{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}. (سورة يوسف؛ آية رقم: 111) "مُـقــدّمـــة" بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ للهِ الَّذِي مَيَّزَ عِصَابَةَ السُّنَّةِ بِأَنْوَارِ اليَقِين، وأَيَّدَ رَهْطَ الَحقِ بِالِهدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّيْنِ، ووَفَّقَهُم لِلاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِ المُرْسَلِيْنَ، وسَدَّدَهُم لِلتَّأَسِّي بِصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، ويَسَّرَ لَهُم اِقْتِفَاءَ آثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، وأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَه إِلَّا الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَفُوزُ بِهَا يَوْمَ الدِّيْنِ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ خَاتَم النَّبِيينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ. وبـــعــــــــد فَهَذَا جَهْدٌ مُتَواضِعٌ قُمْتُ بِتَجْمِيْعِهِ وتَرتِيبِهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي ... رَاجِياً أَنْ يُحَقِّقَ الفَائِدَةَ المَأْمُولَةَ مِنْهُ ...والعَمَلُ عِبَارَةٌ عَنْ مُلَخَّصٍ مُبَسَّطٍ عَنْ التَّارِيخِ الإِسْلاَمِيِّ العَرِيقِ مُنْذُ عَهْدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، ومُرُورًا بِالأَنْبِيَاءِ الكِرَامِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ثُمَّ بِالعُصُورِ الإِسْلاَمِيَّةِ المُتَتَالِيَّةِ، إِلَى وَقْتِنَا الحَاضِرِ؛ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وسَـمَّــــيْــــتُـــــهُ: (-(التُّحْفَةُ اللَّطِيفَةُ فِي ذِكْرِ تَارِيخِ الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ الشَّرِيفَةِ)-) وجَدِيْرٌ بِالذِّكْرِ أَنَّ الأَحْدَاثَ والأَسْمَاءَ الَّتِي لَمْ تَرِدْ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ أَوْ الحَدِيْثِ النَّبَوِيِّ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الإِسْرَائِيلِيَّاتِ؛ وقَد قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ وكَانَ جُلَّ اِعتِمَادِي فِي هَذَا المَبْحَثُ عَلَى كِتَابِ مُوْجَزِ التَّارِيْخِ الإِسْلاَمِيِّ مِنْ عَهْدِ آدَمَ إِلَى عَصْرِنَا الحَاضِرِ لِـــ/ أَحْمَدُ العُسَيْرِيُّ؛ بَيْدَ أَنَّي قُمْتُ بِالتَّعْدِيْلِ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعٍ شَتَّى، مَعَ بَعضِ الإِضَافَاتِ. واللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا العَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وأَنْ يَتَقَبَّلَهُ بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ، وأَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ وإِيَّاكُمْ. --------- حَـــاتــِـــم أَحـــمَـــــد |
(تــمـــهـــــيـــــــد) تَعْرِيْفُ الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ الشَّرِيْفَةِ الأُمَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ هُمْ: الجَمَاعَةُ الَّذِيْنَ تَجْمَعُهُم العَقِيْدَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ عَلَى مَدَارِ التَّارِيْخِ، فَالَّذِيْنَ اِتَّبَعَوُا أَنْبِيَائِهِم مِنْ عَهْدِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وإِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَنْ سَيَسِير عَلَى هَدْيهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَيُؤْمِنُ بِرَبَّهِ، ويُصَدِّقُ الرُّسُلَ، هُمْ جَمِيعاً الأُمُّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ ... فَالرَّابِطَةُ الأَصِيلَةُ هِيَ العَقِيْدَةُ، ولَيْسَت اللُّغَةُ أَوْ التَّارِيخُ أَوْ المَكَانُ أَوْ الأَصْلُ أَوْ غَيْرُهُ. ********* |
!نــَــحْــــــــنُ الــمُـــسْـــــلِـــــــمُـــــــــــونَ! ... سَلُوا عَنَّا دِيَارَ الشَّامِ ورِيَاضِهَا، والعِرَاقَ وسَوَادِهَا، والأَنْدَلُسَ وأَرْبَاضِهَا ... ... سَلُوا مِصْرَ ووَادِيْهَا، سَلُوا الجَزِيْرَةَ وفَيَافِيْهَا، سَلُوا الدُّنْيَا ومَنْ فِيْهَا ... ... سَلُوا بِطَاحَ أَفْرِيقِيَّا، ورُبُوعَ العَجَمِ، وسُفُوحَ القَفْقَاسِ ... ... سَلُوا حَفَافِي الكَنْجِ، وضِفَافَ اللُّوَارِ، ووَادِي الدَّانُوبِ ... ... سَلُوا عَنَّا كُلَّ أَرْضٍ فِي الأَرْضِ، وكُلَّ حَيٍّ تَحْتَ السَّمَاءِ ... ... إِنْ عِنْدَهُم جَمِيْعاً خَبَراً مِنْ بُطُولاَتِنَا وتَضْحِيَّاتِنَا ومَآثِرَنَا ومَفَاخِرِنَا وعُلُومِنَا ... !نــَــحْــــــــنُ الــمُـــسْـــــلِـــــــمُـــــــــــونَ! ********* |
(1) أَبُو البَشَر وأَوَّل الأنبياء/ آدَم عليه الصلاة والسلام اقتضت حِكمة الله سبحانه وتعالى أن يستخلف مخلوقاً على هذه الأرض، ويسخّر له كل كنوزها وطاقاتها، فكان هذا المخلوق هو آدم عليه السلام. خلقه اللهُ مِن تراب ونفخ فيه من روحه وعلّمه أسماء كل شيء، وأمر الملائكة بالسجود له، وطُرِد إبليس ولُعِن عندما رفض السجود لآدم امتثالاً لأمر الله تعالى؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. (سورة البقرة: آية رقم 30) ثم خلق اللهُ لآدم حواءَ زوجاً له مِن ضلعه الأيسر وأسكنهما في الجنّة، ثم إن إبليس الذي توعّد بغواية آدم وذريته ما زال بهما حتى أغواهما وجعلهما يأكلان من الشجرة المحرّمة ... بعدها ندما وتابا إلى الله، فتاب عليهما وأنزلهما إلى الأرض، وعلّم جبريلُآدمَ طرق المعيشة على الأرض من زراعة ورعي وغيره ... فزرع وأكل وكان يجتهد للحصول على قُوته ثم رزقهما الله بالأولاد. وحصل اختلاف في مكان نزولهما على سطح الأرض، وأكثر الأقوال إنه كان بجزيرة العرب، وكان الإنسان منذ ذلك اليوم في صورته الجميلة المتكاملة ولم يتدرّج ويتطوّر من صورة القرد كما يدّعي المادّيون أصحاب نظرية التّطور الباطلة ... قال اللهُ تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. (سورة التين: آية رقم 4) |
(2) أَوَّل جَرِيمة على الأرض (قابيل وهابيل) هما أول ابني آدم عليه السلام، وكانت شريعة الله تعالى: أن يتزوّج ذَكَر كل بطن بأنثى البطن الآخر، وكانت حواء تحمل في كل بطن ذكر وأنثى. فأراد قابيل وهو الأكبر أخت بطنه (وهي شَرعاً لأخيه) ...فرفض هابيل، ثم قدَّما قُربَاناً لله فتقبّل اللهُ مِن هابيل قُربَانه وهو كَبْش طيّب ... ولم يتقبّل مِن قابيل الزّرع الفاسد الذي قدّمه لله، فحسده قابيل وقتـله، فكانت أوّل جريمة يرتكبها بَشَر على سطح الأرض؛ قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. (سورة المائدة: 27) ثم رَزَق اللهُ تعالى آدمَ شِيثاً، ثم رزقه البنين والبنات الذين تزوجوا وتكاثر نسلهم، وكان آدم يُعلمهم التّوحيد ويُبلّغهم دعوة الله إلى أن مات. واختُلِف في عمر آدم يوم مات ... وأصحّ الأقوال إنه مات وله مِن العُمر بين 950 إلى 1000 سنة. |
(3) شِيث بنُ آدَم عليهما السلام هُو مِن أبناء آدم، وكان نَبِيًّا، واستمرّ في الدّعوة إلى الله تعالى وإقامة شريعته في الأرض حتى وفاته. |
(4) إدريس عليه السلام وهو النّبي بعد آدم وشِيث، قال اللهُ تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا. وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}. (سورة مريم: آية: 56، 57) ... واستمرّ إدريس في الحُكم بشريعة الله إلى أن قبضه اللهُ عزّ وجلّ ... وذَكَر "ابن إسحاق" إنّه أوّلُ مَن خَطّ بالقَلَم. وكان الغَرض مِن إرسال الرُّسل استمرار شريعة الله سبحانه وتعالى، وإقامة الحُجّة على النّاس، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. (الإسراء: 15)، وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. (سورة النحل: 36) |
(5) أَوَّل الرُّسل/ نُوح عليه الصلاة والسلام كان بين آدم ونوح عشرة قُرون كلهم على دين الحق، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}. (سورة البقرة: 213)، ثم صاروا إلى الفساد، وكانت بداية عبادة الأصنام أنه كان من قوم نوح رجال صالحين، وبعد موتهم قال أتباعهم -بوَحي مِن الشّيطان- لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى عبادة الله، فصوّروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، أخبرهم إبليس أنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، فأشهر أصنامهم: ود، وسواع، ويعوق، ونسر). وقد دعاهم نوح عليه السلام إلى عبادة الله تعالى ونبذ عبادة الأوثان، وبذل كل الأسباب لإقناعهم، فلم يجد إلا الصدّ والكُفران، ولم يؤمن معه إلا القليل؛ بالرغم من أنه لبث في دعوته لهم 950 سنة؛ قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. (سورة الأعراف: 59)؛ {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}. (سورة نوح: 5 – 7) فلمّا يَئس منهم دعا عليهم {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}. (سورة نوح: 26)؛ فلبّى اللهُ دعوتَه وأمره بصنع الفلك -وهي السفينة العظيمة- إِذْ قال: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}. (سورة المؤمنون: 23)، فبدأ بصناعتها نوح وحمل معه مَن آمن به، ومن الحيوانات من كل زوج اثنين ... وقد استمرّ القوم في الفساد والسُّخرية منه ومن سفينته. فلمّا انتهى ... حصل الطوفان العظيم وامتلأت الأرض بالمياه، وتحرّكت السفينة شمالًا، قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}. (سورة الحاقة: 11)، فأهلك اللهُ القومَ الكافرين، ثم رست السفينة على جبل الجُودي (جبل أرارات في شرق تركيا اليوم) فخرج الركاب واستقروا هناك وبدأت زيادة السكان من جديد، ثم تفرّق أبناء نوح، فهاجر سام وآبناؤه باتجاه جزيرة العرب، واتجه أبناء حام جنوباً نحو العراق وما جاورها، وتحرك يافث وذريته شرقاً وجزء منهم غرباً وتفرق آخرون في اتجاهات متباينة. |
(6) الدولة السومرية (العراق): استقرّت مجموعة في ناحية من العراق يُعرف بسهل شنعار، فعظم شأنهم، وعرفوا بالسومرين ... عملوا بالزراعة، وبنوا السُّدود؛ ... وقد أقام بجانبهم قوم عُرفوا بالأكاديين وعاصمتهم أكاد، وانتقل بعضهم إلى المرتفعات الشرقية من هذه البقعة، وبنوا مدينة سوزا وهم العيلاميون، وكان السومريون أكبر قوة في المنطقة، ومن أشهر ملوكهم: سرجون، ومِن مُدُنهم الشّهيرة: أور، ... وقد عبدوا التّماثيل والكواكب وتمادوا في غيّهم وضلالهم، فبعث اللهُ إليهم نبيَّه إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم. |
(7) أَبُو الأَنبياء/ إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو مِن ذُريّة سام بن نوح ... أرسله اللهُ تعالى إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله فجادلهم وناقش ملكهم النّمرود الجبّار المُتغطرس الذي كان يدَّعي الأُلوهية، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}. (سورة البقرة: آية رقم 258) وقد حطّم إبراهيمُ عليه السلام أصنامَ قومه في غيابهم، وجعل الفأس في رأس كبيرهم ليبين لهم عجزها وبطلانها، {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}. (سورة الأنبياء: 58)؛ وبالفعل تبيّن للقوم عجزها ومع ذلك استمرو في غيّهم وضلالهم، وقرروا حرقه! قال تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}. (سورة الأنبياء: 68، 69)؛ وبعد كل هذا الجهد لم يُؤمن به إلا زوجه سارة ولوط ابن أخيه! فهاجر بهم إلى بلاد الشّام. ولمّا قَدم إبراهيم عليه السلام إلى الشّام، سَكَن في بلدة الخليل شرق بيتالمقدس، وجاءت سنوات عجاف فارتحل مع زوجه إلى مصر، ورآها حاكم مصر فأرادها لنفسه، فطلب منها زوجها أن تقول عنه أنه أخوها (وهو فعلاً أخوها في الله) خوفاً مِن أن يقتـله الحاكم، ففعلت، ثم إن الله حماها من هذا الملك فكان كلما أراد لمسها شُلَّت يده، فعلم حقيقة أمرها وتركها وقدّم لها أَمَة تُدعى هاجر وأمرهم بالخروج من مصر؛ ثم عاد الخليل إلى الشام واستقرّ هناك. وأعطته سارة جاريتها هاجر، وقالت: عسى الله أن يرزقنا منها غلاماً. ففعل، وحملت هاجر ووضعت ولدها إسماعيل عليه السلام؛ فغَارت سارة وطلبت من إبراهيم عليه السلام أن يُغيِّب عنها هاجر وولدها. فَسَار بهما بإذن الله جنوباً حتى وصل إلى موضع مكة المكرمة، فتركهما هناك، ودعا قائلاً: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}. سورة إبراهيم: 37)؛ ثم عاد إبراهيم عليه السلام إلى الشّام. وفي مكّة عندما نفد الماء مِن هاجر أخذت تبحث عنه، فَسَعت بين الصّفا والمروة سبعاً وهي تُفتش، حتى دُلّت على مكان زمزم، فضربه إسماعيل بقدمه، وهو يبكي مِن شدة العطش فخرج منه الماء بإذن الله، فاستقر مقامهم. وهاجرت قبيلة جُرهُم مِن اليمن ومرّت بمكّة فسمحت لهم هاجر أن يقيموا معهم، ونشأ إسماعيل بينهم. ثم بعد ذلك بسنوات عِدّة بَشَّر اللهُ إبراهيمَ بولد من سارة، وكان إبراهيم قد بلغ من العمر عِتيًّا وزوجه عجوز عقيم، وكانت البُشرى عن طريق الملائكة، وهم في طريقهم إلى قوم لوط لِيُهلِكوهم: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}. (هود: 71)؛ وقد عاش الخليل إبراهيم 175 عاماً. |
(8) الدولة الأكادية والبابلية "في العراق" أما السومريون، قوم "إبراهيم" عليه السلام، فقد زاد غيّهم وضلالهم فسلّط اللهُ عليهم جماعات ظالمة تغلّبت عليهم، {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. (الأنعام: 129)، فسيطر الأكاديون على المنطقة ... ثم أتت جماعات من الجنوب الغربي، فانتصروا عليهم، وحكموا المنطقة، وجعلوا عاصمتهم بابل، فعظمت دولتهم، وقد اهتموا بالزراعة والعمران، ومن أشهر ملوكهم: حمورابي، الذي وضع قوانين عرفت بـِـ "شريعة حمورابي"، وهي أول قوانين بَشَرية وضعيّة على الأرض لغرض الهيمنة والسّيطرة، وقد سقطت من بعده. وقد استمرّوا في عبادة التّماثيل والكواكب فسلّط اللهُ عليهم أقواماً أهلكتهم، جاءوا من الشمال، منهم الحيثيون والميتانيون ثم الآشوريون. |
(9) الدولة الآشورية "العراق" سيطر الآشوريون على شمالي العراق وكانت عاصمتهم نينوى، ثم امتد نفوذهم إلى كل العراق وبلاد الشام وأجزاء من مصر، وأشهر ملوكهم: سلمنصر الثالث، وَ آشور بانيبال، واستمروا في عبادة الأوثان، ولم يتّعظوا بما حَلّ بسابقيهم، ولم يعملوا عقولهم، وقد أرسل اللهُ إليهم نبيَّه يونسَ عليه السلام. |
(10) يُونُس عليه السلام أرسلَه اللهُ إلى أهل نينوى، فدعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، فلم يؤمنوا فضاق بهم ذرعاً، وغضب، وسافر في سفينة في نهر دجلة، فأراد اللهُ أن يعطيه درساً لعدم صبره، فاضطربت السّفينة، وكادت أن تغرق، فقرّر مَن عليها أن يقترعوا على مَن يرمونه في البحر تخفيفاً (حسب العادة المتّبعة عندهم)، فوقعت القرعة على يُونُس لثلاث مرّات، فرمُوه في البحر. والتقمه الحوتُ بأمر الله تعالى، فندم يونس على فعله وتسرُّعه وتاب إلى ربه، فغفر له. قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ. فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}. (الصافات: 139 – 145) ثم عاد إلى قومه، فدعاهم، وكانوا قد ندموا على عنادهم، وتابوا إلى الله ... قال تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}. (يونس: 98) |
(11) حضارة الدولة الكلدانية "البابلية الثانية" أصبح الكلدانيين حُكّام المنطقة، وأعظم ملوكهم كان بختنصر الذي استولى على بلاد الشام، ودمّر القدس، واستباح اليهود وسلبهم مُلكهم، فأهلكهم وشرّدهم وأسرهم، ومنذ ذلك الزمان تفرّقت بنو إسرائيل وتشتتوا في أنحاء الأرض، واستقرّ جماعات منهم في الحجاز ومصر وغيرها. واحتلّ بختنصر مصر، ومن أشهر أعماله بناء برجبابل المشهور، واستمرت هذه الدّولة حتى قضى عليها الفُرس واحتلوا المنطقة حوالي عام 504 ق. م. |
(12) حضارة الدّولة الفاريسيّة ويعود الفُرس في أصلهم إلى العراق، فهاجروا شرقاً، وعمّروا فارس، فلما قويوا غزوا الكلدانيين وسيطروا على مصر والعراق، فبقيت مصر في حكمهم إلى أن احتلها الإسكندر المقدوني ... أمّا العراق فقد بقيت تحت سيطرة الفُرس حتى الفُتوحات الإسلاميّة. |
(13) لُوط عليه السلام هو ابن أخ إبراهيم عليه السلام؛ وقد آمن به وهاجر معه إلى الشّام، وأقام ببلدة سدوم جنوب البحر الميت، فبعثه اللهُ إليهم وكانوا يُعدّون مِن أفجر الناس وأكفرهم، وابتدعوا فاحشة لم يسبقهم بها أحد مِن العالمين وهي إتيان الذُّكور "فعل اللُّواط"؛ قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}. (سورة الأعراف: 80، 81) وقد أرسل اللهُ إلى لوط ملائكةً في هيئة بشر، فهرع الكُفّار إليهم يريدون الفاحشة لهم، فصدّهم لوط: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}. (سورة هود: 78)، فطمأنته الملائكة وأمرته بمغادرة البلدة مع أهله ليلاً لِيُنزل اللهُ بهم العذاب صُبحاً؛ قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}. (سورة هود: 82، 83) |
(14) إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام نَشأ في منطقة الخليل، ورُزِق بيعقوب "وهو إسرائيل"؛ وقد عاش إسحاقُ180 عاماً، وتابع دعوة أبيه إبراهيم بعد موته حتى وفاته. |
(15) يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام هاجر يعقوب إلى حِرّان (شمال بلاد الشّام) وتزوج هناك، ورزقه اللهُ باثني عشر ولداً منهم يوسف عليه السلام وبنيامين (شقيقان). وقد تابع دعوة أبيه إسحاق وجدّه إبراهيم عليهما السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، حتّى توفّاه اللهُ؛ عاش يعقوب147 عاماً. |
(16) يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام كان يعقوب يحب أبناءه الصغار يوسف وبنيامين أكثر من غيرهما عطفاً عليهما، لوفاة أمهما راحيل ... ثم حدثت ليوسف القصة المشهورة، وملخصها: أن إخوته حسدوه، لحبّ أبيه له، فقرّروا التّخلّص منه، أرسله أبوه معهم بعد إلحاح شديد منهم، فخرجوا به وألقوه في البِئر، وعادوا إلى أبيهم يبكون، وادّعوا أن الذّئب أكله! ومرّت قافلة متجهة من الشّام إلى مصر، فاستخرجوه وأخذوه إلى مصر وباعوه هناك، واشتراه عزيز مصر وربَّاه، وشبّ يوسف وكان في غاية الجمال والبهاء، فراودته امرأةُ العزيز عن نفسه، فامتنع. ثم ادّعت أنّه راودها عن نفسها، وقد اقتنعوا جميعاً بصدقه وكذبها، ومع ذلك أدخلوه السّجن وبقي فيه سنوات. وأخرجه الحاكمُ بعد ما فسّر له الرؤيا التي رآها وبعد أن اعترفت امرأة العزيز بذنبها، ورأى الحاكمُ فيه القُدرة على إدارة الأعمال فولاّه الخزانة والتّصدير، فكان يبيع القمح للبلاد المجاورة التي كانت تُعاني من القَحط والجدب. وجاءت قوافل الشّام تشتري الحبوب ومعهم إخوة يوسف فعرفهم ولم يعرفوه، فباعهم وطلب منهم إحضار أخيهم المرّة القادمة ... ثمّ عادوا وأخبروا أَبَاهم فرفض، ولم يوافق إلا بعد إلحاح شديد. فذهبوا إلى مصر واشتروا، وأثناء عودتهم قبض عليهم واتهموا بسرقة مِكيَال المَلِك، وفتّشوا فوُجِد في أَمتِعة بنيامين فأخذه يوسف، وكان كل ذلك بتدبير منه. وعادوا فأخبروا أباهم، فحزن حزناً أفقده بصره، وأمرهم بالبحث عن يوسف وأخيه. فلما أعياهم البحث ذهبوا إلى مصر، فعرّفهم يوسف بنفسه، وعفا عنهم، وطلب منهم أن يعودوا ويأتوا بأهلهم جميعاً ففعلوا، وهكذا انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وكان عددهم لا يزيد على المائة وبقوا فيها 500 عام، ثم غادروها مع موسى وهم أكثر من 1600 رجل عدا الذّراري. |
(17) الأحوال في بلاد الشام حَصَلت هِجَرات كثيرة إلى بلاد الشّام من العراق أو الجزيرة، وتوزع المهاجرون في المناطق الخصبة، فقامت الدولة العمورية في المناطق الشمالية وقامت الدولة الفينيقية على سواحل البحر المتوسط، والدولة الكنعانية في فلسطين وما حولها ... ولقد أشركوا جميعاً بالله تعالى، وعبدوا الأصنام، فأرسل اللهُ إليهم كثيراً من الرُّسل، فلم يجدوا إلا التّكذيب والتّمادي في الكُفر. |
(18) أَيُّوب عليه السلام أرسله اللهُ إلى بني إسرائيل، وكان كثير المال والأهل، فسُلِب منه ذلك، وابتُلي في جسده بأنواع الَبلاء، ولم يبقَ منه عضو سليم سِوى قلبه ولسانه يذكر الله بهما، وتخلّى عنه الجميع، إلا زوجته، وألقي خارج البلدة، واستمر ابتلاءه 18 عاماً، وكان ذلك امتحان له مِن الله؛ ثمّ شَفَاه اللهُ، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}. (سورة الأنبياء: 83، 84)؛ واستمر يتنقّل في شمال سوريا يدعو إلى عبادة الله سبحانه، حتّى تَوَّفاه اللهُ. |
(19) اليَسَع عليه السلام مِن أنبياء بني إسرائيل {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ}. (سورة ص: 48) |
(20) إليَاس عليه السلام أرسلَه اللهُ إلى بعض بلاد الشام، وكانوا يعبدون صنماً اسمه بَعل، فدعاهم إلى عبادة الله فكذّبوه؛ قال تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ. أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}. (سورة الصّافات: 123 – 125) |
(21) يُوشَع بن نُون عليه السلام هو الذي قاد بني إسرائيل بعد موسى، ويُعتقَد أنه المقصود بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ}. وكان هارون عليه السلام تُوفي وبنو إسرائيل ما زالوا في التيه والضياع الذي كتبه اللهُ عليهم في صحراء سيناء. وتُوفي موسى عليه السلام أيضاً في تلك الفترة، وقد استمرّت 40 عاماً. فمَن بقي منهم خرج مع يوشع، فذهبوا إلى بيت المقدس ونظّم يوشع جيشاً من بني إسرائيل وقسّمه إلى 12 قِسم حسب الأسباط "أبناء يعقوب عليه السلام"، واستطاع أن يفتح بهم أريحا ثم بيت المقدس، ثم لبث فيهم 27 سنة يحكم بكتاب الله التّوراة، وبعد موته عادوا إلى ضلالهم وفسادهم. |
(22) حزقيل عليه السلام تولّى أمرَ بني إسرائيل بعد يوشع ولم يطل عهده؛ وتفرّقت بعده بنو إسرائيل وضعُف أمرهم، فكانوا يفسدون في الأرض ويقتـلون أنبيائهم، فسلّط اللهُ عليهم الأعداء، وبدّل الأنبياء بملوكاً جبّارين طُغاة، فسفكوا دمائهم ظلماً وعذّبوهم وتغلّب عليهم أهل غزة وعسقلان، وسلبوا منهم التّابوت المقدّس (الذي يحتوي على رُفات يوسف عليه السلام)، ثم انقطعت النُّبوة في بني إسرائيل وانقسمت دولتهم واستمروا على ذلك 400 عام تقريباً، إلى أن بعث اللهُ إليهم بعد ذلك شمويل نَبِياً. |
(23) شمويل عليه السلام طالبه بنو إسرائيل بالقتـال وأن يُعيّن عليهم مَلِكاً لِيُقاتـلوا تحت قيادته، فاختار لهم طالوت، {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ}. (سورة البقرة: 247)؛ فماطلُوا في البداية لِفَقْر طالوت، قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ}. (سورة البقرة: 248)؛ فلمّا تحقّقت تلك المعجزة، انصاعوا وانضووا تحت قيادته. وقد حدث القـتـال بين بني إسرائيل وبين العمالقة بقيادة جالوت في مرج الصفر (جنوب دمشق) واستطاع داوود عليه السلام أن يقتـل جالوت الجّبار بواسطة حجارة ومقلاع فقط؛ وكان داود غلاماً حَدَثاً في جيش طالوت، قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}. (سورة البقرة: 250، 251) |
(24) دَاوود عليه السلام اشتهر داوود بين قومه، وكان طالوت قد وعد أنّ مَن يقتـل جالوت يُعطيه نصف مُلْكه، ويزوّجه ابنته، لذا اضطر أن يتنازل عن المُلْك لداود، ويزوّجه ابنته، فآتاه اللهُ النُّبوة إضافة إلى المُلْك. فأقام شريعة الله فيهم وأنزل اللهُ عليه كتاب الزَّبُور، قال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}، وأكرمه اللهُ بمعجزات، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (سورة سبأ: 10)؛ وكان مجاهداً في سبيل الله، كثير العِبادة، وكان لا يأكل إلا مِن عمل يده وكان عمله حدّاداً. وخَلَفه في المُلْك والنُّبُوّة ابنه سليمان؛ كانت فترة داوود وسليمان هي فترة الرخاء والاستقرار الوحيدة التي قدّر للشعوب العبرانية أن تعيشها على مرّ الدّهر كله. |
(25) سليمان عليه السلام تابع جِهاد والده ووصل إلى دمشق، وأخضع اليمن وأذلّ حُكّامها مِن السّبئيين، وتزوّج مَلِكتهم بلقيس، وقد أبقاها على اليمن خاضعة له، وقد آمنت بالله مع أكثر قومها بعد أن كانوا يعبدون الكواكب والشمس، ومن أعماله تجديد بناء المسجد الأقصى (شيّده يعقوب أو أبوه إسحاق بعد بناء الكعبة بأربعين عامًا)، قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}. (سورة النمل: 16) ودَعَا سليمان لنفسه فقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}. (سورة ص: 35)، فاستجاب اللهُ له وسخّر له الرّيح والإنس والجنّ وعلّمه لُغة الحيوان، قال تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ. وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}. (سورة ص: 36 – 38) وقد استمرّ سليمانُ في مُلْكه 20 عاماً يُقيم شريعة الله في الأرض، وبعد موته ضَعُف بنو إسرائيل من بعده وزاد فسادهم. |
(26) شعيا بن أمصيا عليه السلام هو مِن أنبياء هذه الفترة، وقد حاول الكلدان دخول بيت المقدس بقيادة مَلِكهم سنحاريب، فأهلكهم اللهُ بدعاء هذا النّبي؛ فلم يزداد اليهود إلا شرًّا وفسادًا، فقتـلوا نبيهم شعيا. ثم بعث اللهُ بعده النبي أرميا بن حلقيا عليه السلام وغيره من الأنبياء فاستمر اليهود في تكذيب أنبيائهم وقـتـلهم. |
(27) خَرَاب بيت المقدس سلّط اللهُ عزّ وجلّ على اليهود الملك الكلداني البابلي بختنصر (نبوخذ نصر) فهدم بيت المقدس وقتـل اليهود وشرّدهم، ومن ذلك الزّمان تفرّقت بنو إسرائيل في الأرض، وسكنوا في الحجاز ومصر وغيرها، وبعد موت بختنصر ضعف الكلدان، فعاد بنو إسرائيل إلى بيت المقدس وعمروه، ولكن بقوا ضعفاء بسبب تكذيبهم وقتـلهم لأنبيائهم، وانتشار المُنكر بينهم، فخضعوا وذلوا للفرس ثم للإغريق ثم للرومان. |
(28) زكريا وابنه يحيى عليهما السلام هُمَا مِن أواخر أنبياء بني إسرائيل، ولم يجدا من قومهم إلا التمادي في الطغيان والضلال، واستمرا في الدعوة إلى الله حتى كان مقتـلهما عليهما السلام على أيديهم؛ قال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}. سورة مريم: 7)، وقال: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}. (الأنعام: 85) |
(29) عيسى عليه السلام هو آخر أنبياء بني إسرائيل، وُلِد في بيت لحم بفلسطين، والدته هي مريم العذراء، التي ترّبت في بيت النّبي زكريا عليه السلام (زوج خالتها)، وعُرِفت بالعِفّة والطَّهَارة، وقد حَمَلَت به مِن غير أَبٍّ بإذن الله تعالى؛ فكانت المفاجأة مخيفة لها، فاتهمها قومها في عِفّتها فأشارت إليه، قال تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا. يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}. (سورة مريم: 27 – 31) أقام عيسى في الناصرة في فلسطين، وأخذ يدعوا إلى عبادة الله، وآتاه اللهُ كتاب الإنجيل، وكان يعظ كل مَن يلتقي به، وكان من معجزاته، شفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله. ولازمه الحواريون في الدعوة، وقد أرسل مجموعات منهم إلى باقي بلاد الشّام للدعوة؛ ثمّ تآمر بنو إسرائيل على قتـله، فسلّموه إلى حاكم فلسطين الروماني بيلاطس، فأراد القضاء عليه صَلباً، ولكنّ الله نجّاه، حيث شَبّه لهم بغيره؛ ورفعه اللهُ إليه ... وسيُنزِله اللهُ في آخر الزمان، وسيحكم بشريعة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ثم يتوفاه الله عز وجل. |
(30) حضارات وأنبياء مصر بعد طُوفان نوح عليه السلام تفرق أبناء نوح كما ذكرنا، فسام وأبناؤه توزعوا في العراق والجزيرة واليمن وغيرها، أما حام وأبناؤه فانتقلوا إلى الهند، وبعضهم إلى إفريقيا، فتفرّقوا هناك، فاستقرّ جماعة البوشمن في جنوب غرب افريقية، وكانوا وثنيين، فسلّط اللهُ عليهم الهتنتوت، ثم سيطر زنوج البانتو على الأوضاع، وهناك مَن لجأ إلى مجاهل وغابات أفريقيا، وسكن البربر في الشمال الغربي؛ وسكن المصريون القُدماء شمالاً حول نهر النيل، وكانوا جميعهم على عبادة الأوثان. |
(31) الفراعنة كانت مِصر من أخصب مناطق أفريقيا، لذا تكاثر سُكّانها، وقامت فيها دولة الفراعنة، التي ادّعى حُكّامها الأُلوهية، وسخّروا الشّعب لبناء الأهرامات الضخمة والتّماثيل، وسمُّوها حضارة وليست كذلك! في هذه الفترة قدم إبراهيم وزوجه سارة إلى مصر، وأراد فرعون اصطفائها لنفسه، فأنقذها اللهُ منه، فأعطاها هاجر هدية، وأمرهما بمغادرة مصر (كما ذكرنا سابقاً). وقد سلّط اللهُ على الفراعنة الظالمين رُعاة من بلاد الشام، فقوي أمرهم واخضعوا المنطقة، وأصبحوا مُلوُكاً، وعُرِفوا باسم الهكسوس. |
(32) يُوسُف عليه السلام في بلاد مصر في هذه الفترة أقام يوسف عليه السلام وأهله في مصر وكان يحكمها الهكسوس، وكانوا مثل سابقيهم ظالمين ومُستبدين، فرفضوا الحق فسلّط اللهُ عليهم الفراعنة، بعد أن قوي أمرهم على يد أحمس، فسيطروا على مصر وامتد نفوذهم إلى حدود العراق في زمن تحتمس الثالث ورمسيس الثاني، اللّذين حاربا الدولة الحيثيّة في الشّام وقضوا عليها، وزادت الخيرات فزاد كُفرهم وفُسوقهم. فبدأ الفراعنة في هذه الفترة بقتـل ذُكور بني إسرائيل؛ لأن الإسرائيليين أشاعوا أنه سيأتي لهم ابن يقضي على فرعون وقومه؛ قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}. (سورة القصص: 4) |
(33) الكَلِيم/ موسى عليه السلام ، وعودة بني إسرائيل إلى الشام أرسل اللهُ إلى هؤلاء جميعاً موسى بن عمران، وهو من بني إسرائيل، وأنجاه اللهُ من الذّبح، حيث ألقته أُمُّه بعد ولادته في البحر داخل صندوق بأمر الله، فوصل إلى قصر فرعون، فاتخذه ولداً عندما أصرّت زوجته آسيا على ذلك، وكان فرعون محروماً من الإنجاب، فتربّى موسى وشبّ في قَصر فرعون؛ قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}. (سورة القصص: 7، 8) ثُمّ كَبر موسى، وكان بفطرته يميل إلى قومه، وحدث قتال بين قبطي وإسرائيلي فاستنصر الإسرائيلي بموسى الذي وكز القبطي فقتـله، وكادت الحادثة أن تتكرّر، فعلم موسى أن خبره انتشر؛ قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}. (سورة القصص: 20)؛ فهَرَب إلى بلاد مدين. وهناك ساعد فتاتين على سقي أغنامهما، فعرض عليه أبوهما شعيب أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل أن يعمل عنده ثماني سنوات، فتمّ ذلك؛ وبعدها قرّر موسى أن يعود بأهله إلى مصر. وفي منطقة سيناء أوحى اللهُ إليه وبعثه إلى فرعون وملأه، ودعمه بأخيه هارون، وزوّده بالمعجزات. وقد دعا موسى فرعونَ فكذّب وعصى وادّعى أنه هو الله، وأنّ مُعجزات موسى (وهي اليدّ البيضاء والحيّة) مجرّد سِحر، وحدّد له يوماً ليجمع له السّحرة ليغلبوه؛ قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى. إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى. اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى. فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى. فَكَذَّبَ وَعَصَى. ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى. فَحَشَرَ فَنَادَى. فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى. فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}. (سورة النّازعات: 15 – 26) وفي اليوم الموعود تغلّب موسى على السّحرة وتبيّن لهم ما كانوا عليه من الباطل فآمنوا بالله، فَصَلَبهم فرعونُ وقتـلهم؛ ثم اشتدّ أذاه وبطشه لبني إسرائيل، فعاقبه اللهُ وقومه بالقَحط وبالسنوات العِجاف فلم يرتدعوا، وأنزل بهم عقوبات أخرى؛ قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}. سورة الأعراف: 133) ثم اشتد ظلم فرعون وطغيانه أكثر وأكثر، فأمر اللهُ نبيَّه موسى أن يهاجر بقومه إلى الشام، فلحقهم فرعون وجنوده، فألجأوهم إلى البحر، فضرب موسى البحر بعصاه بإذن الله، فأصبح طريقاً سهلاً فعبر وقومه، وعندما حاول فرعون وجنده العبور عاد ماءًا، فغرقوا وأهلكهم الله عزّ وجلّ؛ وأما موسى ومن معه فقد وصلوا إلى الضفة الأخرى بأمان؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ. وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}. (طه: 77 – 79) ثم طلب اليهود من موسى طعاماً فأنزل الله لهم المنّ والسّلوى، وواصل المَسِير بهم حتى وصلوا إلى منطقة جبل سيناء، فصعد موسى الجبل وأقام عليه 40 يوماً، حيث كلّمه اللهُ وأنزل عليه التَّوراة والوصايا مكتوبة في ألواح من حجر. ثُمّ عاد إلى قومه فوجدهم يعبدون عِجلاً صنعوه مِن حُلِّيهم الذهبية! فغضب غضباً شديداً، وتخلّص منه؛ وأمرهم أن يقتـل بعضهم بعضاً عقاباً لهم، بأمر من الله عزّ وجلّ، كما أخبرهم أن الله كتب عليهم التيه والضياع في صحراء سيناء 40 عاماً؛ وتُوفي هارون ثم موسى خلال هذه الفترة؛، كما ذكرنا سابقاً. |
بارك الله بمجهودك الكثير وعطاءك الكبير في اثراء المنتدى بالموضوعات القيمة والمفيدة جزاك الله خيرا اخي الفاضل مستر حاتم تحياتي وتقديري |
(34) مصر بعد الفراعنة بعد هلاك فرعون ضَعُفت دولة الفراعنة، فاحتلّ الفُرس مِصرَ سنة 305 ق.م؛ ثم أخضعها الإغريق بقيادة الإسكندر المقدوني، ثم حكمها البطالمة، وبعدهم الرُّومان، وانتشرت فيها النّصرانية وعُرف سكانها بالأقباط، واستمروا كذلك حتى جاءهم الفتح الإسلامي، وأنقذهم من الضلال. |
اقتباس:
جزاكِ الله خيراً وبارك فيكِ يا ستّ الكل يا غالية علينا شرّفتيني ونوّرتيني وأسعدتيني بمرورك الجميل وكلماتك الأجمل مع خالص التحية والشكر والتقدير لحضرتك |
|
(35) جَزيرة العَرب العَرَب هم الجنـس الأوّل الذي تلقّى الإسلامَ، وحمل ألويته ودعوته؛ فجَدير بنا أن نتعرّف عليهم أوَّلاً. يُطلق مُسمَّى العَرَب على: الأقوام التي عاشت في شبه الجزيرة العربية ... وهذه الجزيرة يمكن أن نقسّمها إلى قسمين: - قلب الجزيرة: وهي بادية، وأهم مناطقها نجد. - دائر الجزيرة: وسُكّانها حضر، وأهم مناطقها: اليمن جنوباً، وغسّان شمالاً، والإحساء والبحرين شرقاً، ثم الحجاز غرباً. أقسام العرب: الجنـس العربي هو أحد الأجنـاس السّامية، ولعله أكثرها محافظة على خصائص السّاميين، واللُّغة العَربية هي إحدى اللُّغات السّامية؛ وقد قسّم المؤرخون العَرب إلى: عرب بائدة، وعرب باقية. أولاً: عرب بائدة: أي المندثرة والفانية؛ ومنهم عاد وثمود وطسم وجديس وأصحاب الرّس وأهل مَديَن. |
اقتباس:
جزاكِ الله خيراً أستاذتنا الكريمة على الوسام المميز من حضرتك |
(36) هُودٌ عَلَيهِ السَّلاَمُ أرسلَه اللهُ إلى قوم عاد، وهم عَرَب سَكنوا في منطقة الأحقاف "حَضرمَوْت" وهي أول قبيلة عبدت الأصنام بعد الطُّوفان، وكانوا أصحاب قوة ومال ... فعمروا وشادوا وزرعوا، ثم عَتوا عن أمر ربهم، فأَرسَل لهم هُوداً وهو منهم؛ فكذّبوه ... قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ. قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}. (الأعراف: 65، 66) فكثروا وانتشروا حتى إن قحطان بن عاد وذُرّيته انتشروا في اليمن وعُرِفوا بـ (عاد الثانية) واستمروا في طغيانهم وعتوّهم حتى أهلكهم اللهُ عزّ وجلّ. قال تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}. (سورة الحاقة، الآيتان: 6 – 8) |
(37) صَالِح عَلَيهِ السَّلاَمُ أرسلَه اللهُ إلى قبيلة ثمود، الذين سكنوا في منطقة العلا (بين المَدِينة وتَبوك)، وقد كانوا بعد هَلاك عاد؛ وهم عرب أيضاً، وعبدوا الأصنام. فأرسل اللهُ إليهم نبيَّه صالحاً فدعاهم إلى التوحيد، فرفضوا، ثم طلبوا منه سُخريةً أن يُخرج لهم ناقة من صخرة صمّاء، فحقق اللهُ تعالى المعجزة، ومع ذلك استمر أكثرهم على الكفر! فقتـلوا النّاقة وبعد ثلاثة أيام جاءتهم صَيحة مِن السّماء ورَجفة شديدة من أسفلهم فأهلكتهم ... قال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا. وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}. (سورة الشمس، الآيتان: 11 – 15) |
(38) شُعَيْبٌ عَلَيهِ السَّلاَمُ أرسلَه اللهُ سبحانه وتعالى إلى أهل مدين "أصحاب الأَيكة"، وقد سَكنوا شمال غرب جزيرة العرب "تبوك وجنوب الأردن"، وكانوا فاسدين عُرفوا بقَطع الطّريق وإنقاص الكَيل والمِيزان وعبدوا شجرة ضخمة وسط الأَيكة، فعُرِفُوا بأصحاب الأيكة ... قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ}. (سورة هود، الآية: 84) فاستمروا في تكذيبهم، فأباد اللهُ جماعةً منهم بعذاب الصّيحة، وجماعةً أخرى بعذاب يوم الظُّلَّة ... قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. (سورة الشعراء، الآية: 189)؛ وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}. (سورة هود، الآية: 94) |
ثانياً: عَرَب بَاقِية: وهم الباقون حتى الآن، وهم بنو قحطان وبنو عدنان. فبَنُو قَحطَان: هم العَرب العَارِبة "العرب الأصليين"، ومَوطِنهم الأصلي جنوب الجزيرة ومنهم ملوك اليمن، والمناذرة والغساسنة، وملوك كنده، ومنهم الأزد (الذين تفرع منهم الأوس والخزرج). أمّا بنو عَدنان: فهم العَرَب المُسْتعرِبة "الذين اكتسبوا اللِّسان العربي"؛ وهم عَرب الشمال، وموطنهم الأصلي مكّة المكرّمة، وهم ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأَهمّ أبناء إسماعيل: عَدنَان، ومنه انحدرت القبائل العربية. |
مشكورين مشكورين
|
اقتباس:
شكراً جزيلاً للمرور الكريم |
(39)التّاريخ السِّياسِي للعَرَب قَبْل الإِسْلاَم كان العرب -كما ذكرنا- بدو وحضر، والفِكر السّياسي عند البَدو يختلف عنه عند الحَضَر. أولاً: قبائل البَدو: البَدو عاشوا كقبائل صغيرة متفرّقة في الصّحاري، ووَحدة القَبِيلة تربط بينها الدّم والعَصَبية ... ولم يكن سَهلاً قيام ارتباط بين عدد من القبائل لتكوين ممالِك، لطبيعة التّمرد وعدم الخضوع عند البَدو. |
(40) مملِكة كِنْدَة وهي المملكة الوحيدة التي قامت في أواسط الجزيرة العربية بين الحكم القبلي ... وكانت قصيرة العمر، وأول ملوكها: حجر آكل المرار؛ وكان تابعاً لملوك حِمَير في اليمن، واستطاع حفيده: الحارث بن عمرو أن يمد نُفوذه إلى الحيرة ... ثم انهار مُلكُهم وعادت الحياة القبلية ... ويُنسَب اِمْرُؤ القَيْس "أحد شُعَراء المُعَلّقات الجَاهِليين" إلى مُلوك كِنْدَه، وقد حاول إعادة مُلك آبائه ففشل. |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:37 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.