بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 17-04-2013 05:18 PM

أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النِّساء: 94].
قال الطَّبري: (فتبيَّنوا، يقول: فتأنَّوا في *** مَن أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فت***وا مَن الْتَبَس عليكم أمره، ولا تتقدَّموا على *** أحدٍ إلَّا على *** مَن علمتموه -يقينًا- حرْبًا لكم ولله ولرسوله) .
- وقال سبحانه: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50].
قال ابن عطيَّة: (هذا الفعل مِن يوسف -عليه السَّلام- أناةً وصبرًا وطلبًا لبراءة السَّاحة، وذلك أنَّه -فيما رُوِي- خشي أن يخرج وينال مِن الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه صفحًا، فيراه النَّاس بتلك العين أبدًا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف -عليه السَّلام- أن تَبِين براءته، وتتحقَّق منزلته مِن العفَّة والخير) .
- وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد: 4].
(خلقها في ستَّة أيام -والله أعلم- لحكمتين:... الثَّانية: أنَّ الله علَّم عباده التُّؤدة والتَّأنِّي، وأنَّ الأهم إحكام الشَّيء لا الفراغ منه، حتى يتأنَّى الإنسان فيما يصنعه، فعلَّم الله -سبحانه- عباده التَّأنِّي في الأمور التي هم قادرون عليها) .
- وقال عزَّ مِن قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].
(قرأ الجمهور: فتبيَّنوا مِن التَّبيُّن، وقرأ حمزة والكسائي: فتثبَّتوا، مِن التَّثبُّت، والمراد مِن التَّبيُّن: التَّعرُّف والتَّفحُّص، ومِن التَّثبُّت: الأناة وعدم العَجَلَة، والتَّبصُّر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتَّضح ويظهر) .

محمد رافع 52 17-04-2013 05:21 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ -أشجِّ عبد القيس-: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة)) .
قال القاضي عياض: (الأناة: تربُّصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل، والحِلْم: هذا القول الذي قاله، الدَّال على صحَّة عقله، وجودة نظره للعواقب، قلت: ولا يخالف هذا ما جاء في مسند أبي يعلى وغيره: أنَّه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ: ((إنَّ فيك خصلتين...)) الحديث، قال: يا رسول الله، كانا فيَّ أم حدثا؟ قال: ((بل قديم))، قال: قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبُّهما) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان)) .
قال المناوي: (التَّأنِّي مِن الله تعالى أي: ممَّا يرضاه ويثيب عليه، والعَجَلَة مِن الشَّيطان أي: هو الحامل عليها بوسوسته؛ لأنَّ العَجَلَة تمنع مِن التَّثبُّت، والنَّظر في العواقب) .
وقال ابن القيِّم: (العَجَلَة مِن الشَّيطان فإنَّها خفَّةٌ وطيشٌ وحدَّةٌ في العبد تمنعه مِن التَّثبُّت والوقار والحِلْم، وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشُّرور، وتمنع عنه أنواعًا من الخير) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لبثتُ في السِّجن ما لبث يوسف لأجبت الدَّاعي)) .
قال القاسمي: (مدحه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذه الأناة، كان في طي هذه المدحة بالأناة والتَّثبُّت تنزيهه وتبرئته ممَّا لعلَّه يسبق إلى الوهم أنَّه همَّ بامرأة العزيز همًّا يؤاخذ به، لأنَّه إذا صبر وتثبَّت فيما له ألَّا يصبر فيه، وهو الخروج مِن السِّجن، مع أن الدَّواعي متوافرة على الخروج منه، فلأن يصبر فيما عليه أن يصبر فيه مِن الهمِّ، أولى وأجدر) .
- وعن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: ((إنِّي ذاكر لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك)) .
قال ابن حجر: (قوله: ((فلا عليك أن لا تعجلي)). أي: فلا بأس عليك في التَّأنِّي، وعدم العَجَلَة حتى تشاوري أبويك) .
- وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التُّؤدة في كلِّ شيء خيرٌ إلَّا في عمل الآخرة)) .
قال القاري: (التُّؤدة: بضمِّ التَّاء وفتح الهمزة، أي: التَّأنِّي، ((في كلِّ شيء)) أي: مِن الأعمال. ((خيرٌ)) أي: مستحسن، ((إلَّا في عمل الآخرة)) أي: لأنَّ في تأخير الخيرات آفات. ورُوِي أنَّ أكثر صياح أهل النَّار مِن تسويف العمل. قال الطِّيبي: وذلك لأنَّ الأمور الدُّنيويَّة لا يعلم عواقبها في ابتدائها أنَّها محمودة العواقب حتى يتعجَّل فيها، أو مذمومة فيتأخر عنها، بخلاف الأمور الأخرويَّة؛ لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ – وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) .

محمد رافع 52 17-04-2013 05:29 PM

أقوال السَّلف والعلماء في التَّأنِّي
- كتب عمرو بن العاص إلى معاوية يعاتبه في التَّأنِّي، فكتب إليه معاوية: (أما بعد، فإنَّ التَّفهُّم في الخبر زيادة ورشد، وإنَّ الرَّاشد مَن رشد عن العَجَلَة، وإنَّ الخائب مَن خاب عن الأناة، وإنَّ المتثبِّت مصيب، أو كاد أن يكون مصيبًا، وإنَّ العَجِل مخطئٌ أو كاد أن يكون مخطئًا) .
- وقال مالك: (كان يُقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان، وما عَجِل امرؤٌ فأصاب، واتَّأد آخر فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أصوب رأيًا، ولا عَجِل امرؤٌ فأخطأ، واتَّأد آخر فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أيسر خطأ) .
- وقال إبراهيم بن أدهم: (ذكروا الأناة في الأشياء كلِّها، فقال الأحنف: أمَّا أنا فإذا حضرت جنازة لم أتأنَّ، وإذا وجدت كفؤًا زوَّجت ولم أتأنَّ، وإذا حضرت الصَّلاة لم أتأنَّ) .
- وقال أبو عثمان بن الحداد: (مَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة) .
- أوصى مالك بن المنذر بن مالك بنيه، فقال: (يا بنيَّ! الزموا الأناة، واغتنموا الفرصة تظفروا) .
- وقال أبو حاتم: (الخائب مَن خاب عن الأناة، والعَجِل مخطئٌ أبدًا كما أن المتثبِّت مصيبٌ أبدًا) .
- وقال أيضًا: (إنَّ العاجل لا يكاد يلحق، كما أنَّ الرَّافق لا يكاد يُسْبَق، والسَّاكت لا يكاد يندم، ومَن نطق لا يكاد يسلم، وإن العَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرِّب) .

محمد رافع 52 17-04-2013 05:31 PM

فوائد التَّأنِّي
1- دلالة على رجاحة العقل، ووفور الرَّزانة، وطمأنينة القلب.
2- يعصم الإنسان مِن الضَّلال والخطأ.
قال ابن عثيمين: (الأناة: التَّأنِّي في الأمور وعدم التَّسرُّع، وما أكثر ما يهلك الإنسان ويزلُّ بسبب التَّعجُّل في الأمور، وسواء في نقل الأخبار، أو في الحكم على ما سمع، أو في غير ذلك. فمِن النَّاس -مثلًا- مَن يتخطَّف الأخبار بمجرَّد ما يسمع الخبر يحدِّث به، ينقله،.. ومِن النَّاس مَن يتسرَّع في الحكم، سمع عن شخص شيئًا مِن الأشياء، ويتأكَّد أنَّه قاله، أو أنَّه فعله ثمَّ يتسرَّع في الحكم عليه، أنَّه أخطأ أو ضلَّ أو ما أشبه ذلك، وهذا غلط، التَّأنِّي في الأمور كلُّه خيرٌ) .
3- التَّأنِّي كلُّه خيرٌ ومحمود العاقبة في الدُّنْيا والآخرة.
4- صيانة للإنسان مِن الأخلاق المذمومة:
قال ابن القيِّم: (إذا انحرفت عن خُلُق الأناة والرِّفق انحرفت: إمَّا إلى عَجَلة وطيش و***، وإمَّا إلى تفريط وإضاعة، والرِّفق والأناة بينهما) .
5- سببٌ لنيل محبَّة الله ورضاه سبحانه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبد القيس: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة)) .
6- صيانة الإنسان مِن كيد الشَّيطان وتسلُّطه عليه:
قال صلى الله عليه وسلم: ((التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان)) .
قال الغزالي: (الأعمال ينبغي أن تكون بعد التَّبصرة والمعرفة، والتَّبصرة تحتاج إلى تأمُّل وتمهُّل، والعَجَلَة تمنع مِن ذلك، وعند الاستعجال يروِّج الشَّيطان شرَّه على الإنسان مِن حيث لا يدري) .
7- التَّريُّث عند وصول الخبر إليه:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].

محمد رافع 52 17-04-2013 05:38 PM

صور التَّأنِّي
التَّأنِّي مطلوبٌ في كثير من الأحوال والمواقف التي تمرُّ على الإنسان، ومِن هذه الأحوال التي يتطلَّب فيها التَّأنِّي:
1- عند الذهاب إلى الصَّلاة:
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ((بينما نحن نصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة الرِّجال، فلمَّا صلَّى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة. قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم بالسَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
ففي الحديثين نهي عن الاستعجال والإسراع لإدراك الصَّلاة، والأمر بالتَّأنِّي والسَّكينة في المجيء للصَّلاة والقيام لها .
2- التَّأنِّي في طلب العلم:
قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة: 16].
قال ابن القيِّم في هذه الآية: (ومِن أسرارها -سورة القيامة-: أنَّها تضمَّنت التَّأنِّي والتَّثبُّت في تلقِّي العِلْم، وأن لا يحمل السَّامع شدَّة محبَّته وحرصه وطلبه على مبادرة المعلِّم بالأخذ قبل فراغه مِن كلامه، بل مِن آداب الرَّب التي أدب بها نبيَّه أَمْرُه بترك الاستعجال على تلقِّي الوحي، بل يصبر إلى أن يفرغ جبريل مِن قراءته، ثمَّ يقرأه بعد فراغه عليه، فهكذا ينبغي لطالب العلم ولسامعه أن يصبر على معلِّمه حتى يقضي كلامه) .
3- التَّأنِّي عند مواجهة العدو في ساحة القتال:
قال النُّعمان بن مقرن للمغيرة بن شعبة -رضي الله عنهم- في تأخير القتال يوم نهاوند: ((ربَّما أشهدك الله مثلها مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم يُندِّمك، ولم يخزك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أوَّل النَّهار، انتظر حتى تهبَّ الأرواح، وتحضر الصَّلوات)) .
قال ابن حجر: (قوله: ((فلم يندِّمك)) أي: على التَّأنِّي والصَّبر حتى تزول الشَّمس) .
وقال الشَّافعي: (لا ينبغي أن يولِّي الإمام الغزو إلَّا ثقة في دينه، شجاعًا ببدنه، حسن الأناة، عاقلًا للحرب بصيرًا بها، غير عَجِلٍ ولا نَزِق، ويتقدَّم إليه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال) .
4- التَّأنِّي في الإنكار في الأمور المحتملة:
فعن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قصَّة موسى والخضر -عليهما السَّلام- وفيه-: ((فعمد الخضر إلى لوح مِن ألواح السَّفينة، فنزعه، فقال موسى: قومٌ حملونا بغير نَوْلٍ ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟! قال: ألم أقل إنَّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت، ولا ترهقني مِن أمري عسرًا)) .
قال ابن حجر: (إنَّ الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشَّرع، فإنَّ نقض لوح مِن ألواح السَّفينة لدفع الظَّالم عن غصبها، ثمَّ إذا تركها أعيد اللَّوح- جائزٌ شرعًا وعقلًا، ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظَّاهر، وقد وقع ذلك واضحًا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم، ولفظه: فإذا جاء الذي يسخِّرها فوجدها منخرقة، تجاوزها فأصلحها، فيُستفاد منه وجوب التَّأنِّي عن الإنكار في المحتملات) .
5- التَّأنِّي في التَّحدُّث مع الآخرين:
عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: ((إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث حديثًا لو عدَّه العاد لأحصاه)) . وفي لفظ: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم)) .
قال بدر الدِّين العيني: (... ((لم يكن يسرد...)). أي: لم يكن يتابع الحديث استعجالًا، أي: كان يتكلَّم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التَّأنِّي، لئلَّا يلتبس على المستمع) .
6- عند الفصل في المنازعات وإنزال العقوبات:
ففي قصَّة أمير المؤمنين عمر في قضائه بين علي بن أبي طالب والعبَّاس -رضي الله عنهما- في فيء الرَّسول صلى الله عليه وسلم مِن بني النَّضير قال لهما عمر رضي الله عنه: (اتَّئدوا) .
قال ابن حجر: (قوله: ((اتَّئدوا)). المراد: التَّأنِّي والرَّزانة) .
وقال أبو عثمان بن الحدَّاد: (القاضي شأنه الأناة والتَّثبُّت، ومَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة) .
وقال مالك بن أنس: (العَجَلَة في الفتوى نوعٌ مِن الجهل والخُرْق، قال: وكان يُـقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان) .
وقال الأصفهاني: (قال بعضهم: ينبغي للسُّلطان أن يؤخِّر العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه، ويعجِّل مكافأة المحسن، ويستعمل الأناة فيما يحدث، ففي تأخير العقوبة إمكان العفو إن أحبَّ ذلك، وفي تعجيل المكافأة بالإحْسَان مسارعة الأولياء إلى الطَّاعة) .

محمد رافع 52 17-04-2013 05:42 PM

أسباب عدم التَّأنِّي
1- الغضب والحزن الشَّديد:
روى ابن عبَّاس عن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنهم- في قصَّة اعتزال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نساءه، وفيه: ((اعتزل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت: خابت حفصة وخسرت... فخرجت فجئت إلى المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلًا، ثمَّ غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي فيها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر)) .
قال ابن حجر: (الغضب والحزن يحمل الرَّجل الوقور على ترك التَّأنِّي المألوف منه؛ لقول عمر: ثم غلبني ما أجد. ثلاث مرَّات) .
وقال ابن الجوزي: (أشدُّ النَّاس تفريطًا مَن عَمِل مبادرة في واقعة مِن غير تثبُّت ولا استشارة، خصوصًا فيما يوجبه الغضب، فإنَّه طلب الهلاك أو النَّدم العظيم. وكم مَن غَضبَ ف*** وضرب، ثمَّ لما سكن غضبه؛ بقي طول دهره في الحزن والبكاء والنَّدم! والغالب في القاتل أنَّه ي***، فتفوته الدُّنْيا والآخرة) .
2- استعجال نتائج الأمور:
العجلة طبيعة في الإنسان وهي صفة مذمومة، وهي من الشيطان، كما جاء في الحديث الذي تقدم ذكره.
قال الصنعاني: (العجلة هي السرعة في الشيء، وهي مذمومة فيما كان المطلوب فيه الأناة محمودة فيما يطلب تعجيله من المسارعة إلى الخيرات ونحوها، وقد يقال: لا منافاة بين الأناة، والمسارعة، فإن سارع بتؤدة وتأن فيتم له الأمران، والضابط أن خيار الأمور أوسطها) .
3- التَّفريط:
وذلك إذا فرَّط المرء فيما ينبغي عليه القيام به، فإنَّه يضطر للقيام به على وجه السُّرعة والعَجَلَة حتى يتدارك الأمر، وربما لا يحصل له مقصوده.
4- إجابة داعي الشَّهوات:
وقد يكون في إجابته الهلاك، فكم من شهوة أورثت حزنًا وندامة.
5- ترك استشارة ذوي الخبرة في أمور يجهلها:
وهذا الجهل يجعل الإنسان لا يحسن التَّعامل مع الأمور، فربَّما يَعْجَل فيما حقُّه التَّأنِّي، أو يتأنَّى فيما حقُّه التَّعجُّل، وهكذا.

محمد رافع 52 17-04-2013 05:45 PM

الوسائل المعينة على اكتساب صفة التَّأنِّي
1- الدُّعاء:
كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو الله بأن يهديه إلى أحسن الأخلاق، فكان مِن دعائه: ((واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرف عنِّي سيئها لا يصرف عنِّي سيئها إلَّا أنت)) .
2- النَّظر في عواقب الاستعجال:
قال أبو إسحاق القيرواني: (قال بعض الحكماء: إيَّاك والعَجَلَة؛ فإنَّ العرب كانت تكنِّيها أمَّ الندامة؛ لأنَّ صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكِّر، ويقطع قبل أن يقدِّر، ويحمد قبل أن يجرِّب، ويذمُّ قبل أن يخبر، ولن يصحب هذه الصِّفة أحدٌ إلَّا صحب النَّدامة، واعتزل السَّلامة) .
3- معرفة معاني أسماء الله وصفاته:
فمِن أسمائه سبحانه: الحليم والرَّفيق، ومِن معانيهما: التَّأنِّي في الأمور، والتَّدرج فيها، ومن ذلك إمهال الكافرين والظَّالمين، إقامة للحجَّة وقطعًا للمحجة؛ ليهلك مَن هلك عن بينة، ويحيى مَن حيَّ عن بينة .
قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [يونس: 11].
4- قراءة سيرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
فنستفيد مِن سنَّته صلى الله عليه وسلم التَّأنِّي والصَّبر على الإيذاء، قال خباب بن الأرت رضي الله عنه: ((شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسِّد بردة له في ظلِّ الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرَّجل فيمن قبلكم يُحْفر له في الأرض، فيُجْعَل فيه، فيُجَاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشَقُّ باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينه، ويُمَشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه مِن عظم أو عصب، وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليتمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الرَّاكب مِن صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلَّا الله، أو الذِّئب على غنمه، ولكنَّكم تستعجلون)) .
5- قراءة سيرة السَّلف الصَّالح:
ففي سيرة سلفنا الصَّالح نماذج كثيرة تدلُّ على تحلِّيهم بخلق التَّأنِّي، والتَّريُّث في أمورهم، فقراءة سِيَرهم تعين على الاقتداء بهم، وانتهاج طريقهم.
6- استشارة أهل الصَّلاح والخبرة:
إذا أقدم الشَّخص على أمرٍ يجهله فعليه أن يستشير أهل الصَّلاح والخبرة ولا يتعجَّل في أمره، قال تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159].
قال الماورديُّ: (الحزم لكلِّ ذي لبٍّ أن لا يبرم أمرًا ولا يمضي عزمًا إلَّا بمشورة ذي الرَّأي النَّاصح، ومطالعة ذي العقل الرَّاجح. فإنَّ الله تعالى أمر بالمشورة نبيَّه صلى الله عليه وسلم مع ما تكفَّل به مِن إرشاده، ووعد به مِن تأييده، فقال تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ.. وقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: أمره بمشاورتهم ليستنَّ به المسلمون ويتَّبعه فيها المؤمنون، وإن كان عن مشورتهم غنيًّا) .

محمد رافع 52 17-04-2013 05:47 PM

نماذج مِن تأنِّي الأنبياء والمرسلين عليهم السَّلام
نبيُّ الله يوسف عليه السَّلام:
تأنَّى نبيُّ الله يوسف -عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن الخروج مِن السِّجن حتى يتحقَّق الملك ورعيَّته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، وامتنع عن المبادرة إلى الخروج ولم يستعجل في ذلك.
قال تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50].
قال ابن عطيَّة: (هذا الفعل مِن يوسف -عليه السَّلام- أناةً وصبرًا وطلبًا لبراءة السَّاحة) .

محمد رافع 52 17-04-2013 05:50 PM

نماذج للتَّأني مِن سير الصَّحابة رضي الله عنهم
تأنِّي أبي ذر الغفاري في قصَّة إسلامه:
قال ابن عبَّاس: ((لـمَّا بلغ أبا ذر مبعث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكَّة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرَّجل الذي يزعم أنَّه يأتيه الخبر مِن السَّماء، فاسمع مِن قوله ثمَّ ائتني، فانطلق الآخر حتى قدم مكَّة، وسمع مِن قوله، ثمَّ رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشِّعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت فتزوَّد وحمل شنَّة له، فيها ماء حتى قدم مكَّة، فأتى المسجد فالتمس النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه -يعني اللَّيل- فاضطجع، فرآه عليٌّ فعرف أنَّه غريب، فلمَّا رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثمَّ احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظلَّ ذلك اليوم، ولا يرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمرَّ به عليٌّ، فقال: ما آن للرَّجل أن يعلم منزله؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثَّالث فعل مثل ذلك، فأقامه عليٌّ معه، ثمَّ قال له: ألا تحدِّثني؟ ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدنِّي، فعلتُ، ففعل، فأخبره، فقال: فإنَّه حقٌّ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتَّبعني، فإنِّي إن رأيت شيئًا أخاف عليك، قمت كأنِّي أُريق الماء، فإن مضيت فاتَّبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع مِن قوله، وأسلم مكانه)) .
فنجد في هذه القصَّة أنَّ أبا ذرٍّ رضي الله عنه لم يظهر ما يريده حتى يتحصَّل على بغيته، وقد تأنَّى رضي الله عنه في البحث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والسُّؤال عنه حتى لا تعلم به قريش، وتثنيه عن هدفه الذي مِن أجله تحمَّل المشاق والمتاعب.

محمد رافع 52 18-04-2013 04:54 PM


أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النِّساء: 94].قال الطَّبري: (فتبيَّنوا، يقول: فتأنَّوا في *** مَن أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فت***وا مَن الْتَبَس عليكم أمره، ولا تتقدَّموا على *** أحدٍ إلَّا على *** مَن علمتموه -يقينًا- حرْبًا لكم ولله ولرسوله) . - وقال سبحانه: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50].قال ابن عطيَّة: (هذا الفعل مِن يوسف -عليه السَّلام- أناةً وصبرًا وطلبًا لبراءة السَّاحة، وذلك أنَّه -فيما رُوِي- خشي أن يخرج وينال مِن الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه صفحًا، فيراه النَّاس بتلك العين أبدًا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف -عليه السَّلام- أن تَبِين براءته، وتتحقَّق منزلته مِن العفَّة والخير) .- وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد: 4].(خلقها في ستَّة أيام -والله أعلم- لحكمتين:... الثَّانية: أنَّ الله علَّم عباده التُّؤدة والتَّأنِّي، وأنَّ الأهم إحكام الشَّيء لا الفراغ منه، حتى يتأنَّى الإنسان فيما يصنعه، فعلَّم الله -سبحانه- عباده التَّأنِّي في الأمور التي هم قادرون عليها) .- وقال عزَّ مِن قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].(قرأ الجمهور: فتبيَّنوا مِن التَّبيُّن، وقرأ حمزة والكسائي: فتثبَّتوا، مِن التَّثبُّت، والمراد مِن التَّبيُّن: التَّعرُّف والتَّفحُّص، ومِن التَّثبُّت: الأناة وعدم العَجَلَة، والتَّبصُّر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتَّضح ويظهر) .


محمد رافع 52 18-04-2013 04:55 PM


ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ -أشجِّ عبد القيس-: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة)) .
قال القاضي عياض: (الأناة: تربُّصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل، والحِلْم: هذا القول الذي قاله، الدَّال على صحَّة عقله، وجودة نظره للعواقب، قلت: ولا يخالف هذا ما جاء في مسند أبي يعلى وغيره: أنَّه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ: ((إنَّ فيك خصلتين...)) الحديث، قال: يا رسول الله، كانا فيَّ أم حدثا؟ قال: ((بل قديم))، قال: قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبُّهما) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان)) .
قال المناوي: (التَّأنِّي مِن الله تعالى أي: ممَّا يرضاه ويثيب عليه، والعَجَلَة مِن الشَّيطان أي: هو الحامل عليها بوسوسته؛ لأنَّ العَجَلَة تمنع مِن التَّثبُّت، والنَّظر في العواقب) .
وقال ابن القيِّم: (العَجَلَة مِن الشَّيطان فإنَّها خفَّةٌ وطيشٌ وحدَّةٌ في العبد تمنعه مِن التَّثبُّت والوقار والحِلْم، وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشُّرور، وتمنع عنه أنواعًا من الخير) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لبثتُ في السِّجن ما لبث يوسف لأجبت الدَّاعي)) .
قال القاسمي: (مدحه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذه الأناة، كان في طي هذه المدحة بالأناة والتَّثبُّت تنزيهه وتبرئته ممَّا لعلَّه يسبق إلى الوهم أنَّه همَّ بامرأة العزيز همًّا يؤاخذ به، لأنَّه إذا صبر وتثبَّت فيما له ألَّا يصبر فيه، وهو الخروج مِن السِّجن، مع أن الدَّواعي متوافرة على الخروج منه، فلأن يصبر فيما عليه أن يصبر فيه مِن الهمِّ، أولى وأجدر) .
- وعن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: ((إنِّي ذاكر لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك)) .
قال ابن حجر: (قوله: ((فلا عليك أن لا تعجلي)). أي: فلا بأس عليك في التَّأنِّي، وعدم العَجَلَة حتى تشاوري أبويك) .
- وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التُّؤدة في كلِّ شيء خيرٌ إلَّا في عمل الآخرة)) .
قال القاري: (التُّؤدة: بضمِّ التَّاء وفتح الهمزة، أي: التَّأنِّي، ((في كلِّ شيء)) أي: مِن الأعمال. ((خيرٌ)) أي: مستحسن، ((إلَّا في عمل الآخرة)) أي: لأنَّ في تأخير الخيرات آفات. ورُوِي أنَّ أكثر صياح أهل النَّار مِن تسويف العمل. قال الطِّيبي: وذلك لأنَّ الأمور الدُّنيويَّة لا يعلم عواقبها في ابتدائها أنَّها محمودة العواقب حتى يتعجَّل فيها، أو مذمومة فيتأخر عنها، بخلاف الأمور الأخرويَّة؛ لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ – وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) .


محمد رافع 52 18-04-2013 05:00 PM

أقوال السَّلف والعلماء في التَّأنِّي
- كتب عمرو بن العاص إلى معاوية يعاتبه في التَّأنِّي، فكتب إليه معاوية: (أما بعد، فإنَّ التَّفهُّم في الخبر زيادة ورشد، وإنَّ الرَّاشد مَن رشد عن العَجَلَة، وإنَّ الخائب مَن خاب عن الأناة، وإنَّ المتثبِّت مصيب، أو كاد أن يكون مصيبًا، وإنَّ العَجِل مخطئٌ أو كاد أن يكون مخطئًا) .
- وقال مالك: (كان يُقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان، وما عَجِل امرؤٌ فأصاب، واتَّأد آخر فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أصوب رأيًا، ولا عَجِل امرؤٌ فأخطأ، واتَّأد آخر فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أيسر خطأ) .
- وقال إبراهيم بن أدهم: (ذكروا الأناة في الأشياء كلِّها، فقال الأحنف: أمَّا أنا فإذا حضرت جنازة لم أتأنَّ، وإذا وجدت كفؤًا زوَّجت ولم أتأنَّ، وإذا حضرت الصَّلاة لم أتأنَّ) .
- وقال أبو عثمان بن الحداد: (مَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة) .
- أوصى مالك بن المنذر بن مالك بنيه، فقال: (يا بنيَّ! الزموا الأناة، واغتنموا الفرصة تظفروا) .
- وقال أبو حاتم: (الخائب مَن خاب عن الأناة، والعَجِل مخطئٌ أبدًا كما أن المتثبِّت مصيبٌ أبدًا) .
- وقال أيضًا: (إنَّ العاجل لا يكاد يلحق، كما أنَّ الرَّافق لا يكاد يُسْبَق، والسَّاكت لا يكاد يندم، ومَن نطق لا يكاد يسلم، وإن العَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرِّب) .

محمد رافع 52 18-04-2013 05:04 PM

فوائد التَّأنِّي
1- دلالة على رجاحة العقل، ووفور الرَّزانة، وطمأنينة القلب.
2- يعصم الإنسان مِن الضَّلال والخطأ.
قال ابن عثيمين: (الأناة: التَّأنِّي في الأمور وعدم التَّسرُّع، وما أكثر ما يهلك الإنسان ويزلُّ بسبب التَّعجُّل في الأمور، وسواء في نقل الأخبار، أو في الحكم على ما سمع، أو في غير ذلك. فمِن النَّاس -مثلًا- مَن يتخطَّف الأخبار بمجرَّد ما يسمع الخبر يحدِّث به، ينقله،.. ومِن النَّاس مَن يتسرَّع في الحكم، سمع عن شخص شيئًا مِن الأشياء، ويتأكَّد أنَّه قاله، أو أنَّه فعله ثمَّ يتسرَّع في الحكم عليه، أنَّه أخطأ أو ضلَّ أو ما أشبه ذلك، وهذا غلط، التَّأنِّي في الأمور كلُّه خيرٌ) .
3- التَّأنِّي كلُّه خيرٌ ومحمود العاقبة في الدُّنْيا والآخرة.
4- صيانة للإنسان مِن الأخلاق المذمومة:
قال ابن القيِّم: (إذا انحرفت عن خُلُق الأناة والرِّفق انحرفت: إمَّا إلى عَجَلة وطيش و***، وإمَّا إلى تفريط وإضاعة، والرِّفق والأناة بينهما) .
5- سببٌ لنيل محبَّة الله ورضاه سبحانه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبد القيس: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة)) .
6- صيانة الإنسان مِن كيد الشَّيطان وتسلُّطه عليه:
قال صلى الله عليه وسلم: ((التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان)) .
قال الغزالي: (الأعمال ينبغي أن تكون بعد التَّبصرة والمعرفة، والتَّبصرة تحتاج إلى تأمُّل وتمهُّل، والعَجَلَة تمنع مِن ذلك، وعند الاستعجال يروِّج الشَّيطان شرَّه على الإنسان مِن حيث لا يدري) .
7- التَّريُّث عند وصول الخبر إليه:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].

محمد رافع 52 18-04-2013 05:08 PM

صور التَّأنِّي
التَّأنِّي مطلوبٌ في كثير من الأحوال والمواقف التي تمرُّ على الإنسان، ومِن هذه الأحوال التي يتطلَّب فيها التَّأنِّي:
1- عند الذهاب إلى الصَّلاة:
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ((بينما نحن نصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة الرِّجال، فلمَّا صلَّى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة. قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم بالسَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
ففي الحديثين نهي عن الاستعجال والإسراع لإدراك الصَّلاة، والأمر بالتَّأنِّي والسَّكينة في المجيء للصَّلاة والقيام لها .
2- التَّأنِّي في طلب العلم:
قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة: 16].
قال ابن القيِّم في هذه الآية: (ومِن أسرارها -سورة القيامة-: أنَّها تضمَّنت التَّأنِّي والتَّثبُّت في تلقِّي العِلْم، وأن لا يحمل السَّامع شدَّة محبَّته وحرصه وطلبه على مبادرة المعلِّم بالأخذ قبل فراغه مِن كلامه، بل مِن آداب الرَّب التي أدب بها نبيَّه أَمْرُه بترك الاستعجال على تلقِّي الوحي، بل يصبر إلى أن يفرغ جبريل مِن قراءته، ثمَّ يقرأه بعد فراغه عليه، فهكذا ينبغي لطالب العلم ولسامعه أن يصبر على معلِّمه حتى يقضي كلامه) .
3- التَّأنِّي عند مواجهة العدو في ساحة القتال:
قال النُّعمان بن مقرن للمغيرة بن شعبة -رضي الله عنهم- في تأخير القتال يوم نهاوند: ((ربَّما أشهدك الله مثلها مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم يُندِّمك، ولم يخزك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أوَّل النَّهار، انتظر حتى تهبَّ الأرواح، وتحضر الصَّلوات)) .
قال ابن حجر: (قوله: ((فلم يندِّمك)) أي: على التَّأنِّي والصَّبر حتى تزول الشَّمس) .
وقال الشَّافعي: (لا ينبغي أن يولِّي الإمام الغزو إلَّا ثقة في دينه، شجاعًا ببدنه، حسن الأناة، عاقلًا للحرب بصيرًا بها، غير عَجِلٍ ولا نَزِق، ويتقدَّم إليه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال) .
4- التَّأنِّي في الإنكار في الأمور المحتملة:
فعن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قصَّة موسى والخضر -عليهما السَّلام- وفيه-: ((فعمد الخضر إلى لوح مِن ألواح السَّفينة، فنزعه، فقال موسى: قومٌ حملونا بغير نَوْلٍ ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟! قال: ألم أقل إنَّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت، ولا ترهقني مِن أمري عسرًا)) .
قال ابن حجر: (إنَّ الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشَّرع، فإنَّ نقض لوح مِن ألواح السَّفينة لدفع الظَّالم عن غصبها، ثمَّ إذا تركها أعيد اللَّوح- جائزٌ شرعًا وعقلًا، ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظَّاهر، وقد وقع ذلك واضحًا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم، ولفظه: فإذا جاء الذي يسخِّرها فوجدها منخرقة، تجاوزها فأصلحها، فيُستفاد منه وجوب التَّأنِّي عن الإنكار في المحتملات) .
5- التَّأنِّي في التَّحدُّث مع الآخرين:
عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: ((إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث حديثًا لو عدَّه العاد لأحصاه)) . وفي لفظ: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم)) .
قال بدر الدِّين العيني: (... ((لم يكن يسرد...)). أي: لم يكن يتابع الحديث استعجالًا، أي: كان يتكلَّم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التَّأنِّي، لئلَّا يلتبس على المستمع) .
6- عند الفصل في المنازعات وإنزال العقوبات:
ففي قصَّة أمير المؤمنين عمر في قضائه بين علي بن أبي طالب والعبَّاس -رضي الله عنهما- في فيء الرَّسول صلى الله عليه وسلم مِن بني النَّضير قال لهما عمر رضي الله عنه: (اتَّئدوا) .
قال ابن حجر: (قوله: ((اتَّئدوا)). المراد: التَّأنِّي والرَّزانة) .
وقال أبو عثمان بن الحدَّاد: (القاضي شأنه الأناة والتَّثبُّت، ومَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة) .
وقال مالك بن أنس: (العَجَلَة في الفتوى نوعٌ مِن الجهل والخُرْق، قال: وكان يُـقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان) .
وقال الأصفهاني: (قال بعضهم: ينبغي للسُّلطان أن يؤخِّر العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه، ويعجِّل مكافأة المحسن، ويستعمل الأناة فيما يحدث، ففي تأخير العقوبة إمكان العفو إن أحبَّ ذلك، وفي تعجيل المكافأة بالإحْسَان مسارعة الأولياء إلى الطَّاعة)

محمد رافع 52 18-04-2013 05:11 PM

أسباب عدم التَّأنِّي

1- الغضب والحزن الشَّديد:
روى ابن عبَّاس عن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنهم- في قصَّة اعتزال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نساءه، وفيه: ((اعتزل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت: خابت حفصة وخسرت... فخرجت فجئت إلى المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلًا، ثمَّ غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي فيها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر)) .
قال ابن حجر: (الغضب والحزن يحمل الرَّجل الوقور على ترك التَّأنِّي المألوف منه؛ لقول عمر: ثم غلبني ما أجد. ثلاث مرَّات) .
وقال ابن الجوزي: (أشدُّ النَّاس تفريطًا مَن عَمِل مبادرة في واقعة مِن غير تثبُّت ولا استشارة، خصوصًا فيما يوجبه الغضب، فإنَّه طلب الهلاك أو النَّدم العظيم. وكم مَن غَضبَ ف*** وضرب، ثمَّ لما سكن غضبه؛ بقي طول دهره في الحزن والبكاء والنَّدم! والغالب في القاتل أنَّه ي***، فتفوته الدُّنْيا والآخرة) .
2- استعجال نتائج الأمور:
العجلة طبيعة في الإنسان وهي صفة مذمومة، وهي من الشيطان، كما جاء في الحديث الذي تقدم ذكره.
قال الصنعاني: (العجلة هي السرعة في الشيء، وهي مذمومة فيما كان المطلوب فيه الأناة محمودة فيما يطلب تعجيله من المسارعة إلى الخيرات ونحوها، وقد يقال: لا منافاة بين الأناة، والمسارعة، فإن سارع بتؤدة وتأن فيتم له الأمران، والضابط أن خيار الأمور أوسطها) .
3- التَّفريط:
وذلك إذا فرَّط المرء فيما ينبغي عليه القيام به، فإنَّه يضطر للقيام به على وجه السُّرعة والعَجَلَة حتى يتدارك الأمر، وربما لا يحصل له مقصوده.
4- إجابة داعي الشَّهوات:
وقد يكون في إجابته الهلاك، فكم من شهوة أورثت حزنًا وندامة.
5- ترك استشارة ذوي الخبرة في أمور يجهلها:
وهذا الجهل يجعل الإنسان لا يحسن التَّعامل مع الأمور، فربَّما يَعْجَل فيما حقُّه التَّأنِّي، أو يتأنَّى فيما حقُّه التَّعجُّل، وهكذا.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:49 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.