارج انها مرحلة التحول المرن الذي يمهد الطريق لما بعده ما بعده هو الهدف الذي نرجوه جميعا من الثورة ولكن كم يمتد من الوقت العلم عند الله وكم اتمني ايضا الان ان يصعد الشيخ حازم الي السلطة ولكن بعد انتهاء مدة الرئيس الحالي ولكن الله يقدر ما يشاء

2.1-الوعود التوزيعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية

اعتقد ان الاخوان ان اعتمدو كما اعتمد النظام السابق علي نظرية القروض من الخارج
فستكون سقطتهم الكبري وسيكونون بمثابة الدبة التي قتلت صاحبها وهي لا تريد ذلك
فاللاسف ان بعض من الاخوان لم يتربو تربية عقيدية سليمة تجعلهم يقفون موقف الاسود امام الامواج الهادرة هم وضعوه مقارنة بين الشرع وبين واقع اليم يحتاج الي دعم وهنا انحازو للعقل علي حساب النقل الشرعي ذلك ببساطة لان تربيتهم الاسلامية لم تكن بالقوة التي لدي ما نسمهم نحن بالسلفيين
النظام العالمي كله قائم علي الربا وحتما هو ساقط وسيسقط معه كل من تبعه وسيتحقق موعود الله بالحرب علي من تعامل بالربا , هناك بدائل قدمها اقتصاديون وخبراء بدبل للقروض الربوية ولكن نحن ننتظر نتيجة الجدل في المجتمع علي هذة القروض وفي نفس الوقت الاخوان في مأزق حقيقي بسبب ضعف حجتهم مع الشعب فيما يخص الناحية ةالشرعية وتستغل بعض الحركات والفئات والاحزاب المعارضة هذة الناحية للهجوم عليهم مع العلم ان هذة الناحية الشرعية هي لا تعنيهم بالاساس لان فكرهم قائم اساسا علي نقض الدين وعدم خلط الدين بالسياسة

ورأيي صراحة ان نجاح السيد الرئيس مرسي في الانتخابات لم يكن نجاح للاخوان في شيء لان نجاحه جاء ليس تأييدا لجماعة الاخوان بقدر ما جاء حبا من الشعب المصربي في استبعاد النظام القديم بكل اركانه وفروعه عن الحكم في لحظة فاصلة ولانه كان الخيار الوحييد لفوز الثورة والا العود بالكامل لنقطة الصفر وفي ظني كانت ستكون قبل الصفر بدرجات كبيرة لانه حيئذ كانت ستفتح السجون والمعتقلات علي مصراعيها وهو ما كان مخطط فعلا وعودة امن الدولة بكل قوة
الا ان الشعب المصري اثبت للعالم كله ان جذوة الثورة لا تزال مشتعلة يمو اعلان نتائج الانتخابات فكان ميدان التحرير يومها يوم من ايام الثماني عشر يوما من حكم مبارك بل والجميع في مصر بل والعالم كله كانت لحظة بحق يجب ان تطلق عليها لحظة مشهودة وان ما نشر عن ان مصر ستكون بحورا من دماء لو يفز مرسي كان ما هو الا استنتاج حقيقي لمخابرات طنطاوي وعنان وليس تصريحا من احاد الاخوان كما يزعمون

اخي السيد ايمن نور اشكرك شكرا جزيلا والسلام عليك






aymaan noor 31-08-2012 03:47 AM

عندما يصبح تسييس القضاء ضمانة لاستقلاله: أفكار حول التجربة المصرية 1967-2012
 
عندما يصبح تسييس القضاء ضمانة لاستقلاله: أفكار حول التجربة المصرية 1967-2012
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/qaddaa.png
سامر غمرون
أين اختفى قضاة "التيار الاستقلالي" في مصر اليوم؟ سؤال محير يراود أذهان أكثر من متابع للشأن القضائي المصري في الوقت الحاضر. فالمفارقة الغريبة هي أن القضاة الذين صنعوا الحدث القضائي والسياسي عامي 2005 و2006 عندما تحدوا من خلال نادي قضاة مصر نظام حسني مبارك في أوج سلطته باتوا اليوم، بعد سقوط هذا النظام، شبه غائبين عن الساحة القضائية.1 القضاة الأفراد ما زالوا هنا طبعاً، على الأقل سياسيا: فالمستشار حسام الغرياني ترأس مجلس القضاء الأعلى وهو اليوم يترأس اللجنة المكلفة إعداد الدستور والمستشار هشام البسطويسي كان مرشحاً ملحوظاً لرئاسة الجمهورية والمستشار محمود الخضيري عضو فاعل في المجلس النيابي الجديد، الخ. إلا أن التيار نفسه قد اضمحل قضائياً أمام السيطرة المتجددة للتيار المنافس، المعروف سابقاً بمهادنته لنظام مبارك، على نادي القضاة بالكامل منذ عام 2009 حتى اليوم، مع تجدد فوزه في انتخابات النادي الأخيرة بعد الثورة. ويدفع تبعثر القضاة "الاستقلاليين" إلى التساؤل عن مدى وجود تيار جماعي بهذا الاسم في القضاء المصري: فهل اقتصرت أحداث 2005 وسواها على مبادرة بعض القضاة الثائرين على تقاليد مهنتهم وممارسات النظام فقط، فشكلوا ظاهرة جماعية ظرفية محصورة لا غير، أم أنهم جزء من تحرك قضائي أوسع وأكثر قدماً، يمكن توقع انتعاشه مجدداً في المستقبل القريب؟ نسترجع في هذا المقال بشكل خاطف بعض محطات التاريخ القضائي المصري المعاصر للتذكير أولاً بجذور تحرك 2005 الفكرية والتنظيمية، وثانياً لعرض فرضية بحثية تسمح ربما بتفسير تخبطات هذا التحرك الجماعي الذي يقوى أمام الاستبداد ويضمحل – أو يزداد اضمحلالاً - مع سقوط أبرز رموزه.2 إذا كانت قوة نظام مبارك غير كافية لتفسير تغيرات وهج معارضيه القضائيين، فما هو العامل التحليلي الآخر الذي يسمح بذلك؟ وإذا كان سقوط حسني مبارك لا يتعارض – بغرابة - مع انتعاش التيار القضائي الذي كان يهادنه لا بل يدعمه حسب اتهام التيار "الاستقلالي"، فأليس على الباحث أن يعيد التفكير في العلاقة السببية بين هيمنة السلطة التنفيذية وازدهار أو انتكاس معارضتها أو موالاتها القضائيتين، وأن يبحث في مكان غير العلاقة مع السلطة السياسية عن مصادر شرعية وفعالية الكلمة والحركة القضائية؟

من 1969 إلى 2006: مواسم الهجرة إلى الصمت

من المثير للاهتمام أن نرى القضاة الذين اتُهِموا عام 2005 بانتهاك التقاليد القضائية عبر احتلال المساحات الإعلامية والاحتجاجية يحاولون ابراز تراث قضائي مواز ومختلف يضفي شرعية قضائية على ما قاموا به، تضاف الى الشرعية السياسية التي لطالما نعموا بها بمواجهة النظام الاستبدادي. وتراث قضاة 2005 هو تراث "الرفاعية"، نسبة الى المستشار يحيى الرفاعي الذي طبعت نضالاته وصداماته مع النظام مسيرة القضاء المصري "الاستقلالي" منذ الستينات حتى أواخر الثمانينات. ولا يتردد شيوخ قضاة 2005 بربط تحركهم رمزياً بعمل الرفاعي القضائي، رجوعاً لما يعرف "بمذبحة القضاة" عام 1969، حين تعرضت مجموعة من القضاة المصريين ومن بينهم الرفاعي نفسه للاضطهاد والعزل على يد جمال عبد الناصر بعد رفضهم الانضمام إلى "الاتحاد الاشتراكي العربي" وبعد اتخاذهم مواقف نقدية علنية ومكتوبة ربطوا فيها هزيمة 1967 بغياب الديمقراطية داخلياً، لا سيما عبر رئيس نادي القضاة حينها القاضي ممتاز نصار.4 وقد دفع هؤلاء ثمن هذا الخروج الأول عن "تقاليد" الصمت القضائي بضع سنوات، إلى حين تمت إعادة بعضهم في السبعينيات ضمن أجواء الابتعاد عن السياسات الناصرية التي طبعت سنوات حكم السادات. وقد شكلت مذبحة القضاة هذه مدعاة "للهجرة" 5 القضائية الأولى للقضاة "الاستقلاليين" كما ترسمها الذاكرة الجماعية لهؤلاء التي بنيت حول نمطية الهجرات المتكررة والدورية - كل عشرين عاما تقريبا - تبعاً لكل انتفاضة قضائية، وبشكل يذكر بالثنائية الدورية "انتفاضة قضائية – انكفاء قضائي" التي تميز أيضاً الذاكرة القضائية التونسية الحديثة، علماً أن حراك القضاء التونسي وانكفاءه غالباً ما تزامنا مع حراك القضاء المصري وانكفائه (انتفاضة وقمع القضاة الشبان عام 1985، انتفاضة وقمع مكتب جمعية القضاة التونسيين عام 2005): فهل يعكس هذا التزامن آثار انتشار أفكار أو قواعد قضائية على الصعيد العربي أو الدولي في هذه الفترات؟ وبالفعل، فإن الحلقة التالية من المسلسل الاستقلالي المصري كما يراه ويرويه القضاة والناشطون بدأت تتكون في بداية الثمانينيات حول المستشار الرفاعي نفسه، الذي شكل محركاً قضائياً نشطاً من داخل نادي القضاة الذي ترأسه عامي 1985-1986 و1989-1990، وقد أصبح النادي يحتضن آنذاك الحراك الاستقلالي بشكل يؤكد ترسيخ تسييسه- بالمعنى العلمي للكلمة - بعد إقفال كل المساحات الأخرى أمام القضاة، إلى جانب وظيفته الخدماتية التي لطالما حاولت السلطة أسره فيها. وتوج هذا الحراك الاستقلالي الثاني بحدث مهم لم يلق شهرة "مذبحة القضاة" بالرغم من طابعه التجديدي والاستثنائي ألا وهو: مؤتمر العدالة المصري عام 1986. وتميز هذا المؤتمر أولاً بحجمه الضخم (قدمت خلاله حوالى 110 ورقة)، وبطبيعة المشاركة فيه وشموليتها ثانياً، عبر الدور المهم الذي لعبه محامون وجامعيون وإداريون وسياسيون معارضون في أعماله إلى جانب القضاة، وثالثاً، بتنوع وجرأة المسائل التي طرحت فيه إذ تناولت الأوراق المقدمة مختلف المواضيع التي تهم المرفق القضائي، من أكثرها تقنية (بطء المحاكمات ودور الخبراء إلخ...)6 إلى أكثرها تسييساً (استقلالية القضاء، المحاكم الاستثنائية، الخ.). وأكثر ما طبع الذاكرة في هذا المؤتمر المواجهة المفاجئة والمدوية التي حصلت خلاله بين القاضي والحاكم، عبر واقعة ما زال القضاة المصريون المنتمون للتيار "الاستقلالي" يروونها اليوم بشيء من الاعتزاز: فيما كان الرئيس حسني مبارك يحضر شخصياً افتتاح المؤتمر، طالبه رئيس النادي يحيى الرفاعي أثناء إلقاء كلمته برفع حالة الطوارئ والحد من دور المحاكم الاستثنائية، مما أثار لاحقاً حفيظة وغضب الرئيس الذي اكتشف فجأة، بعد بضع سنوات من توليه الحكم، "أن هناك جسماً داخل هيكل الدولة المصرية يسمى الجسم القضائي يستعصي على الفهم من ناحيته، ويستعصي أيضاً على السيطرة".7 وقد أطلقت هذه المواجهة موسم الهجرة القضائية الثاني إذ سرعان ما ضيقت السلطة على هؤلاء القضاة "الاستقلاليين" نهاية الثمانينيات، دافعة بعضهم إلى ترك البلاد في إطار الإعارات القضائية إلى دول أخرى، مع حمل آخرين إلى حصر أنشطتهم العامة. ويمكن هنا مقارنة أساليب قمع جمال عبد الناصر الصاعقة (العزل التام من القضاء) بأساليب القمع التي انتهجها مبارك والتي كانت أقل قسوة من دون أن تكون بالضرورة أقل "فعالية"، إذ استبدلت القوة بالإبعاد الصامت المقونن (إعارة إلى دولة عربية أخرى مع شروط مهنية مغرية). وامتدت الهجرة الثانية إلى نهاية التسعينيات عندما بدأ قضاة، وفي طليعتهم محمود مكي وهشام البسطويسي وزكريا عبد العزيز، بالمشاركة بندوات ومحاضرات أعادت تدريجياً طرح مسألة استقلالية القضاء على بساط البحث في المساحة العامة (ولو بعيداً عن الاعلام في مرحلة أولى) بعد عشر سنوات من الانكفاء.

الانتفاضة القضائية الثالثة :قضاة "الاستقلال" ضد من؟

قيل الكثير حول تحرك القضاة المصريين عام 2005-2006 بشأن مسألة الإشراف القضائي على الانتخابات، إلا أنه نادراً ما تم الرجوع إلى ما قبل هذه المرحلة لرسم معالم نشوء هذا التحرك، كأنما القضاة قد اجتمعوا وقرروا فجأة، على خلفية إهانة قاض في الإسكندرية بداية 2005 أو على خلفية إشرافهم على الانتخابات النيابية أو على الاستفتاء الدستوري الذي جرى في العام نفسه، إشعال مواجهة لا مثيل لها في تاريخ القضاء المصري مع السلطة.8 إذا كان من الواضح أن كتابة القصة ابتداء من ربيع 2005 يحرمنا من العوامل التي تسمح بفهم ظروف تكوين التحركات المهنية القضائية، فلا مجال هنا للدخول في تفاصيل ولادة الجيل الثالث من التيار "الاستقلالي" نهاية التسعينيات. كان مثلاً لترابط الأجيال القضائية ونقل التراث القضائي المشاكس دور أساسي في هذا المجال، من خلال التأثير الفكري والمهني الذي استمر بعض القضاة كيحيى الرفاعي في ممارسته حتى بعد تقاعدهم تجاه قضاة أصغر منهم سناً. كما أنه كان لبعض الفاعلين غير القضائيين، كالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة الذي تأسس عام 1997 من ضمن المجهود الهادف إلى استنهاض الخطاب الاستقلالي، دور في تقديم مساحات وموارد لم يكن القضاة "الاستقلاليون" يمتلكونها خلال فترة غيابهم عن النادي، مما سمح لهم بتطوير قدراتهم وصولاً الى استرجاع إدارة النادي عام 2001. ولكن لهذه العوامل تعقيداتها نعرضها في مناسبة أخرى. نكتفي هنا بالإشارة أولاً إلى ضرورة دراسة تحرك 2005 وغيره من الأحداث القضائية ضمن التاريخ القضائي الطويل أو على الأقل المتوسط دون الاكتفاء بالعلاقات السببية البسيطة والمباشرة، وثانياً إلى ضرورة توسيع القراءة المرتكزة على الثنائية التصادمية "قضاة استقلاليين / سلطة تنفيذية" لإدخال عوامل وفاعلين آخرين غالباً ما يتم تجاهلهم في معادلة القضاء المصري والعربي، كقضاة "تيار الحكومة" (كما يحب قضاة التيار "الاستقلالي" تسميتهم بهدف تجريدهم من مشروعيتهم وصهرهم بالسلطة التنفيذية التي يعدونهم ممثلين لها)، أو جمعيات المجتمع المدني المعنية بالشأن القضائي. وبالفعل، فإن دراسة فترات "الهجرة" كالتي امتدت من 1990 إلى 2001 مثلا (سنة استرجاع قضاة التيار "الاستقلالي" مجلس إدارة النادي) تظهر أن ما تصفه الرواية الاستقلالية بفترات ركود أو تبعية لا تستحق التأريخ هي حقيقة فترات يسيطر عليها قضاة آخرون، لا شك أن لبعضهم صلات قوية أو مشبوهة مع الحكومة، إلا أن لغالبيتهم بكل بساطة نظرة مختلفة للمهنة القضائية، لأدبياتها وتقاليدها ووسائل عملها، يمكن نعتها بالمحافظة أو التقليدية أو الحيادية، من دون ان يكون بالإمكان اختزالها بالتبعية للسلطة التنفيذية. وهنا يظهر لنا أن التمييز القائم بين "قضاة استقلاليين" و"قضاة حكومة" هو من إنتاج القضاة "الاستقلاليين" أنفسهم الذين ابتكروا هذه التسميات – وهذا من حقهم - في خضم معاركهم الشجاعة مع السلطة المصرية من باب زيادة مشروعية تحركاتهم غير التقليدية، فاعتمدها بعض الباحثين والصحفيين مباشرة متجاهلين ظروف إنتاجها واستعمالها، وهو خطأ يتحملون هم مسؤوليته التحليلية لا القضاة الغارقون في صراعاتهم المصيرية. فلهذه التسميات – عندما تتحول الى مفاهيم تحليلية - مفاعيل مغرضة على قراءة الواقع القضائي، إذ يصعب عبرها أن نفهم مثلا كل الانقسامات الحادة التي تشهدها الساحة القضائية المصرية، أو لماذا يختار القضاة المصريون في نادي القضاة بعد الثورة ممثلي تيار "التبعية" للحكومة – التي أسقطتها الثورة - على حساب قضاة الاستقلال. وكما يقول بكلمات أخرى المستشار حسام الغرياني نفسه،9 وهو يعد أحد "حكماء" تيار الاستقلال وقد ترأس مجلس القضاء الأعلى في فترة (يوليو 2011- يوليو 2012) قبل تقاعده، فإن القضاة غير المنتمين للتيار الاستقلالي ليسوا بالضرورة أقل استقلالاً، هم فقط قضاة لا يجهدون خارج محاكمهم لإعطاء هذا الاستقلال كل أبعاده (السياسية).

من هنا يظهر جلياً أن المفهوم الأساسي لقراءة التحولات والثوابت القضائية المصرية ليس مفهوم الاستقلال – الذي يبقى شعاراً نضالياً أكثر مما هو مفهوم تحليلي – بل هو مفهوم التسييس، أو بالأحرى البعد السياسي للعمل القضائي.10 فيكون بذلك قضاة "تيار الحكومة" قد اصابوا في تشخيصهم لحراك قضاة "تيار الاستقلال" عندما نعتوه بالمسيّس، وإن أخطأوا في الاتهام. فعبر رفضهم لمحاولات السلطة أسر القضاة في تقنيات القانون والمحاكمة وإبعادهم عن الشأن العام حتى عندما يكون للقضاة دور مباشر فيه (في حال الانتخابات مثلا)، وعبر إصرارهم على إعطاء القضاء مكانته في فلسفة النظام السياسية، وعبر ابتكارهم لوسائل تعبير وتحرك غير مسبوقة قضائياً اعتقدت السلطة أنهم لن يتجرؤا على اعتمادها، فجر ما يعرف بقضاة "الاستقلال" كل معايير العمل القضائي التقليدية، ما أثار ذعر زملائهم القضاة غير المستعدين لخوض هذه الغمار، أكثر ربما مما أخاف السلطة الحاكمة نفسها. فمن غير المستغرب إذا أن يأتي رفض هذا المنهج القضائي الذي يمكن وصفه بما بعد الحداثي من داخل القضاء قبل أن يأتي من السلطة التنفيذية، مما يساهم في تفسير استمرار تهميش قضاة "تيار الاستقلال" حتى مع تحولات النظام السياسي الحالية بعد الثورة. لا يعني كل هذا تحييد السلطة التنفيذية عما يصيب القضاء والقضاة خاصة في الأنظمة الاستبدادية كالتي كانت تحكم مصر وتونس، فممارسات السلطة جد واضحة في هذا المجال، إن عبر التضييق المالي على نادي القضاة عندما كان يسيطر عليه قضاة الاستقلال، أو عبر تقديم امتيازات للقضاة مقابل صمتهم و انكفائهم في محاكمهم، أو عبر الاعتماد على المحاكم الاستثنائية، وغيرها من الممارسات الهادفة إلى تحييد القضاة والحد من قدراتهم الرقابية. قد تسمح فقط هذه الفرضية، إن صحت، بفتح آفاق جديدة للدراسات الاجتماعية المهتمة بالقضاء العربي، فلا تكون مهووسة بسياسات الأنظمة القمعية العمودية لا غير، بل تغدو أكثر حساسية لتحولات التيارات والأفكار داخل المجتمعات المهنية القانونية عامة والقضائية خاصة بحد ذاتها، كما لعلاقات القضاة الأفقية مع مهن وتيارات وتحركات أخرى في مجتمعاتهم. فالمستقبل القضائي يقرأ ربما ليس على أفواه حكام مصر الجدد إلى أي جهة انتموا، بل عبر تصرفات رئيس نادي القضاة الحالي، أحمد الزند، خصم التيار الاستقلالي الأول في السنوات الأخيرة وهازمه على أساس احترام التقاليد القضائية. فنراه اليوم يدعو إلى الإضراب ويخاطب السياسيين في الصحف ويدخل في مشادات إعلامية غير مسبوقة دون أي حرج بين أكثر زملائه. فبغض النظر عن مضمون تحركاته ومواقفه وتقييمها، ألا يشكل هذا الخروج عن التقاليد القضائية الصامتة – بالرغم من انزلاقاته ومبالغاته الحالية والتي لا علاقة لإشكاليتنا بها - أهم انتصارات قضاة 2005 وأهم ما يتركونه للجيل الرابع من "التيار الاستقلالي": ساحة قضائية بدأت تسقط فيها الممنوعات القضائية المفروضة سياسياً من كل الجهات؟

aymaan noor 31-08-2012 02:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4797687)
ازمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان

تحليل رائع جدا ومعبر بصدق عما يجري واسمح لي السيد الفاضل / الاستاذ ايمن ان اعلق علي بعض ما جاء في هذا المقال وشكرا جزيلا

فإن التصورات الإخوانية الاقتصادية والاجتماعية تبدو محافظة بمعنى عدم قيامها على تغييرات جذرية لا في علاقات الملكية (غلبة القطاع الخاص ومد دوره الإنتاجي والتوزيعي) ولا في علاقة الدولة بالسوق ولا كذلك في علاقة مصر بالاقتصاد العالمي ممثلاً في التجارة وانتقالات رؤوس الأموال والالتزام بمشروطية المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية. وقد عبر خطاب القيادات الإخوانية عن رغبة في استمرار السياسات الاقتصادية على ما كانت عليه قبل الثورة مع التشديد على مكافحة الفساد والمحسوبية، وهو ما يعني استمرار الخط النيوليبرالي العام الذي سلكته الحكومات المصرية المتعاقبة منذ تبني برنامج الإصلاح الهيكلي في مطلع التسعينيات

ت نعم ان هذا واقع محسوس ولكنه بقدر الله وأظنه والظن غالب هي المرونه التامة في التحول من نظام شاخ في الفساد وتحول من فساد الدولة الي ادارة فساد الدولة واصبح متجذر في عمق الدولة والتاريخ ان التخلص من هذة الدولة تم بمشرط جراح ماهر عبقري دون اسالة نقطة دماء واحدة وهي حالة نادرة في التاريخ ولا اعلم لها مثيل وكذلك مواجهة الطغيان العالمي متمثل في امريكا واسرائيل وغيرهما كان يستلزم المرونه واثبات ان التغير ليس جذري وارسال رسالة طمأنه للجميع علي مصالحهم لانه بغير ذلك لا تأمن العواقب انني من اشد المعجبين بنموذج الشيح حازم صلاح ابو اسماعيل وكنت اتمناه رئيسا الا انه بقدر الله لم يكن والحمد لله علي ما اراد فلو كان الشيخ حازم تري كيف كانت النتائج مواجهة صارمة غير معلومة النتائج الي ابعد الحدود في الداخل والخارج انها مرحلة التحول المرن الذي يمهد الطريق لما بعده ما بعده هو الهدف الذي نرجوه جميعا من الثورة ولكن كم يمتد من الوقت العلم عند الله وكم اتمني ايضا الان ان يصعد الشيخ حازم الي السلطة ولكن بعد انتهاء مدة الرئيس الحالي ولكن الله يقدر ما يشاء

2.1-الوعود التوزيعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية

اعتقد ان الاخوان ان اعتمدو كما اعتمد النظام السابق علي نظرية القروض من الخارج
فستكون سقطتهم الكبري وسيكونون بمثابة الدبة التي قتلت صاحبها وهي لا تريد ذلك
فاللاسف ان بعض من الاخوان لم يتربو تربية عقيدية سليمة تجعلهم يقفون موقف الاسود امام الامواج الهادرة هم وضعوه مقارنة بين الشرع وبين واقع اليم يحتاج الي دعم وهنا انحازو للعقل علي حساب النقل الشرعي ذلك ببساطة لان تربيتهم الاسلامية لم تكن بالقوة التي لدي ما نسمهم نحن بالسلفيين
النظام العالمي كله قائم علي الربا وحتما هو ساقط وسيسقط معه كل من تبعه وسيتحقق موعود الله بالحرب علي من تعامل بالربا , هناك بدائل قدمها اقتصاديون وخبراء بدبل للقروض الربوية ولكن نحن ننتظر نتيجة الجدل في المجتمع علي هذة القروض وفي نفس الوقت الاخوان في مأزق حقيقي بسبب ضعف حجتهم مع الشعب فيما يخص الناحية ةالشرعية وتستغل بعض الحركات والفئات والاحزاب المعارضة هذة الناحية للهجوم عليهم مع العلم ان هذة الناحية الشرعية هي لا تعنيهم بالاساس لان فكرهم قائم اساسا علي نقض الدين وعدم خلط الدين بالسياسة

ورأيي صراحة ان نجاح السيد الرئيس مرسي في الانتخابات لم يكن نجاح للاخوان في شيء لان نجاحه جاء ليس تأييدا لجماعة الاخوان بقدر ما جاء حبا من الشعب المصربي في استبعاد النظام القديم بكل اركانه وفروعه عن الحكم في لحظة فاصلة ولانه كان الخيار الوحييد لفوز الثورة والا العود بالكامل لنقطة الصفر وفي ظني كانت ستكون قبل الصفر بدرجات كبيرة لانه حيئذ كانت ستفتح السجون والمعتقلات علي مصراعيها وهو ما كان مخطط فعلا وعودة امن الدولة بكل قوة
الا ان الشعب المصري اثبت للعالم كله ان جذوة الثورة لا تزال مشتعلة يمو اعلان نتائج الانتخابات فكان ميدان التحرير يومها يوم من ايام الثماني عشر يوما من حكم مبارك بل والجميع في مصر بل والعالم كله كانت لحظة بحق يجب ان تطلق عليها لحظة مشهودة وان ما نشر عن ان مصر ستكون بحورا من دماء لو يفز مرسي كان ما هو الا استنتاج حقيقي لمخابرات طنطاوي وعنان وليس تصريحا من احاد الاخوان كما يزعمون

اخي السيد ايمن نور اشكرك شكرا جزيلا والسلام عليك


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 31-08-2012 08:22 PM

مرسي والتوازن في السياسة الخارجية
 
مرسي والتوازن في السياسة الخارجية
باترك سيل
على رغم أنّ الرئيس المصري محمّد مرسي تبوأ منصبه منذ 30 حزيران (يونيو) أي منذ نحو شهرين فقط، فقد قام بمبادرات جريئة في السياسة الخارجية قد تضعه في مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن الواضح أنّه مستعدّ لهذه المجازفة. يقضي هدفه على ما يبدو باستعادة قدر من الاستقلال من الوصاية التي تمارسها هاتان القوتان. وفي حال نجح في ذلك، سينال ثناء الأكثرية الساحقة من المصريين.

ويتعلّق ميدان المواجهة المحتملة بالضغوط الدولية الكبيرة على النظامين الإيراني والسوري بهدف إسقاطهما. تسعى الولايات المتحدّة إلى شلّ اقتصاد إيران من خلال فرض عقوبات شديدة عليها كما أنّها تدعم الثوّار السوريين في محاولتهم الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

يرفض الرئيس مرسي ذلك. فقد تجرأ على مواجهة الولايات المتحدّة وإسرائيل عبر رفض عزل إيران أو تشويه سمعتها. واختار أن يحضر قمة دول عدم الانحياز التي عُقدت في طهران هذا الأسبوع علماً أنه أول رئيس مصري يزور الجمهورية الإسلامية منذ الإطاحة بالشاه عام 1979. وقد كسر الجليد مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منذ بضعة أسابيع حين التقيا خلال القمة الإسلامية في مكّة. وكان لقاؤهما ودياً جداً.

ومن الواضح أنّ الرئيس مرسي يفضّل حلّ الأزمة السورية عن طريق المفاوضات بدلاً من الحرب، الأمر الذي يشكّل معارضة مباشرة لواشنطن. كما اقترح أن تشكّل القوى الأساسية الأربع في المنطقة، أي مصر والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا مجموعة اتصال للإشراف على حلّ يتمّ التفاوض عليه. بمعنى آخر، هو يطلب من الولايات المتحدّة وحلف شمال الأطلسي أن يبقيا بعيدين عن سورية وأن يتركا القوى المحلية تتولى زمام الأمور. (يفرض تحرّك مرسي معضلة كبيرة أمام الديبلوماسية التركية: هل يجب أن تدعم تركيا التي تشكّل جزءاً من حلف شمال الأطلسي الولايات المتحدّة لنقل الأسلحة والأموال والمعلومات الاستخباراتية إلى الثوّار السوريين أم يجدر بأنقرة الانضمام إلى الجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء النزاع عن طريق المفاوضات؟)

وجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما دعوة إلى الدكتور مرسي لزيارة واشنطن في شهر أيلول (سبتمبر) وقد تكون وراء الدعوة رغبة لتوجيه ملاحظات على سياسته. لكن، في معرض التأكيد من جديد على الاستقلال المصري، زار الدكتور مرسي بكين ثم توجّه منها إلى طهران. وقد تكون هذه طريقته ليشير إلى أنّه لن يسمح بأن يتمّ إملاء الأمور عليه.

أما الموضوع الذي يشكّل موضع خلاف جدي فيتعلّق بالملاحق العسكرية الواردة في معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية التي أُبرمت عام 1979 والتي يرغب الرئيس مرسي شأنه شأن معظم المصريين في مراجعتها. حين قامت مجموعة من المسلحين في سيناء في 5 آب (أغسطس) بالهجوم على حاجز للجيش المصري على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ما أدى إلى مقتل 16 جندياً مصرياً وجرح آخرين، أرسل مرسي على الفور قوة تضمّ جنوداً وطائرات مروحية ودبابات لمطاردتهم. لكن، تنص الملاحق العسكرية على أنّ مصر يجب أن تحصل على موافقة مسبقة من إسرائيل قبل إرسال الدبابات إلى سيناء، على رغم أنّ هذه المنطقة تخضع للسيادة المصرية. ويبدو أنّ مرسي لم يشعر بالحاجة إلى القيام بذلك.

حين أجريتُ في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي مقابلة مع عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والذي كان حينها مرشحاً للرئاسة المصرية، دعا إلى مراجعة الملاحق العسكرية. وقال لي: «ستظل معاهدة السلام قائمة إلا أنّ مصر بحاجة إلى قوى في سيناء. فالوضع الأمني يتطلّب ذلك. يجب أن تفهم إسرائيل أنّه يجب مراجعة القيود التي تفرضها المعاهدة». ولا شكّ في أن مرسي يشاطره الرأي.

لم يعجب هذا الحديث إسرائيل. فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في 22 آب (أغسطس) أنّ إسرائيل «قلقة» بسبب غياب التنسيق وطلبت من القاهرة سحب دباباتها. إلا أنّ إسرائيل تجد نفسها في وضع صعب. فهي تريد أن تحافظ مصر على الأمن في منطقة سيناء التي تعاني الفوضى والاضطرابات، إلا أنها تخشى أن يؤدي نشر القوات المسلحة المصرية إلى تهديد أمنها في يوم من الأيام.

ووجّه دنيس روس الذي يعمل في معهد واشنطن (المتفرّع من مجموعة «ايباك» التي تشكل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة) انتقادات لاذعة عبر صحيفة «واشنطن بوست» في 19 آب إلى مرسي بسبب إرساله الدبابات إلى سيناء من دون إبلاغ إسرائيل. وقال: «في حال استمر هذا التصرّف، ستتوقّف الولايات المتحدّة عن تقديم الدعم إلى مصر الذي يعدّ ضرورياً للحصول على المساعدة الاقتصادية الدولية ولتعزيز الاستثمار». ويعتبر روس المعروف أنه «محامي إسرائيل» بسبب دفاعه على مدى عقود عن المصالح الإسرائيلية حين كان في الحكومة، أنّه لا يزال يتحدّث باسم الإدارة الأميركية. ويجب أن نأمل أنه على خطأ في هذا الاعتقاد.

أما الخطوات الأخرى التي قام بها مرسي والتي أثارت قلق واشنطن وتل أبيب فهي إقالة مجموعة من الضباط الكبار الذين أقامت إسرائيل والولايات المتحدّة علاقات وثيقة معهم على مرّ السنوات. وتضم هذه المجموعة من فلول نظام مبارك وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع ومدير جهاز الاستخبارات مراد موافي إلى جانب قادة آخرين. وعيّن الرئيس مرسي اللواء عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع واللواء صدقي صبحي رئيساً للأركان. ويبدو أنّ الرجلين يشاركان الدكتور مرسي رغبته في التحرّر من النفوذ الأميركي والإسرائيلي.

وتقوم أولوية الرئيس مرسي وفريقه على إعادة إحياء الاقتصاد في مصر الذي يبدو في وضع مزرٍ. إذ يجب إطعام 85 مليون شخص. كما يعدّ إنشاء فرص العمل ضرورياً. ويجب إعادة تفعيل خدمات الحكومة. أما المساعدة الخارجية فضرورية. وفي ظلّ الظروف الحالية، ما من خطر يتهدّد معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية لجهة إمكان إلغائها. فلا يسع أي مصري اليوم التفكير في الحرب مع إسرائيل. ولا يبدو الجيش المصري مستعداً للتضحية بالمساعدة السنوية بقيمة 1.3 بليون دولار التي يحصل عليها من الولايات المتحدّة للحفاظ على السلام مع إسرائيل.

إلا أنّ الرئيس مرسي سيسعى بلا شكّ إلى إقامة علاقة جديدة مع الولايات المتحدّة وإسرائيل. ومن الآن فصاعداً، من المرجّح أن تكون مصر أقل تسامحاً إزاء معاملة إسرائيل السيئة للفلسطينيين الذين يقعون تحت الحصار والاحتلال. وسبق أن شدّد على الحاجة إلى معالجة مسألة فلسطين التي طالما تمّ إهمالها. وسيكون أقل استعداداً من سلفه للقبول بطبول الحرب التي تقرعها إسرائيل ضد إيران. وعلى رغم أنه لن يكون قادراً على تحدّي هيمنة إسرائيل العسكرية المموّلة والمجهّزة والمضمونة من الولايات المتحدّة، سيسعى إلى وضع حدّ لاستغلال إسرائيل هيمنتها لا سيّما هجماتها المتكرّرة على الدول المجاورة لها.

ويشعر عدد كبير من المصريين بالذنب حيال معاهدة السلام التي أُبرمت عام 1979 مع إسرائيل. فهم يعرفون أنّه من خلال إبعاد مصر عن المعادلة العسكرية العربية، منحت معاهدة السلام إسرائيل أكثر من 30 سنة من الهيمنة العسكرية التي لم يتمكن أحد من تحديها وحرية ضرب الدول المجاورة لها متى شاءت من دون أن تتعرّض للردّ. وقد جرب لبنان والفلسطينيون والعراق وسورية هجمات إسرائيل.

يطمح الرئيس مرسي بوضوح إلى إعادة التوازن إلى علاقات القوة في الشرق الأوسط. ومن المثير أن نرى كيف سيقوم بهذا العمل الذي يشكل خطراً كبيراً وكيف ستختار الولايات المتحدّة وإسرائيل التصرّف تجاه هذه السياسة المصرية.

aymaan noor 31-08-2012 08:38 PM

خطاب مرسي في قمة عدم الانحياز"قنبلة عنقودية"
 
خطاب مرسي في قمة عدم الانحياز"قنبلة عنقودية"
د. الهام حمدان
خطاب السيد الرئيس محمد مرسى فى افتتاح اجتماع رؤساء دول عدم الانحياز خطاب مشكل بامتياز . وجه الإشكال نستطيع تبينه من عرض المناهج المختلفة لتحليل الخطاب .

إذا حللنا الخطاب من وجهة نظر معظم المصريين الذين يرون أن ما يحدث فى سوريا ثورة من ثورات ما أطلقت عليه هيلارى كلينتون الربيع العربى ، فإن مرسى من هذا المنطلق بطل ثورى يقف فى صف ثورة ضد نظام شمولى قمعى يقتل شعبه ، وهكذا يكتسب مرسى شعبية جارفة بصفة خاصة بين الشباب المصرى الثائر ، وتصبح كلمات مرسى عن دماء السوريين التى هى فى أعناقنا جميعا ، وعن أن النظام السورى الذى يقتل شعبه قد فقد شرعيته كلمات من نور تضئ طريق الثورة والثوار مع أن تعبليق الجيش الحر كان : " نريد أفعال لا أقوال " بالطبع مع رضاهم التام . أما من وجهة نظر الخليج فقد كان فتحا مبينا ، فى ظل مخاوفهم من تقارب مصرى إيرانى من ناحية ، أو تخفيف من موقف مرسى تجاه سوريا مجاملة لإيران ، ولا سيما أن الخليج دفع دم قلبه من المليارات لدعم ما يسمى بالجيش الحر وتسليحه .

أما من وجهة نظر السنة فى مصر والخليج وتركيا والعالم فقد صار مرسى بطلا بالدعاء على سدة الشيعة الكبرى للخلفاء الراشدين الذين يلعنهم كل جمعة الإيرانيون .

ومن وجهة نظر الغرب وعلى رأسه أمريكا فقد قرت عيونهم لأن وجهة نظر مرسى حول سوريا كما أعلنها على الملأ هى وجهة نظرهم ، ومن وجهة نظر أتباع نظرية المؤامرة سواء من كتاب الغرب إو العرب فإن خطاب مرسى بداية للحرب المتوقعة بين السنة والشيعة بعد اعتلاء الإسلاميين لعرش الحكم فى كثير من البلاد العربية ، بجانب أن الإخوان المسلمين والسنة تقود الحرب ضد النظام السورى العلوى الحليف عقائديا للشيعة .

ومن وجهة نظر الناصريين واليساريين فى مصر فإن مرسى يضرب قلعة القومية العربية الأخيرة ، المتمثلة فى النظام السورى آخر معاقل المقاومة ضد الصهيونية وضد الهيمنة الأمريكية ، ومقاومة التيارات الإسلامية التى تستبدل بالخلافة الإسلامية القومية العربية ، وأن مرسى ينضم لصف الغرب الداعم لإسرائيل ضد الحقوق العربية .

أما تحليل الخطاب من وجهة النظر الدبلوماسية فقد كسب مرسى أرضية واسعة على مستوى العالم المعادى لإيران وللنظام السورى ، وإن كان قد جافى كل قواعد الدبلوماسية بضرب البلد المضيف على قفاه مرتين الأولى بالدعاء لأعداء المذهب الشيعى (أبو بكر وعمر وعثمان بل وإلحاق على بهم ) ، والثانية بقلب المائدة فى وجه الموقف الإيرانى الذى يعتبر معركة سوريا معركته وأن النظام السورى يضرب لتأييده لإيران بل إن ضرب ذلك النظام أول رصاصة موجهة لإيران ، حتى أن التليفزيون والراديو فى إيران زيفوا ترجمة الخطاب وحذفوا منه وأضافوا إليه ، بينما هلل له أردوغان وبعض الساسة الغربيين . من الناحية الدبلوماسية كانت مصر تسلم رئاسة المؤتمر لإيران ، وكان من المتوقع دبلوماسيا أن يكون الخطاب تشريفيا ومجاملا ، لكن ذلك لم يحدث ، وأصبح التقارب مع إيران فى خبر كان ، مع أن مبادرة الرئيس مرسى التى طرحها فى المؤتمر الإسلامى تدعو لتشكيل لجنة من إيران وتركيا والسعودية ومصر لعلاج المشكل السورى ، فكيف لمثل هذه اللجنة المتصارعة أن تحل صراعا ؟!

أما من وجهة نظر النظام السورى فقد نعى على مصر زعيمة العرب وقاطرتهم -على حد تعبيرهم- أن تتخذ نفس موقف أمريكا التى يتهمونها بإشعال الموقف فى بلدهم .

كيف نحكم على الخطاب ؟ لايمكن لخطاب إشكالى مثل هذا أن يخضع لحكم واحد مع تعدد وجهات النظر ، فقط يمكننا القول أن مرسى توكل على الله وألقى قنبلة عنقودية فى المؤتمر سوف تتوالى انفجاراتها مع الوقت.

alamed 31-08-2012 11:43 PM

الكلام المكتوب اللى قالهم مرسى وقالبين الدنيا كانه فتح عكا او حرر القدس

ماذا لو قلد الجميع مرسى فى افتتاحه لمؤتمر عدم الاحياز
فبدأ نجاد كلمته: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته
و افتتح ممثل الدومينيكان: بسم الاّب والابن و الروح القدس
و قال رئيس وزراء الهند: السلام على بوذا و على الكارما والنيرفانا
و استهل رئيس وزراء نيبال كلمته: أيتها البقرة المقدسة، لكى التمجيد والدعاء
------------------
*** اعتقد ان حركة عدم الانحياز التى اسسها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ونهرو وتيتو لترسيخ السلام العالمى بين الشعوب والطوائف والتى رفعت اسم عاليا فى العالم اعتقد انه سيتغير اسمها الى حركة الانحياز للفتن واشعال الحروب بين الشعوب فعلا لقد تم تحرير القدس!!!

أنين الأنين 01-09-2012 12:09 AM

صراحة خطاب مرسى خطاب رائع اثلج صدورنا جميعا
بغض النظر عن موقف الدول الاخرى الا انه بين اننا لسنا نتبع أحدا وان مصر لها موقفها الجديد
المبنى على الكرامه ليس بخصوص سوريا فقط
بل فلسطين واسرائيل وأمريكا وايران قال الحق وأعلن مبادءه واختار مصلحة بلاده
ربما كان شديدا لكنه كان رائعا غالعالم ينتظر موقفنا مما يحدث حولنا
بارك الله فيه ووفقه واعانه على هذه المهام الشاقه
وجزااااكم الله خيرا

Khaled Soliman 01-09-2012 01:19 AM

لقد تناسى المقال كما تتجاهل الصحف والتقارير الأمريكية تعليق الدكتور مرسى على إستخدامات الطاقة النووية فى إيران وأنه يؤيد موقف إيران فى شأن الإستخدام السلمى للطاقة النووية كما ينكر على إسرائيل إمتلاكها اسلحة دمار شامل مطالباً أن تكون المنطقة كامل المنطقة بلا إستثناء خالية من السلاح النووى وتحاول التقارير الأمريكية جاهدة تفريغ مضمون الخطاب إلى صالحها رغم أن الزيارة فى حد نفسها ضد المصالح الأمريكية
وعليه يجب عدم الإنسياق خلف التحليل الأمريكى لمضمون خطاب الرئيس فلدينا نص الخطاب نستطيع تحليله كلمة كلمة
الرسائل التي ارسلها الرئيس مرسي الي كل الاطراف
بارك الله فيكم وجزاكم خيراً أستاذ أيمن

مستر مصطفى الناقه 01-09-2012 01:26 AM

جزاكم الله خيرا


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:56 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.